تحليلات

ما بين شح السيولة وضعف التداول.. البورصة تجيب

ما بين شح السيولة وضعف التداول البورصة تجيب

من بين 101.49 تريليون دولار القيمة السوقية لأسواق المال العالمية تقف البورصة المصرية في مكانة متواضعة عند 38.8 مليار دولار.

انخفاض المستثمرين الجدد من الأفراد إلى 69.3 ألف خلال الربع الأول من 2024 مقابل 126.2 ألف خلال الربع المماثل من 2023.

رغم المؤشرات الجيدة التي حققها الاقتصاد المصري، خلال السنوات الماضية، من ارتفاع النمو وتراجع البطالة والتضخم، فضلاً عن اقامة مشروعات تنموية.

علي رأسها العاصمة الإدارية الجديدة، وتطبيق برنامج للإصلاح الاقتصادي منذ عام 2016، إلا أن أداء سوق الأوراق المالية “البورصة”.

كان أقل من باقي الأسواق المالية في العالم، أو حتي علي مستوي المنطقة العربية، والشرق أوسطية، وكذلك الأسواق الناشئة.

وظهر علي البورصة، اتجاه عام من شح السيولة وضعف التداول وتراجع عدد المستثمرين.

انخفاض المستثمرين

فقد انخفض المستثمرون من الأفراد إلى 69.3 ألف خلال الربع الأول من 2024، مقابل 126.2 ألف خلال الربع المماثل من 2023.

ومن بين 101.49 تريليون دولار، هي القيمة السوقية لجميع أسواق المال العالمية بحسب الإتحاد الدولي للبورصات.

تقف البورصة المصرية، في مكانة متواضعة، مقارنة بحجم الاقتصاد المصري، ما يثير تساؤلا كبيرًا حول الأسباب.

وتكشف لنا بيانات الاتحاد الدولي للبورصات، أنه في ديسمبر 2023، بلغت قيمة الأسهم المتداولة في بورصات العالم نحو 10.64 تريليون دولار.

البورصات العالمية

تمثل نحو 53.29 مليار شركة مدرجة عالميًا ومحليًا، وكانت أعلى البورصات العالمية من حيث القيمة السوقية هي بورصتا نيويورك بنحو 25.3 تريليون دولار، وناسداك، بـ 19.97 تريليون دولار.

ثم جاءت بورصة شنغهاي الصينية في المركز الثالث بقيمة سوقية بلغت 6.39 تريليون دولار، ثم بورصة يورونكست الأوروبية.

وفي المرتبة الرابعة بقيمة تقدر بنحو 6 تريليونات دولار، وجاءت السعودية، ضمن أعلى عشر بورصات، بقيمة سوقية 2.92 تريليون دولار.

وفقًا لبيانات المؤشر المركب لصندوق النقد العربي٬ حققت القيمة السوقية لأسواق المال العربية مكاسب بنحو 1.84%.

ما يعادل نحو 80.6 مليار دولار، بنهاية أكتوبر من العام الماضي، ، متجاوزة 4 مليارات دولار. 

وتصدرت سوق الأوراق المالية السعودية “تداول” القيمة السوقية للبورصات العربية بحسب نشرة صندوق النقد العربي لشهر نوفمبر الماضي.

وجاءت الإمارات بسوق أبوظبي ودبي الماليين في المركزين الثاني والثالث مع قيمة سوقية بلغت 787.8 مليار دولار، و184.13 مليار دولار.

البورصة المصرية

فيما كانت القيمة السوقية لبورصة مصر بنهاية 2022 عند 38.8 مليار دولار فقط.

وهناك تحديات عدة أضعفت الدور التمويلي للبورصة المصرية، وقدرتها علي أن تكون مرآه عاكسة للاقتصاد، فما بين تدني الأوراق المالية.

وعدم التمثيل الحقيقي للقطاعات الاستثمارية، ورفع أسعار الفائدة، والتوترات الجيوسياسية والصراع القائم بين الاقتصادات الكبرى كأمريكا والصين.

وغياب المحفزات والصفقات والإستحواذات والامتيازات للشركات المقيدة، وتخارج المستثمرين، وهروب الأموال الساخنة، والبحث عن بدائل استثمارية أكثر أمانًا.

ما أدي لشح السيولة وتدني أحجام وقيم التداولات اليومية، وسيطرت المضاربات والاستثمارات قصيرة الأجل وتدنت أحجام الاستثمارات المؤسسية الموجهة للبورصة.

دور البورصة

ولكي تكون البورصة قاطرة للنمو الاقتصادي بشكل فعلي، فعلي ادارتها بشكل خاص، والحكومة بشكل عام.

نشر الوعي في وسائل الإعلام المختلفة بدور البورصة، والترويج لها في الأسواق الدولية، لزيادة عدد الشركات المقيدة، ونسب التداول.

ورفع جاذبية القيد للشركات الحكومية، والقطاع الخاص، ودعم صناديق الاستثمار، وتعدد الأدوات المالية، لتشبع الاحتياجات المختلفة للمستثمرين.

وتعزيز دورها لتقود النمو الاقتصادي، واستغلال الإشادات العالمية بالإصلاحات الاقتصادية بمصر من أجل جذب الشركات العالمية.

وإدراج أسهمها أو جزء منها في البورصة لمساعدتها للوصول للتمويل المستهدف، للتوسع في مشروعاتها وأعمالها الاستثمارية، وتأهيلها لعملية الطروحات الحكومية.

من خلال تجهيز البنية التكنولوجية والإجرائية للسوق المتعطش لهذه الطروحات، حيث تستهدف الحكومة طروحات بقيمة 430 مليار جنيه. 

ولتشجيع الشركات على القيد٬ يجب خلق آلية للتواصل بين الشركات بكافة أحجامها والمسؤولين بالبورصة، وتبسيط إجراءات وقواعد القيد وتخفيض الرسوم.

أسهم البورصة

فالبورصة المصرية، تحتاج لإجراءات مهمة منها ما هو داخلي، ومنها ما هو خارجي.

فعلي المستوي الأول: تحتاج البورصة إلى تحديد موعد قريب لبرنامج الطروحات للشركات الحكومية.

والذي يضع المستثمرون المصريون والأجانب والعرب آمالا كبيرة عليه٬ حيث من المقرر أن تستهدف المرحلة الأولي من البرنامج التالي:

طرح قرابة 23 شركة ما يرفع القيمة السوقية للبورصة بنحو 500 مليار جنيه، وتبقي الدولة المستثمر الأكبر في هذه الشركات بعد طرحها.

حيث أن المستهدف طرح 15 إلى 30 % من أسهمها ما يدعم السوق على إعادة توزيع الوزن النسبي للشركات بشقيها.

ومنع استحواذ أسهم على الحصص الأكبر بالسوق، وبالتالي السيطرة على حركة السوق، صعودًا أو هبوطًا. 

كما تحتاج البورصة، أيضًا إلى موجة من الاستحواذات والإندماجات الكبري خلال العام الحالي والمقبل.

مثل عمليات الاستحواذ التي حدثت في العديد من القطاعات٬ والاستحواذ هو عملية ضم شركة أصغر حجمًا للشركة المستحوذة، وهي الكبرى.

أما الاندماج فهو دمج كيانان بنفس الحجم لخلق كيان أكبر له القدرة على التنافس.

رسوم التداول

ويجب تقليل رسوم التداول ودعم فرص المؤسسات المحلية لمواصلة مشترياتها بالسوق وعدم تجاوز هيئة الرقابة المالية.

لدورها الرقابي إلى التدخل في آليات السوق بإلغاء عمليات وإيقاف أكواد بشكل متكرر.

حيث أن هذا الأمر يخيف المستثمرين، بالإضافة إلى عدم الاستقرار الناتج عن تغيير بعض القواعد خلال انعقاد جلسة للتداول.

وما زال الحديث عن ضريبة الأرباح الرأسمالية، – رغم نفي الحكومة لتطبيقها – يلقي بظلاله علي تعاملات البوصة.

حيث تراجعت مؤشراتها بمجرد الإعلان عن وجود نية لفرضها من جديد، لذلك يجب النظر في جدوى فرضها في ظل الخسائر العنيفة التي طاردت غالبية الأسهم المدرجة عند أول ظهور لهذه الضريبة في عام 2015، وبسبب ظروف – وقتها – السوق تم تأجيلها. 

حرب غزة

كما تحتاج سوق المال إلي عوامل خارجية، مثل وقف العدوان الاسرائيلي علي قطاع غزة، ووقف تهديدات الملاحة البحرية بباب المندب.

وإحلال السلام باليمن وليبيا والسودان وسوريا ولبنان، واستقرار الأوضاع السياسية بالمنطقة والتوصل لاتفاق في ملف سد النهضة بين مصر وإثيوبيا.

وبكل هذه المشكلات، لا تستطيع البورصة المصرية التعبير عن واقع الاقتصاد المصري، لأنها لا تواكب معدلات انخفاض البطالة والتضخم ولا الارتفاع في الناتج المحلي.

ما بين شح السيولة وضعف التداول.. البورصة تجيب

حيث تنافست البورصة المصرية مع عدة بورصات عالمية على لقب الأسوأ خلال العام  2022، كما في تقرير لوكالة بلومبرج الاقتصادية.

وفقدت الأسهم المصرية في السنوات الأخيرة، الكثير من جاذبيتها لدى المستثمرين رغم هبوط أغلبها بنسب كبيرة.

لكنها لا تجد إقبالا وسط شح في السيولة وغياب الطروح الحكومية الموعودة٬ فالسوق المصرية تفتقر لمحفزات لجذب الاستثمار مثل الإكتتابات.

وهناك زاوية أخري، وهي أن سعر السهم المصري في بورصة لندن، يعكس نظرة الأجانب السلبية تجاه الجنيه المصري، واستمرار الأزمة الدولارية.

وفيما ارتفعت البورصة المصرية 170% خلال الأربع سنوات الماضية انخفض سعر الجنيه بقيمة 300% ولذلك لا تعد البورصة مخزنا للقيمة.

وعلينا في اطار اصلاح البورصة ومحاولة تنشيطها الاهتمام بالقطاعات الإنتاجية كالصناعة والزراعة والصادرات وتذليل العقبات أمام هذه القطاعات.

وأيضًا الاستفادة من الصفقات والقرارات التي جرت مؤخرًا وعلي رأسها صفقة رأس الحكمة واتفاق صندوق النقد الدولي وقرار التعويم في مارس الماضي، وهو ما انعكس على بعض المؤشرات خلال الربع الثاني من العام الجاري.

ما بين شح السيولة وضعف التداول.. البورصة تجيب

ورغم انخفاض الدين الخارجي، بقيمة 10 مليار دولار، نزولا إلى 160 مليار دولار فقد ارتفعت تكلفة الديون بشدة.

حيث وصلت بعد التعويم مباشرة إلى 32% بسبب التعويم ورفع سعر الفائدة بنحو 8 % خلال الربع الأول.

ما تسبب في تدفقات كبيرة للأموال الساخنة، وعودتها من جديد، نتيجة للطلب المرتفع من المستثمرين الأجانب على أدوات الدين.

ورغم أهمية الأموال الساخنة إلا أنها لا تحقق الاستدامة ولا تؤثر في معدلات نمو الناتج المحلى.

زيادة رأس المال السوقي

وعلي الحكومة الجديدة، العمل علي زيادة رأس المال السوقي للبورصة المصرية، لنيل ثقة صناديق الاستثمار الأجنبية، والمستثمرين الراغبين الدخول في السوق المصرية.

والذين يعتمدون على قياس كفاءة السوق ومن أهمها القيمة الرأسمالية ومرونة وآليات العمل ومؤشرات المؤسسات الدولية.

وقد شهدت البورصة المصرية خلال العقد الماضي، خلافات بشأن فرض ضريبة الأرباح الرأسمالية وبين ضريبة الدمغة على المعاملات بيعًا وشراءً.

وتم إلغاء وتأجيل ضريبة الأرباح الرأسمالية 5 مرات، لصعوبة تطبيقه وتلك الضريبة تمثل عائقًا كبيرًا لاستكمال برنامج الطروحات الحكومية.

ويجب النظر في عمليات توزيع الأرباح٬ وعلي الحكومة الجديدة أيضًا، التخلي عن القرارات الطاردة للاستثمار.

مثل مجرد الحديث أو الاشارة لضريبة الأرباح الرأسمالية، بل ويجب تقديم إعفاءات ضريبية وامتيازات استثمارية.

ويصل عدد المستثمرين بالبورصة إلى 839 ألف موزعين بين 99% من الأفراد و1% من المؤسسات.

ومن حيث الجنسيات وزع بين 99% مصريين و1% للأجانب، و0.01% للعرب مع قلة عدد الشركات إلى نحو الخمس.

مقارنة بما كانت عليه قبل 20 سنة، فضلاً عن التراجع الواسع في استثمارات الأجانب٬ فيما يزيد عدد المستثمرين الافراد ببورصة السعودية علي 6 ملايين مستثمر.

تطوير البورصة

وتستهدف الحكومة، تطوير البورصة، عبر خطة تستمر إلى 2030، من خلال تسريع وتيرة تنفيذ برنامج الطروحات.

وذلك بالاستعانة ببنوك الاستثمار وبيوت الخبرة الدولية، وتأسيس صندوق صانع سوق في البورصة، بقيمة تتراوح بين 20 – 30 مليار جنيه.

 ويشارك فيه عدد من المؤسسات العامة كالأوقاف والبريد والتأمينات الاجتماعية والبنوك وشركات التأمين الحكومية.

وذلك وفقًا لوثيقة التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري في إطار المرحلة الثالثة من برنامج الإصلاح الاقتصادي، والتي بدأ تطبيقها في أبريل الماضي.

 والذي يستهدف المزيد من الإصلاح الاقتصادي، ورفع نسبة مساهمته في الاستثمارات المنفذة إلى 65%.

وتبني العديد من الإصلاحات الهيكلية والمؤسسية التي تستهدف مواصلة تطوير بيئة الأعمال وتعزيز مستويات الحوكمة والنزاهة والشفافية.

 وتتضمن المرحلة الثالثة استكمال تنفيذ سياسة ملكية الدولة، والتي اعتمدها الرئيس عبد الفتاح السيسي بنهاية عام 2022، وفيها برنامج الطروحات العامة.

وكذلك تحسين وحوكمة أداء الشركات المملوكة للدولة وضمان المنافسة والحياد التنافسي من خلال العديد من الإجراءات والتي تشمل مواصلة تنفيذ برنامج الطروحات العامة. 

وانتهت الحكومة من التخارج الكامل أو الجزئي لحصة الدولة في 13 شركة.

ما بين شح السيولة وضعف التداول البورصة تجيب

فيما تخطط الدولة خلال الفترة المقبلة استمرار تنفيذ برنامج الاكتتابات الحكومية وتخارج الدولة من حصص تتراوح بين 25- 60% من ملكية عدد من الأصول المملوكة لها خلال الفترة من أكتوبر 2023 حتي يونيو 2024 بقيمة 5 مليارات دولار.

وكشفت بيانات رسمية حديثة أن أكبر 10 شركات مدرجة في البورصة المصرية تستحوذ على نحو 47.8% من إجمالي رأس المال السوقي بقيمة 913.7 مليار جنيه، من إجمالي القيمة السوقية للشركات المدرجة والبالغة نحو 1910 مليار جنيه بنهاية تعاملات الأسبوع الماضي.

أبو بكر الديب
أبو بكر الديب كاتب صحفي وباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث ورئيس منتدى تطوير الفكر العربي للأبحاث ومدير تحرير جريده البوابة نيوز من القاهرة ومحلل للأحداث الاقتصادية والسياسية بعدد من القنوات الفضائية الدولية والعربية.

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية