“قانون الإجراءات الجنائية”.. ولادة متعسرة واعتراضات حقوقية ونقابية
أثارت التعديلات الجديدة على قانون الإجراءات الجنائية، المكونة من 540 مادة موزعة على سبعة كتب، جدلاً واسعًا في الشارع المصري، رغم إعلان اللجنة التشريعية بمجلس النواب، في 11 سبتمبر الجاري، الانتهاء من مناقشتها وإحالتها للجلسة العامة تمهيدًا للموافقة النهائية، إلا أن ذلك رافقه حالة من الغضب، خاصة بين الصحفيين.
وتضمن بيان لجنة الشؤون التشريعية والدستورية بمجلس النواب عبارات مثل: “حرية الرأي لا تعني تشويه الحقائق بدعوى حرية التعبير”، “لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ادعاءات مغرضة تهدف إلى إرباك الرأي العام وزعزعة الثقة في مؤسسات الدولة، حتى لو صدرت من أناس يستترون خلف جدار حرية الرأي”؛ ما دفع عددًا من الصحفيين لمطالبة اللجنة بالاعتذار؛ قبل أن يصدر البرلمان بيانًا يؤكد فيه أن الحوار الوطني يُعَدُّ إحدى الركائز الأساسية لتعزيز التلاحم بين مختلف شرائح المجتمع، ويوضح إمكانية تبادل الأفكار والرؤى التي تسعى إلى تحقيق المصالح الوطنية العليا.
ولفت البيان إلى أنه أخذ عددًا من توصيات الحوار أدواتٍ قيِّمةً يمكن لمجلس النواب الاستفادة منها في إعداد تشريعات تتماشى مع تطلعات المجتمع وتستجيب للتحديات الحالية، موضحًا أنه درس توصيات لجنة حقوق الإنسان والحريات العامة بالحوار الوطني بشأن الحبس الاحتياطي والعدالة الجنائية، وأدمج بالفعل عددًا من هذه التوصيات في مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد من أبرزها: تقليص مدد الحبس الاحتياطي ووضع حد أقصى لها.
وأكد مجلس النواب على أن الباب مازال مفتوحًا لمناقشة أية تعديلات قد يراها البعض ضرورية على مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، طالما تهدف إلى إرساء نظام عدالة ناجز وتسعى لتعزيز الحقوق والحريات العامة، فالغاية المشتركة تظل تحقيق العدالة وضمان حماية حقوق الجميع.
إخلال جسيم وتعطيل كبير في عمل السلطة القضائية
واعترض نادي القضاة على تعديلات الإجراءات الجنائية، لافتًا إلى أن قانون الإجراءات الجنائية هو دستور مصر الثاني الذي شارك في وضعه وتعديله علماء وفقهاء على مر السنين، وأن رفضهم لهذه التعديلات هو رفض موضوعي متجرد ومسؤول، وأنه سيقدم إلى رئيس الجمهورية مسببًا ومؤيدًا بنصوص الدستور.
ولفت “القضاة” إلى أنه لا يليق بمصر صدور أهم قوانينها متضاربًا متناقضًا في مواده، وأن هذه التعديلات ستؤدي إلى إخلال جسيم وتعطيل كبير في عمل السلطة القضائية في المحاكم والنيابات، مؤكدًا أنهم لا يبحثون عن مكتسبات خاصة أو تمييز شاذ يعوق حسن سير العدالة، وأن الغاية دائما استقامة ميزان العدل بين جميع الخصوم وإنجاز العمل دون إخلال أو تعطيل.
وجاء الخلاف حول المادة 242، التي اعتبرها القضاة تقليلًا من هيبة المحكمة، إذ تضمنت الصيغة التي وافقت عليها اللجنة عبارة “مع عدم الإخلال بالضمانات المقررة في قانون المحاماة وتعديلاته”، وإحالة “مذكرة رئيس الجلسة” إلى النيابة بدلًا من “إحالة المحامي للنيابة حال ارتكابه جريمة من جرائم الجلسات”.
الصحفيين” تدعم الحوار المجتمعي
بدورها كان لنقابة الصحفيين موقفها من التعديلات، إذ أصدرت أكثر من بيانًا حول المشروع كما عقدت مؤتمرًا لمناقشته، موضحةً أن المشروع نوقش وطُرح على نحو يثير كثيرًا من علامات الاستفهام.
وقال محمود كامل مقرر لجنة الحريات بالنقابة في تصريحات خاصة لـ وكالة “MENA“: إن موقف النقابة خلال المرحلة المقبلة سينصب حول دعم الحوار المجتمعي لبيان المنشود من التعديلات الجنائية وأسباب الاعتراض التي سطرها لجنة من المعنيين بالشأن الحقوقي وذلك من خلال المناقشات وعمل الندوات.
وجددت نقابة الصحفيين مطالبها بضرورة وقف مناقشة مشروع القانون، والبدء في حوار مجتمعي حقيقي لوضع قانون جديد يستجيب لتطلعات المجتمع، مشددة على ضرورة مراجعة المشروع من قبل لجنة من خبراء القانون الدستوري والقانون الجنائي والقانون الدولي العام وعدد معتبر من القضاة والمحامين وغيرهم من أصحاب المصلحة، قبل الاستمرار في مناقشته داخل اللجنة التشريعية أو عرضه على البرلمان.
نقيب الصحافيين المصريين خالد البلشي
أزمة الصحفيين
“اللجنة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام ادعاءات مغرضة تهدف إلى إرباك الرأي العام وزعزعة الثقة في مؤسسات الدولة، حتى ولو صدرت من أناس يستترون خلف جدار حرية الرأي” تسببت هذه العبارة من اللجنة التشريعية في إثارة غضب الصحفيين التي قابلتها بالاستنكاروالسخرية.
وعقب محمد الجارحي عضو مجلس النقابة على العبارة ساخرًا: “في طريقي لأتستر خلف جدار الحرية (نقابة الصحفيين)” ، وتفاعل عدد كبير من الصحفيين معه بكريكاتير: “اطلعي من خلف جدار الحرية يا بلشي“.
وأشار الحقوقي نجاد البرعي، العضو السابق لمجلس حقوق الإنسان المصري، إلى أنه بتاريخ الأحد، الأول من سبتمبر وعقب ندوة نظمتها نقابة الصحفيين افتتح أعمالها نقيب الصحفيين، وقدمت فيها أوراق عمل ومداخلات شفوية أساسية من المحامين بالنقض نجاد البرعي وجمال سويد وناصر أمين، ومن عضو مجلس النواب المهندسة مها عبد الناصر كلفت النقابة المحامي بالنقض نجاد البرعي بتقديم ورقة بالملاحظات على مشروع القانون المطروح من واقع المداخلات والأوراق التي قُدمت بالندوة أو غيرها.
وقال: “بصرف النظر عن أية تعديلات فإننا نري أن المشروع بشكل عام يتعين مراجعته من قبل لجنة من خبراء القانون الدستوري والقانون الجنائي والقانون الدولي العام وعدد معتبر من القضاة والمحامين وغيرهم من أصحاب المصلحة، قبل الاستمرار في مناقشته داخل اللجنة التشريعية أو عرضه على البرلمان”.
اعتراضات حزبية
وأعرب حزب “المصريين الأحرار” عن تحفظاته ومطالبه بمراجعة مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، مشددًا على أن نجاح أي إصلاح قانوني يعتمد على التطبيق الفعلي ومراقبة التنفيذ بدقة لضمان عدم الانحراف عن أهدافه المعلنة، مؤكدًا على ضرورة توفير الوقت الكافي للنقاش المستفيض حول مشروع القانون، ومشيرًا إلى تحفظه بشأن عدد من المواد الواردة في مشروع القانون، وأن بعض النصوص تحتاج إلى تصويب لتتوافق مع القواعد الدستورية والأحكام السابقة لمحكمة النقض.
وأوضح الحزب أن من بين هذه المواد، المادة التي تنص على إحالة المحامي إلى النيابة العامة أو رئيس المحكمة في حال حدوث “تشويش” خلال الجلسات، معبرًا عن قلقه من صياغة المادة 47 التي تستثني رجال السلطة العامة من حكم المادة 46 المتعلقة بدخول المنازل أو المحال المسكونة في حالات الخطر أو الاستغاثة، وهي المادة التي سبق أن قضت المحكمة الدستورية بعدم دستوريتها، معلنًا معارضته للنصوص التي تمنح النيابة العامة الحق في الحلول محل المتهم والقيام بالمعارضة في الأحكام الغيابية ثم استئنافها دون علم المتهم، معتبرًا أن هذا الإجراء يتعارض مع مبدأ العدالة.
المحامون راضون عن المناقشة”.. واعتراضات القضاة: “مش ظريفة”
وقال المحامي مجدي سخي، عضو مجلس نقابة المحامين في تصريحات خاصة لمنصة “MENA“، إن جميع التعديلات التي ناشدت بها النقابة لاقت استجابة من قبل اللجنة التشريعية، موضحًا أنه حال الطرح لحوار مجتمعي ستشارك النقابة لا محالة.
وأوضح سخي قائلاً: “تمت الموافقة على كافة الاقتراحات والتعديلات التي تقدمنا بها، تقريبًا الأمور مُرضية بالنسبة لنا، ولكن إذا تم طرح التعديلات للحوار المجتمعي، سنشارك بالتأكيد لأننا طالبنا بمزيد من المناقشات والاقتراحات، مع إتاحة فترة أطول.”
ولفت سخي إلى أن بيان نادي القضاة “مش ظريف وميصحش”، متابعًا: “بنصحهم يقرأوا المادة الخامسة من الدستور، لأن مش اللي في القاعة محامين بس فيه ناس كتير ومش تمكين القاضي من معاقبة المحامين هو اللي هيدي ليهم الحريات ويخليهم راضيين”.
أسباب انتخابية وسياسية
ورأى عبد المنعم إمام رئيس حزب العدل أن بيان نادي القضاة يحمل الكثير من علامات الاستفهام، خاصة لمشاركتهم كافة النقاشات بلجنة الشئون الدستورية والتشريعية دون اعتراضات أو ملاحظات جوهرية باستثناء مواد نقابة المحامين، وأن البيان موجه لزملائهم من الحاضرين عن مجلس القضاء والنيابة العامة لأسباب انتخابية وسياسية.
وأوضح إمام أن نادي القضاة استخدم مصطلحات من نوعية “موقف في سجلات التاريخ”، “ومتجرد”، وهي أوصاف تمثل عدوانا على السلطة التشريعية وكأننا كنواب نقف ضد التطور والتاريخ ونحتاج إلى هذه المواقف “المتجردة والتاريخية” وكأننا معتدين، مضيفًا لو هدفهم النقاش فكان من الممكن أن يكون بيان واضح بالملاحظات والمواد وأسباب التعديل زي ما نقابة المحامين عملت بدل الكلام الرنان الكبير ده.
وألمح إلى أن قضاة النادي “بينسوا ويتناسوا” إنهم الطرف الأقوى في العلاقة اللي بينظمها القانون ده واللي اسمه” قانون الإجراءات الجنائية” وهدفه الأول تنظيم الإجراءات لحماية الطرف الأضعف وهو “المتهم” و”محاميه” من الطرف الأقوى صاحب السلطة وهو النيابة والقضاة وأي ملاحظات من السلطة القضائية حتى لو كانت في “صميم عملهم” فستبقى من صاحب السلطة الأقوى المخاطب في هذا التشريع وتراعي مصلحة هذا الطرف مهما استخدمت من شعارات رنانة عن “العدالة والحياد بين الخصوم”، ونعلم جميعًا أنه بدون نصوص واضحة تترجم هذه العدالة والحياد وتضع الحدود وحازمة ستبقى أمنيات جميلة.
وقال: “كل ده وأنا لم أذكر الموقف التاريخي الحقيقي لممثل النادي اللي كان متبني بالفعل لمقترح على مادة تنطوي على مخالفة صريحة للمادة 54 من الدستور، تخل بحقوق الدفاع والمحامين ورفضت اللجنة ونقابة المحامين المقترح، ومن هنا غضب واشتاط ممثل نادي القضاة مهددا إنه سيصدر بيان يندد بالقانون كله”، مختتما: “غضب النادي يؤكد أن المجلس على حق، ولو أفرج المجلس عن مضابط لجنة الشئون الدستورية والتشريعية هنشوف إن النادي زعلان لأن في انتقاص من سلطته في حبس المتهمين والمحامين وإن كل الكلام الكبير هو لحماية السلطة الأقوى وتحويلها إلى سلطة مطلقة لا يراجعها أحد وأن الغضب سببه الحقيقي تنظيم السلطة بحيث لا تصبح مطلقة”.
كيف يظهر “الحبس الاحتياطي” في مشروع القانون الجديد؟
ويعوّل كثيرون على ما تضمنه مشروع القانون الجديد من مواد، خاصةً فيما يتعلق بالحبس الاحتياطي، معتبرين أنه يمثل أحد المكتسبات الهامة، خصوصًا بعد إعلان الرئيس المصري خلال جلسات الحوار الوطني، إذ نص المشروع على تقليص مدد الحبس الاحتياطي ووضع حد أقصى لها؛ مؤكدًا أن مدة الحبس الاحتياطي لا تتجاوز أربعة أشهر في الجنح (بدلًا من ستة)، واثني عشر شهرًا في الجنايات (بدلًا من ثمانية عشر)، وثمانية عشر شهرًا في القضايا المتعلقة بالسجن المؤبد أو الإعدام (بدلًا من سنتين)، كما حددت مدة حبس المتهمين في محكمة النقض حتى لا تتجاوز سنتين، بعدما كانت غير محددة في القانون الحالي.
كذلك، تضمن المشروع السماح بالتظلم من قرارات الحبس الاحتياطي بالطرق الإلكترونية، إذ اشتملت المواد (164 وما بعدها) على صياغات متكاملة للتظلم من الأوامر المختلفة، بما في ذلك الحبس الاحتياطي، سواء بالوسائل التقليدية أو الإلكترونية (المواد 525 وما بعدها).
كما ألغى مشروع الإجراءات الجنائية القانون رقم (83) لسنة 2013 بشأن تعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية، والذي منح لمحكمة النقض ومحكمة الإحالة، في حال صدور حكم بالإعدام أو السجن المؤبد، الحق في حبس المتهم احتياطيًا لمدة خمسة وأربعين يومًا قابلة للتجديد دون مدة محددة، إذ جاءت المادة (124) في مشروع القانون لتقيد سلطة محكمة النقض، حتى لا تتجاوز مدة الحبس الاحتياطي سنتين، كما نصت المادة (524) على إمكانية طلب التعويض عن كل يوم حبس احتياطي.
إضافة إلى ذلك، نص المشروع على أن تكون قرارات المنع من السفر أو الإدراج على قوائم الوصول والتحفظ على الأموال صادرة عن سلطة قضائية تحقيقية، بمناسبة قضية منظورة، وأن يكون هذا القرار مسببًا ومحددًا بمدة زمنية معقولة، حتى لا تزيد على مدة الحبس الاحتياطي، وضمن هذا المقترح في المواد (147، 148، 149) من مشروع القانون، كما تم تنظيم آلية التظلم من أوامر المنع من السفر.
وفيما يتعلق بالأوضاع الاستثنائية التي تتطلب تجديد حبس المتهمين عن طريق التقاضي الإلكتروني، نص المشروع على أولوية حضور المحامي مع المتهم في نفس مكان تواجده (أي في محبسه)، كما تم تضمين هذا الاقتراح في الباب المتعلق بإجراءات التحقيق والمحاكمة عن بُعد (المواد 525 وما بعدها)، والذي نص صراحة على حضور المحامي مع المتهم وعدم الفصل بينهما خلال إجراءات التقاضي عن بُعد.
اقرأ أيضًا:
بيزنس الجامعات الخاصة.. ما الهدف من السياسة التعليمية الحالية؟
الابتزاز الرقمي والمعلوماتي وجهود مباحث المعلومات
نقل تبعية “الصندوق السيادي”.. ما القصة؟
استرداد الآثار المصرية من الخارج: حملات شعبية وجهود أكاديمية
الصناعة في مصر: مشكلات تمويلية وحلول بيروقراطية