سياسة

بوتين وكيم جونج..”قمة الشاي والخنجر”



هربًا من آلاف العقوبات الأمريكية الغربية علي بلديهما، وكسرا للعزلة الغربية، التقي الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين، والكوري الشمالي كيم جونج أون، وعبرا لبعضهما البعض عن مشاعر الود والمحبة والتقارب عبر تبادل الهدايا الفاخرة والثمينة، منها سيارة فاخرة روسية الصنع، ومجموعة شاي وأعمال فنية منها خنجرا للأدميرال، بل ورحب كيم بضيفه بوتين في كوريا الشمالية في حفل فخم بمناسبة زيارته الأولى للبلاد منذ ما يقرب من ربع قرن، حيث كانت آخر مرة زار فيها بوتين كوريا الشمالية، في عام 2000، والتقى زعيمها آنذاك كيم إيل سونج.


وفي مشهد أعاد إلينا أجواء الحرب الباردة، وقع بوتن وكيم على “معاهدة صداقة” لإحياء علاقات روسيا مع كوريا الشمالية في سيناريو مشابهه للمعاهدة الأمنية التي وقعت في عام 1961، في ظل الاتحاد السوفييتي واستمرت خلال الحرب الباردة٬ ويكفي أن نعرف أنه بعد زيارة كيم لروسيا ولقائه مع بوتين في سبتمبر من العام الماضي، بشهرين فقط، نجحت كوريا الشمالية في إطلاق قمر صناعي بعدما فشلت في القيام بذلك في المرتين السابقتين. لذا، فالتقارب بين البلدين يمكن أن يحدث الكثير في مجال التكنولوجيا، وخاصة العسكرية منها.


ورغم أن الزيارة كانت مجدولة سلفًا، الا أنها ألقت حجرًا كبيرًا في المياه الراكدة، وأزعجت الغرب وعلي رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اعتبرها المسئولون في واشنطن وفي حلف شمال الأطلسي “الناتو” بأنها تزعزع الاستقرار والأمن في المنطقة وخاصة في شبه الجزيرة الكورية٬ ويعتقد في الغرب، أن كوريا الشمالية تزود روسيا بمخزون ضخم من المدفعية والصواريخ والقذائف الباليستية لدعمها في الحرب علي أوكرانيا، رغم العقوبات الدولية المفروضة على البلدين، بل واتهمت وزارة الدفاع الامريكية، روسيا باستخدام صواريخ بالستية كورية شمالية في أوكرانيا، وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان بيير، إن تسليم الأسلحة من كوريا الشمالية لموسكو أسهم في تعزيز قدرة روسيا على شن حربها “الوحشية” في أوكرانيا، وفي هذا الاطار تخضع القمة بين الرئيسين، لبحث مكثف في مختلف المؤسسات الأميركية المعنية.



توقيت الزيارة لافت للغاية، فهي تأتي بعد شهر واحد من ولاية بوتين الرئاسية الجديدة، وفي وقت دخلت فيه الحرب الروسية الأوكرانية مرحلة خطيرة في ظل انغماس الغرب في مساندة أوكرانيا، ومدها بأسلحة متطورة وهجوميه، ورفع القيود المفروضة على استخدام أوكرانيا الأسلحة الغربية لضرب أهداف داخل روسيا، وهو الأمر الذي طالما حذرت منه موسكو، واعتبرته خطأ أحمر يمكن أن يفتح الصراع مع الغرب علي مصراعيه، بل وربما تستخدم فيه الأسلحة المحرمة دوليًا والخطرة كالأسلحة النووية، أو ربما تدلع فيه حربًا عالمية لا تبقي ولا تذر، ما جعل بوتين يبحث عن شركاءه القدامى، ويرفع ذلك الأمر في سلم أولويات سياسته الخارجية، وفي هذا الإطار جاءت كوريا الشمالية “النووية”، بعدما زار حليفته الأولي “الصين” مؤخرًا٬ وهي تأتي مباشرة بعد قمة جنيف للسلام التي بحثت مستقبل أوكرانيا بدون حضور موسكو، كما تمثل الزيارة تحديًا لمذكرة الاعتقال الصادرة من المحكمة الجنائية الدولية ضد “بوتين” بسبب حرب أوكرانيا، وقبيل الانتخابات الرئاسية الامريكية، التي يتمني الرئيسان بوتين وكيم أن تأتي بدونالد ترامب ساكنا للبيت الأبيض.


وفي أول رد علي الاتفاقية بين روسيا وكوريا الشمالية، أعلنت كوريا الجنوبية، أنها قد تزود أوكرانيا بأسلحة فتاكة لأول مرة٬ فرد “بوتين” محذرًا، من أن هذا سيكون “خطأ كبيرًا” وأن موسكو يمكن أن تتخذ “قرارات من غير المرجح أن ترضي القيادة الحالية لكوريا الجنوبية.


وكشفت تصريحات الزعيمين الروسي والكوري الشمالي، خلال الزيارة، الي أن ما بعد هذه المباحثات ليس كما قبلها، حيث أشار زعيم كوريا الشمالية إلى دور روسيا في الحفاظ على التوازن الاستراتيجي في العالم، وأعرب عن دعمه الكامل للعملية العسكرية الخاصة الروسية في أوكرانيا، فيما أعرب “بوتين” عن تقدير موسكو للدعم “المستمر والثابت” الذي تظهره كوريا الشمالية لروسيا، في كفاحها ضد “سياسة الهيمنة الإمبريالية التي تحاول الولايات المتحدة وتوابعها فرضها عليها منذ عقود، وأنه تم اليوم إعداد وثيقة أساسية جديدة ستشكل أُساسًا للعلاقات بين البلدين لسنوات عديدة قادمة.



ومما أزعج واشنطن تلك العبارة التي وردت في الشراكة الروسية الكورية الشمالية، وهي تنص علي “تقديم المساعدة المتبادلة في حالة العدوان على أحد أطراف هذا الاتفاق” كوضع مشابه للمادة الخامسة في ميثاق “الناتو” حلف شمال الأطلسي من أجل الدفاع المشترك ما فسرته واشنطن من أنها المستهدف الاول من هذه الشراكة، وفي تعليق الناتو علي الزيارة، قال: “إنه وجه دعوة لكوريا الجنوبية لحضور قمة الخلف المقرر عقدها في شهر يوليو المقبل”، مشيرًا بذلك إلى زيادة التعاون الأمني بين الحلف وكوريا الجنوبية.


وبهذه الزيارة، أصبح التعاون العسكري لروسيا مع الصين وكرويا الشمالية ومن قبلهما ايران وبعدهما فيتنام، مهم للغاية ويشمل تبادل خبرات وتكنولوجيا متطورة، يمكن أن تهدد واشنطن وشركاءها في المنطقة مثل كوريا الجنوبية واليابان، وربما يكون ذلك نواة لنظام عالمي جديد، حيث أن التقارب بين روسيا وكوريا الشمالية يمثل تحديًا أيضا لمجلس الأمن وللأمم المتحدة التي فرضت عقوبات علي البلدين وكذلك لمحكمة الجنايات الدولية وربما يغير خريطة العالم الجيوعسكرية.




أبو بكر الديب
أبو بكر الديب كاتب صحفي وباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث ورئيس منتدى تطوير الفكر العربي للأبحاث ومدير تحرير جريده البوابة نيوز من القاهرة ومحلل للأحداث الاقتصادية والسياسية بعدد من القنوات الفضائية الدولية والعربية.

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية