على مدار شهر كامل، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي في بيانات رسمية، إسقاط مسيرتين تهربان أسلحة من مصر إلى قطاع غزة. كانت الأولى في نهاية شهر أكتوبر، حيث قال جيش الاحتلال في بيان له على منصة “إكس” إن قوات الجيش الإسرائيلي “صدت الليلة الماضية، طائرة مسيرة عبرت من الأراضي المصرية إلى الأراضي الإسرائيلية في منطقة لواء باران. تم إسقاط المسيرة”.
وأشار البيان إلى أن عناصره عثروا على أربع بنادق ومسدس بعد إسقاط المسيرة التي كانت تهرب أسلحة من مصر في اتجاه قطاع غزة، وأضاف أن المحجوزات سُلمت إلى قوات الأمن.
أما المرة الثانية، فكانت في نهاية شهر نوفمبر، حيث أعلن جيش الاحتلال عبر منصة “إكس”، إسقاط مسيرة تحمل أسلحة عبرت من مصر إلى الأراضي الإسرائيلية. وقال بيان للجيش إن المسيرة كانت تحمل أربع بنادق وخمس خراطيش ومئات الرصاصات. وأوضح البيان أنه جرى تحويل الأسلحة والذخائر إلى القوات الأمنية لإجراء المزيد من التحقيقات.
ورغم عدم التعليق الرسمي من مصر على الحادثتين، إلا أن التليفزيون العربي نقل عن مصدر أمني تصريحات وصفت بيانات جيش الاحتلال بأنها شائعات تروجها إسرائيل لتبرير استمرار وجودها في محور صلاح الدين، مشددًا على أن الأجهزة الأمنية لم ترصد أي مسيرات أو عمليات لتهريب الأسلحة على الحدود.
من جانبه، قال السفير محمد كامل عمرو، وزير الخارجية الأسبق، لمنصة”MENA” إن القيادة الإسرائيلية متمثلة في نتنياهو تفتقد الحكمة، وأن موقف مصر الداعم للشعب الفلسطيني يشكل لها أزمة. لذلك، تحاول إسرائيل جر مصر لجعلها طرفًا في الصراع بدلاً من أن تظل وسيطًا. وأشار إلى أن إسرائيل فشلت في إثبات ادعاء وجود أنفاق بين غزة وسيناء، واتجهت بعدها إلى شائعة المسيرات.
وأضاف الوزير الأسبق أن إسرائيل تحاول منذ بداية الحرب تصدير تهجير سكان قطاع غزة إلى سيناء باعتباره حلاً للصراع، وهو ما رفضته مصر بصورة قاطعة على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسي. لذا، فإن إسرائيل تحاول تحويل مصر إلى طرف في الصراع بدلاً من وسيط لحل الأزمة.
وشدد الوزير الأسبق على أن القيادة المصرية تتعامل مع الملف بحكمة تقضي بعدم الانسياق وراء ادعاءات إسرائيل، والحفاظ على موقعها الداعم للشعب الفلسطيني على طاولة المفاوضات لإنهاء هذه الحرب التي راح ضحيتها الآلاف من الشعب الفلسطيني في غزة.
وكانت إسرائيل احتلت محور فيلادلفيا في قطاع غزة في أواخر مايو الماضي، مدعيةً العثور على العديد من الأنفاق بين قطاع غزة وسيناء في المحور، وهو ما نفته مصر. وأعلنت بعدها إغلاقًا كاملاً لمعبر رفح، لكونه الوسيلة الوحيدة للوصول إلى القطاع، وهو ما يعني سيطرة إسرائيل الكاملة على القطاع والتحكم فيما يخرج ويدخل منه.
وتأتي السيطرة على محور فيلادلفيا بعد إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ بدء الحرب على قطاع غزة، رغبة إسرائيل في احتلال هذا المحور، وهو ما رفضته مصر في أكثر من مناسبة.
وفي أغسطس الماضي، أعادت إسرائيل ادعاءاتها بشأن وجود أنفاق في محور فيلادلفيا تربط بين سيناء وقطاع غزة لتهريب الأسلحة، وهو ما نفاه مصدر رفيع المستوى لقناة القاهرة الإخبارية.
ونقلت القناة عن المصدر الذي لم تكشف عن هويته قوله: “إن فشل إسرائيل في تحقيق إنجاز في غزة يدفعها لبث ادعاءات بشأن وجود أنفاق لتبرير استمرار عدوانها على القطاع، وأن إسرائيل تغض النظر عن عمليات تهريب السلاح من إسرائيل إلى الضفة لإيجاد مبرر للاستيلاء على أراضي الضفة وممارسة مزيد من القتل والإبادة للفلسطينيين”.
من جانبه، قال دكتور طارق فهمي، الخبير بالشأن الإسرائيلي، إن الحديث عن تهريب الأسلحة من مصر إلى قطاع غزة هو ادعاء متكرر تسوقه إسرائيل كلما أرادت أن توتر علاقتها بمصر. ففي البداية كان الحديث عن الأنفاق التي كانت موجودة قبل 2013، ثم انتهت بصورة أو بأخرى، وأصبح الحديث الآن عن المسيرات.
وأضاف فهمي في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” أن مصر تدعم فقط الشعب الفلسطيني، وتقدم مساعدات إنسانية له، لكنها لم تتدخل لدعم أي طرف من أطراف الحرب. وأشار المتحدث العسكري المصري إلى ذلك في أكثر من مناسبة، مؤكدًا أن مصر لن تترك الوساطة لإنهاء هذه الحرب.
وأوضح فهمي أن هذه المزاعم الإسرائيلية لا يجب التوقف عندها، وعلى مصر أن تستمر في طريقها في الوساطة والمفاوضات لإنهاء الحرب. وأكد أن مصر تتعامل مع كافة الأطراف، سواء إسرائيل أو الولايات المتحدة أو حماس وكذلك فصائل المقاومة الأخرى، لأنها تقف مع الحق الفلسطيني ولن تتراجع عن دعمه. مشيرًا إلى أنه إذا كانت إسرائيل تمتلك أي دليل على تهريب الأسلحة من مصر إلى قطاع غزة، لكانت قد نشرته.
وشهدت مصر منذ عام 2012 موجات من الإرهابيين تسللت إلى سيناء عبر الأنفاق بين مصر وغزة، مما دفعها إلى إغلاق هذه الأنفاق وإغراقها. وأعلنت مصر على لسان متحدثها العسكري في مايو 2020، إغلاق 3 آلاف نفق بين مصر وغزة كانت تستخدم في تهريب الأسلحة والإرهابيين إلى سيناء، وهو ما يشكل تهديدًا للأمن القومي المصري.
من جانبها، قالت دكتورة هبة البشبيشي، الخبيرة في الشأن الإسرائيلي، إن إسرائيل تحاول بهذه المزاعم جر مصر إلى الصراع. فهي بدأت بقطاع غزة ثم وسعت نطاق عملياتها إلى لبنان، والآن سوريا عبر ميليشيات يُدعى أنها مدعومة من إسرائيل. وحاولت قبل ذلك استدراج مصر بضرب معبر رفح والادعاء أنه تم عن طريق الخطأ.
وأوضحت البشبيشي أن ما تفعله إسرائيل بمحاولة جر مصر إلى الحرب هو محاولة قد تأتي بنهاية إسرائيل نفسها، لأن مصر بكل الإحصائيات تتفوق عدديًا وعسكريًا على إسرائيل، وهي الدولة الوحيدة في المنطقة التي استطاعت هزيمة إسرائيل عسكريًا في 1973. مستبعدة حدوث أي اشتباكات مباشرة بين مصر وإسرائيل، لأن الأخيرة تعلم جيدًا أنها لن تستطيع مواجهة مصر.
وأضافت البشبيشي أن على مصر مواجهة هذه الادعاءات بصورة حاسمة، سواء على المستوى الرسمي أو على المستوى الدبلوماسي. مشيرة إلى أن الادعاءات المتكررة تهدف إلى تحويل مصر إلى طرف في الصراع، لإخراجها من معادلة الوساطة، نظرًا لما تمثله مصر من دعم للشعب الفلسطيني.
اقرأ أيضًا:
بعد مزاعم إسرائيلية.. ما حقيقة تهريب أسلحة من مصر لغزة؟
جهود الوساطة المصرية لوقف حرب غزة
هل تستطيع مصر إعادة ترتيب البيت الفلسطيني بين فتح وحماس؟
سفينتان تنقلان مواد متفجرة إلى إسرائيل.. قصة المرور وسبب الجدل