تحليلات

جذب الاستثمارات على حساب “استنزاف النيل”

ارتباطُ المصريين بنهر النيل ارتباط مصيريّ، فهو شريانُ الحياةِ والمصدرُ المائي الوحيدُ الذي يمكننا الاعتمادُ عليه. في ظل الفقر المائي الحادِّ الذي تعانيه مصر، فإن نصيبَ الفرد من المياه (500 متر مكعب سنويًّا) يُعَدُّ نصفَ ما يحتاجه الفردُ.”

 

فيما أكد الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، أن الدولة تشجع الاستثمار على ضفاف النيل، سواء من خلال إنشاء منتجعات أو نوادٍ أو حتى تشغيل بواخر نيلية، مشيرًا إلى أن هذه الأنشطة مرحب بها طالما لم تُخلّ بالأولويات الاستراتيجية لاستخدام المياه.

 

ضوابط استخدام النيل

 

وأوضح شراقي في تصريحات لمنصة “MENA“، أن إقامة مشروعات تحتاج إلى المياه مثل المصانع ليست محل اعتراض، طالما كان الاستخدام رشيدًا. لكنه في المقابل شدد على رفض استخدام مياه النيل في ملاعب الجولف، أو إنشاء حمامات سباحة، أو قنوات مائية داخل الفيلات، معتبرًا أن هذه الاستخدامات تمثل إهدارًا غير مبرر لمورد مائي حيوي.

 

وقال شراقي: “مصر دولة صحراوية، وتعاني من درجات حرارة مرتفعة ونسبة بخر عالية جدًا، ما يؤدي إلى فقدان كميات كبيرة من مياه نهر النيل وفروعه كدمياط ورشيد، وكذلك الترع. ونحن مضطرون لاستخدام هذه الترع لضمان وصول المياه للأراضي الزراعية ولمياه الشرب، وهو الاستخدام الصحيح والمقبول.”

 

وأضاف: “لا يمكن توصيل مياه النيل خصيصًا إلى منتجعات سياحية، لأن معدلات البخر في هذه الحالات تكون مرتفعة جدًا. نعم، نرحب باستخدام المياه لزيادة الرقعة الزراعية، مثل مشروع الدلتا الجديدة أو أي مشروع تنموي يخدم الزراعة.”

 

واعتبر شراقي أن مياه النيل مخصصة للشرب والزراعة فقط، وأنه لا يجب استخدامها في الأنشطة الترفيهية. وقال: “نصيب الفرد من المياه في مصر لا يتجاوز حاليًا 500 متر مكعب سنويًا، وهو ما يمثل 50% فقط من الاحتياج الفعلي، وبالتالي لا نملك رفاهية توزيع المياه على الاستخدامات غير الأساسية. كذا يمكن الاعتماد على بدائل مثل المياه الجوفية أو محطات التحلية لتلبية احتياجات المنتجعات من المياه، دون الضغط على موردنا الرئيسي، نهر النيل.

 

طبيعة استهلاك المياه في المشروعات

 

وواصل شراقي: “البعض يظن أن استهلاك المياه في هذه المشروعات قليل، لكن الواقع أن عرض مجرى مائي صناعي داخل مشروع سكني يصل إلى 250 مترًا يؤدي إلى تبخر كميات ضخمة من المياه، تفوق بكثير تلك التي تتبخر من قنوات بعرض 10 أو 20 مترًا. الفرق هنا كبير، ولا يجب مقارنته بمشروعات بحرية حيث المياه المالحة متوفرة”.

 

وأضاف: “مياه النيل مورد محدود، ونحن بالفعل نستورد 50% من احتياجاتنا الغذائية بسبب نقص المياه، ولذلك لا توجد رفاهية في استخدامها داخل مشروعات سكنية ذات طابع ترفيهي”. وأوضح أن الاستثمار في مبانٍ سكنية تطل على النيل دون أن تستهلك من مياهه لا مانع فيه، بل يمكن أن يكون جاذبًا اقتصادياً إذا التزم بضوابط وزارة الري.

 

وفي السياق ذاته، شدد شراقي على أهمية الدور التنظيمي لوزارة الموارد المائية والري، قائلًا: “لا يجوز إنشاء قنوات أو حفر آبار أو نقل المياه من النيل لأي غرض دون موافقة وزارة الري، فهي الجهة الوحيدة القادرة على تنظيم حركة المياه وتوزيعها بما يتناسب مع احتياجات الدولة الحقيقية”.

 

وأشار إلى أن هناك أمثلة على تصميمات عمرانية ناجحة في مناطق لا تعتمد على مياه النيل، مثل منتجعات مارينا والساحل الشمالي، حيث تم استخدام المياه المالحة والمسطحات الصناعية لتجميل البيئة العمرانية دون الضغط على الموارد المائية العذبة.

 

وأضاف: “الجزر الواقعة داخل مجرى نهر النيل لا تُعد أراضي زراعية دائمة، مشيرًا إلى أنها كانت قبل بناء السد العالي، تُغرق سنويًا خلال فترات الفيضان، ما يجعل الاعتماد عليها في الزراعة أمرًا غير مضمون”.

 

وأوضح شراقي أن مساحة هذه الجزر محدودة للغاية، ولا تُعد ذات تأثير حقيقي على الإنتاج الزراعي الوطني، بل تقتصر أهميتها على بعض الأفراد الذين تعودوا زراعتها بشكل موسمي. وأضاف: “بعض الفلاحين يستأجرون هذه الجزر من وزارة الري باعتبارها أراضي طرح نهر، وهي ليست أراضي قابلة للزراعة الدائمة، وقد تغمرها المياه في أي وقت”.

 

وأشار إلى أن الاستفادة المثلى من هذه الجزر يمكن أن تكون من خلال إقامة مشروعات غير زراعية، مثل قرى سياحية أو فنادق أو مشروعات سكنية صغيرة، وهو ما يمكن أن يدر دخلًا أكبر على الدولة مقارنة باستخدامها في الزراعة.

 

وأكد شراقي أن أي أنشطة عمرانية أو سياحية تُقام على جزر النيل يجب أن تلتزم بالشروط البيئية والضوابط القانونية، خاصة ما يتعلق بالصرف الصحي. وقال: “مثلما هو الحال مع البواخر النيلية، هناك قوانين صارمة تحظر إلقاء أي ملوثات في مياه النيل، ويجب أن تكون هناك آليات لمعالجة الصرف قبل تصريفه”.

 

جذب الاستثمارات

 

قال الخبير الاقتصادي المصري مصطفى بدرة، إن الدولة تسعى إلى جذب المزيد من الاستثمارات العقارية، وخاصة الأجنبية، لما لها من دور محوري في دعم الاقتصاد وتوفير فرص عمل، فضلًا عن تحسين البنية التحتية ورفع القيمة السوقية للأراضي والمباني.

 

وأضاف بدرة، لمنصة “MENA”، أن توجه الدولة نحو تطوير المناطق الحيوية يساهم في تحسين صورة مصر الاستثمارية أمام العالم، ويشجع رؤوس الأموال الأجنبية على ضخ استثمارات جديدة في قطاع العقارات، الذي يعتبر من أكثر القطاعات استقرارًا وربحية في السوق المصري.

 

ويصعب تحديد تاريخ دقيق لبداية الاستثمار على ضفاف النيل في مصر، إذ إن هذه العملية تمتد عبر سنوات طويلة من الاهتمام المتواصل باستغلال هذا الشريط المائي الفريد. فقد شكل نهر النيل عبر التاريخ محورًا هامًا للأنشطة الاقتصادية والسياحية، ما جعله وجهة طبيعية للاستثمار.

 

وفي عام 2023، برزت مؤشرات جديدة على هذا التوجه، حين قام جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة بطرح أراضٍ على ضفاف النهر بهدف استغلالها في مشروعات سياحية واستثمارية. كما تعود بعض المبادرات التعاونية في هذا المجال إلى عام 2006، حيث شهدت العلاقات المصرية السودانية شراكات استثمارية على امتداد النيل.

 

ويحظى الاستثمار العقاري على ضفاف النيل باهتمام واسع، باعتباره من أكثر القطاعات جذبًا، لما توفره هذه المواقع من مزايا طبيعية وإطلالات مميزة تزيد من قيمتها السوقية.

 

وبناءً على ذلك، يمكن القول إن الاستثمار على ضفاف النيل ليس حدثًا آنياً، بل هو مسار طويل ومستمر، يتجدد مع كل مرحلة من مراحل التنمية، دون أن تكون له نقطة انطلاق يمكن تأريخها بدقة

 

تعويض نقص العملة

 

أكدت الدكتورة هدى الملاح، الخبيرة الاقتصادية، أن جذب الاستثمار الأجنبي أصبح ضرورة ملحة في ظل شُح الدولار وتراجع إيرادات قناة السويس بسبب الحرب في غزة والصراع بين الحوثيين وإسرائيل. وأشارت إلى أن الاستثمار الأجنبي لا يساهم فقط في إدخال عملات صعبة، بل يسهم كذلك في تحفيز الاقتصاد الوطني وخلق فرص عمل للشباب.

 

وأوضحت الملاح لمنصة “MENA”، أن الاستثمارات الأجنبية، خاصة في قطاع العقارات، توفر فرص تشغيل واسعة داخل مصر، بدءًا من عمال البناء والمهندسين إلى أصحاب المحاجر وموردي الحديد والمواد الخام، إلى جانب أصحاب الخدمات المرتبطة بهذا القطاع، مما يساهم في تقليل معدلات البطالة بشكل كبير.

 

وأضافت: “نحن الآن في أمسّ الحاجة للاستثمارات الأجنبية، فهي تمثل بديلًا مهمًا لتعويض تراجع مصادر النقد الأجنبي مثل قناة السويس. كما أن هذه الاستثمارات تُنشّط الاقتصاد من الداخل وتفتح فرصًا لتبادل تجاري حقيقي بين مصر والدول الخليجية، خاصة عندما يكون المستثمرون الخليجيون حاضرين في السوق المصري”.

 

وشددت الملاح على أن الدولة المصرية تفتح أبوابها لكافة المستثمرين دون تمييز، سواء كانوا مصريين أو أجانب، قائلة: “سواء كان المستثمر نجيب ساويرس أو هشام طلعت مصطفى أو مستثمرًا خليجيًا، فالجميع متساوون أمام الدولة، ولا توجد تفرقة أو انحياز. الدولة تسعى لتسهيل مناخ الاستثمار للجميع، لما لذلك من انعكاسات إيجابية على الاقتصاد المصري بشكل عام”

 

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية