بلينكن في الشرق الأوسط.. هل تحقق جولته الثامنة ما فشلت فيه سابقاتها؟
للمرة الثامنة خلال 8 أشهر وبالتحديد منذ اندلاع عملية طوفان الأقصي التي شنتها المقاومة الفلسطينية بقيادة حركة حماس والجهاد وغيرها علي الاحتلال الصهيوني، يزور وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن منطقة الشرق الأوسط وسط تصاعد الصراع وزيادة الجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينين ومحملاً برؤية إسرائيلية جاءت علي لسان الرئيس الأمريكي جو بايدن وقد حشدت لها واشنطن 14 دولة في مجلس الأمن لتأييدها وقد تبناها المجلس بالفعل وأيدتها أيضا مجموعة السبع ودول اخري لمحاولة تحقيق هدنة طويلة ربما يتلوها وقفًا لاطلاق النار في قطاع غزة مع تبادل الأسري وعودة النازحين وانسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع مع إدخال المساعدات الإنسانية لأهالي غزة.
وتختلف زيارة بلينكن هذه المرة عن سابقاتها السبعة في أنها تأتي عقب مقترح الرئيس الأمريكى لوقف إطلاق النار وقرار مجلس الأمن الأخير وكذلك حكم محكمة العدل الدولية – أعلي محكمة في العالم – فضلاً عن محاولات إصدار مذكرة توقيف من محكمة الجنايات الدولية ضد رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه فضلاً عن قرب الانتخابات الرئاسية وانتخابات الكونجرس الأمريكي وسط مؤشرات بأن استكرار الحرب يهدد شعبية الرئيس بايدن وحزبه وربما خسارته الانتخابات وكل هذه العوامل أحدثت تحولًا هو الأكبر من نوعه على مستوى التعاطى الأمريكى مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وهناك جانب آخر من المعادلة يقلق واشنطن حيث أن تصاعد الصراع في الشرق الأوسط وربما توسعه قد يعطل إمدادات النفط من تلك المنطقة التي تمثل خزان الطاقة الرئيسي للعالم وبالتالي تؤثر التوترات الجيوسياسة والجيوعسكرية علي العالم ويمكن أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع معدلات التضخم العالمي وفي أمريكا نفسها وقد يؤدي تعطل حاد في الأسعار وربما تتجاوز أسعار النفط 100 دولار للبرميل مما يزيد التضخم في عام 2024 بنحو نقطة مئوية واحدة حسب البنك الدولي.
وتأتي زيارة بلينكن في أعقاب إعلان الوزير الإسرائيلي بيني جانتس استقالته الأحد الماضى من حكومة الطوارئ التي يترأسها بنيامين نتنياهو، مما يعني هيمنة اليمين المتطرف على الحكومة الاسرائيلية حيث توافق مع استقالة جانتس تقديم غادي آيزنكوت عضو في حكومة الحرب، وانتقد نتنياهو بسبب الحرب على قطاع غزة في رسالة وجهها لرئيس الوزراء قائلا: ” مجلس الوزراء الذي ترأسه نتنياهو، لم يتخذ قرارات حاسمة مطلوبة لتحقيق أهداف الحرب”، كما قدّم حيلي تروبير، الوزير الإسرائيلي من حزب “معسكر الدولة” استقالته من حكومة الحرب الإسرائيلية، وفي وقت سابق، أعلن آفي روزنفيلد، قائد فرقة غزة في الجيش الإسرائيلي استقالته بسبب فشله في حماية المستعمرات الإسرائيلية خلال هجوم 7 أكتوبر الماضي، وقال روزنفيلد: “أستقيل من منصبي بعد أن أخفقت في مهمة حياتي المتمثلة في حماية الغلاف”.
وبدأ وزير الخارجية الأمركي أنتوني بلينكن الاثنين 10 يونيو 2024 زيارة إلى مصر تبعها بأخرى إلى إسرائيل على أن يتوجه خلال الأسبوع الجاري إلى الأردن وقطر في مسعى لزيادة الضغط على حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وإسرائيل من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة والدفع باتجاه إقرار مقترح من 3 مراحل لوقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل كشف عنه الرئيس الأميركي جو بايدن في 31 مايو الماضي.
وتُحمل الولايات المتحدة الأمريكية في هذه المرحلة حركة حماس مسئولية وقف إطلاق النار حيث قال بلينكن من القاهرة : “رسالتي للحكومات والشعوب في المنطقة هي: إذا أردتم وقف إطلاق النار، فاضغطوا على حماس لقبول المقترح، إذا أردتم تخفيف معاناة الفلسطينيين في غزة، فاضغطوا على حماس لقبوله.. إذا أردتم إعادة جميع الرهائن إلى ديارهم، فاضغطوا على حماس لقبوله.. إذا أردتم وضع الإسرائيليين والفلسطينيين على طريق السلام والأمن الدائمين فاضغطوا على حماس لقبوله.. إذا أردتم منع انتشار وتصاعد الصراع فاضغطوا على حماس لقبوله”.
وحرص بلينكن علي مغازلة مصر ومدح الدور المصري في محاولات وقف اطلاق النار بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية حيث قال : “طوال هذه العملية، لعبت مصر دورًا حاسمًا ورائدًا في دعم المقترح للتوصل إلى وقف لإطلاق النار وعودة الرهائن، وفي العمل على خطط اليوم التالي هذه، وفي كونها شريك حاسمًا أيضًا في إيصال المساعدات الإنسانية إلى الشعب الفلسطيني الذي هو في أمس الحاجة إليها في غزة مضيفًا أريد أن أشكر الرئيس المصري مرة أخرى على التبادل الجيد جدًا وعلى كل العمل الذي نقوم به بشكلٍ يوميّ تقريبًا”.
وختم بلينكن حديثه في القاهرة قائلا : “لكني أعتقد بقوة – وهذه الآن رحلتي الثامنة إلى المنطقة منذ السابع من أكتوبر – أن الأغلبية الساحقة من الناس – سواء كانوا في إسرائيل أو الضفة الغربية أو في غزة أو في جميع أنحاء المنطقة أو حول العالم – يريدون ويؤمنون بالفعل بمستقبل يستطيع فيه الإسرائيليون والفلسطينيون على حد سواء العيش في سلام وأمن. وبالنسبة للولايات المتحدة، سوف نواصل جهودنا كل يوم، أولاً للتوصل إلى وقف إطلاق النار هذا، ولإعادة الرهائن إلى ديارهم وثانيًا، لمحاولة وضع الجميع في المنطقة على ذلك الطريق الأفضل بكثير”.
وجاءت رسائل الرئيس المصري لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال زيارته لمصر واضحة وتؤكد موقف مصرالثابت تجاه القضية الفلسطينية مشددًا علي أهمية تضافر الجهود الدولية لإزالة العراقيل أمام إنفاذ المساعدات الإنسانية وضرورة إنهاء الحرب على القطاع ومنع توسع الصراع والمضي قدمًا في إنفاذ حل الدولتين بما يؤكد أن ثوابت الدولة المصرية لم تتغير وأنه لا سبيل للسلام إلا حل الدولتين”.
وتعول واشنطن والوسطاء في مصر وقطر على جولة بلينكن لتحريك المياه الراكدة في مسار المفاوضات المتعثرة، واستقبل الرئيس المصري، يوم الاثنين، وزير الخارجية الأميركي والوفد المرافق له، بحضور عباس كامل، رئيس المخابرات العامة المصرية، واتفق الجانبان على تكثيف الجهود المشتركة خلال المرحلة الحالية سعيًا للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بقطاع غزة وتبادل الرهائن والمحتجزين، بحسب المتحدث الرسمي باسم الرئاسة المصرية أحمد فهمي.
ورغم أن الوسطاء وأطراف اخري تعلق آمالا كبيرة على زيارة بلينكن لدفع المفاوضات لكن هناك معوقات كثيرة أمام تنفيذ مبادرة بايدن اولها أن هذه المبادرة غير متوازنة ولا تنص علي تعهد بوقف الحرب، أو تحديد مصير الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية فضلاً عن أن تحرير الاحتلال الصهيوني لـ 4 أسرى في مخيم النصيرات زاد من تعنت وغرور نتنياهو واليمين المتطرف وزعمهم حسم الأمر عسكريًا رغم مخالفة ذلك للواقع الميداني بشهادة قيادات إسرائيلية سابقة وحالية فضلاً عن تمسك حركة حماس بمطالبها لوقف الحرب وإخراج القوات الإسرائيلية من قطاع غزة وعودة النازحين الفلسطينيين.