ترجمات

اختلاف الرؤى بين مصر والإمارات على السودان

رغم التاريخ المشترك والمصالح المُتبادلة.. القاهرة وأبو ظبي تتصارعان في خِضَمِّ الحرب الأهلية الدامية في السودان.

 

صراع نفوذ بين مصر والإمارات في ظل الحرب الأهلية السودانية

 

 

أشار موقع RESPONSIBLE STATECRAFT أنه في ظل الحرب الأهلية المدمرة التي تشهدها السودان حاليًا، تدور معركة نفوذ خفية لكنها لا تقل أهمية بين قوتين إقليميتين: مصر والإمارات العربية المتحدة.

 

فمن ناحية تدعم مصر القوات المسلحة السودانية (SAF)، ومن الناحية الاخرى تقف الإمارات إلى جانب قوات الدعم السريع (RSF)، في صراع اندلع في 15 أبريل 2023، وقد أدى هذا القتال المستمر منذ ما يقرب من عامين إلى أزمة إنسانية كارثية، دفعت بالسودان إلى حافة الانهيار الكامل.

 

صراع في السودان يضع مصر والإمارات على طرفي نقيض

 

في خطوة لافتة، فرضت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، في أيامها الأخيرة، عقوبات على قائد قوات الدعم السريع السودانية، محمد حمدان دقلو المعروف بـ”حميدتي”، متهمة إياه بالمسؤولية عن جرائم إبادة جماعية. كما شملت العقوبات قائد القوات المسلحة السودانية، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، بتهم تتعلق بعرقلة جهود السلام ومنع وصول المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى مزاعم استخدام أسلحة كيميائية.

 

تأتي هذه الإجراءات في ظل تصاعد التوترات بين مصر والإمارات بشأن الأزمة السودانية، حيث تدعم القاهرة الجيش السوداني، بينما تُتهم أبوظبي بدعم قوات الدعم السريع. هذا التباين في المواقف يعكس تعقيدات المشهد الإقليمي وتأثيراته على العلاقات بين الدول العربية.

 

من جانبها، نفت الإمارات دعمها لأي طرف في الصراع السوداني، مؤكدة التزامها بالحياد وتقديم المساعدات الإنسانية. إلا أن هذه المزاعم قوبلت بتشكيك من قبل مسؤولين أميركيين، حيث أشار وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، إلى تورط جهات خارجية في تأجيج الصراع.

 

في هذا السياق، دعا وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إلى عدم مساواة الجيش السوداني بأي جماعة مسلحة أخرى، مشددًا على أهمية دعم استقرار السودان والحفاظ على مؤسساته الوطنية.

 

اتهامات للإمارات بدعم قوات الدعم السريع

 

في تقرير لموقع “Responsible Statecraft”، ورغم تزايد الأدلة من محققي الأمم المتحدة والولايات المتحدة حول دعم الإمارات لقوات الدعم السريع في السودان، تواصل أبوظبي ادعاء الحياد وتقديم نفسها كجهة إنسانية، هذا الموقف الإماراتي واجه انتقادات مباشرة من أعلى المستويات في الحكومة الأميركية. فخلال جلسة استماع في مجلس الشيوخ لتأكيد تعيينه، اتهم وزير الخارجية، ماركو روبيو، الإمارات بـ”دعم كيان ينفذ إبادة جماعية بشكل علني”.

 

الدعم المصري للجيش السوداني

 

من جهتها، أصبحت مصر أكثر وضوحًا في دعمها للقوات المسلحة السودانية وحكومة الجيش في بورتسودان، في سبتمبر الماضي 2024، شدد وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال مؤتمر صحفي مع وزير الخارجية الأميركي السابق أنتوني بلينكن، على “أهمية عدم وضع الجيش السوداني الوطني في نفس التصنيف مع أي طرف آخر”.

 

كما أكد عبد العاطي مؤخرًا التزام مصر بـ”دعم قدرات الجيش السوداني”، بالتنسيق مع شركائها الأمنيين الناشئين في منطقة القرن الأفريقي، مثل إريتريا والصومال.

 

اختلاف المصالح في السودان

 

رغم التوافق بين مصر والإمارات في العديد من القضايا الإقليمية، إلا أن الأزمة السودانية كشفت عن تباين واضح في مصالحهما الاستراتيجية.

 

فبينما تدعم مصر القوات المسلحة السودانية (SAF) بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، تُقدم الإمارات دعمها لقوات الدعم السريع (RSF) بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، هذا التباين يعكس اختلافًا في الرؤى؛ حيث ترى القاهرة في الجيش السوداني المؤسسة الرسمية الضامنة لاستقرار السودان، بينما تركز أبوظبي على استغلال الموارد السودانية، مما أدى إلى تضارب في المصالح بين البلدين في هذا السياق.

 

 

الدعم الإماراتي لمصر يصطدم بالخلاف حول السودان

 

وأشار التقرير المنسوب لموقع “Responsible Statecraft”، منذ توليه السلطة في عام 2013 بعد إطاحة الجيش المصري بحكومة الإخوان المسلمين، اعتمد الرئيس عبد الفتاح السيسي بشكل كبير على دعم دول الخليج، وخاصة الإمارات العربية المتحدة، لتعزيز الاقتصاد المصري.

 

مؤخرًا، عززت الإمارات علاقاتها الاقتصادية مع مصر عبر استثمار تاريخي بقيمة 35 مليار دولار لتطوير منطقة رأس الحكمة المطلة على البحر المتوسط كمركز سياحي، مما وفر شريان حياة اقتصاديًا للبلاد.

 

الخلاف حول السودان يعكر صفو العلاقات

 

رغم الاستثمارات الإماراتية الضخمة في مصر، بما في ذلك مشروع تطوير منطقة رأس الحكمة السياحية بقيمة 35 مليار دولار، تظل القاهرة غير قادرة على التوافق مع نهج أبوظبي في الأزمة السودانية، بالنسبة لمصر، يُعتبر الجيش السوداني، وليس قوات الدعم السريع، الحصن الأساسي لاستقرار حدودها الجنوبية.

 

هذا الموقف تعززه تحركات اللاجئين السودانيين؛ حيث شهدت الأشهر الأخيرة عودة أعداد كبيرة منهم إلى ديارهم بعد استعادة الجيش السيطرة على مناطق في ولاية سنار وأجزاء أخرى من وسط السودان، في حين تتزايد موجات النزوح مع تقدم قوات الدعم السريع.

 

السودان.. رهان مصيري لمصر على الحدود والمياه

 

وأوضح التقرير المنسوب لموقع “Responsible Statecraft”، أن الأزمة السودانية تمثل تهديدًا وجوديًا لمصر، والتي تواجه تدفقًا هائلًا لأكثر من 1.2 مليون لاجئ سوداني منذ أبريل 2023، مما جعلهم أكبر مجتمع للاجئين في البلاد، ومع تدهور الوضع في السودان، يخشى المسؤولون المصريون من تدفق ملايين اللاجئين الآخرين عبر الحدود إذا انهار النظام بالكامل.

 

الأمن المائي في خطر

 

في ظل التحديات الإنسانية المتفاقمة، يواجه الأمن المائي المصري تهديدات متزايدة. أدى الفراغ السياسي في السودان إلى إضعاف موقف القاهرة التفاوضي أمام أديس أبابا، الخصم التقليدي في نزاع مياه النيل. لطالما كان السودان حليفًا رئيسيًا لمصر في مواجهة التهديد الذي يمثله سد النهضة الإثيوبي الكبير (GERD).

 

وفي تصريح حديث، أكد وزير الخارجية السوداني المكلف، علي يوسف، أن “السودان سيقف إلى جانب مصر” في قضية سد النهضة، مشيرًا إلى أن خيار الحرب يظل مطروحًا إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق يضمن حقوق الدول الثلاث في مياه النيل.

 

ومع استمرار الأزمة السودانية، تجد مصر نفسها في موقف تفاوضي ضعيف أمام إثيوبيا، مما يزيد من تعقيد مساعيها لحماية حقوقها المائية في نهر النيل.

 

صراع المصالح بين مصر والإمارات يهدد الاستقرار في السودان

 

وأشار التقرير تقرير موقع “Responsible Statecraft”، مع انزلاق السودان إلى حرب أهلية وضعف الموقف التفاوضي لمصر، انتهزت دول حوض النيل العليا الفرصة لتعزيز مصالحها، وفي تطور لافت، دخلت “اتفاقية الإطار التعاوني” (CFA) حيز التنفيذ بعد انضمام جنوب السودان المفاجئ إليها في يوليو الماضي.

 

تحدٍ لاتفاقيات المياه التاريخية

 

تتحدى هذه الاتفاقية المعاهدات الموروثة من الحقبة الاستعمارية التي كانت تمنح مصر والسودان امتيازات كبيرة، حيث تطرح مبدأ “الاستخدام العادل” الذي يحقق مكاسب كبيرة لدول المنبع مثل إثيوبيا، نتيجة لذلك، تحولت مصر إلى بناء تحالف أمني إقليمي حول إثيوبيا، يضم الصومال وإريتريا، حيث صرح وزير الخارجية المصري بأن القاهرة ستستخدم هذا التحالف لدعم الجيش السوداني في محاربة “الإرهاب.”

 

الإمارات تواجه تراجعًا في استراتيجيتها السودانية

 

رغم الدعم الإماراتي الكبير لقوات الدعم السريع (RSF)، لم تحقق أبوظبي أهدافها الاستراتيجية في السودان، فكانت تطمح للاستفادة من تجارة الذهب وتعزيز أمنها الغذائي عبر الاستحواذ على أراضٍ زراعية بواسطة شركات مرتبطة بالدولة، وضمن هذه الاستراتيجية، خططت الإمارات لتطوير ميناء “أبو عمامة” على ساحل البحر الأحمر السوداني بتكلفة 6 مليارات دولار، بهدف ربط المناطق الزراعية بمحطة تصدير، وذلك كجزء من استراتيجيتها البحرية الإقليمية.

 

ومع تصاعد الصراع في السودان، أعلنت الحكومة السودانية رسميًا إلغاء اتفاقية إنشاء الميناء، وأكد وزير المالية السوداني، جبريل إبراهيم، قائلاً: “بعد الذي حدث، لن نعطي الإمارات سنتيمترًا واحدًا على شاطئ البحر الأحمر”، في إشارة إلى الاتهامات الموجهة لأبوظبي بدعم قوات الدعم السريع التي تقاتل الجيش السوداني منذ منتصف أبريل 2023.

 

كيف تواجه مصر "فاتورة موقعها الجغرافي"؟

 

اختلاف الرؤى بين مصر والإمارات

 

ترى مصر أن الجيش السوداني هو العمود الفقري للدولة، بما يعكس نموذج الحكم العسكري المصري. لذلك تلتزم القاهرة بضمان استقرار الجيش ليكون القوة المهيمنة في أي حكومة مستقبلية في السودان، مع استبعاد قوات الدعم السريع التي تخشى مصر أن تشعل الصراع مجددًا على حدودها الجنوبية.

 

في المقابل، تنظر الإمارات إلى السودان من منظور استراتيجي قائم على استغلال الموارد، حيث تعتمد على قوات الدعم السريع كأداة لتحقيق هذا الهدف، خاصة في ظل كون دبي الوجهة الرئيسية للذهب المهرب من السودان.

 

محاولات لفتح قنوات التفاوض

 

وأشار تقرير موقع “Responsible Statecraft”، في مواجهة هذه التحديات، وافقت الحكومة السودانية بقيادة الجيش على الدخول في مفاوضات مباشرة مع الإمارات، بشرط أن تتوقف أبوظبي عن دعم قوات الدعم السريع وتدفع “تعويضات للشعب السوداني.”

 

لكن هذا العرض يمثل تحديًا ماليًا وسمعتيًا كبيرًا للإمارات، حيث ستكون مطالبة بتمويل إعادة إعمار السودان، ثالث أكبر دولة أفريقية، مع القبول بحل قوات الدعم السريع التي كانت محورية لمصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.

 

أدوار مصر وأميركا في الوساطة

 

أشار وزير الخارجية السوداني إلى بدء مبادرة مصرية للوساطة بعد زيارة وزير الخارجية المصري لبورتسودان، عاصمة البلاد المؤقتة زمن الحرب، في ثاني زيارة له خلال ستة أسابيع، أشار إلى أن الطريق إلى الحل يتطلب توافقًا بين القاهرة وأبوظبي لإقرار وقف إطلاق النار وتحقيق الاستقرار في السودان على المدى الطويل.

 

من جهة أخرى، تمتلك الولايات المتحدة فرصة للتدخل دبلوماسيًا ودفع حلفائها في مصر والإمارات نحو إيجاد أرضية مشتركة لمنع السودان من الانزلاق أكثر نحو الفوضى. فالبديل قاتم؛ استمرار دعم الأطراف المتصارعة سيغرق السودان في حرب أهلية طويلة الأمد أكثر دموية وتعقيدًا.

 

المصدر: 

https://responsiblestatecraft.org/sudan/

 

Hosam Sabri
مترجم صحفي، خبير في ترجمة وتحليل التقارير الصحفية، والمواد الصحفية ذات الطابع الاستقصائي، ملتزمًا بالدقة والموضوعية.

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية