ردود فعل الساسة المصريين تجاه حادثة اغتيال هنية والمفاوضات المصرية
حين جرى اغتيال اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس ورئيس وزراء الحكومة الفلسطينية العاشرة فجر يوم الاربعاء الموافق 31 يوليو 2024 في طهران عاصمة ايران، تبع عملية الاغتيال ردود فعل عربية واقليمية ودولية كبيرة، غير أن تأخر ردة الفعل المصري وغموضه على حادثة الاغتيال صحبها انتقادات كثيرة على هذا التأخر والغموض.
وفى هذا التقرير سوف نتعرف على طبيعة عملية الاغتيال نفسها، وردود الخارجية المصرية وتأرجحها، وأي المؤسسات المصرية التي كان لها الصوت الأقوى في الرد.
طبيعة عملية اغتيال اسماعيل هنية في طهران
في بناية قيد الترميم ومحاطة بالأشجار تسمى دار الضيافة وتقع شمال طهران، تمت عملية اغتيال اسماعيل هنية غداة مشاركته في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان.
وشملت عملية الاغتيال مقتل وسيم أبو شعبان حارس هنية الشخصي٬ وتعالت ردود الفعل الناقلة للخبر ومحاولة تفسيره، حيث قيل بأن العملية تمت عبر قذيفة خرجت من غواصة اسرائيلية حصلت عليها من ألمانيا.
وقيل أيضًا أن الصاروخ خرج من طيارة إف 35 وقيل أنه إنطلق من أذربيجان٬ وقيل بأن الحدث عبارة عن تصفية جسدية عبر أفراد تم تجنيدهم لتنفيذ هذه العملية، وهو إحتمال ضعيف. وقيل أيضًا بأنه تم عبر قنبلة دست للرجل في الحجرة التي يقيم فيها.
ونقلت جريدة نيويورك تايمز معلومات حديثة يوم 3 اغسطس 2024 مفادها أن اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية حصل بعبوة ناسفة تم تهريبها سراً إلى دار الضيافة في طهران حيث كان يقيم. وتم إخفاء القنبلة قبل شهرين تقريباً في دار الضيافة، التي يُديرها ويحميها قوات الحرس الثوري الإيراني، وهذا المكان جزء من مجمع كبير، في حي راقٍ شمال طهران.
وقال مسؤولون إيرانيون بأن القنبلة تم تفجيرها عن بعد، بمجرد التأكد من وجود هنية داخل غرفته في دار الضياف٬ وأدى الانفجار إلى هز المبنى وتحطيم بعض النوافذ، وتسبب في انهيار جزئي لجدار خارجي.
وبحسب المسؤولين الإيرانيين فإن هنية، أقام في بيت الضيافة عدة مرات أثناء زيارته لطهران٬ وأشار ثلاثة مسؤولين إيرانيين إلى أن مثل هذا الاختراق كان بمثابة فشل كارثي للاستخبارات والأمن بالنسبة لإيران وإحراج هائل للحرس الثوري، الذي يستخدم المجمع للخلوات والاجتماعات السرية وإيواء الضيوف البارزين مثل هنية وغيره.
لكن ظل من غير الواضح كيف تم إخفاء القنبلة في بيت الضيافة٬ حيث عبر هؤلاء المسؤولين بأن التخطيط للاغتيال استغرق شهورًا وتطلب مراقبة مكثفة للمجمع.
الموساد الإسرائيلي والتخطيط لاغتيال هنية
وقيل أيضًا أنه بعد بحث وفحص وتمحيص ودراسة كل سيناريوهات الحدث، توصل البعض بأن عملية الاغتيال تمت عن طريق بصاروخين من طراز Spike NLOS انطلقت من على بعد 1.5 كم من على قمة الجبل الواقع شمال مقر إقامة هنية، وفرق الارتفاع 1200متر.
وتمت العملية من قبل الموساد الإسرائيلي بعد أن تم رصد غرفة النوم في الوحدة السكنية العليا في الزاوية الشمالية الغربية للمبنى، وهى مكونة من طابقين وتحوي درج داخلي تم ضربها بصاروخين باستخدام الذكاء الاصطناعي أدى إلى مقتل هنية ومرافقه.
من هو المسؤول عن عملية الاغتيال؟
السؤال الذى يطرح نفسه للنقاش هو من المسؤول عن تنفيذ عملية الاغتيال؟ هل هي اسرائيل؟ أم إيران؟ أم هناك طرف ثالث؟
وفيما يتعلق بإسرائيل، فتقريبًا كل الدول العربية وكثير من الدول الأخرى اتهمت اسرائيل صراحة بتنفيذ عملية الاغتيال لرغبتها في تقويض عملية السلام، كونها تتواءم مع نهج رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في استمرار الحرب٬ غير أن ردود الفعل الإسرائيلية على اغتيال هنية بحسب ما نقلت وسائل إعلامها بين الحديث عن الاحتياطات الأمنية، أو الإشادة بالعملية والترحيب الشعبي الكبير بها، وعدم اخبار الولايات المتحدة الامريكية بطبيعة العملية، يقلل من صدقية الاتهام، وهو ما ترغب فيه اسرائيل.
فهي لم تعترف باغتيال هنية ولكنها اعترفت باغتيال فؤاد شكر صراحةً٬ وربما يكون عدم التصريح الإسرائيلي باغتيال هنية هو هدف مدروس من قبلها لتعمية الجميع عنها وتشكيك الجميع في ايران.
ولعل تعبير نتنياهو “أنا لست جيمس بوند أنا نتنياهو .. بنيامين نتنياهو”، يدور حول عملية التضليل الإسرائيلية التي تجرى٬ وربما عدم وجود إسماعيل هنية على قائمة الاغتيالات الاسرائيلية المطلوبة بسرعة، كونه لاعبًا معتدلاً في عملية التهدئة، وأن حماس الداخل هي المسؤولة عن تأخير التهدئة نظرًا لطبيعة الترتيبات الأمنية داخل غزة بعد وقف الحرب، هو الذى يبتعد بإسرائيل عن عملية الاغتيال المباشرة.
وهناك من يرى بأن عمليتي اغتيال فؤاد شكر في قلب لبنان وإسماعيل هنية في قلب طهران خلال 12 ساعة فقط، يشير إلى أن نتنياهو عاد من واشنطن ومعه الضوء الأخضر من أمريكا لتنفيذ عمليات خاصة في المنطقة٬ وأن هدف نتنياهو واضح وهو وضع أوراق توسيع الحرب على الطاولة، مراهنًا على إنزلاق إيران وأذرعها في المنطقة، اتساقًا مع جنونه المفرط، وسعيه لتوريط أمريكا بحرب مباشرة مع إيران.
لذا فان ذهاب إيران لتوجيه أصابع الإتهام لإسرائيل مباشرةً بعملية الاغتيال جعل البعض يقبلون الرواية الإيرانية ويطرحون السؤال كيف سيكون الرد؟ وهل سترد إيران؟ أم ستوكل المهمة إلى أحد أذرعها؟ وهل سيصل الرد إلى إمكانية حدوث حرب مفتوحة، مع أن مصلحة إيران وأذرعها هو الوصول إلى تسوية وإنهاء الصراع قبل انتهاء ولاية بايدن واستلام ترامب وادارته مطلع السنة المقبلة.
ردود الفعل العربية والدولية على عملية الاغتيال
تقريبًا كل الدول العربية والدولية انتقدت عملية الاغتيال، فقد شجبت تركيا الاغتيال، وصرّحت وزارة الخارجية التركية بأن الحكومة الإسرائيلية ليس لديها نية لتحقيق السلام٬ وأكد الرئيس رجب طيب أردوغان بأن هذا العمل لن يكسر إرادة الشعب الفلسطيني. وفي قطر، وصفت الحكومة الاغتيال بأنه جريمة شنيعة وتصعيد خطير”. في حين أعرب رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي عن قلقه من تداعيات الاغتيال، فيما حذرت دمشق من أن استهتار إسرائيل بالقوانين الدولية قد يقود إلى انفجار المنطقة. وعبرت العراق وسلطنة عمان عن استنكارهما للعملية، معتبرين إياها تهديداً للأمن الإقليمي.
وفي إيران، توعد المرشد الأعلى علي خامنئي بالانتقام من إسرائيل. ونعى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان شريكها في الأحزان والأفراح والرفيق الدائم في درب المقاومة قائد المقاومة الفلسطينية الشجاع وشهيد القدس إسماعيل هنية.
وكذا ندد وزير الخارجية الجزائري بعملية اغتيال هنية الغادرة والشنيعة. وأدانت العراق اغتيال هنية واعتبرته انتهاكا يهدد المنطقة.
وأكدت كتائب القسام أن اغتيال هنية “ينقل المعركة لأبعاد جديدة. وتتابعت الردود العربية تترا تندد بهذه الجريمة وتدينها.
وعلى الصعيد الدولى نددت روسيا عبر نائب وزير خارجيتها، واصفة الحدث بأنه “جريمة سياسية غير مقبولة، ودعت الصين إلى وقف إطلاق النار لتجنب التصعيد.
وعبر المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية بأن الصين تشعر بقلق بالغ بشأن الحادثة وأنهم يعارضون بشدة عملية الاغتيال ويدينونها في حين راح البيت الأبيض لا يعلق على الحدث إلا بكون امريكا على علم بالتقارير التي تتحدث عن مقتل إسماعيل هنية.
وتتابعت ردود الفعل الاقليمية فأدانت الخارجية الباكستانية اغتيال هنية، وقالت بأنها تنظر ببالغ القلق إلى المغامرة الإسرائيلية في المنطقة، وكذا فعلت ماليزيا فأدانت اغتيال هنية.
تأخر الرد المصري
إذا نظرنا إلى طبيعة الرد المصري الرسمي على اغتيال هنية فإننا لن حتى كتابة التقرير لن نجد إدانة صريحة تسمى إسماعيل هنية في أي من تعليقاتها، بل عبارة عن تعبيرات مطاطة وفضفاضة ويحتمل تأويلها.
وربما يكون هذا مرتبط بطبيعة العلاقة بين حماس والدولة المصرية، بحكم ارتباط حماس بجماعة الاخوان المسمين المصرية تاريخيًا، رغم نفى حماس المتكرر لهذا الارتباط. بل إن هناك مشهد في مسلسل الاختيار يظهر فيه إسماعيل هنية، عبر مكالمة صوتية، يتحدث فيها مع الرئيس محمد مرسي عن قتل جنود مصريين.وربما ساهم هذا المشهد في تشويه صورة هنية عند الشعب المصري، دون التفكير بأن إسماعيل هنية استقبلته مصر وجعلته مفاوضها المفضل لآخر لحظة في الوساطة بين حماس واسرائيل.
اقرأ أيضًا:
زيارة بلينكن لمصر، والضغط على حماس لقبول مقترح بايدن
كواليس العبور لمصر من معبر رفح.. مأساة يرويها نازحون
هل أضرت حرب غزة بالعلاقات المصرية الإسرائيلية أم فتحت بابا لازدهارها؟
الاحتلال الصهيوني يكمل سيطرته على محور فيلاديلفيا وسط صمت مصري رهيب.. ما الأمر؟
بيان الخارجية المصرية بشأن حادثة الاغتيال
وإذا كان الكثيرون ينتقدون تأخير الدولة المصرية لحادثة اغتيال هنية، فيمكن الرد على هؤلاء بالبيان الذى نشرته الخارجية المصرية على صفحتها بمنصة فيسبوك يوم الحادث نفسه، حيث ورد فيه: “أدانت جمهورية مصر العربية في بيان صادر عن وزارة الخارجية يوم الأربعاء ٣١ يوليو الجاري، سياسة التصعيد الاسرائيلية الخطيرة خلال اليومين الماضيين”.
واعتبرت مصر أن هذا التصعيد الخطير ينذر بمخاطر إشعال المواجهة في المنطقة بشكل يؤدى إلى عواقب أمنية وخيمة، محذرة من مغبة سياسة الاغتيالات وانتهاك سيادة الدول الأخرى وتأجيج الصراع في المنطقة”. وعلى هذا أدانت الدولة المصرية الاغتيال بطريقة غير مباشرة، حيث لم تكن هناك اى عملية اغتيال صبيحة هذا اليوم إلا اغتيال هنيه. وبالتالي فإن مصر عبرت بطريقتها عن الادانة.
وربما تكون أضافة وزارة الخارجية ببيانها بأنها “طالبت مجلس الأمن والقوى المؤثرة دولياً، بالاضطلاع بمسؤوليتهم في وقف هذا التصعيد الخطير في الشرق الأوسط، والحيلولة دون خروج الأوضاع الأمنية في المنطقة عن السيطرة، ووضع حد لسياسة حافة الهاوية، يقطع بأن مصر قد نقلت القضية مباشرة الى مجلس الأمن الدولي.
ولعل اضافة الخارجية المصرية لبيانها “اعتبرت جمهورية مصر العربية أن تزامن هذا التصعيد الإقليمي، مع عدم تحقيق تقدم في مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة، يزيد من تعقيد الموقف ويؤشر الى غياب الإرادة السياسية الإسرائيلية للتهدئة، ويقوض الجهود المضنية التي تبذلها مصر وشركائها من أجل وقف الحرب في قطاع غزة ووضع حد للمعاناة الإنسانية للشعب الفلسطيني، يقطع بأن الرغبة المصرية في استكمال دورها في الوساطة ووقف الحرب، كان غالبًا على ادانتها الصريحة لعملية الاغتيال.
لكن اعتقد أن خروج البيان بهذا الشكل، وبتلك الكلمات الفضفاضة، يعبر عن القبول المصري لرواية إيران بأن اسرائيل تقف وراء عملية الاغتيال دون خروج كلمة واحدة مباشرة تورط مصر في هذه الادانة.
ولم تكتف الدولة المصرية بهذه الإدانة غير المباشر لعملية الاغتيال، فبالنظر لنشاطات وزارة الخارجية المصرية في يوم الاغتيال 31 يوليو نفسه، سنجد أنه حدث اتصال هاتفي بين وزير خارجية مصر والاردن حمّل فيه الوزيران إسرائيل مسؤولية التصعيد الخطير الذي تشهده المنطقة جراء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وانتهاكات القانون الدولي والممارسات غير الشرعية في الضفة الغربية والاغتيالات السياسية، وطالبا مجلس الأمن الدولي باتخاذ قرار ملزم يفرض على إسرائيل وقف عدوانها على غزة وخروقاتها المستمرة للقانون الدولي، وهذا ما يؤكد على ادانة غير صريحة لعملية اغتيال هنية بصورة فضفاضة.
حيث أكد الوزيران ضرورة العمل على التهدئة للحيلولة دون انزلاق المنطقة في صراع إقليمي شامل يعصف بالاستقرار في الشرق الأوسط ،وأدان الوزيران في هذا الصدد الاغتيالات السياسية.
رد فعل مؤسسة الأزهر القوى على عملية اغتيال هنية
تفاعل الأزهر الشريف منذ عمليات 7 أكتوبر 2023، وما أعقبها من ردة الفعل الاسرائيلية الانتقامية من شعب أعزل، حيث أدان قتل المدنيين الفلسطينيين، وإن مقاومة الشعب الفلسطيني بثت في المسلمين الروح والثقة، وأعادت لهم الحياة بعد أنْ ظنَوا أنها لن تعود مرة أخرى.وبهذا كان الأزهر جنبًا إلى جنب منذ أول يوم مع الفلسطينيين، رافضًا العمليات الانتقامية الاسرائيلية. وراح بيت الزكاة والصدقات تحت إشراف شيخ الأزهر يطلق العديد من القوافل الإغاثية لأهل غزة.
ردود فعل شعبية مصرية
بالنظر للبرلمان المصري لم نجد إلا برلمانيًا واحد يعلق على اغتيال هنية على أنه اغتيال مناضل ويحمل دلالات خطيرة.
لكن لم يظهر البرلمان أي ردود رسمية على هذه العملية، بما يدلل على أنه مرتبط بخط الدولة المصرية وسياستها، ولم يكن قريبًا من الشارع المصري في موجة الغضب التي انطلقت من أقصى الدولة المصرية لأقصاها تدين جريمة الاغتيال وتدعو للفلسطينيين بالنصر.
ولو طالعنا التعليقات والكتابات على وسائل التواصل الاجتماعي كفيس بوك وتويتر وانستجرام وغيرها، لوجدها ملايين التعليقات على عمليات الاغتيال، تدين العملية وتطالب بموقف رسمي احيانا منها.