أزمة تهدد العالم وتتفاقم في مصر .. “اختفاء الأدوية” يهدد بغلق مستشفيات السرطان وقتل ملايين المرضي
نقص الدولار ورفع الأسعار وغياب الشفافية وتلاعب الشركات تعرقل عمل 57 مركزا للعلاج بمصر
في مايو 2022، أي قبل عامين بالتحديد، أسست شركات صناعات دوائية عالمية، منها “نوفارتيس” و”روش” مع منظمات دولية لمكافحة مرض السرطان، تحالفًا يهدف لمد البلدان الأكثر فقرًا، بمزيد من أدوية علاج الأورام، وتم وقتها تخصيص 32 مليون دولار لتمويل التحالف، والآن وبعد مرور عامين مازالت الأزمة تهدد 26 دولة حول العالم منها أمريكا وأوروبا ودول أوروبية، حيث أبلغت الادارات المعنية عن هذه الأزمة في تلك الدول عن نقص في الأدوية خلال العام الماضي 2023، بسبب مشكلات عدة أهمها مشكلات التصنيع، وتضرر سلاسل التوريد بسبب الحروب والتوترات الجيوسياسية، وتذبذب الأسعار، وصدمات العرض والطلب.
وفي ابريل من العام الماضي 2023، حذر مستوردو الأدوية في ألمانيا، ومنهم عضو مجلس إدارة اتحاد مستوردي الأدوية، يورج جيلر، في تصريحات صحفية، من نقص الأدوية المضادة للسرطان أو التهاب الكبد الوبائي سي، أو فيروس نقص المناعة البشرية “أيدز” محذرًا من أن منتجي الأدوية النادرة يفضلون إتاحة منتجاتهم للأسواق التي يحققون فيها عوائد أعلى، وأن شركات التأمين الصحي ليست على استعداد لدفع ما يكفي مقابل تلك الأدوية في إطار اتفاقيات الخصم الخاصة بهما.
وفي الولايات المتحدة الأمريكية، يوجد نقص بـ 14 دواء للأورام، بما فيها دواءان العلاج الكيميائي المكافئان “سيسبلاتين” و”كاربوبلاتين، وهما علاجان أوليان لكثير من أنواع السرطان الشائعة.
وفي يونيو 2023، أكدت الجمعية الأمريكية لعلم الأورام السريرية، وجود نقص في أدوية السرطان الأساسية عبر 40 ولاية.
وفي ابريل الماضي، أطلقت الوكالة الدولية للطاقة الذرية خطة لمعالجة النقص الحاد المُسجل في القدرة على رعاية المصابين بالسرطان في الكثير من البلدان الأشد فقراً، وسيكون التركيز في البداية على أفريقيا، حيث يموت الناس في كثير من الأحيان بسبب هذا المرض.
وفي فبراير 2024 الماضي، كشف تقرير للوكالة الدولية لأبحاث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية أنه تم تشخيص ما يقدر بنحو 20 مليون حالة سرطان في جميع أنحاء العالم في عام 2022، ارتفاعًا من 18 مليون حالة في عام 2020، متوقعة أن يرتفع هذا العدد إلى 35 مليون بحلول عام 2050.
أما في مصر ودول الشرق الاوسط، فقد تسببت الأزمات المالية، وضعف الحوكمة وغياب الشفافية في القطاع الصحيَ، وتلاعب الشركات، وضعف العملات المحلية مقابل الدولار، في نقص كبير للأدوية المخصصة للسرطان، ما ضاعف من محنة المصابين بأمراض مزمنة وخطرة.
وفي مصر، بلد المائة مليون مواطن، والتي تغيب فيها احصائيات أو عدد المرضي بالسرطان، تتضارب الأرقام، ففي الوقت الذي تؤكد وسائل إعلام ونشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، احتلال البلاد المرتبة الأولى على مستوى العالم فيما يتعلق بالإصابة بمرض السرطان، تنفي الحكومة في بيانات رسمية صحة هذه المعلومات، وبين هذا وذاك تواجه حوالي 57 مركزا ومستشفى ومعهد طبي في مصر، نقصًا في أدوية الأورام، ما يهدد بعضها بالتوقف، بسبب نقص الدولار، وتراجع الجنيه، بأكثر من 300 % منذ تعويم الجنيه في 2016، وغياب العملة الصعبة المطلوبة لاستيراد الأدوية ومنها أدوية السرطان.
وشهدت أسعار الأدوية وخاصة أدوية السرطان في السوق المحلية، ارتفاعا ملحوظا خلال الفترة الأخيرة، تأثرًا بأزمة الدولار، التي اندلعت عقب تداعيات كوفيد 19 “كورونا” والحرب الروسية الأوكرانية وكذلك العدوان الاسرائيلي علي غزة، وزيادة تكلفة المواد الخام، ومستلزمات الإنتاج المستوردة من الخارج، يسبب التوترات الجيوسياسية، فضلا عن رفع شركات توزيع الأدوية الأسعار، وتسريب الأدوية إلى المستشفيات الخاصة.
ولدي مصر 180 مصنعًا في قطاع الأدوية، يعمل بها “بشكلٍ مباشر أو غير مباشر، حوالي 750 مليون عامل، وهي تستورد 90% من مدخلات الأدوية المنتجة بها من الخارج أما أدوية السرطان فإنه يتم استيرادها بالكامل من الخارج، بفاتورة تزيد عن 20% من ميزانية الدواء السنوية.
ويتم تسعير الدواء في مصر بشكلٍ جبريّ، ولا يجوز تحريك سعره إلا عن طريق مجلس الوزراء أو بقرار من المجلس، قبل أن يتم تأسيس هيئة الدواء في 2019، ومنحها اختصاص تحريك السعر وليس زيادته.
وفي تصريحات صحفية سابقة، قال المتحدث الرسمي لوزارة الصحة والسكان المصرية، الدكتور حسام عبد الغفار: إن الخدمات التي تقدمها الدولة في مراكز علاج الأورام تتنوع بين تقديم خدمات الكشف المبكر عن الأورام، والتشخيص والعلاج، مشيرًا إلى تقديم تلك الخدمات من خلال 18 مركزًا تابع لأمانة المراكز الطبية المتخصصة، و23 مركز تابع للمجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية، و6 مراكز تابعة لهيئة المستشفيات والمعاهد التعليمية، و10 مراكز تابعة للهيئة العامة للتأمين الصحي، وذلك بجميع محافظات الجمهورية بمجموع 57 مركزًا، وإن الدولة تسعى لبناء استراتيجية قومية متكاملة لمكافحة وعلاج الأورام ضمن أولويات ملفات الصحة، من خلال تقليل معدلات الوفاة نتيجة الأمراض غير السارية، ومنها السرطان، وتحقيقا لرؤية “مصر 2030”.
لكن قبل أسابيع، حذر الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية، في تصريحات صحفية، من أن قطاع الدواء في مصر يواجه تحديات كبيرة في التسعير، مما قد يؤدي إلى نقص غير مسبوق في الأدوية وتهديد صحة المواطنين، موجها نداءً عاجلاً إلى مجلس الوزراء وهيئة الدواء المصرية لدعم قطاع الدواء٬ وأضاف رئيس شعبة الدواء أن الأدوية الناقصة تصل إلى 1000 نوع تقريبًا تتعلق بمضادات حيوية وأدوية السكر وأدوية الضغط، مشيرًا إلى أن السوق المصرية بها 14 ألف نوع من الأدوية، بينها 4 آلاف نوع هي الأكثر شيوعًا، يتصدرها الألف نوع التي تواجه نقصًا حادًا في الأسواق ما يؤدي إلى زيادة الأدوية المهربة والمغشوشة، ويهدد صحة وسلامة المواطنين.
محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء، قال في تصريحات صحفية: إن مصر تشهد منذ 2022 زيادات متتالية في أسعار الأدوية، وهى زيادات عالية تصل لـ 30% وفي بعض الأحيان 120%، ومؤخرًا زادت أسعار 1650 صنفًا عن العام الماضي٬ فيما وصف الدكتور محفوظ رمزي، رئيس لجنة التصنيع الدوائي بنقابة صيادلة القاهرة، نقص بعض أنواع الدواء بأنه “أزمة مصطنعة”، وأن وراءها بعض الشركات.
ومؤخرًا، ناقشت لجنة الشؤون الصحية بمجلس النواب، عددًا من طلبات الإحاطة المقدمة، من الأعضاء، بشأن أزمة نقص الأدوية، وحينها قال الدكتور أشرف حاتم، رئيس اللجنة، إن 40 % من الأدوية بها نقص في السوق المصري، والسبب في الأزمة أن المواد الخام يتم استيرادها من الخارج، مشيرا إلى أن الإشكالية حاليًا ليست فقط في أسعار الدواء، ولكن في عدم توافره.