لطالما طال انتظار إقرار تعديلات قانون الإيجار القديم، إذ بقيت هذه التعديلات مؤجلة لسنوات، وسط مطالبات متكررة من الملاك بإعادة النظر في عقود الإيجار الممتدة منذ عقود. ومع إعلان البرلمان المصري عن التعديلات الجديدة في يوليو 2025، سادت حالة من الجدل الواسع في الشارع المصري، بين مؤيد يرى فيها خطوة تصحيحية لإعادة التوازن في العلاقة بين المالك والمستأجر، ومعارض يخشى من تداعياتها الاجتماعية والاقتصادية على محدودي الدخل. هذا الانقسام الحاد طال المواطنين والنواب على حد سواء، وأثار تساؤلات ملحة حول مصير آلاف الأسر، وكيفية التوفيق بين حماية حق الملكية وضمان الحق في السكن.
أقر مجلس النواب المصري، في جلسته العامة يوم الأربعاء 2 يوليو الجاري، تعديلًا نهائيًا على قانون الإيجار القديم، والذي قدمته الحكومة بهدف تنظيم العلاقة بين المستأجرين وملاك العقارات، والحفاظ على حقوق الطرفين، بما يحقق التوازن في السوق العقاري. وتأتي هذه التعديلات في محاولة لمعالجة الأوضاع القانونية والاقتصادية المعقدة المرتبطة بالإيجارات القديمة.
وشملت التعديلات تطبيق فترة انتقالية لإنهاء عقود الإيجارات القديمة، تمتد لسبع سنوات للوحدات السكنية، وخمس سنوات للوحدات غير السكنية المؤجرة للأشخاص الطبيعيين، مع إلزام المستأجرين بإخلاء الوحدات وإعادتها إلى الملاك عقب انقضاء الفترة الانتقالية. كما نصت التعديلات على إلغاء جميع القوانين السابقة المنظمة للإيجار القديم، ليُعمل بعدها بأحكام القانون المدني في كافة عقود الإيجار الجديدة، بما يضمن مرونة التعاقد وحرية الاتفاق بين الطرفين.
وتضمنت التعديلات أيضًا مراجعة وتقييم القيمة الإيجارية للوحدات المؤجرة وفقًا للقانون القديم، حيث نصت على أن يتضاعف الإيجار الحالي للوحدات السكنية في المناطق المتميزة إلى 20 ضعفًا بحد أدنى 1000 جنيه، و10 أضعاف في المناطق المتوسطة بحد أدنى 400 جنيه، و10 أضعاف في المناطق الاقتصادية بحد أدنى 250 جنيهًا. أما الوحدات غير السكنية المؤجرة لأشخاص غير طبيعيين فستشهد زيادة بمقدار 5 أضعاف.
كما أُقرت زيادة سنوية بنسبة 15% على القيمة الإيجارية للوحدات السكنية وغير السكنية طوال الفترة الانتقالية، على أن تُطبق هذه الزيادة على جميع العقود المشمولة بالقانون. وتعكس هذه التعديلات توجه الدولة نحو إرساء توازن عادل بين حقوق الملكية والحق في السكن الملائم، بعد عقود من الجمود التشريعي الذي لازم هذا الملف.
في ضوء التعديلات التي أقرها البرلمان، شهدت منصات التواصل الاجتماعي نقاشًا واسعًا بين المواطنين، تباينت فيه الآراء ما بين مرحّب ورافض. الفئة المؤيدة اعتبرت التعديلات بمثابة تصحيح لمسار العلاقة بين المالك والمستأجر، وكسرًا لامتيازات تاريخية غير منصفة، مطالبين بإلغاء الإيجار القديم نهائيًا.
في المقابل، اعتبرت فئة أخرى أن التعديلات تهدد استقرار آلاف الأسر من ذوي الدخل المحدود، معبرة عن قلقها حيال غياب بدائل سكنية وتعويضات مناسبة، ومعتبرة أن ما جرى هو “تشريد منظم” يتجاهل الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية للمستأجرين.
ونرصد فيما يلي أبرز المنشورات والتعليقات التي تداولها المواطنون عبر منصتي فيسبوك و”أكس” (تويتر سابقًا):
يرى المواطن عبد الواحد عاشور أن بعض النواب المعارضين للقانون يفضلون الحفاظ على شعبيتهم قبيل الانتخابات، على حساب المصلحة العامة. وغرّد عبر حسابه على منصة أكس:
“يعتقد بعض النواب أن معارضتهم لقانون #الإيجار_القديم ستمنحهم شعبية قبيل الانتخابات، لذلك يصوتون ضد مشروع القانون، بينما تحية واجبة للنواب الشجعان الذين واجهوا مظلمة عمرها أكثر من 70 عامًا، طالت أبناء وأحفاد المؤجرين.”
علق المواطن محمد علام على القانون عبر حسابه على فيسبوك، قائلًا:
“تعديل قانون الإيجار القديم سيؤدي بعد 7 سنوات إلى إخلاء آلاف الأسر، ما يخلق أزمة اجتماعية كبرى لغياب البدائل والحلول. صحيح أن القانون يعيد للملاك حقوقهم، لكنه يهدد استقرار المستأجرين من محدودي الدخل، وينبغي أن تراعي الدولة هذه التحديات بتوفير مساكن بديلة وتعويضات عادلة.”
أما المواطن محمد زكري، فعبّر عن رفضه للتعديلات قائلًا في منشور له على “أكس”:
“لما النتائج كانت محسومة، ليه كان في جلسة مبارح؟ حسبي الله ونعم الوكيل. مش بس جوعتو الناس، كمان هتشردوهم وتطردوهم من بيوتهم!”
وفي مجموعة عامة على فيسبوك، كتب المواطن محمد حسن حسني:
“دلوقتي أنا وولادي هنتطرد بعد 7 سنين، وخلال السبع سنين هدفع إيجار عالي بزيادة سنوية. يعني لا عرفت أوفر لمستقبلي، ولا سبتوني مستور.”
وبعد هذا الاستعراض، يتضح أن الرأي الرافض للتعديلات هو الأكثر حضورًا بين المواطنين، حيث أعربت الغالبية عن مخاوفهم من تأثيرها على الاستقرار السكني، وسط غياب لبدائل واضحة، ما فجر حالة من الجدل المستمر.
في تصريح لمنصة MENA، أوضح النائب رضا غازي أن مجلس النواب لا ينحاز لأي طرف، بل يعمل على تحقيق عدالة متوازنة بين الملاك والمستأجرين، دعمًا لمبدأ العدالة الاجتماعية.
وانتقد غازي انسحاب بعض نواب المعارضة من الجلسة البرلمانية، معتبرًا أن انحيازهم للمستأجرين يمثل ظلمًا للملاك الذين حُرموا طويلًا من حق التصرف في ممتلكاتهم، مشددًا على أن الملكية من الحقوق العينية الأصيلة.
وأضاف غازي أن القانون الجديد يعيد العلاقة إلى مسارها الطبيعي، بعد عقود من الوضع الاستثنائي، مشيرًا إلى أن المادة (8) من القانون تكفل عدم تشريد أي مستأجر، إذ تلزم الدولة بتوفير مساكن بديلة قبل الإخلاء.
وعن الجدل المتصاعد عبر الإنترنت، أرجع النائب غازي ذلك إلى الانقسام داخل البرلمان نفسه، حيث انحاز بعض النواب لكفة المستأجرين، ما انعكس بدوره على الرأي العام.
وختم تصريحه بالتأكيد على أهمية دعم الحكومة في تنفيذ هذا القانون، ورفضه لما وصفه بـ”حملات التشكيك” في نواياها، مؤكدًا أن هدف الحكومة هو تحقيق توازن فعلي بين أطراف العلاقة الإيجارية.
أكدت الحكومة المصرية في بيان رسمي نشرته وزارة الشؤون النيابية والقانونية، أن الدولة لن تسمح بترك أي مواطن بلا مأوى، مشددة على التزامها بتوفير مسكن بديل للمستأجر الأصلي قبل عام كامل من موعد الإخلاء.
ومن جانبه، صرّح المستشار محمود فوزي، رئيس مجلس النواب ووزير الشؤون النيابية، بأن:
“القانون يعيد للمؤجرين حقوقهم، ويحفظ للمستأجرين حقهم في المسكن المناسب، في إطار من التوازن الذي يضمن حقوق الجميع.”
وأكد فوزي أن الدولة ما زالت ملتزمة بتوفير وحدات بديلة خلال المرحلة الانتقالية، وذلك تنفيذًا لنص المادة (8) من القانون الجديد.
اقرأ أيضًا:
جدل “الانتخابات النيابية”.. ديمقراطية مغلقة بالقانون
مشروع قانون الإجراءات الجنائية.. مستقبل العدالة على المحك
قانون تعارض المصالح.. كيف جمع وزراء بين مناصبهم وأعمالهم؟
جدل الإجراءات الجنائية.. التنصت على المكالمات بالقانون