تشهد المؤسسات التعليمية في مصر أزمة متزايدة في الكثافة الطلابية، إذ تجاوزت الأعداد في بعض المدارس الحدود المسموح بها، ما يؤثر سلبًا على جودة التعليم.
ووفقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أظهرت الأرقام الرسمية ارتفاعًا ملحوظًا في كثافة الفصول، إذ بلغ متوسط عدد التلاميذ في الفصول الدراسية 49 في التعليم الابتدائي و45 في التعليم الإعدادي بالمدارس الحكومية.
وفي ظل هذا التحدي، اتخذت وزارة التربية والتعليم والأزهر الشريف مجموعة من الإجراءات العاجلة للتعامل مع هذا الوضع، بما في ذلك تعديل ساعات العمل وتوزيع الطلاب بشكل أكثر فعالية، ما يعكس الحاجة الملحة لإصلاحات جذرية تعزز من قدرة النظام التعليمي على استيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب.
وزير التربية والتعليم يناقش حلولًا لأزمة الكثافة الطلابية في المدارس الحكومية
أكد الدكتور محمد عبد اللطيف، وزير التربية والتعليم، خلال مشاركته في اجتماع اللجنة البرلمانية الخاصة بدراسة ومناقشة برنامج الحكومة الجديدة حتى عام 2027 بمجلس النواب. على توجيه مجموعة من التعليمات للوزارة خلال المرحلة المقبلة للتعامل مع أزمة ارتفاع الكثافة الطلابية في المدارس الحكومية.
وأشار الوزير إلى وجود أربع تحديات رئيسية تواجه منظومة التعليم في مصر؛ أبرزها ارتفاع كثافة الطلاب في الفصول، إذ يتراوح عدد الطلاب في بعض الفصول بين 120 و130 طالبًا، كما تناول العجز في أعداد المعلمين، وصعوبة جذب الطلاب إلى المدارس، بالإضافة إلى نظام الدراسة في الثانوية العامة.
وشدد الوزير على أن الوزارة ستعيد تدوير مباني المدارس بشكل مختلف لتشغيلها وفقًا للإمكانيات المتاحة لمواجهة هذه التحديات، موضحًا أن من المستهدف بحلول عام 2030 إنشاء 2873 مدرسة ثانوية فنية وفصول ملحقة، إلى جانب 100 مدرسة مصرية يابانية، و140 مدرسة تكنولوجيا تطبيقية، بإجمالي إنفاق على التعليم ما قبل الجامعي يبلغ 1.8 تريليون جنيه.
بالإضافة إلى ذلك، سيتم تنفيذ 717 دورة تدريب حرفي وتدريبي على ريادة الأعمال والانتقال لسوق العمل.
وفي إطار توجيهات الوزارة، تم التنسيق مع مديري عموم فروع الهيئة العامة للأبنية التعليمية لتشكيل لجان بكل إدارة تعليمية لمعاينة المدارس على الطبيعة، وحددت مهام هذه اللجان، والتي تشمل معاينة كل مدرسة ورصد عدد الطلاب ومتوسط الكثافة بها، وتحديد موقف المدرسة وفقًا للتشغيل الفعلي، إلى جانب وضع حلول سريعة للتعامل مع مشكلة الكثافة المرتفعة.
من بين الحلول التي طرحت: ترشيد استخدام الفراغات، وإعادة توزيع الطلاب، ودمج المراحل التعليمية، ودراسة إمكانية تشغيل المدارس في أكثر من فترة، واقتراح استخدام بعض فصول المعاهد الأزهرية في نطاق هذه المدارس، واستغلال مباني مراكز الشباب، إضافة إلى دراسة إمكانية استخدام مباني تابعة لوزارات أخرى.
كما تم دراسة العمل لمدة 6 أيام أسبوعيًا ومنح يوم إجازة لكل صف، أو العمل بفترتين في اليوم، مع تطبيق نظام المحاضرات في المرحلة الثانوية واستغلال بعض الفصول لاستقبال طلاب مرحلة التعليم الأساسي.
تصريحات الخبراء في حل مشكلة ارتفاع الكثافة الطلابية
قال الدكتور حسن شحاتة، أستاذ المناهج بكلية التربية في جامعة عين شمس والخبير التربوي، إن كثافة الفصول تختلف باختلاف المحافظات، هناك أماكن ذات كثافة عالية جدًا مثل القاهرة والجيزة والقليوبية والإسكندرية، موضحًا أن الكثافات الطلابية تتركز في مرحلة التعليم الأساسي، ما يؤثر سلبًا على التحصيل الدراسي والتفاعل، إذ يصل عدد الطلاب في بعض الفصول إلى متوسط 80 طالبًا.
واقترح شحاتة في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” استخدام التكنولوجيا التفاعلية مثل السبورة الذكية والتابلت، بالإضافة إلى تقسيم الفصول إلى مجموعات صغيرة واستخدام أسلوب التعليم التعاوني، إذ يقسم الفصل إلى مجموعات متساوية من حيث العدد ومتنوعة من حيث مستوى الطلاب التعليمي.
كما أشار إلى أهمية تعزيز روح المنافسة بين المجموعات، وطرح أيضًا فكرة التعليم المقلوب، الذي يعتمد على تكليف الطلاب بحل الواجبات في المنزل، بينما تقتصر المدرسة على النقاش وتبادل الأفكار، ورغم إمكانية تقسيم اليوم الدراسي إلى فترتين، أشار إلى عيب قصر اليوم الدراسي.
ومن جانبه، أكد الدكتور كمال مغيث، أستاذ المناهج بكلية التربية في جامعة القاهرة، أن قضية زيادة الكثافة الطلابية تمثل قضية مركزية، مطالبًا الدولة بحلول جذرية للتخلص من هذه المشكلة، من خلال رفع ميزانية هيئة الأبنية التعليمية، كما رفض فكرة الاعتماد على رجال الأعمال أو انتظار المنح المشروطة.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ “MENA” أن هناك دراسات تشير إلى أن التهرب الضريبي في مصر يقدر بنحو 600 مليار جنيه، ويمكن استخدام هذه الأموال لتطوير التعليم حال إصدار التشريعات اللازمة لتحصيلها ورفع الضرائب على بعض الفئات.
فيما اعتبر الدكتور نبوي باهي، وكيل وزارة التربية والتعليم ببورسعيد، أن الحل يكمن في بناء مدارس جديدة وتوزيع الفصول بين الأنشطة والمواد الثقافية، مشددًا على أن هذا يعتبر حلاً غير تقليدي.
واقترح طه عجلان، وكيل وزارة التربية والتعليم بالقليوبية، الاستعانة ببعض الفصول من المعاهد الأزهرية، نظرًا لتوفر فصول شاغرة بكثرة في مختلف أنحاء البلاد، كما يمكن استخدام قاعات رياض الأطفال.
علق الدكتور تامر شوقي، الخبير التربوي، على الحلول المقدمة من وزارة التربية والتعليم لمعالجة أزمة الكثافة الطلابية، مشيرًا إلى أنها حلول عاجلة قبل بداية العام الدراسي، لكنها ليست بالحلول الجذرية.
وأوضح شوقي في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” أن نجاح أي من هذه الحلول يعتمد على تحقيق الأهداف المرجوة، مع ضرورة أن تشمل الحلول الجذرية مزيدًا من التوسعات في افتتاح المدارس والفصول الجديدة.
وأضاف شوقي أنه يجب وضع المحاذير الخاصة بكل حل من الحلول المقترحة في الاعتبار. حيث اعتبر الحل الخاص باستغلال الفراغات بالمدارس غير واقعي، فقد لا تكون هذه الفراغات صالحة للتدريس لأسباب متعددة، مثل صغر حجم تلك المساحات أو عدم تناسبها مع أعداد الطلاب، أو استخدامها من قبل المدرسة لأغراض أخرى مرتبطة بالعملية التعليمية أو الإدارية.
أما فيما يتعلق بالحل الخاص بالتدريس لمدة 6 أيام ومنح كل فصل دراسي يوم إجازة، فقد رأى أنه حل جيد ولكنه قد ينتج عنه عدة مشكلات، منها استمرار المعلم في التدريس لمدة 6 أيام أسبوعيًا بلا إجازة، مما يزيد الأعباء التدريسية والإدارية عليه، بالإضافة إلى تقليل فرص الصيانة الدورية للفصول.
ونوه بأن مد العمل بالمدارس لفترتين يؤدي إلى تقليل زمن الحصة الدراسية، الذي هو بالفعل غير كافٍ للتدريس، كما أنه يتعارض مع ما تطلبه منظومة المناهج المطورة، كما يؤدي أيضًا إلى زيادة الأعباء على المعلمين وزيادة معدل هلاك الأثاث المدرسي.
ذكر الدكتور مجدي حمزة، الخبير التربوي، أن أزمة زيادة الكثافة الطلابية في المدارس بدأت في مصر عقب حرب 1967، حيث كانت هناك أسباب واضحة لذلك؛ تم توجيه جميع الموارد لإعادة بناء الجيش المصري، مما أدى إلى عدم تخصيص ميزانية لبناء المدارس لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب الجدد، والتي ترتفع مع بداية كل عام دراسي وعجزت الوزارات المتعاقبة عن إيجاد حل جذري للأزمة، مما يُعرقل تطوير العملية التعليمية بالكامل، حيث تصل أعداد الطلاب في بعض المدارس إلى 150 و200 طالب في بعض المحافظات.
وصف الخبير في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” الخطة المقترحة من قبل الوزارة، والتي تعتمد على استخدام قاعات المعاهد الأزهرية ومراكز الشباب لاستيعاب الأعداد الزائدة من الطلاب، بـ “الرؤية الصعبة وغير القابلة للتطبيق”، مشيرا إلى أن مراكز الشباب غير مؤهلة للقيام بدور الفصول الدراسية، ولا تناسب العملية التعليمية من كافة الجوانب، بالإضافة إلى وجود عجز في عدد المعلمين.
وتقدم الدكتور حمزة بعدة مقترحات للتعامل مع الأزمة، منها التعليم عن بُعد، حيث لا يضطر الطالب للذهاب إلى المدرسة مع المحافظة على جميع المعايير التي تُطبق في المدارس، وذلك بالتنسيق مع أولياء الأمور. كما اقترح بناء مدارس متحركة في الأماكن التي تتوفر بها مساحات شاسعة داخل المحافظات، والتي يمكن تفكيكها بعد انتهاء العام الدراسي.
بالإضافة إلى ذلك، دعا إلى وضع خطة واضحة يتم تنفيذها من 3 إلى 5 سنوات بميزانيات ضخمة لبناء الفصول اللازمة لاستيعاب الكثافة الطلابية الحالية، حيث يوجد عجز يُقدَّر بنحو 220 ألف فصل تعليمي.
أضاف الخبير أن الأسباب الأساسية في ارتفاع الكثافة الطلابية في المدارس الحكومية تعود إلى نقص البنية التعليمية، حيث توجد فجوة بين الاحتياج إلى المدارس وما يتم تنفيذه بالفعل. ويترافق ذلك مع عدم الصيانة والنقص الحاد في عدد المدارس، مما يؤدي إلى ارتفاع كثافة الطلاب داخل الفصول، بالإضافة إلى ارتفاع المصروفات الدراسية في المدارس الخاصة، مما يزيد الضغط على المدارس الحكومية.
كثافة الفصول في التعليم
أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تقريرًا يشير إلى أن كثافة الفصول في التعليم قبل الابتدائي بلغت 36 تلميذًا في المدارس الحكومية مقابل 29 تلميذًا في المدارس الأزهرية. أما في مرحلة التعليم الابتدائي، فقد بلغت الكثافة 49 تلميذًا في المدارس الحكومية و31 تلميذًا في التعليم الأزهري.
وفي التعليم الإعدادي، وصلت الكثافة إلى 45 تلميذًا في المدارس الحكومية و28 تلميذًا في الأزهرية.
بسبب زيادة الإقبال على التعليم الأزهري، حيث وصل عدد المتقدمين لرياض الأطفال إلى نحو 300 ألف، وهو عدد لم يشهده التعليم الأزهري من قبل، ما جعل شيخ الأزهر يصدر بعض الإجراءات للتعامل مع هذه الحالة.
رفعت كثافة الفصول الأولى في مرحلتي رياض الأطفال دون النظر للقوة الاستيعابية المرسلة لتنسيق الأطفال، بحيث تتراوح كثافة الفصول بين 55 إلى 60 طالبًا في المعاهد غير المتقدمة للاعتماد والجودة، و50 طالبًا في المعاهد المتقدمة للجودة.
شملت الإجراءات مراعاة سعة الفصول ومساحتها، ودمج غرف المكتبات والحاسب الآلي في المعاهد التي تعمل بمبنى واحد، مع تخصيص مكتب واحد لمكتبة واحدة ومعلم واحد. تضمنت الخطط التخلص من الكثافات الزائدة باللجوء إلى نقل بعض صفوف المرحلة الابتدائية إلى أقرب معهد له صفوف شاغرة.
تضمنت القرارات أيضا تعديل ساعات العمل بالمعهد لتصبح مقسمة على فترتين؛ فترة صباحية للصفوف الأولى من المرحلة، وكذلك لمعاهد الفتيات، وفترة مسائية بالنسبة للصفوف المتأخرة للمرحلة التعليمية ومعاهد البنين، وفقًا للبروتوكول الموقع بين وزارة التربية والتعليم والأزهر، مع الاستعانة بالمدارس التي تعمل فترة واحدة.
أكد الدكتور سلامة داوود، رئيس قطاع المعاهد الأزهرية، خلال اجتماعه مع رؤساء الإدارات المركزية للمناطق الأزهرية، على ضرورة ألا يزيد عدد الأطفال في القاعة أو تلاميذ الفصل عن 50 طالبًا بالنسبة لأكبر الفصول مساحة.
اقرأ أيضًا:
محاولات النهوض بقطاع التعليم في مصر
“الأزهر” هل يكون بديلاً لـ”شبح” الثانوية العامة؟
صندوق الرعاية المالية للمعلمين.. لغز جديد أم أمل للمعلمين؟
دوافع الشباب المصري للهجرة غير الشرعية.. ودور الدولة في حماية الشباب
خصام “غير مبرر” بين وزارتي التعليم العالي والعمل.. ماذا يفعل الشباب؟