اقتصاد

أزمة نقص الأدوية المستوردة في السوق المصري

مقدمة


أصدرت وزارة الصحة المصرية في الخامس من فبراير 2024 القرار رقم 44 لسنة 2024؛ الخاص بإلزام الأطباء في جميع القطاعات الصحية في الدولة والخاضعة للوزارة بأن تكون الأولوية لوصف الأدوية المحلية للمرضى والاتجاه للأدوية المستوردة حال عدم توافر البديل المحلي فقط[1].


وكانت قد سبقت هذا القرار عدد من الخطوات الرسمية سواء الحكومية أو من قبل أعضاء المجالس النيابية والنقابية حول الأزمات التي تهدد قطاع الأدوية في مصر؛حيث سبق القرار مباشرة في الثاني من فبراير 2024 اجتماع اللجنة المُشكّلة من رئيس مجلس الورزاء المصري بالقرار رقم 3953 لسنة 2023 برئاسة وزير الصحة وبحضور رئيس هيئة الشراء الموحد والإمداد والتوريد الطبي ورئيس هيئة الدواء المصرية وعدد من شركات الأدوية المصرية والعالمية، وكان الهدف منه مناقشة مستجدات خطط توفير الأدوية والمستلزمات الطبية وكذلك رؤية الشركات والخطط المستقبلية لسوق الدواء المصري، ودراسة توفير موارد العملات الأجنبية لتوفير احتياجات القطاع الصحي[2].


ومنذ أواخر العام 2023 تتردد الأنباء حول أزمة في بعض الأصناف من الأدوية المستوردة وبالأخص الأمراض المزمنة والخطيرة مثل الغدة الدرقية والأورام في مصر، وتعود تلك الأزمة لنقص العملة الأجنبية وعدم قدرة الحكومة على توفير الاعتمادات الخاصة باستيراد الأدوية سواء في صورتها النهائية أو مستلزمات وخطوط الإنتاج الخاصة بصناعة الدواء.


ويأتي ذلك عقب تدشين الرئيس المصري عبد الفتاح السسيسي لمدينة الدواء المصرية عام 2021 لتحقيق عدد من الأهداف الاستراتيجية منها؛ تمكين المواطن من الحصول على دواء فعّال وآمن وبسعر مناسب، تحقيق الأمن الدوائي للبلاد بالأخص في أوقات الجوائح والأزمات، أن تكون المدينة مركز إقليمي للتعاون والتصنيع المشترك مع الشركات العالمية، التصدير وفتح أسواق للدواء المصري في الخارج.[3]


فهل نجحت تلك الجهود في تحقيق الإكتفاء الذاتي من الأدوية في مصر مما دفع وزراة الصحة للقرار الملزم بحذر وصف الأدوية المستوردة إلا في حالات عدم توافر البديل المحلي بغرض تنشيط تلك الصناعة الناشئة في مصر؟ ، أم أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها الدولة الآن قد عصفت بالقطاع الدوائي مثل باقي القطاعات الحيوية داخل الدولة؟


بدايات الأزمة وحقيقتها[4]


تقدم عدد من نواب المجالس النيابية بطلبات إحاطة ضد رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة ورؤساء عدد من الهيئات المنوط لها إدارة المنظمة الصحية في مصر منذ شهر يوليو عام 2023 بسبب النقص الملحوظ لبعض الأدوية الهامة من السوق المصري والتي تُعالج الأمراض المزمنة والخطيرة.


حيث أرجعت طلبات الإحاطة المقدمة الأزمة إلى عدم توافر السيولة النقدية الأجنبية مع اعتماد السوق المصري على الأدوية المستوردة بنسبة كبيرة.[5]


كما أوضح بعض المعنيين بالمجال الدوائي في مصر رؤيتهم لطبيعة الأزمة؛ حيث صرح الدكتور عادل عبد المقصود – عضو شعبة الصيادلة بالغرفة التجارية في القاهرة- أن من أشهر الأدوية التي يُعاني السوق المصري من عدم توفرها أدوية الغدة الدرقية وهو من الأمراض المزمنة الخطيرة، وأضاف أن البدائل المصرية بصفة عامة للأدوية المستوردة والتي لديها نفس المادة الفعالة تقدر بنحو 3% فقط والأدوية الخاصة بالأورام لا يتوافر منها بدائل نهائياً.


وقال الدكتور كمال الليثي – رئيس غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات – أن مدينة الدواء وقعت بالفعل برتوكولات تعاون مع 5 شركات ولكن من المتوقع أن تظهر نتائج تلك الاتفاقيات خلال 4 أعوام نظراً لأن قطاع الدواء يختلف عن الأنشطة الصناعية الأخرى.


ويرى الدكتور محي حافظ – وكيل المجلس التصديري للأدوية – بأنه من المفترض أن تعمل مدينة الدواء المصرية على تصنيع الأدوية البيولوجية وأدوية الأورام، كما أنها أنتجت أدوية وقامت بضخها إلى السوق المصري ولم تكن على المستوى المطلوب. وهو ما يستلزم تطوير عمليات البحث العلمي واستخدام الأساليب التكنولوجية الحديثة في الصناعة.


وأضاف الدكتور علي عوف –رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية بالقاهرة – بأن الشعبة وقعت عدة اتفاقيات لتطوير الصناعة ؛ منها إتفاقية مع شركة “أوتسوكا” اليابانية لتصنيع أدوية الأورام غير المتوفرة محلياً، أيضاً وقعت مع شركة “روش” السويسرية لنقل وتوطين البايوتكنولوجي والمستحضرات الحيوية الخاصة بأمراض الدم والإنتاج المشترك للأدوية.


ونلاحظ أن جميع الخطوات المذكورة لم تؤثر بشكلٍ ملحوظ على السوق الدوائي المصري والأزمة الخاصة بالارتفاعات المتكررة في الأسعار وغياب وجود بعض الأصناف مازالت مستمرة.


مدينة الدواء المصرية ورؤية التصنيع الدوائي المحلي


تم تدشين مدينة الدواء المصرية في شهر أبريل 2021 على مساحة 180 ألف متر مربع؛ من خلال مرحلتين الأولى “الحالية” على مساحة 120 ألف متر مربع وتشمل “مبنى إنتاج الأدوية التقليدية، ومباني الخدمات الصناعية، والشبكات” ، والمرحلة الثانية “المستقبلية” على مساحة حوالي 60 ألف متر مربع وتشمل ” بيوسميلرز، والأورام، ومصنع إنتاج أدوية البيتالاكتام، مصنع إنتاج أدوية الهرمونات، ومصنع إنتاج اللقاحات”


ويهدُف المشروع إلى توفير علاج دوائي فعّال وآمن وعالي الجودة، تحقيق الأمن الدوائي والحد من الاحتكار، وتنفيذ توجه الدولة نحو توطين صناعة الدواء.[6]


وفي تصريحات رسمية في ديسمبر 2023 للدكتور عمرو ممدوح –رئيس مدينة الدواء المصرية- قال أن المدينة تواصل على مدار عامين جهودها من أجل توفير أكبر قدر ممكن من الصناعات الدوائية محلياً.


وأضاف بأن ما يتم صناعته محلياً من المواد الخام اللازمة لصناعة الأدوية لا تتعدى نسبته الـ5% من إجمالي المواد الخام المستخدمة، كما أنه توجد في مصر 55 شركة عالمية متخصصة في إنتاج الأدوية ولكن تمتلك منها 6 شركات منها فقط مصانع داخل مصر، وهو ما يرفع من تكاليف الإنتاج للأدوية بنسبة كبيرة نتيجة تصنيعها في الخارج ومن ثم استيرادها.


كما أكد أن مصر تستورد ما يتراوح من 30% إلى 40% من مدخلات صناعة الدواء من الخارج، ومع ارتفاع أسعار الصرف للعملة الأجنبية أرتفعت تكاليف الإنتاج بنسبة كبيرة[7]


مستقبل الأزمة في مصر


تحاول الحكومة المصرية متمثلة في وزارة الصحة مواجهة أزمة نقص الأدوية المستوردة بخطوات نعتقد أنها تزيد من تعقيدات الأزمة مستقبلاً، حيث مع عدم توافر الأدوية وغياب التصنيع المحلي سيرتفع الطلب بشكلٍ كبير ويفوق المعروض بنسب ضخمة وهو ما يؤدي بدوره إلى ارتفاعات متكررة في أسعار الأدوية المستوردة وتفاقم للأزمة.


والسلع الدوائية سلع استراتيجية وحيوية وهامة تمس الأمن القومي للدولة ولا يمكن تجاهل الخلل فيها بأي صورة من الصور.


وبالنظر إلى خارطة الأحداث المتعاقبة منذ نهاية العام 2023 وحتى الآن؛ نجد أن وزارة الصحة تتخذ قراراتها الآن بالإكتفاء بالبدائل المحلية دون استناد حقيقي على تصنيع محلي قادر على أن يكون البديل، ولكن من أجل مواجهة مؤقتة للأزمة الاقتصادية التي تمر بها مصر الآن وذات مردود سلبي مستقبلاً على تلك الصناعة الاستراتيجية مما يعرض حياة ملايين المصريين للخطر من أصحاب الأمراض المزمنة والأورام.


[1] صورة ضوئية من القرار رقم 44 لسنة 2024 https//n9.cl/r6xrs

[2] البوابة الإلكترونية لمحافظة القاهرة نقلاً عن الهيئة الوطنية للإعلام https//n9.cl/o32KSI

[3] موقع الهيئة العامة للاستعلامات https//n9.cl/3uhbv

[4] جريدة ” البورصة ” المتخصصة في الشأن الاقتصادي https//n9.cl/hjwvh2

[5] موقع ” برلماني” هو موقع متخصص في شئون المجالس النيابية المصرية https//n9.cl/9o2ns

[6] مرجع سبق ذكره https//n9.cl/3uhbv

[7] حوار صحفي مع جريدة الأهرام المصرية https//n9.cl/brqao

شارك المقالة

مقالات مشابه

الاقتصاد المصري والسير نحو الهاوية

تعيش مصر أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ سنوات، يزيد من صعوبتها التوترات الجيوسياسية في المنطقة، إلى جانب شح الدولار بسبب تراجع تحويلات

أزمة نقص الأدوية المستوردة في السوق المصري

مقدمة أصدرت وزارة الصحة المصرية في الخامس من فبراير 2024 القرار رقم 44 لسنة 2024؛ الخاص بإلزام الأطباء في جميع القطاعات الصحية في الدولة

العقلية الأمنية في حل الأزمات الاقتصادية في مصر

استَهَلَ السيسي فترته الرئاسية الثالثة، في وقتٍ تَعصفُ بمصر مجموعة من الأزمات الداخلية والخارجية، على الصعيد الإقليمي لا تزال الحرب في