طلب إحاطة بالبرلمان
مصر ضمن 60 دولة تعاني من سوء التغذية للأطفال
رئيس الحق في الدواء: الهدف توفير 75 مليون جنيه على حساب الرضّع
ما علاقة صندوق النقد الدولي بقرار منع صرف الألبان؟
عضو مجلس النواب: قرار منع الألبان تعسفي ويؤكد عجز الوزارة
قرار جديد اتخذته وزارة الصحة المصرية، جارت فيه على حق الرضع طبقا لمستند حصلت عليه منصة “MENA“، مما أدى إلى حرمانهم من الحصول على الألبان، وهي وسيلة الغذاء الوحيدة لهم في الأشهر الأولى من حياتهم.
في جميع الدول ووفقا لمنظمة الصحة العالمية والقانون المصري والدولي في جميع أنحاء العالم، تلتزم الدول بتوفير غذاء الطفل، إلا أن وزارة الصحة قررت منع الأمهات من الحصول على اللبن المدعم من الدولة.
ويكتفي قرار الوزير الأخير بتوزيع الألبان على حالات محدودة جدًا، مثل حالة وفاة الأم أو إصابتها بالسرطان أو المرض النفسي، مما يحرم باقي الأمهات وأطفالهن من الحصول على الغذاء الضروري.
بحسب منظمة الصحة العالمية، يحتاج الطفل الرضيع من 4 إلى 6 علب من اللبن الصناعي شهريًا لسد احتياجاته الغذائية. ومع ارتفاع الأسعار في مصر، تتراوح تكلفة هذه الكمية في حدود 2500 جنيه في الصيدليات حسب نوع اللبن. وهذا يشكل عبئًا كبيرًا على الأسر المصرية، خاصة الفقيرة أو متوسطة الدخل التي لا تستطيع توفير تلك المبالغ.
في جميع المحافظات، تصاعدت أصوات الأمهات اللاتي طالبن بحق أطفالهن في الحصول على الألبان. مريم ماهر، إحدى الأمهات، عبرت عن غضبها قائلة: “عيالنا مش لاقيين أكل، عايزين نصرف لبن”، معبرة عن استيائها من القرار الذي سيحرم طفلها من الحصول على اللبن المدعم. وأضافت مريم: “حسبي الله ونعم الوكيل، الوزارة قررت منع صرف الألبان.”
وفي ظل هذا الوضع، يطالب الخبراء والأهالي بتدخل عاجل من الجهات المعنية لضمان توفير الألبان الصناعية بأسعار مدعمة، خاصة للأسر محدودة الدخل. كما يدعون إلى تشديد الرقابة على الأسواق لمنع استغلال الأزمة من قبل بعض التجار الذين يرفعون الأسعار بشكل مبالغ فيه.
في إحدى القرى المصرية الصغيرة، تحملت أم تُدعى “أمل” – اسم مستعار – رحلة يومية شاقة للمراكز الصحية والمستشفيات بحثًا عن علبة لبن صناعي لرضيعها البالغ من العمر ثلاثة أشهر. “أمل”، التي فقدت القدرة على الرضاعة الطبيعية بسبب ضعف جسدها وإصابتها بالأنيميا، تصف معاناتها قائلة: “أواجه صعوبات في تقديم الغذاء لطفلي، ورغم أن اللبن المدعم مخصص لحالات مثل حالتي، إلا أن الشروط والإجراءات جعلت الوصول إليه شبه مستحيل.”
تواجه الأمهات مثل “أمل” أزمة حقيقية بعد إصدار وزارة الصحة المصرية قرارات جديدة تحد من شروط صرف الألبان المدعمة. وفقًا للوزارة، تقتصر الاستفادة من الألبان المدعمة على فئات محدودة، تشمل وفاة الأم، أو إصابتها بأمراض خطيرة مثل السرطان والفشل الكلوي، أو حالات التوائم. يجب على الأمهات تقديم شهادات طبية وإثباتات تؤكد حالتهن، مما يجعل الوصول إلى الألبان المدعمة أكثر صعوبة، ما يفاقم المعاناة، خاصة في المناطق الريفية والنائية.
القرار، الذي يهدف إلى تقنين استخدام الألبان المدعمة وتوجيهها للمستحقين، أثار موجة من الجدل. من جهة، يدافع المسؤولون عن القرار، مؤكدين أنه خطوة ضرورية لترشيد الموارد ودعم الرضاعة الطبيعية. ومن جهة أخرى، تعالت أصوات حقوقية وطبية وصفت القرارات بأنها مجحفة وغافلة عن الظروف الإنسانية للأمهات، خاصة في المناطق الريفية والنائية.
المشهد لا يخلو من مفارقات؛ فقد أعلنت الوزارة زيادة منافذ صرف الألبان إلى 1600 منفذ، مع تعزيز استخدام الكروت الذكية لتجنب التجاوزات. لكن هذه الإجراءات تواجه تحديات تنفيذية قد تؤثر على الهدف الأساسي، وهو إيصال الدعم إلى مستحقيه الفعليين.
ومع تزايد القصص الإنسانية التي تكشف عن معاناة الأمهات مع هذا القرار، يظل السؤال قائمًا: كيف يمكن الموازنة بين ترشيد الدعم وتخفيف الأعباء عن الأسر الأكثر احتياجًا؟
تظل أزمة الألبان قصة تتجاوز الإحصائيات والشروط الرسمية، لتصل إلى قلب معاناة ملايين الأسر التي لا تبحث سوى عن حق أطفالها في الغذاء والحياة الكريمة.
من جانبها، تقول الدكتورة إيرين سعيد، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، إن قرار وزارة الصحة بعدم صرف ألبان الأطفال هو قرار تعسفي ويثبت عجز الوزارة في توفير الألبان. “بدلاً من دعم الأطفال، نجد أن هذا القرار منع العديد من الأطفال من الحصول على غذائهم الطبيعي.”
وتضيف سعيد في تصريح خاص لمنصة “MENA“: “أتفهم منطق وزارة الصحة في دعم الرضاعة الطبيعية، ولكن ليس بهذا القرار التعسفي”. متسائلة: “ما وضع الأطفال الذين كانوا يعتمدون على الألبان الصناعية والتي كانت الوزارة تصرفها لهم؟”
وتؤكد سعيد أن هذه الفئة من المجتمع تتعرض لإهمال شديد، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، وتؤكد أن هذا القرار “أصبح عبئًا كبيرًا على الأمهات في توفير الألبان لأطفالهن في ظل غياب الدعم من الوزارة.”
وتتابع سعيد: “القرار الأخير يُظهر بوضوح عجز وزارة الصحة عن توفير الألبان للأطفال، وأصبح من الواضح أن الوزارة تخلت عن دعم احتياجات حديثي الولادة. كما أن امتناع الوحدات الصحية عن فحص الأمهات يعد قرارًا تعسفيًا. الأم التي تستحق الحصول على ألبان صناعية يجب أن توفر لها الوزارة هذا الدعم بشكل عاجل.”
وتختتم سعيد بالقول: “لقد أصبحت وزارة الصحة تنتهك سياساتها المتعلقة بدعم المواطن في الخدمات الصحية، ولم أكن أتخيل أن هذا التخلي سيصل إلى الأطفال الرضع. هذا القرار لا يحمل أي منظور إيجابي، بل هو مجرد إثبات لفشل الوزارة في توفير الغذاء المناسب للطفل المصري.”
وفي استجابة لمنصة “MENA“، طالبت النائبة إيرين سعيد بمراجعة قرار وزارة الصحة بحرمان الرضع من الألبان المدعمة.
النائبة إيرين سعيد، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، تقدمت بطلب إحاطة موجه إلى رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والسكان، بشأن قرار وزارة الصحة الأخير الذي يقضي بحرمان الرضع وحديثي الولادة من الألبان المدعمة، باستثناء حالات محدودة مثل وفاة الأم أو إصابتها بالسرطان أو أمراض خطيرة مثل الفشل الكلوي.
وتقول دكتورة إيرين سعيد في طلب الإحاطة: “في ظل توجه القيادة السياسية لبناء الأسرة المصرية، جاء قرار وزارة الصحة رقم 485 لسنة 2024 ليشمل شروطًا صارمة لصرف الألبان المدعمة، مما أربك العديد من الأسر. القرار يقتصر على حالات محددة، وهو ما دفع الوحدات الصحية إلى الامتناع عن فحص السيدات أو صرف الألبان لأولئك الذين حصلوا على قرار مسبق بالصرف”.
وتضيف سعيد: “القرار ترك الأمهات في مأزق حقيقي، إذ نجد أن بعضهن في حالة صحية تمنعهن من الرضاعة الطبيعية، مما يفاقم الوضع. الوزارة أغفلت العديد من الحالات المرضية التي تحول دون الرضاعة الطبيعية، مثل الاضطرابات الهرمونية، السكري غير المسيطر عليه، والأمراض المزمنة الأخرى التي تعيق إفراز الحليب”.
وتؤكد النائبة أن هناك مجموعة من الحالات التي تستدعي النظر في توفير الألبان المدعمة لجميع الأمهات، ومنها: “الاضطرابات الهرمونية مثل نقص إفراز هرمون البرولاكتين، مشاكل الغدة الدرقية، تكيس المبايض، الجراحات السابقة في الثدي، وكذلك الأمراض المزمنة التي تعاني منها بعض الأمهات مثل فقر الدم الشديد والسكري غير المسيطر عليه”.
وتتابع سعيد: “القرار يهدد مستقبل أطفالنا، ويجب مناقشته بشكل عاجل داخل لجنة الصحة بمجلس النواب. هل يعجز القطاع الصحي في مصر عن توفير الألبان المدعمة للأطفال الرضع؟ وكيف يُطلب من الأسر المصرية تحمل تكاليف الألبان في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة؟”.
وتختتم النائبة تصريحاتها بالتأكيد على ضرورة مراجعة هذا القرار الذي يمس حق الأطفال الرضع في الحصول على الغذاء المناسب، بما يتماشى مع حقوقهم الدستورية”.
يقول محمود فؤاد، رئيس جمعية الحق في الدواء، إن خبراء طب الأطفال والجمعيات الطبية للأطفال أفادوا بأن نسب الأطفال الذين يحتاجون إلى ألبان صناعية تتراوح بين 15% و 20% من إجمالي أعداد الأطفال في مصر، أي بما يعادل أقل من 600 ألف عبوة سنويًا. “للأسف الشديد، لم يحدث ذلك، لأسباب كثيرة أبرزها سوء التوزيع.”
ويؤكد فؤاد في تصريح خاص لمنصة “MENA” أن هناك أكثر من 1150 منفذًا حاليًا في مراكز الأمومة والطفولة، بالإضافة إلى حوالي 150 منفذًا في التأمين الصحي. وكان من المعتاد أن تذهب الأم إلى هذه المنافذ للحصول على عبوة أو حتى 6 عبوات، سواء عن طريق التفاوض أو الواسطة، أو تتحصل على عبوة واحدة كل 15 يومًا، وهو ما يُعتبر غير قانوني ويفتح أبواب الفساد.
ويتابع رئيس جمعية الحق في الدواء: “الألبان المتعلقة بالفساد لا تقتصر على التوزيع فقط، حيث نجد أن جزءًا كبيرًا منها متوفر في منطقة الموسكي في حي يُدعى ‘درب البرابرة’، لاستخدامها في صناعة الحلويات أو في بعض الكافيهات وسط البلد، وهذا يأتي من وزارة الصحة، ما يفتح باب الفساد في توزيع الألبان بشكل مستمر.”
ويشير إلى أن هناك نوعين من الألبان: الأول يحتوي على عبوات مخصصة للأطفال من عمر الولادة إلى سنة، والآخر من سنة إلى سنتين.
ويوضح أن هناك مليونًا و400 ألف عبوة متاحة سنويًا، لكن مع ذلك يتم تقليص العدد، بسبب تخفيض الحكومة لنفقاتها في قطاع الصحة في الآونة الأخيرة، وذلك بناءً على توصيات صندوق النقد الدولي. وقال: “الحكومة بدأت في تقليص إنتاجها في قطاع الصحة، مثل تحديد أسعار تذاكر المستشفيات، وتقليص صرف الأدوية، وتشريع قانون يتيح تأجيل المستشفيات.”
ويضيف فؤاد أن مصر صنفت ضمن 60 دولة تعاني من سوء التغذية للأطفال، حيث حصلت على المركز الـ30 عالميًا في سوء التغذية. “يجب على الحكومة أن تُحسن وضع الأطفال وعدم التضحية بحقوقهم. ينص قانون الطفل على ضرورة أن يحصل الطفل على غذاء كامل ومتوازن من الدولة لمدة عامين.”
كما ينتقد فؤاد سعي الحكومة لتوفير 50 مليون أو 75 مليون جنيه على حساب الأطفال، مشيرًا إلى أن هذه الأموال ليست الحل الوحيد لأزمات الأطفال المستمرة. “مبالغ أكثر من هذه تذهب إلى العربات والمكافآت والمستشارين، وهو ما يعادل أكثر من 75 مليون جنيه.”
ويؤكد فؤاد أن هناك غضبًا في مجلس النواب بشأن هذا القرار، مشيرًا إلى أن اللجنة تعمل على تحسين الأوضاع بالنسبة للسيدات العاملات، خاصة أولئك اللواتي يعملن 12 ساعة يوميًا. “في الحكومة، يتم منح ساعة رضاعة إجباريًا، ولكن في القطاع الخاص، لا يتم منح حقوق مشابهة، مما يؤثر على نصف قوة العمل في مصر.”
ويبين فؤاد أنهم قدموا مذكرة رسمية إلى رئيس الوزراء، وطالبوا بمراجعة القرار وتخفيف الشروط، مؤكدًا أنهم يؤيدون تشجيع الرضاعة الطبيعية، ولكن المشكلة تكمن في سوء توزيع الألبان. “منذ حوالي 6 سنوات، كان هناك طابور طويل أمام الشركة المصرية لتجارة الأدوية، حيث كانت الأمهات تشتكي من نقص الألبان، وظهرت تقارير تفيد بسرقة الألبان، ما أدى إلى تزايد وفيات الأطفال بسبب الإسهال، وهو بداية سوء التغذية.”
ويقول فؤاد: “إذا تم القضاء على الفساد في توزيع الألبان، سنضمن وصولها إلى المستحقين. لدينا عدد محدد من المواليد الذين يحتاجون إلى الألبان، ولكل مولود نصيب من 4 إلى 6 عبوات سنويًا، مع مراعاة زيادة نسبة المواليد.”
ويكشف فؤاد عن اجتماع تم في 21 نوفمبر بين المهندس كامل الوزير، وزير النقل، ووزير الصحة، حيث تحدثا عن مصنع “لابتو مصر” المسؤول عن الاستخراج المحلي. ويؤكد أن الشروط المتعسفة تمت بعد هذا الاجتماع. “حتى الآن، نواصل تلقي رسائل من الصيادلة والأطباء بشأن هذه الأزمة، ما يهدد بانهيار الوحدات المحلية.”
اقرأ أيضًا:
رغم العجز.. هل تلغي الحكومة “التكليف الإجباري” للأطباء؟
“مؤشرات مقلقة” حول التأمين الصحي الشامل.. ماذا بعد؟
أزمة نقص الأدوية المستوردة في السوق المصري
رحلة لـ منصة “MENA” في قلب العالم الموازي لصناعة الدواء في مصر