ترجمات

المناورات الجوية بين مصر والصين تعكس تصاعد التنسيق الاستراتيجي بين البلدين

تمثل المناورات المشتركة بين مصر والصين، تحت اسم “نسور الحضارة”، تحولًا لافتًا في توجهات القاهرة نحو استراتيجية متعددة الأقطاب، في إشارة إلى تزايد تململها من السياسات الأمريكية من جهة، وتصاعد النفوذ الصيني في الشرق الأوسط من جهة أخرى.

 

كتب الباحث في الشؤون العسكرية يعقوب لابين أن مصر أعلنت رسميًا في 19 أبريل عن انطلاق مناورات جوية مشتركة مع الصين تحت اسم “نسور الحضارة – 2025″، بمشاركة مقاتلات متعددة المهام من سلاحَي الجو المصري والصيني، في خطوة تُجسّد تعمقًا ملحوظًا في العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وبكين، وتسلّط الضوء على تحولات جيوسياسية بارزة تشهدها منطقة الشرق الأوسط.

 

وأوضح الباحث في مقال له على موقع معهد القدس للاستراتيجية والأمن، ووفقًا لما نشره الموقع الرسمي للجيش الصيني في 21 أبريل، فإن “القوات الصينية المشاركة وصلت إلى الموقع المحدد في 15 أبريل بعد رحلة امتدت نحو 6,000 كيلومتر، عبرت خلالها عدة دول. وتُعد هذه المناورة أول تدريب مشترك بين القوات الجوية الصينية والمصرية، وتهدف إلى تعزيز القدرات الفنية والتكتيكية للطرفين، وتمثل أهمية كبيرة في دعم التعاون العملي وبناء الثقة وتعزيز الصداقة بين الجيشين.”

 

 

تعزيز التنسيق القتالي بين مصر والصين

 

ذكر الموقع الرسمي للهيئة العامة للاستعلامات المصرية أن “التمرين، وفقًا للجيش، يهدف إلى توحيد استراتيجيات القتال، حيث تشكل الطلعات الجوية المشتركة وتدريبات تخطيط المهام جزءًا أساسيًا من البرنامج. ويهدف التدريب إلى تعزيز التنسيق العملياتي وتبادل الخبرات بين القوات الجوية للبلدين، بالإضافة إلى رفع جاهزية الطيارين والأطقم لمواجهة مختلف سيناريوهات القتال.”

 

ورغم أن مصر لم تُعلن رسميًا عن أنواع الطائرات المشاركة في المناورات، فإن موقع التلفزيون الصيني الرسمي (CCTV) نشر صورة في 19 أبريل 2025 تُظهر مقاتلة مصرية من طراز “ميغ-29” وأخرى صينية من طراز “J-10C” تحلقان فوق قاعدة “وادي أبو ريش” الجوية، جنوب شرق القاهرة.

 

وأشار الباحث في الشؤون العسكرية يعقوب لابين، لا تقتصر المناورات الجوية المشتركة بين مصر والصين على كونها منصة للتعاون العسكري الفني، بل تحمل في طياتها رسالة استراتيجية واضحة تعكس توجه القاهرة نحو تنويع شراكاتها الدولية، بعيدًا عن الاعتماد التقليدي على الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، تبرز هذه المناورات تنامي النفوذ الصيني المتزايد، والذي يعتمد حتى الآن على استثمارات اقتصادية ضخمة، وليس على حضور عسكري مباشر.

 

وبحسب الهيئة العامة للاستعلامات، انطلقت التدريبات المشتركة بمشاركة وحدات من القوات الجوية المصرية ونظيرتها الصينية في عدد من القواعد الجوية داخل مصر. وأشار البيان إلى وصول الطائرات المقاتلة الصينية والوفود المرافقة لها، حيث كان في استقبالهم عدد من كبار القادة العسكريين المصريين.

 

شاركت مجموعة من المقاتلات متعددة المهام من كلا الجانبين في المناورات، كما أظهرت الصور المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي مقاتلات صينية من طراز J-10C وهي تشارك في التمرين داخل الأراضي المصرية.

 

وبالنسبة لمصر، شكّلت هذه المناورات خطوة استراتيجية موجهة لعدة أطراف، في مقدمتها الولايات المتحدة، إذ جاءت بمثابة رسالة واضحة تفيد بأن القاهرة تمتلك بدائل حقيقية في مجال التعاون الأمني، وتسير بخطى ثابتة نحو تنويع علاقاتها الخارجية وتوسيع خياراتها الدبلوماسية.

 

فتور في العلاقات مع واشنطن وسط تحولات إقليمية

 

وأوضح لابين، على مدى عقود، شكّلت العلاقات العسكرية الوثيقة بين القاهرة وواشنطن ركيزة أساسية للتعاون بين البلدين، مدعومة بمساعدات أمريكية سخية بدأت بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979. غير أن هذه العلاقة كانت دومًا مشروطة سياسياً، ومحاطة برقابة أمريكية أثارت استياء القيادات المصرية المتعاقبة، بما في ذلك الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي.

 

لكن التوتر القائم اليوم بين القاهرة وواشنطن لم يعد ناتجًا فقط عن القيود والشروط التقليدية، بل تصاعد بشكل خاص عقب دعوة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى نقل سكان غزة خارج القطاع، ومطالبته السابقة لكل من مصر والأردن باستيعاب أعداد كبيرة من الفلسطينيين، وهي دعوات قوبلت برفض قاطع من الجانب المصري.

 

 

مصر تختبر شراكات عسكرية بديلة

 

من خلال مشاركتها العلنية في مناورات جوية مع سلاح الجو التابع لجيش التحرير الشعبي الصيني، وجّهت القاهرة رسالة سياسية واضحة: لم تعد رهينة الشراكة الأحادية مع الغرب، وهي منفتحة اليوم على تعزيز علاقاتها مع قوى دولية صاعدة مثل الصين.

 

وتحمل هذه المناورات دلالات تتجاوز الجانب التدريبي، إذ تفتح المجال أمام تعاون دفاعي أوسع، وربما صفقات تسليحية مستقبلية. فرغم اعتماد مصر الطويل على مقاتلات F-16 الأميركية كركيزة لقوتها الجوية، إلا أنها باتت تشغل أيضًا طائرات رافال الفرنسية وميغ-29 الروسية، وسط تقارير متواترة عن اهتمام متزايد بإضافة مقاتلات صينية من طراز J-10C إلى أسطولها.

 

وأشار الباحث في الشؤون العسكرية يعقوب لابين، ويمنح التدريب المشترك الطيارين والقيادات المصرية فرصة نادرة لاختبار الكفاءة التشغيلية لمنصات قتالية أجنبية على أرض الواقع، بعيدًا عن الضغوط السياسية التي كثيرًا ما صاحبت صفقات السلاح الغربية، ما يتيح لمصر اتخاذ قرارات سيادية مدروسة بشأن مستقبل تسليحها الجوي.

 

أما من منظور بكين، فتندرج مناورات “نسور الحضارة – 2025” ضمن استراتيجية أوسع تهدف إلى توسيع النفوذ الصيني في الشرق الأوسط عبر أدوات اقتصادية ودبلوماسية، مع تجنّب الانخراط العسكري المباشر الذي طالما طبع الوجود الأميركي في المنطقة.

 

وتُدرك الصين أن لمصر أهمية محورية، ليس فقط لموقعها الجغرافي الذي يربط قارتي آسيا وأفريقيا، ولا لسيطرتها على الممر العالمي الحيوي لقناة السويس فحسب، بل أيضًا لثقلها السياسي في العالم العربي، ما يجعلها شريكًا استراتيجيًا لا غنى عنه في معادلة النفوذ الصيني المتنامي.

 

شراكة استراتيجية تمتد من الاقتصاد إلى الأمن

 

نجحت الصين في ترسيخ علاقاتها مع مصر من خلال استثمارات هائلة في البنية التحتية، تحت مظلة مبادرة “الحزام والطريق” (BRI). فقد فازت شركات صينية بعقود ضخمة لتنفيذ مشاريع محورية، من بينها بناء أجزاء واسعة من العاصمة الإدارية الجديدة شرق القاهرة، وتطوير مناطق رئيسية داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس (SCZONE).

 

ولا تقتصر أهمية هذه المشاريع على العوائد الاقتصادية المباشرة لمصر، بل تُكرّس في الوقت ذاته حضورًا صينيًا عميقًا في مفاصل البنية التحتية للبلاد. وقد أضفت المناورات الجوية المشتركة بين الجانبين بُعدًا أمنيًا على ما بات يُعرف بـ”الشراكة الاستراتيجية الشاملة”، مما يعزز صورة الصين كقوة عالمية قادرة على تقديم الدعم الأمني دون الحاجة إلى قواعد عسكرية دائمة أو انتشار عسكري كثيف على غرار النموذج الأميركي.

 

الاستثناء الأبرز حتى الآن هو ما تردد عن بناء قاعدة عسكرية صينية في ميناء خليفة بالإمارات، وهو مشروع أثار غضبًا شديدًا في واشنطن. وتُضاف هذه الخطوة إلى وجود عسكري صيني آخر يتمثل في قاعدة بحرية في جيبوتي على ساحل القرن الإفريقي، وهي أول قاعدة عسكرية للصين خارج حدودها.

 

وكتب الباحث في الشؤون العسكرية يعقوب لابين، تتحرك بكين بخطوات محسوبة لبناء نفوذها الإقليمي، من خلال النفاذ الاقتصادي والتعاون الأمني المدروس، في وقت تحاول فيه الولايات المتحدة تقليص انخراطها في الشرق الأوسط لصالح التركيز على المحيط الهادئ والتصدي للصعود العسكري الصيني هناك.

 

في هذا السياق، تعكس الشراكة المتنامية بين مصر والصين، والمناورات العسكرية الأخيرة، توجّهًا إقليميًا أوسع تتبناه العديد من دول الشرق الأوسط، يقوم على إعادة النظر في تحالفاتها التقليدية، والسعي إلى التوازن بين القوى الكبرى في عالم يتجه نحو التعددية القطبية.

 

 

فتور العلاقات مع واشنطن وصعود الشراكة مع بكين

 

نجحت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى حدٍّ كبير، في ترميم صورتها لدى الحلفاء العرب السنّة، بفضل دعمها العسكري المتواصل ضد الحوثيين في اليمن. غير أن العودة إلى طاولة التفاوض مع إيران بشأن ملفها النووي أطلقت مجددًا موجة من الشكوك في العواصم العربية بشأن جدّية واشنطن في مواصلة قيادة المعسكر العربي الموالي لها.

 

في هذا السياق، جاءت خطوة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتأجيل زيارته المقررة إلى واشنطن في فبراير 2025 إلى أجل غير مسمّى، لتكشف عمق التوتر بين الجانبين. وأبرز أسباب هذا التوتر كان إصرار ترامب على مطالبة مصر بقبول أعداد كبيرة من الفلسطينيين من قطاع غزة، وهي دعوة رفضتها القاهرة بشكل قاطع، واعتبرتها تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي.

 

وفي المقابل، يتحضّر الرئيس الأميركي لزيارة كل من السعودية، والإمارات، وقطر في منتصف مايو، ضمن جولة إقليمية تهدف لتعزيز الشراكات الخليجية. ووفقًا لتقرير نشرته وكالة “رويترز” في 24 أبريل، من المتوقع أن يعرض على الرياض صفقة تسليح ضخمة تتجاوز قيمتها 100 مليار دولار. ويبدو أن هذه الجولة تركز بشكل أساسي على تحصين العلاقات الخليجية، دون مؤشرات على تحرّك موازٍ لإعادة ترميم العلاقة مع القاهرة.

 

ورغم استمرار الولايات المتحدة كشريك أمني رئيسي لمصر، فإن التغيرات في أولويات واشنطن، إلى جانب رغبة القاهرة في بناء هامش أكبر من الاستقلالية الاستراتيجية، دفعت مصر إلى توسيع نطاق شراكاتها الدولية — وفي مقدمتها الصين.

 

بكين، من جهتها، تُجيد اللعب في هذا الفراغ، مقدّمة نفسها كشريك اقتصادي وسياسي غير متدخل، قادر على ملء الفراغات التي يخلّفها تراجع النفوذ الغربي. فاستثمارات الصين الضخمة في إطار مبادرة “الحزام والطريق” لم تُترجم فقط إلى مشاريع بنية تحتية كبرى، بل باتت مدخلًا حقيقيًا نحو بناء نفوذ سياسي، بل وحتى أمني، في منطقة الشرق الأوسط.

 

وأشار الباحث في الشؤون العسكرية يعقوب لابين في مقاله على موقع معهد القدس للاستراتيجية والأمن، وفي هذا الإطار، تندرج المناورات الجوية المشتركة مع مصر، التي أضافت بعدًا أمنيًا جديدًا إلى ما يُعرف بـ”الشراكة الاستراتيجية الشاملة”، دون أن تحتاج بكين إلى قواعد دائمة أو انتشار عسكري مكثف كما تفعل واشنطن. ورغم أن الصين تمتلك قاعدة عسكرية في جيبوتي، وتُتهم ببناء قاعدة أخرى في ميناء خليفة الإماراتي — ما أثار غضبًا أميركيًا — إلا أن استراتيجيتها تظل قائمة على التأثير بهدوء، لا التصعيد.

 

أما في الداخل المصري، فبينما تلتزم القاهرة بسلام بارد مع إسرائيل، فإن تسارع وتيرة التسلّح وبناء البنية التحتية العسكرية، خصوصًا في شبه جزيرة سيناء، يثير تساؤلات حول طبيعة التهديدات التي تستعد مصر لمواجهتها. في ظل عالم يتجه نحو التعددية القطبية، يبدو أن القاهرة تعيد تموضعها لتصبح فاعلًا مستقلًا في معادلة دولية متغيرة.

ويشير المعهد إلى أن القاهرة تبعث برسالة لا لبس فيها: أي تحرك لتهجير أعداد كبيرة من الفلسطينيين من غزة إلى سيناء سيُشكل تهديدًا جسيمًا لاتفاقية السلام مع إسرائيل، وربما يؤدي فعليًا إلى إلغائها. وفي خلفية هذا التحذير، يلوح شبح اضطرابات داخلية محتملة، لا سيما مع بقاء سيناريو “الثورة الإسلامية” قائمًا في أذهان صناع القرار، خصوصًا بعد تجربة صعود جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع.

 

على الجانب الآخر، تبقى أولويات إسرائيل واضحة: الحفاظ على التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة باعتباره الركيزة الأساسية لقدراتها العسكرية ومكانتها الإقليمية، وخصوصًا في مواجهة قوى بحجم مصر.

 

من هذا المنطلق، فإن أي تقارب بين إسرائيل وبكين يجب أن يظل محكومًا باعتبار مركزي، وهو عدم المساس بثبات ومتانة العلاقة مع واشنطن. فمعادلة الردع الإسرائيلي ترتكز إلى حد كبير على الحضور الأميركي القوي في المنطقة.

 

لكن تنامي النفوذ الصيني في الشرق الأوسط، خصوصًا من خلال العلاقات الوثيقة مع خصوم إسرائيل التقليديين مثل إيران — التي تُصدّر ما يقارب 90% من نفطها إلى الصين — يثير قلقًا متزايدًا في تل أبيب. فكل إشارة إلى تراجع الدور الأميركي في الإقليم تُقرأ إسرائيليًا بوصفها تقويضًا لميزان الردع، وتهديدًا لمكانة إسرائيل الاستراتيجية في معادلة إقليمية آخذة في التحول.

 

رابط المصدر:

 

Egypt-China Air Drill Signals Deepening Strategic Alignment

 

 

 

Hosam Sabri
مترجم صحفي، خبير في ترجمة وتحليل التقارير الصحفية، والمواد الصحفية ذات الطابع الاستقصائي، ملتزمًا بالدقة والموضوعية.

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية