في أول تحرك مباشر تجاه القضية السودانية من قِبل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عقدت المجموعة الرباعية الدولية اجتماعاً لمناقشة تطورات الحرب في السودان وسبل إنهائها، وذلك في العاصمة الأمريكية واشنطن، بمشاركة مصر للمرة الأولى بديلاً عن بريطانيا. وهو ما يُعد، بحسب محللين، تطوراً جديداً في دور مصر لحل الأزمة السودانية، التي تحاول منذ اندلاعها عقب إسقاط حكومة البشير عام 2019، وانتهاءً بالحرب الدائرة منذ عامين، التي خلفت أكثر من 150 ألف قتيل، وآلاف اللاجئين الذين تحملت مصر الجزء الأكبر منهم.
ضم الاجتماع نائب وزير الخارجية الأمريكي كريستوفر لاندو، والمستشار الأول لشؤون إفريقيا مسعد بولس، إلى جانب سفراء دول الرباعية (الإمارات، السعودية، مصر) لدى الولايات المتحدة: يوسف العتيبة، ريما بنت بندر آل سعود، ومعتز زهران، على الترتيب.
أكد بيان صادر عن الخارجية الأمريكية أن المشاركين أجمعوا على أن الصراع في السودان يهدد المصالح المشتركة للمنطقة ويُفاقم الأزمة الإنسانية. وأوضح نائب وزير الخارجية، لاندو، أن الولايات المتحدة لا ترى حلاً عسكرياً للصراع، مشدداً على ضرورة أن تسعى مجموعة الرباعية لإقناع الأطراف المتحاربة بوقف الأعمال العدائية والتوصل إلى حل تفاوضي. كما أكد التزام الولايات المتحدة بالعمل الوثيق مع الرباعية لمعالجة الأزمة، وناقش مع السفراء الخطوات التالية لتحقيق ذلك، إدراكاً للتأثير الإقليمي لأزمة السودان.
من جانبها، ترى أسماء الحسيني، مديرة تحرير جريدة الأهرام والخبيرة في الشأن السوداني، أن الاجتماع الرباعي الأخير يمثل الجهد الأبرز للإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الأزمة السودانية المتفاقمة، مشيرةً إلى أن هذا الاجتماع يكتسب أهمية خاصة في ظل تفاقم الأزمة التي وصفتها بـ”الخطيرة جداً” على المشهد العالمي، رغم التعامل معها بنوع من اللامبالاة والتواطؤ الدولي، الذي سمح باستمرار الحرب لأكثر من عامين وشهرين، مخلفةً نحو 150 ألف قتيل، ودماراً واسع النطاق، وتهديداً خطيراً لوحدة السودان وشعبه وجيرانه.
أوضحت الحسيني لمنصة “MENA” أن الحرب في السودان لم تعد مقتصرة على الداخل، بل “تتمدد الآن لتأخذ طابعاً إقليمياً يهدد كل دول الجوار والمصالح الدولية في هذه المنطقة”، مشيرةً إلى عجز المجتمع الدولي عن وقفها أو الضغط على أطرافها للعودة إلى مائدة المفاوضات.
وفي سياق متصل، شددت الحسيني على أهمية انضمام مصر إلى الرباعية الدولية الجديدة، بعد أن كانت هناك رباعية سابقة لا تضمها. واعتبرت هذا الانضمام اعترافاً بـ”أهمية مصر للشأن السوداني”، نظراً لكونها البلد الجار الذي “يقع عليه أكبر أعباء هذه الحرب”، ويستضيف “أكبر أعداد من السودانيين الفارين من الحرب، والذين تعتبرهم أشقاء لجأوا إليها كضيوف”.
كما نوهت الحسيني إلى “ارتباطات مصر القوية جداً بكل القوى السياسية والعسكرية السودانية”، مما يؤهلها للعب “دور مهم في وقف هذه الحرب”. وأشارت إلى الجهود المصرية السابقة، سواء بالدعوة إلى مؤتمر دول الجوار أو مؤتمر الحوار السوداني-السوداني، وبذلها جهوداً على أصعدة عديدة للتخفيف من تداعيات الحرب، مؤكدةً أن “نطاق الحرب أوسع وتتداخل فيه العديد من العوامل الدولية والإقليمية”.
وأكدت الحسيني على أهمية وجود الدول العربية الثلاث المؤثرة: مصر والسعودية والإمارات، إلى جانب الولايات المتحدة في هذه الرباعية، نظراً لأن “الحل في السودان أصبح صعباً جداً ويحتاج إلى توافق عربي-عربي، وأيضاً توافق عربي-أفريقي”، لوجود دول أفريقية تتداخل في هذا الصراع، بالإضافة إلى “توافق عربي-دولي” لمعالجة الأزمة التي وصفتها بـ”الكبيرة والمعقدة والمتعددة والمتشعبة”.
وحذرت الحسيني من المخاطر الكبيرة التي تهدد وحدة السودان، في ظل وجود حكومتين: واحدة في بورتسودان، وأخرى تسعى قوات الدعم السريع والقوى المتحالفة معها لتأسيسها. مشيرةً إلى اتهامات متبادلة بين الجيش السوداني والجيش الليبي بدعم قوات الدعم السريع للاستيلاء على المثلث الحدودي بين مصر وليبيا والسودان. وخلصت إلى أن هذه المؤشرات تدل على “توسع نطاق الحرب وتعقّدها”، مما يستدعي “المسارعة من أجل حلها عبر الطرق السلمية”.
يُذكر أن الهيئة الحكومية لتنمية دول شرق أفريقيا (إيغاد) قد شكّلت لجنة رباعية تضم كلاً من إثيوبيا وكينيا والصومال وجنوب أفريقيا، لحل الأزمة السودانية. وعقدت اللجنة أول اجتماعاتها في العاصمة الإثيوبية “أديس أبابا” في شهر يوليو/تموز 2023، إلا أن اللجنة تم حلها في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، بعد فشلها في التوصل إلى حلول، وذلك عقب رفض مجلس السيادة السوداني رئاسة كينيا للجنة، بسبب دعم رئيسها لقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي.
وفي ردها على سؤال حول اختلاف الرباعية الحالية عن اللجنة الأفريقية الرباعية السابقة، التي فشلت في تحقيق اختراق، أعربت الحسيني عن اعتقادها بأن الرباعية الدولية الحالية “لديها وسائل للضغط على أطراف الصراع من أجل الدفع بحل القضية السودانية”.
وأرجعت ضعف الموقف الأفريقي السابق إلى “موقف منقسم تجاه ما يجري في السودان”، موضحة أن الاتحاد الأفريقي جمّد عضوية السودان منذ انقلاب 25 أكتوبر 2023، ولم يُعِدها حتى الآن. وأوضحت أن بعض الدول الأفريقية “تخشى على وحدة السودان، وترى أنه يجب إعادة العضوية والتعاون مع الحكومة القائمة في بورتسودان”، بينما “ترفض دول أخرى ذلك، أو ربما تكون بعضها أقرب إلى دعم قوات الدعم السريع وتتخذ موقفاً من الحكومة في بورتسودان”.
واختتمت الحسيني تصريحاتها بالتأكيد على أن الموقف الأفريقي “ما زال ضعيفاً وغير قادر على التحرك بفاعلية في حل الأزمة السودانية”، ويحتاج إلى “تعاون أكبر عربي–أفريقي–دولي من أجل حل هذه القضية التي أصبحت متعثرة ومعقدة للغاية”. وأشارت إلى أن “الأطراف المتصارعة تتعنت في وقف الحرب والجلوس إلى مائدة المفاوضات”، وأن “الوصفات التي كانت مطروحة كانت غير مكتملة، ولم تُحدَّد آليات للرقابة ومتابعة الأطراف التي تبادر إلى خرق وقف إطلاق النار، كما أن هذه الوصفات ليست لديها قوة لفرض الحل”، مما يستدعي “ضغوطاً على الطرفين لوقف هذه الحرب التي أصبحت تداعياتها كارثية للغاية”.
من جانبه، قال الباحث السياسي في الشأن الأفريقي سمير رمزي إن انضمام مصر إلى الرباعية الدولية يُمثّل استمراراً لدورها في حل الأزمة، سواء دبلوماسيًا أو إنسانيًا.
وأضاف رمزي في تصريحات خاصة، أن مصر كانت سبّاقة في الدعوة إلى عقد مؤتمر دول جوار السودان في يوليو 2023، والذي هدف إلى توحيد الرؤى والجهود بين الدول المتأثرة بشكل مباشر بالأزمة، والخروج بآلية موحدة للتعامل مع التحديات الأمنية والإنسانية، والدفع نحو حل سياسي شامل. وقد عكس هذا المؤتمر إدراك مصر العميق لضرورة تنسيق المواقف الإقليمية لضمان فعالية أي مبادرة للحل.
وأشار رمزي إلى أن القاهرة تدرك أن الحل المستدام للأزمة يكمن في توافق الأطراف السودانية نفسها. لذا، ظلت مصر تؤكد على ضرورة الحوار الوطني الشامل بين جميع المكونات السياسية والعسكرية والمجتمعية السودانية، بعيداً عن الإملاءات الخارجية، وبما يحقق مصالح الشعب السوداني ووحدته. وهو ما دفع مصر إلى استضافة مؤتمر دول الجوار السوداني، كما شاركت في مختلف المحافل الدولية، مثل مباحثات جنيف لدعم وقف إطلاق النار، والضغط على أطراف الصراع للعودة إلى طاولة المفاوضات، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية.
وأوضح رمزي أن انضمام مصر مؤخراً إلى الرباعية الدولية الجديدة يُمثل تطوراً مهماً يُؤكّد على الثقل المصري ودورها المحوري في الشأن السوداني. فهذا الانضمام يمنح مصر منصة أقوى للعمل المشترك مع قوى دولية مؤثرة، وتبادل الخبرات، وتنسيق الجهود للوصول إلى حل ينهي هذه المأساة. وشدّد على أن الرباعية الجديدة تمتلك نفوذاً سياسياً واقتصادياً يُمكّنها من ممارسة ضغوط حقيقية على أطراف الصراع.
ونوّه رمزي إلى أن الاجتماع يُمثّل تحوّلاً في السياسة الأمريكية لسلطة ترامب، التي تجاهلت الأزمة السودانية منذ بدء ولايته. وهذا التحول، وفقًا له، قد يؤدي إلى إنهاء الأزمة.
وتتفق عضو لجنة الشؤون الأفريقية بمجلس النواب المصري نيفين حمدي مع سابقيها، في أن الولايات المتحدة وأعضاء اللجنة الرباعية يمتلكون من النفوذ السياسي والاقتصادي في المنطقة ما يُمكّنهم من إقناع أطراف الصراع السوداني بالعودة إلى المفاوضات، وإنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين، والتي خلفت العديد من القتلى والجرحى واللاجئين.
وأشارت حمدي، لمنصة “MENA” إلى أن انضمام مصر يُمثّل تفهمًا من دول المجموعة الرباعية لأهمية الدور المصري في حل الأزمة، مشيرة إلى أن الدولة المصرية لم تبخل بأي جهد خلال الحرب السودانية لإيقافها. وكان آخر هذه الجهود لقاء رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والذي تضمّن التشاور بين الجانبين حول الجهود الرامية إلى تسوية الأزمة القائمة، حفاظًا على سلامة وأمن السودان، وبما يحافظ على سيادة ووحدة وتماسك الدولة السودانية، ويصون مصالح الشعب السوداني.
اقرأ أيضًا:
زيارة رئيس المخابرات إلى السودان.. والبرهان: دور مصر تاريخي
مع تصاعد الاتهامات للإمارات.. هل تنهي الوساطة المصرية أزمة السودان؟
تحركات مصرية في سيناء تقلق إسرائيل.. ما القصة؟ | تفاصيل خاصة