قال الدكتور محمود عصمت، وزير الكهرباء والطاقة المتجددة المصري، إن مجريات تنفيذ مشروع المحطة النووية تسير وفقًا لما هو مخطط له، وهناك متابعة مستمرة والتزام من كافة الأطراف القائمة على المشروع في مصر وروسيا، وكذلك الشركات العالمية بالجدول الزمني لإنهاء الأعمال والتوقيت المحدد للانتهاء من المراحل المختلفة والربط على الشبكة. جاء ذلك على هامش اجتماعه مع محمد دويدار، القائم بأعمال رئيس مجلس إدارة هيئة المحطات النووية، وعدد من قيادات الهيئة الأسبوع الماضي.
ويأتي هذا الاجتماع ضمن تحركات الحكومة المصرية لتسريع وتيرة العمل في المشروع لبدء تشغيل الوحدة الأولى للمفاعل في 2027، حيث من المفترض أن يدخل المشروع حيز التشغيل الكامل في 2030، بحسب تصريحات الدكتور أمجد الوكيل، رئيس هيئة المحطات النووية لتوليد الكهرباء المصرية.
يعد المشروع النووي المصري واحدًا من أهم المشروعات التي وضعتها مصر على خطتها منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر. حيث تفاوضت الحكومة المصرية عام 1963 على إنشاء أول محطة نووية، كان من المقرر إقامتها في منطقة سيدي كرير بعد دراسة عدد من المواقع البديلة في أنشاص ومديرية التحرير، لتوليد 150 ميجاوات. وكان الهدف أن تكون أول محطة في العالم ذات استخدام مزدوج، تعمل لتوليد الكهرباء وتحلية مياه البحر بطاقة تعمل بمعدل 20 ألف متر مكعب في اليوم. وتم الاتفاق مع إحدى الشركات الأمريكية لإجراء الدراسات اللازمة لإنشاء المحطة، إلا أن المشروع توقف بسبب نكسة يونيو 1967، وانشغال مصر في إعادة بناء الجيش، لاسيما مع الخوف من استهداف المحطة في غارات العدو الإسرائيلي.
وعقب حرب 1973، عاد المشروع النووي مرة أخرى إلى خطة مصر، وتم تحديد موقع الضبعة لأول مرة كموقع للمشروع النووي، حيث صدر قرار جمهوري بتخصيص مساحة 50 كيلومترًا مربعًا على ساحل البحر الأبيض المتوسط، بطول 15 كم وعمق 3 كم في منطقة الضبعة لبناء المحطة. كما صدر قرار جمهوري بإنشاء هيئة المحطات النووية المصرية للإشراف على بناء المحطة. في ذلك الوقت، أعلن الرئيس الأمريكي الأسبق نيكسون عن موافقة الولايات المتحدة على تزويد القاهرة بمحطتين نوويتين تصل قدرتهما إلى 1800 ميجاوات، كما وقعت مصر اتفاقًا مع لجنة الطاقة النووية الأمريكية لتوفير خدمات إثراء الوقود النووي اللازم لمحطة الضبعة.
إلا أن المشروع اصطدم باشتراط الولايات المتحدة على مصر التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، التي كانت تشمل إخضاع المحطات النووية للتفتيش من طرف الدول العظمى للتأكد من سلمية المحطات، وهو ما رفضته مصر ما لم تنضم إسرائيل إلى ذات المعاهدة، مما أجهض المشروع.
وفي 1981، دخلت مصر في مفاوضات مع لجنة الطاقة النووية الأمريكية لرفع حصة إثراء الوقود النووي من 600 ميجاوات إلى 4000 ميجاوات، بما يغطي احتياج 4 محطات قدرة كل منها ألف ميجاوات. إلا أن حادث تسريب تشيرنوبل أثار الكثير من المخاوف في العالم حول المفاعلات النووية، مما أوقف المشروع مرة أخرى.
وفي 2007، بدأت مصر في استئناف مشروعها النووي في الضبعة مرة أخرى، قبل أن يتم إيقافه بناءً على تحذيرات حول الضرر البيئي على المنطقة.
وفي 10 نوفمبر 2014، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارًا جمهوريًا بتخصيص 2300 فدان لصالح وزارة الدفاع لاستغلالها في إقامة تجمّع عمراني سكني لأهالي منطقة الضبعة، وللعاملين بمحطة الضبعة النووية، بالإضافة للخدمات اللازمة للمنطقة والمشروعات الأخرى تعويضًا عن الأراضي التي خُصِّصَت للمشروع.
ثم وقعت مصر عقد إنشاء محطة الضبعة النووية مع الجانب الروسي في 2015، لتبدأ رحلة التنفيذ في نهاية العام 2017.
خلال الصيف الماضي، شهدت مصر أزمة انقطاع الكهرباء، حيث أعلنت وزارة الكهرباء عن خطة لتخفيف الأحمال الكهربائية بسبب أزمات الوقود، وتزامنت هذه الحملة مع امتحانات الثانوية العامة، مما تسبب في العديد من الشكاوى. وتعول مصر على المشروع النووي لتخطي أزمة الكهرباء المستمرة منذ عدة سنوات.
وبحسب رئيس هيئة الطاقة النووية السابق، على عبد النبي، فإن المشروع النووي سينهي أزمة الكهرباء حيث يتضمن المشروع النووي في صورته الحالية 4 مفاعلات نووية قدرة كل منها 1200 ميجاوات ستضاف إلى الشبكة القومية للكهرباء، مما يسهم بشكل كبير في إنهاء أزمة الكهرباء. مشيرًا إلى أن مشروع الضبعة يستطيع استيعاب 12 مفاعلًا نوويًا كحد أقصى. كما شدد على أن المشروع النووي المصري لا يقتصر فقط على مشروع الضبعة، بل يمكن أن يتضمن محطات أخرى، وهو أحد الأحلام القومية المصرية منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر.
وأضاف عبد النبي لمنصة “MENA”، أن المشروع النووي المصري له عائد اقتصادي كبير في توفير تكلفة الوقود، والحفاظ على مصادر مصر من الطاقة غير المتجددة. مشيرًا إلى أن تكلفة الوقود في محطة توليد الكهرباء العاملة بالطاقة النووية البالغ قدرتها 1200 ميجاوات هي 60 مليون دولار، في حين تبلغ تكلفة الوقود لمحطة توليد الكهرباء العاملة بالغاز الطبيعي بنفس القدرة 400 مليون دولار. كما يدعم المشروع النووي توطين التكنولوجيا النووية في عدد من المجالات، أهمها الصناعة، مما يجعل المنتج المصري قادرًا على المنافسة عالميًا.
من جانبه، قال النائب سيد شمس الدين، عضو مجلس النواب، إن محطة الضبعة النووية هي انطلاقة حقيقية لمصر نحو مجال الطاقة النووية الذي تأخرت عنه لعقود طويلة، وتمثل ضرورة لحل أزمة الكهرباء، وتدعم بقوة جهود مصر للتحول إلى مركز إقليمي للطاقة، ومشروعاتها في مجال التحول إلى خط ربط كهربائي مع دول أوروبا ودول الجوار لتصدير الفائض عن احتياجات مصر، مما يعود بالنفع على الناتج القومي المصري، ويعد خطوة نحو تقليل عجز الميزان التجاري المصري. ورغم محاولات مصر المستمرة منذ عهد عبد الناصر، إلا أن هذه الخطوة لم تكن تكتمل لولا إرادة الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وشدد شمس الدين في حديثه لمنصة “MENA”، على أن إنشاء هذه المحطة قد راعى كافة عوامل الأمان والسلامة وفقًا لأعلى المعايير الدولية المتبعة في هذا المجال الهام، وذلك نتيجة للخبرة المتراكمة عبر سنوات طويلة للجانب الروسي في مجال الطاقة النووية واستخداماتها.
طبقًا لتقرير “المشروع النووي المصري باهظ الثمن” الصادر عن “معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى” عام 2016، فإن تكلفة المشروع تعتبر سلبية بالمقارنة بمشروعات الطاقة غير النووية الأخرى. وقارن التقرير بين صفقة المشروع النووي التي أضافت عبء قرض بقيمة 25 مليار دولار، تغطي فقط 85% من تكلفة المشروع، بمعدل فائدة 3% وأجل 22 عامًا، وبين صفقة شركة سيمنز في 2015، التي بلغت قيمتها 9 مليار دولار لبناء محطات توليد الطاقة من الغاز والرياح، بقدرة 16400 ميجاوات تُضاف إلى الشبكة الكهربائية المصرية، أي ما يفوق إنتاج المحطة النووية بثلاث مرات مقابل تكلفة تبلغ ثلث ثمن المحطة النووية.
وقال التقرير أيضًا إن اتفاقية الضبعة تُعتبر سلبية مقارنة بمشروعات نووية أخرى تُنفذ في المنطقة. ويقدّر “المسح الاقتصادي للشرق الأوسط” (“ميس”) أن مصر ستدفع في نهاية المطاف 6.1 مليار دولار مقابل كل جيجاوات من الطاقة المولدة، بينما ستبلغ تكلفة المحطتين الإيرانيتين الجديدتين في “بوشهر” 5.5 مليار دولار/جيجاوات، وتكلفة مفاعلات الإمارات العربية المتحدة في “البركة” 3.6 مليار دولار/جيجاوات.
ورغم هذه المخاوف، أكد كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ونظيره الروسي فلاديمير بوتين أنه سيكون له تأثير إيجابي في أوضاع مصر الاقتصادية. وقال بوتين إن محطة الضبعة النووية ستسهم في تطوير الاقتصاد المصري وتعزيز الصناعات الحديثة، مضيفًا أن التبادل التجاري مع مصر يشهد تطورًا كبيرًا، ولدينا شراكة في مشروعات عديدة في مجالات الطاقة والزراعة. جاء ذلك خلال حضورهما مراسم البدء في صب الهيكل الخرساني لوحدة الكهرباء بمحطة الضبعة النووية في مصر، وذلك عبر تقنية الفيديو كونفرانس في يناير 2024.
وأشارت هيئة الاستعلامات المصرية على موقعها الرسمي إلى أن دخول مصر النادي النووي يعني دخول الاقتصاد المصري مجالًا أرحب وأوسع، وستكون هناك فوائد مباشرة على إنتاج الكهرباء. كما سيتيح لها تنويع مصادرها من الطاقة البديلة غير الناضبة والرخيصة نسبيًا، ويقلل اعتمادها على النفط والغاز، ويُجنّبها تقلبات أسعارهما.
كما أكدت الهيئة أن المشروع سيوفر فرص عمل لعشرات الآلاف من المصريين، ويعد أحد أهم محركات مصر لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والتقدم.
وبحسب دراسة “بدون ضمانات: دراسة حول الطاقة النووية ومشروع الضبعة” الصادرة عن المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، فإن حسابات “سعر الكهرباء المعدل” العالمية تظهر أن سعر الكهرباء النووي يبلغ ضعف سعر كهرباء دورة الغاز المركبة والخلايا الفوتوفولتية وثلاثة أضعاف طاقة الرياح.
وعلى المستوى المحلي، تفوق تكلفة إنشاء محطة الطاقة النووية في الضبعة تكلفة إنشاء محطة غاز طبيعي بنحو 12 ضعفًا، وإنشاء مزرعة رياح بنحو ستة أضعاف، وإنشاء محطة خلايا فوتوفولتية بنحو ثلاثة أضعاف للحصول على نفس القدر من الكهرباء.
وأضافت الدراسة أن الطاقة النووية ليست طاقة نظيفة، بل تحمل تبعات خطرة على الصحة والبيئة، فكل عنصر من عناصر دائرة إنتاج الوقود النووي يُطلق جزيئات مشعة وسامة. يؤدي الإشعاع الأيوني إلى كسر روابط الجزيئات، ما يتسبب في تفاعلات كيماوية لا يمكن التنبؤ بنتائجها. ويؤدي التعرض المكثف للإشعاع الأيوني إلى الموت في مدى عدة أيام أو أسابيع، بينما يؤدي التعرض لنسب منخفضة من الإشعاع على مدى فترات طويلة إلى الإصابة بالسرطان. ينتج عن تشغيل المحطات النووية كميات كبيرة من المواد المشعة، وتسمح القوانين المنظمة للأنشطة النووية بإطلاق نسب محددة من المواد المشعة إلى البيئة المحيطة بافتراض أن نسب الإشعاع المنخفضة لا تؤثر في صحة الإنسان، لكن هذا الفرض غير صحيح.
وأضافت الدراسة أنه منذ ثمانينيات القرن العشرين، والعديد من السكان الذين يعيشون بالقرب من منشآت نووية يشتكون من تزايد حالات السرطان، خصوصًا بين أطفالهم. وقد أكدت العديد من التقارير والأبحاث العلمية هذه الظاهرة، رغم أن بعض الأبحاث امتنعت عن تأكيد العلاقة بين زيادة حالات السرطان وإشعاعات المنشآت النووية القريبة بدعوى أن مستويات الإشعاع منخفضة وغير مؤثرة. لكن في عام 2006، صدر تقرير حاسم عن “لجنة المجلس القومي الأمريكي للبحث عن تأثيرات المستويات المنخفضة من الإشعاعات”، والذي أكد أنه لا يوجد ما يسمى “جرعة آمنة”، مهما كانت ضئيلة، من الإشعاعات الأيونية.
وأشارت الدراسة إلى أن محطات الطاقة النووية تستخدم كميات هائلة من المياه للتبريد. هذه الكميات الضخمة يتم سحبها ثم إعادة تصريفها ساخنة ومحملة بالرواسب في المجاري المائية القريبة، وهو ما يؤثر سلبًا على النظام البيئي وجودة المياه، خاصة في منطقة شرق المتوسط التي تتميز بأنها واحدة من أكثر المناطق البحرية في العالم مناسبة للسباحة وصيد الأسماك.
ولفتت الدراسة إلى أن العالم يعاني من مشكلة تراكم المخلفات النووية التي لا تلوح في الأفق حلول للتخلص طويل الأمد منها، حيث تُخزن كميات كبيرة من هذه المخلفات بشكل مؤقت في أحواض مياه أو في براميل جافة منتشرة في أنحاء العالم. ويُعتقد أن المستودعات الجيولوجية العميقة هي أكثر طرق تخزين النفايات النووية أمانًا، لكن لم تبن أي دولة مثل هذه المستودعات باستثناء فنلندا التي بدأت في بناء مستودع عام 2004. وشددت على أن المخلفات النووية من الوقود المستهلك أكثر إشعاعًا بملايين المرات من الوقود “الطازج” لليورانيوم، وتبقى كذلك لآلاف السنين. ويُقدر أن كمية المخلفات عالية الإشعاع ستبلغ بحلول 2020 نحو 445 ألف طن.
وأوضحت الدراسة أن النفايات المتراكمة تشكل خطرًا وشيكًا يتمثل في إمكانية تسرب المواد المشعة إلى البيئة جراء سوء التخزين أو الحوادث أو أسباب أخرى. هناك سجل حافل لحالات تم التخلص فيها من مخلفات نووية بطريقة خاطئة أو تفتقر إلى القواعد الصحيحة، أو حتى تم إلقاؤها وتركها عرضة للتآكل أو للسرقة. لم يُحظر إلقاء النفايات في المحيطات حتى تسعينيات القرن الماضي، وقد اكتشف العلماء حديثًا وجود نشاط إشعاعي مرتفع في قاع بعض البحار وفي الكائنات البحرية.
وأشارت الدراسة إلى أنه رغم ادعاء القائمين على الصناعة النووية أن احتمال وقوع حادث كبير ضعيف جدًا، إلا أن الواقع مختلف. كما أن عبء الحوادث يقاس ليس فقط بعدد مرات تكرارها، وإنما كذلك بجسامة عواقبها. وتقدّر بعض الجهات البحثية الهامة أنه من المتوقع حدوث أربع حوادث خطيرة خلال الخمسين عامًا القادمة، وأن احتمال تكرار حادث تشيرنوبيل آخر يصل إلى 50% في الأعوام الثلاثين القادمة. وعلى الرغم من عدم وجود سجل تاريخي رسمي وشامل لحوادث الطاقة النووية، فإن عدد الحوادث النووية التي وقعت ليس قليلًا، والقوائم غير الرسمية الموجودة قد وثَّقت أعدادًا كبيرة من أنواع مختلفة من الحوادث في أنحاء العالم.
من جانبه، قلل رئيس هيئة الطاقة النووية السابق، علي عبد النبي، من المخاوف التي تثيرها الدراسة، مشيرًا إلى أن محطة الضبعة النووية من الجيل الثالث للمفاعلات النووية التي تعتمد على اشتراطات أمان تفوق بكثير اشتراطات الأمان في مفاعل تشيرنوبيل الذي يعد من الجيل الثاني من المفاعلات. وأضاف عبد النبي أن المحطة المصرية تعتمد على ما يُعرف بـ “مصيدة قلب المفاعل”، التي تلعب دورًا كبيرًا في تحقيق أعلى درجات الأمان للمفاعل النووي، حيث تعمل كحاجز لمنع انتشار المواد المشعة في البيئة المحيطة، وحصرها في حالة حرارية وحالة طور محكومة حتى اكتمال التبلور.
اقرأ أيضًا:
الخلل التقني العالمي.. هل عطل القطاعات المصرية؟
الشرق الأوسط ومصر في بؤرة الصراع: الحرب الروسية الأوكرانية تعيد تشكيل التحالفات العالمية
إنقاذ الصناعة المصرية.. مبادرة جديدة لإنهاء تعثر ١٢ ألف مصنع متوقف
ممرات إسرائيلية تهدد التجارة المصرية.. ما القصة؟