الشارع المصري

الإيجار القديم.. هل تفهم الدولة تداعيات الأزمة؟

على مدار عقودٍ، شكّلت قضية “الإيجار القديم” أزمة كبرى بين ملايين المصريين، الذين انقسموا بين مُلاك ومستأجرين، كلاهما يرى نفسه صاحب حق، والفيصل هي الحكومة التي أرادت إنهاء أزمة شكلت صداعًا في رأس الحكومات السابقة، حتى بات حلها فرضًا لا خيار، وسط تحذيرات أطلقها سياسيون باحتمالية تفجّر الأوضاع داخليًا في أي وقت، وهو ما يهدد الأمن المجتمعي المصري ويكاد يُشكّل قنبلة موقوتة في وجه الحكومة المصرية الحالية.

 

الطرفان يتبادلان الاتهامات دون كللٍ، ويتوعدان بعضهما البعض، وسط نبرات ترقّب وخوف وحيرة لملايين المستأجرين رأوا أنفسهم على حافة الهاوية، نظرًا لارتفاع أسعار امتلاك العقارات أو حتى إيجارها، فكيف ستنتهي هذه الأزمة؟

 

 

خلافات جوهرية

 

وحول هذه الأزمة، قال مصطفى عبد الرحمن، رئيس ائتلاف ملاك الإيجار القديم، إن مطالب ملاك العقارات القديمة تتمثل في تحديد حد أدنى بقيمة 2000 جنيه للإيجار القديم في المناطق الشعبية، و4000 جنيه للمناطق المتوسطة، و8000 جنيه للمناطق الراقية، مع فترة توفيق أوضاع لمدة ثلاث سنوات يعقبها تحديث للعقد، وذلك فيما يخص العقارات السكنية.

 

وعم العقارات التجارية، “عبد الرحمن” لمنصة “MENA” أن مطالبهم تتمثل في حد أدنى قيمته 5000 جنيه، وفترة توفيق أوضاع من ستة أشهر إلى سنة، لأن النشاط التجاري يحقق أرباحًا طائلة، وهذه هي طلبات ائتلاف الملاك في وثيقة أسموها “وثيقة الملاك”، مستنكرًا تحديد الحكومة حدًا أدنى مقداره ألف جنيه فقط للإيجار، دون أن توضح ما إذا كانت هذه القيمة تخص المناطق الشعبية أم المتوسطة أم الراقية، أو تعادل عشرين مثلًا، معتبرًا أن هذا لا يتسق مع القيمة الإيجارية لبعض العقارات التي تبلغ قيمتها جنيهين أو خمسة جنيهات فقط.

 

هجوم على المستأجرين

 

وأعلن رئيس ائتلاف ملاك العقارات القديمة رفضه لهجوم عدد من الأحزاب على الملاك، واصفًا إياهم بأنهم يحاولون جذب أكبر عدد ممكن من المستأجرين كي يستفيدوا منهم في الدعاية الانتخابية نظرًا لاقتراب موسم الانتخابات البرلمانية، متهمًا إياهم بالتخاذل، لأن هناك أرامل وكبار سن لا يعملون وينتظرون العائد من أملاكهم، والذي يبلغ خمسة جنيهات في الشهر للأماكن الراقية، فكيف يمكن أن يعيشوا بهذا المبلغ أو حتى عشرين ضعفًا له في الشهر؟

 

وكشف مصطفى عبد الرحمن أنهم يتحدثون عن العقود التي أُبرمت قبل 31 يناير 1996، وبعد هذا التاريخ يُعد القانون جديدًا، لذا فإن هذا اللغط تسبب في أزمة لدى ملايين ممن يتابعون قضية الإيجار القديم، معلنًا أنهم طلبوا بشكل رسمي وعاجل من الحكومة، ممثلة في الوزير محمود فوزي ولجنة الإسكان، الاجتماع في أقرب وقت ممكن، ومؤكدًا أن الرد الحاسم سيصدر يوم الثلاثاء القادم.

 

وأكد رئيس ائتلاف ملاك العقارات القديمة أن الملاك لن يتنازلوا عن حقوقهم المشروعة، والتي تسببت في أزمة لهم على مدار عقود أهملت خلالها الحكومة هذه القضية، وتركت الملاك فريسة للمستأجرين الذين أورثوها لأبنائهم بل وأحفادهم، وهذا يتنافى مع أبسط حقوق الملاك.

 

شبهات دستورية

 

على الجانب الآخر، قال ميشيل حليم، ممثل مستأجري مصر بجلسات الحوار المجتمعي بمجلس النواب، إن هناك “شبهة دستورية” للمادة رقم 5 من قانون الإيجار القديم، والتي تنص على كتابة عقد بين المالك والمستأجر بعد مرور 5 سنوات، مؤكدًا أن ملايين المستأجرين يعيشون تحت خط الفقر، ويملكون قوت يومهم بالكاد، ولا يستطيعون دفع الإيجار الجديد بمبالغه الضخمة. لذلك، طالب المستأجرون بفرض ضوابط لتحديد قيمة زيادة الإيجار، تتضمن دراسة الحالة الاجتماعية للمستأجرين، مؤكدين أنهم لا يمانعون في زيادة القيمة الإيجارية، بل يرفضون الأسعار السوقية التي يصفونها بالضخمة والمبالغ فيها.

 

وأضاف “حليم” في حديث خاص لـ “MENA“، أن المستأجرين خلال جلسات الحوار الوطني، طالبوا باستثناء أصحاب المعاشات من أي زيادة في قيمة الإيجار، كما طالبوا بأن تتحمل الدولة الزيادة المقررة، للحفاظ على كبار السن من التشرد وسوء الأحوال الاجتماعية. وأكد أن حكم المحكمة الدستورية الصادر في نوفمبر 2024 بشأن تحريك القيمة الإيجارية لا يعني بالضرورة تشريد المستأجرين أو الإضرار بهم، لذا يجب التوصل إلى حلول تُرضي الطرفين – الملاك والمستأجرين – في قانون الإيجار القديم، منعًا لشعور أي طرف بالظلم على حساب الآخر.

 

أسعار لا تتناسب مع العقارات الفخمة

 

وكشف ممثل مستأجري مصر بجلسات الحوار المجتمعي بمجلس النواب أن المادة الخامسة في مشروع القانون، والتي تنص على إنهاء العقود، تُعد مخالفة صريحة وواضحة لأحكام المحكمة الدستورية التي سبق أن أصدرتها، بل ورفضتها معظم الأحزاب في مصر.

 

وعن وجود إيجارات بمبالغ زهيدة، قال “حليم” إن الحديث عن وجود أسعار إيجار قيمتها 4 أو 5 جنيهات هو أمر غير منطقي ويراه المستأجرون ظالمًا، فلا يتناسب هذا مع إيجار شقة، حتى وإن كانت في منطقة شعبية. لذا، رأى أنه يجب تحريك وتعديل أسعار الإيجارات القديمة بما يرضي الطرفين، المالك والمستأجر، دون أن يتضرر أحدهما من ذلك.

 

 

عقود قصيرة الأجل

 

فيما قال أحمد شحاتة، مؤسس حملة “عايز حقي” عن رابطة ملاك الإيجارات القديمة، إنه يجب تحرير عقد بين المالك والمستأجر مدته ثلاث سنوات للشقق السكنية، وسنة للمحال التجارية، معتبرًا أن ذلك سيكون عادلًا للطرفين، مشددًا على ضرورة إعادة صياغة قانون ملائم يعيد الحقوق لملايين الملاك من أصحاب العقارات، الذين تضرروا مما يحدث، وأصبحوا فقراء رغم امتلاكهم لممتلكات تصل قيمتها إلى ملايين الجنيهات.

 

وأضاف مؤسس حملة “عايز حقي” في تصريح لمنصة “MENA“، أن القانون الذي تم إصداره بشأن الإيجار القديم به عوار دستوري، لذا يجب على الحكومة أن تقف على مسافة واحدة من الطرفين، للوصول إلى حل وسط بين المستأجرين والملاك، خاصة وأن الملاك يحصلون على أموال زهيدة شهريًا مقابل استئجار المنازل في مناطق متوسطة وراقية، وهذا لا يتناسب مع الظروف الاقتصادية الحالية. بل إن من بينهم من يورث هذه العقارات لأبنائه وأحفاده، لذا يجب حسم هذا الملف في القريب العاجل، حفاظًا على حقوق الملاك.

 

 

بينما قال جورج مكرم، ممثل المستأجرين، إن مشروع القانون المقدم والخاص بالإيجار القديم ضرره أكثر من نفعه، إذ يُخدّم هذا المشروع على الملاك، ويجعلهم يستفيدون الاستفادة القصوى من المستأجر، ثم بعد ذلك يُشرّدون المستأجرين بلا رحمة، ويصبح المستأجر الفقير في الشارع. وحذّر من أزمات ستعقب تطبيق هذا القانون، لعل أبرزها الإخلاء بالقوة، وهو ما لا يقبله المستأجرون، وكذلك التشريد، لأن ملايين الأسر لا تقوى على أسعار الإيجارات في المناطق الشعبية أو المتوسطة.

 

وحذّر ممثل المستأجرين من أزمة اجتماعية كبرى ستحدث حال تطبيق القانون، وستدمر الأخضر واليابس، لأن هناك أكثر من ثلاثة ملايين وحدة مؤجرة إيجارًا قديمًا، فأين سيذهب سكانها؟ مؤكدًا أن هذا القانون سيزيد من قيمة إيجارات العقارات، لأن ملايين الأسر ستجد نفسها دون مأوى، وستبحث عن شقق إيجارية، لذلك سيكون الطلب كثيرًا والمعروض قليلًا، وهذه أولى الخطوات نحو انفجار أسعار العقارات، مما يسبب أزمة غير مسبوقة للحكومة.

 

وبين الاتهامات المتبادلة بين المستأجرين والملاك حول أحقية كل منهما بالعقار الذي يقطن فيه، تبرز تساؤلات عديدة حول ما ستتخذه الحكومة من قرارات لإرضاء الطرفين دون أي انحياز، في قضية لطالما شغلت الرأي العام على مدار أكثر من ثمانين عامًا. وبينما تتعالى صيحات التحذير من مغبة إقرار هذا القانون، ينصح البعض الحكومة بالتروي في إقراره، خوفًا من أزمة قد تعصف بأمن الشارع المصري.

 

اقرأ أيضًا:

 

السيسي: نموذج السلام يبدأ من القاهرة وتل أبيب

 

أزمة الايجارات في مصر بين مالكي العقارات والمستأجرين

 

شركات الأمن الخاصة.. بين دعم المجتمع وتكامل الدور مع الدولة

 

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية