تحليلات

كيف تواجه مصر “فاتورة موقعها الجغرافي”؟

تواجه مصر تحديات متزايدة نتيجة الحرب على غزة، انعكست بشكل مباشر على قطاعات حيوية للاقتصاد المصري مثل السياحة، وقناة السويس، وتحويلات المصريين من الخارج، وتدفقات رأس المال.

 

ومع استمرار الصراع، برزت تداعيات ملحوظة على الأمن القومي المصري، خاصة على الحدود الشرقية المتاخمة لقطاع غزة.

 

خلفية النزاع

 

في 7 أكتوبر 2023، أطلقت حركة حماس عملية “طوفان الأقصى” ردًا على الانتهاكات الإسرائيلية في المسجد الأقصى والضفة الغربية، بالإضافة إلى الحصار المفروض على غزة منذ عام 2007، على الناحية الأخرى جاء الرد الإسرائيلي عنيفًا، وأسفر عن مقتل عشرات آلاف الفلسطينيين.

 

وفي مواجهة هذا التصعيد، كثفت مصر جهودها الدبلوماسية لوقف العدوان الإسرائيلي، إذ دعت عبر مختلف المنابر الدولية إلى تحقيق هدنة ووقف المجازر. كما نجحت مصر بالتعاون مع قطر في التوسط لفرض هدنة مؤقتة، وإتمام صفقة لتبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي.

 

الأثر الاقتصادي على مصر

 

وتُعاني مصر من أزمات اقتصادية ممتدة منذ عام 2011 بسبب التوترات السياسية في الربيع العربي، إلى جانب التأثيرات السلبية لجائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، حيث تعتمد بشكل كبير على استيراد القمح والذرة الصفراء من روسيا وأوكرانيا.

 

وجاءت الحرب في غزة لتضيف مزيدًا من الضغوط على الاقتصاد المصري. فقد تأثرت السياحة بشكل مباشر، إلى جانب انخفاض قيمة الجنيه وارتفاع أسعار السلع الأساسية، مما زاد من الأعباء المعيشية على المواطنين.

 

أدى تصاعد الصراع إلى نزوح آلاف الفلسطينيين باتجاه الحدود المصرية، حيث يُقدّر عددهم بحوالي 100 ألف شخص، ما فرض تحديات إضافية على مصر، التي تستضيف بالفعل أكثر من 600 ألف لاجئ سوداني. ورغم الأزمات الاقتصادية، تواصل مصر تقديم الدعم الإنساني لهؤلاء اللاجئين، مما يؤكد التزامها بدورها الإقليمي والإنساني.

 

القضية الفلسطينية

 

ورفضت مصر بشدة المطالبات الإسرائيلية بترحيل الفلسطينيين إلى سيناء، معتبرة أن هذا الحل يشكل تهديدًا خطيرًا لأمنها القومي وللقضية الفلسطينية.

 

ومن المؤكد أن استقبال أعداد كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين في سيناء قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة الحدودية، فضلًا عن احتمال عودة التنظيمات الجهادية المسلحة التي نجحت مصر في القضاء عليها خلال السنوات الماضية.

 

 

التوترات مع إسرائيل

 

ورغم معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1978، والتي ساهمت في تحقيق استقرار اقتصادي نسبي لمصر على مدار أكثر من أربعة عقود، تأثرت العلاقات الثنائية بشكل سلبي نتيجة الحرب على غزة.

 

وتفاقم التوتر بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية على الحدود، إلى جانب مطالبات إسرائيل المتكررة بالسيطرة على معبر رفح، وهو ما ترفضه مصر بشكل قاطع، مؤكدة سيادتها على المعبر ورفضها لأي تدخل خارجي في إدارة شؤونها الحدودية.

 

تداعيات التوتر على قناة السويس

 

وتأثرت قناة السويس، أحد أهم مصادر الدخل القومي المصري، بالتصعيد الإقليمي، خاصة الهجمات الأخيرة التي نفذها الحوثيون ضد السفن في البحر الأحمر. أسفرت هذه الهجمات عن خسائر تُقدر بحوالي 6 مليارات دولار من إيرادات القناة، مما يبرز تأثير التوترات الإقليمية على الاقتصاد المصري.

 

هذا الواقع دفع مصر إلى تكثيف جهودها الدبلوماسية للمطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة والعمل على استعادة الاستقرار الإقليمي، لتجنب المزيد من التدهور الاقتصادي الناتج عن الأزمات المتشابكة.

 

كذا تسببت الأحداث الجارية بغزة في تراجع جاذبية مصر كوجهة سياحية، نتيجة تصاعد التوترات على حدودها الشرقية، مما أثر بشكل مباشر على أحد أبرز القطاعات الاقتصادية في البلاد. كما أن هذه التطورات الإقليمية زادت من صعوبة الجهود المصرية لجذب الاستثمارات الأجنبية، وهو ما انعكس بشكل سلبي على قيمة الجنيه المصري وارتفاع أسعار السلع الأساسية، مما زاد من الأعباء على المواطنين في بلد يتجاوز عدد سكانه 100 مليون نسمة.

 

التحديات الإقليمية

 

ولا تقتصر التحديات التي تواجه مصر على الأزمات الاقتصادية والأمنية المرتبطة بالصراع في غزة؛ إذ يستمر ملف سد النهضة الإثيوبي في تشكيل تهديد استراتيجي. ترفض مصر القرارات الأحادية التي تتخذها إثيوبيا بشأن إدارة السد، والتي قد تؤثر على حصصها التاريخية من مياه النيل.

 

ورغم هذه التحديات، تحافظ مصر على دورها القيادي في العالم العربي، مؤكدة التزامها بدعم القضية الفلسطينية. كما تدعو باستمرار إلى وقف إطلاق النار في غزة وتحذر من مخاطر اندلاع حرب إقليمية شاملة قد تُفاقم الأوضاع المتوترة في المنطقة.

 

منذ توليه السلطة، يعمل الرئيس عبد الفتاح السيسي على تعزيز الأمن والاستقرار المجتمعي في مصر. وقد نجحت الدولة في تحقيق مستويات كبيرة من الأمن بعد فترة من التوترات التي أعقبت ثورة 25 يناير 2011، إلى جانب جهود تنموية شملت سيناء بعد مواجهة طويلة مع الإرهاب.

 

وأكد الرئيس السيسي مرارًا أن المواطن المصري جزء لا يتجزأ من العالم العربي، ويتأثر بما يعانيه الأشقاء الفلسطينيون. كما شدد على أن القضية الفلسطينية تظل القضية المركزية للعالم العربي.

 

ورغم حالة الغضب الشعبي التي أشعلتها الأحداث في غزة، إضافة إلى التأثير السلبي على الاقتصاد، تواصل مصر دعمها الثابت للشعب الفلسطيني. كما تسعى للقيام بدور فاعل في تهدئة الأوضاع وضمان استقرار المنطقة بأسرها، انطلاقًا من مسؤوليتها الإقليمية والتزامها بالقضايا العربية.

 

اقرأ أيضًا:

 

بعد مزاعم إسرائيلية.. ما حقيقة تهريب أسلحة من مصر لغزة؟

 

هل تستطيع مصر إعادة ترتيب البيت الفلسطيني بين فتح وحماس؟

 

كيف احتلت إسرائيل فلسطين؟

 

العودة المستحيلة.. مأساة المهجّرين شمال شرق سيناء

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية