تحليلات

وثائق أكتوبر بين رمزية الحدث ودلالة التوقيت

قبل 50 عاما، وفي السادس من أكتوبر 1973، شنّت القوات المصرية والسورية، هجماتِ مفاجئة مُنسقة على قوات الاحتلال الإسرائيلي في سيناء ومرتفعات الجولان، فيما بات يُعرف بحرب أكتوبر، انتهت هذه الحرب قبل انقضاء أكتوبر عندما فرضت واشنطن وموسكو، من خلال الأمم المتحدة، وقف إطلاق النار على الأطراف المتحاربة.


“التاريخ سيقف طويلاً بالفحص والدرس أمام عملية يوم 6 أكتوبر 1973م حيث تمكنت قواتنا من اقتحام مانع قناة السويس الصعب واجتياز خط بارليف المنيع واقتحام الضفة الشرقية للقناة بعد أن أفقدت العدو توازنه وقيامها بتحقيق مهامها المباشرة… وصد وتدمير ضربات العدو وهجماته المضادة وتدميرها والتطوير شرقاً وهدم نظرية الأمن الإسرائيلي” بهذه الكلمات وصف الرئيس الراحل أنور السادات مُجريات وأحداث حرب أكتوبر.


مصر ترفع السرية عن أرشيفها السري عن الحرب


رفعت القوات المسلحة المصرية، في 17 فبراير 2024، السرية عن عدد من الوثائق العسكرية -بعضها تحت بند سري للغاية- تحت عنوان “وثائق حرب أكتوبر 1973.. أسرار الحرب”، تناولت هذه الوثائق الفترة ما بين عامي 1967 و1973، من  نكسة يونيو وما تلاها من سنوات للإعداد لحرب التحرير، وشملت تقارير حول العمليات القتالية، ووضع القوات، ومعلومات مفصلة عن التخطيط الإستراتيجي للحرب، وتقييما للوضع الداخلي لمصر وإسرائيل، بجانب المعلومات الاستخبارية، وأعمال الخداع الإستراتيجي والتعبوي، وإدارة الحرب بمراحلها، حتى وقف إطلاق النار.


ركزت الوثائق على طبيعة الحراك السياسي والعسكري المصري، في الفترة التي تلت مبادرة “روجرز” الأميركية، التي دخلت حيز التنفيذ يوم 8 أغسطس 1970، وحتى صبيحة حرب أكتوبر، كما تناولت بنوعٍ من التفصيل عملية “جرانيت 2 المعدلة”، وهي خطة إستراتيجية هجومية على الأهداف الإسرائيلية في سيناء والبحر الأحمر وخليج عدن، والتي جرى تنفيذها في السادس من أكتوبر باسم العملية بدر. كشفت أيضا عن المحادثات التي أجرتها القاهرة خلال الحرب مع عدد من الدول العربية كالجزائر والمغرب وتونس وليبيا والسعودية والعراق، تكللت تلك المحادثات بتقديم دعم عسكري لمصر وسوريا، وذكر رئيس الأركان المصري محمد عبد الغني الجسمي في تقريره عن الحرب، أن سلاح البترول والعلاقات الاقتصادية كان لها دور فعّال في دعم مصر، وتحقيق العزلة الدولية لإسرائيل، وتعميق الخلافات بين الولايات المتحدة وحلفائها.


تعتبر هذه المرة الأولى التي تنشر فيها مصر وثائق وكتابات رسمية تتناول حرب أكتوبر 1973، فلم يكن هناك أي أرشيف أو وثائق رسمية مصرية حول أيام الحرب ويوميات المعارك وإدارتها، واحتوت تلك الوثائق المكتوبة بخط يد عدد من المسؤولين وكبار قادة الجيش، على عدد من العمليات كتحطيم الساتر الترابي “خط بارليف” وتصفية ثغرة الدفرسوار، بالإضافة لفض الاشتباك، وانسحاب القوات الإسرائيلية، وكذلك بعض مذكرات القادة، وتأتي بعد نحو أربعة أشهر من احتفال مصر بمرور 50 عاماً على نصر أكتوبر.


وشكلت وزارة الدفاع، لجنة مختصة في أغسطس 2023، لفحص الوثائق تمهيداً للإفراج عنها، وكانت السمة البارزة أنّ أغلبهم ممن خاضوا حرب أكتوبر، وقال عضو اللجنة اللواء محمد قشقوش، إن الوثائق المنشورة تمثل نسبة كبيرة من الوثائق الخاصة بالحرب، مؤكدا أن هناك عددا آخر من الوثائق لم يتم الإفراج عنه لأنها تدخل تحت إطار المعلومات السرية، وتحدث عن أحد شروط رفع السرية عن الوثائق وهو عدم الإضرار بأمن مصر القومي.[1]


دلالة التوقيت


لم يكن غريبا قرار رفع السرية عن بعض تلك المعلومات خاصةً وأنّ عددا من قادة الجيش المصري ممن عاصروا تلك الأحداث نشروا بعضا منها في مذكراتهم، ولكن الغريب في الأمر هو الدلالة الزمنية لنشرها، خاصةً في ظل ما يشهد قطاع غزة من عدوان، والحديث عن توترات تشوب العلاقة المصرية- الإسرائيلية، في ظل المساعي الإسرائيلية لتهجير آلاف الفلسطينيين إلى محافظة سيناء، وعزم إسرائيل  القيام بعملية عسكرية في مدينة رفح الفلسطينية الموازية للشريط الحدودي مع مصر، وهو ما حذّر منه وزير الخارجية المصري سامح شكري، قائلاً إن “أي عملية عسكرية إسرائيلية في رفح ستشكل تهديداً مباشراً لأمن مصر القومي”. [2]


من جانبها لم تفصح وزارة الدفاع المصرية عن أسباب رفع السرية عن الوثائق، مما أثار جدلا بين المراقبين، إلا أنّ عددا من المحللين والعسكريين السابقين، ربطوا الأمر بمرور 50 عاما على الحرب[1]، وكذا الأوضاع الأمنية الإقليمية غير المستقرة، غير أن أحد أعضاء اللجنة المسؤولة عن مراجعة وفرز الوثائق التي تم نشرها وهو اللواء “محمد قشقوش” يرى أن التوقيت قد يسهم في رفع الروح المعنوية للفلسطينيين بأن هناك جيشاً ينتصر وجيش يُقهر.


الأمر نفسه ذكره الإعلامي أحمد موسى خلال تقديمه برنامج على مسئوليتي المذاع على قناة صدى البلد، أن “الأرض والعرض ندافع عنهما حتى الموت، ومصر توجه رسائل للجميع، وكلامها يجب أن يؤخذ على محمل الجد، وندافع عن سيناء حتى الموت”.[2]


في حين نقلت جريدة اليوم السابع، عن اللواء عادل العمدة مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا، أنّ الوثائق تحمل دلالة مهمة في التوقيت في ظل منطقة تموج بكثير من المتغيرات، مُضيفا أن الوثائق “تجعلنا نتذكر ما حدث، ونُذكر الآخرين بما حدث.. والإفراج عنها يُعد بمثابة ردع للعالم كله ورسالة تذكير بأن مصر دولة قوية ورشيدة في الوقت نفسه”.[3]


تناولت الصحف الإسرائيلية ما جاء في الوثائق، وطرحت العديد من الأسئلة حول توقيت نشرها في ظل الحرب في قطاع غزة، والتوتر في العلاقات بين القاهرة وتل أبيب، مستندات نادرة وسرية في توقيت حساس.. هكذا عنونت هيئة البث الإسرائيلية تغطيتها للوثائق.


الأرشيف الإسرائيلي عن حرب أكتوبر


أفرجت تل أبيب في سبتمبر 2023، عن أرشيفها الكامل لحرب أكتوبر أو ما تسميه “حرب يوم الغفران” وسبق للأرشيف الإسرائيلي أن نشر في سنوات ماضية وثائق عن الحرب، لكنه أوضح أن المجموعة الجديدة هي المتكاملة، حيثُ تضمنت مداولات الحكومة، ومشاورات مجلس الوزراء الحربي، ومداولات لجان الكنيست، والوثائق العسكرية والسياسية والمدنية، بالإضافة إلى صور فوتوغرافية وتسجيلات صوتية وأفلام.


وعن سبب وتوقيت النشر، أنه “مع انتهاء فترة التقادم (50 عاماً) التي حددها القانون بشأن الاطلاع على هذه المواد، عملت أرشيفات الدولة على الكشف عن أكبر عدد ممكن من المواد التي يمكن إتاحتها للجمهور وتوحيدها في هذه المجموعة”.


بحسب الوثائق، فقد ظنت إسرائيل أن مصر بعد هزيمتها، قبل ست سنوات في حرب يونيو 1967، لن تهاجم إلا إذا اكتسبت أولاً القدرة على شل سلاح الجو الإسرائيلي، إلا أن ما حدث في ظهيرة يوم السادس من أكتوبر 1973 ، قطعت صفارات الإنذار صمت العيد، وأطلقت الإشارة لبداية حرب يوم الغفران، التي أصبحت جرحاً دموياً منذ ذلك الحين.



[1]– وثائق سرية تكشف لاول مرة عن تفاصيل حرب اكتوبر بعد ٥٠ عاما، برنامج الحكاية إم بي سي مصر مداخلة هاتفية للواء ” قشقوش”، 17 فبراير 2024.

[2]– شكري: أي عملية عسكرية برفح ستشكل تهديدًا لأمن مصر القومي، سكاي نيوز عربية، 17 فبراير 2024.

[3] -يحظر القانون المصري نشر أي وثائق عسكرية قبل مرور 50 عاما عليها.

[4]– “لا نترك حبة رمل فى سيناء لأى أحد – دي أرضنا” تحذير شديد اللهجة من أحمد موسى على الهواء، قناة صدى البلد، 19 فبراير 2024.

[5]– مستشار بأكاديمية ناصر العسكرية: وثائق أكتوبر رسالة تذكير للعالم بما فعلناه، اليوم السابع، 17 فبراير 2024

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية