سياسة

إفلاس أم إعادة تدوير؟.. أسئلة حول قيادات “الحزب الجديد”

أبو عيطة: عودة السياسة القبلية تهدد المجتمع المصري

معصوم مرزوق: محاولة فهم خلفيات الحزب الجديد أشبه بـ”البحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة”

الحق في الدواء: هذه كواليس قضايا سعيد حساسين

 

في عالم السياسة المصري، حيث الواقع الراكد لسنوات، والذي تظهر فيه مفاجآت يقررها أو يرضى عنها المستوى السياسي لينتقل من خلالها من مرحلة لمرحلة، فتُرسم القرارات أحيانًا تحت ظلال المصالح والنفوذ، وتظهر قصص الأفراد لتُجسِّد التحدي الأكبر بين الركود والغموض. فما الذي يجعل شخصيات ذات ماضٍ سياسي مكروه أو أحكام قضائية تعود بقوة إلى دائرة الضوء السياسي؟ هل هي ثغرات في الأنظمة القانونية، أم أن السياسة بطبيعتها مجال يسمح بإعادة التدوير للأفراد والأفكار، كل حسب المرحلة؟

 

ظهور سعيد حساسين مع الحزب “المفاجئ”  الذي أعلن عنه خلال الآونة الأخيرة، يلقي الضوء على هذه المفارقة. فبينما يُفترض أن السياسة تقوم على النزاهة والشفافية، تظهر على السطح أسماء وشخصيات تدفعنا للتساؤل: هل هناك معايير حقيقية تُحدد مَن يصل إلى السلطة؟، أم أن اللعبة السياسية تحمل أبعادًا خفية، تُدار خلف الستار، حيث يختلط النفوذ بالفرص؟

 

تقرير منصة “MENA“، لا يهدف فقط إلى سرد الحقائق، بل يسعى إلى تحليل هذه الظاهرة. عودة سعيد حساسين، الذي واجه أحكامًا قضائية في الماضي وتم شطبه من كشوف المرشحين، تطرح أسئلة عن ديناميكيات المشهد السياسي في مصر اليوم. كيف يعود شخص كهذا إلى الواجهة، ليس فقط عضوا، بل قياديا في حزب يصفه البعض بأنه مدعوم من “جهات مهمة”؟

 

خلفية الحزب ودوره في المشهد السياسي

 

الحزب الجديد يُعد أحد الأحزاب السياسية التي تسعى لإعادة تشكيل المشهد السياسي المصري من خلال توسيع قاعدة المشاركة السياسية وتحقيق الإصلاحات التي تضمن تقوية الأحزاب داخل البرلمان. يتبنى الحزب خطابًا يؤكد تعزيز الديمقراطية وتوفير الفرص السياسية لكافة الأطياف. وقد شهد مؤخرًا اهتمامًا إعلاميًا نظرًا لانضمام شخصيات مثيرة للجدل، مثل الدكتور سعيد حساسين، إلى صفوف قياداته.

 

 

 

صعود سياسي مثير للجدل

 

الدكتور سعيد حساسين، الذي كان في البداية صيدليًا معروفًا بتجارته في الأعشاب الطبيعية، ثم مطورًا عقاريًا، دخل عالم السياسة من خلال عضويته في مجلس النواب كجزء من حزب السلام الديمقراطي. بالرغم من إثارته الجدل بسبب أحكام قضائية سابقة تتعلق بقضايا جنائية في أواخر التسعينيات وأوائل الألفية الثانية، إلا أن حساسين تمكّن من شق طريقه إلى البرلمان، مما أثار تساؤلات حول كيفية تجاوز هذه الأحكام وتأثيرها على مسيرته السياسية.

 

العودة إلى المشهد السياسي

 

بعد فترة من الغياب عن المشهد السياسي، عاد حساسين ليصبح عضوًا بارزًا في الحزب الجديد الذي أعلن عنه، وهو ما يُفسَّر بأنه جزء من استراتيجية الحزب لاستقطاب شخصيات لها حضور شعبي رغم الجدل المحيط بها. هذه الخطوة تعكس توجهًا من الحزب لتوسيع نفوذه من خلال دعم شخصيات ذات خبرة في البرلمان، لكن هذا التحرك أيضًا يثير مخاوف حول معايير السياسة في مصر.

 

الأحكام الصادرة ضد حساسين في الماضي، والتي تم إسقاطها لاحقًا، فتحت باب النقاش حول مصداقية النظام السياسي. كيف تمكن حساسين من العودة للساحة السياسية بعد شطبه؟ وهل كان هناك دعم من جهات نافذة ساعدته في هذه العودة؟ هذه التساؤلات تتطلب إجابات واضحة لضمان الشفافية في الحياة السياسية.

 

تحديات على طاولة “الحزب الجديد”

 

يواجه الحزب تحديات تتعلق ببناء مصداقية لدى الشارع المصري، خاصة مع التركيز الإعلامي على خلفيات بعض قياداته. ومع ذلك، فإن الحزب يسعى لطرح رؤية جديدة تشمل الإصلاحات السياسية والاقتصادية من خلال مشاركته في الحوار الوطني ومناقشة القضايا المهمة مثل النظام الانتخابي الأمثل، وكذلك ليكون حصانا جامحا في انتخابات البرلمان، والتي تجري في مصر بعد عدة أشهر فقط.

 

 

فلاش باك

 

أكد محمود فؤاد، رئيس مركز الحق في الدواء، أن النائب السابق سعيد حساسين، الذي عاد مؤخرًا إلى الساحة السياسية، كان قد واجه عددًا من القضايا الجنائية، بينها قضية غش تجاري وبيع أدوية مجهولة المصدر. وقال فؤاد: “كان هناك حكم نهائي بحبس سعيد حساسين، وهو حكم واجب التنفيذ، وتم تأييده في قضية جنح مستأنف كرداسة تحمل رقم 4699. وقد اختفى لفترة حتى سقط الحكم مع مرور الوقت”.

 

وأضاف فؤاد في حديثه لمنصة “MENA” أن التهم التي واجهها حساسين تضمنت “الغش التجاري، بيع أدوية مجهولة المصدر، والتدليس”، مشيرًا إلى أن هذه القضايا تم تداولها أيضًا في قضايا جنح مستأنف كفر الشيخ والسويس في مايو ويونيو من نفس العام.

 

وتابع فؤاد قائلًا: “حساسين كان معروفًا بعمله في مجال الأعشاب والعقاقير المجهولة المصدر، إذ كان يفتتح فروعًا في مختلف المحافظات تحت اسم “أعشاب حساسين”، ويقوم ببيع وصفات طبية غير معتمدة من وزارة الصحة”. وأشار إلى أن حساسين كان “يتصدر المشهد الإعلامي على عدة قنوات محلية، حيث كان يروج لمنتجاته وادعاءاته الطبية التي لا تستند إلى أي دليل علمي”.

 

وأوضح فؤاد أن حكمًا من المحكمة الإدارية العليا كان قد صدر في عام 2020 بشطب اسم حساسين من قوائم المرشحين للانتخابات بسبب سجله الجنائي، ما يعني أن عودته للمشهد السياسي تثير الكثير من التساؤلات. وأكد أن شخصيات مثل حساسين، التي كانت موضوعًا للقضايا والتهم الخطيرة، لا ينبغي أن تجد مكانًا في الأحزاب السياسية أو المناصب العامة.

 

أسئلة حول عودة حساسين

 

كما أشار فؤاد إلى أن حساسين بعد اختفائه لفترة طويلة، عاد إلى الساحة السياسية، ولكن هذه المرة في مجال التطوير العقاري، وهو المجال الذي بدأ يمارسه بعد تخلصه من المشاكل القانونية التي كانت تلاحقه. وأضاف فؤاد: “الأسئلة التي تطرح نفسها الآن: كيف يمكن لشخص مثل سعيد حساسين، الذي تورط في قضايا جنائية بهذا الحجم، أن يعود بهذه السرعة إلى الحياة العامة؟ وما هي الجهات التي قد تكون ساعدته في ذلك؟”.

 

واختتم فؤاد بالقول: “إن عودة شخصيات كهذه إلى المشهد السياسي ليست مجرد مسألة قانونية، بل هي مؤشر على أن بعض القوى السياسية قد تدعم الفاسدين، وهو ما يجعلنا نتساءل عن مصير البلاد وكيفية بناء نظام سياسي نظيف بعيد عن تلك الأسماء”.

 

 

أخطر تهديد على المجتمع المصري

 

انتقد الوزير الأسبق كمال أبو عيطة بشدة ظهور حزب جديد يستند إلى القبلية في المشهد السياسي المصري، معبرًا عن مخاوفه من أن هذا الاتجاه يمثل ارتدادًا وتراجعًا في مسيرة العمل الوطني، واصفًا هذه الخطوة بأنها “أخطر تهديد يواجه المجتمع المدني والحركة السياسية المصرية”.

 

وقال أبو عيطة في تصريحات خاصة لمنصة “MENA“: “فوجئت ورُعبت من استمرار إغلاق المجال العام وحصار الحركة السياسية المصرية، مما خلق فراغًا سياسيًا كبيرًا قد يُستغل من قِبَل مستبدين أو مستعمرين لملء هذا الفراغ”. وأشار إلى أنه كان يخشى من عودة القوى التي أسقطها الشعب المصري في الماضي، مضيفًا أن الوضع الحالي يُعد “ارتدادًا خطيرًا إلى مجتمع القبائل”، ويمثل تراجعًا في مسيرة العمل الوطني.

 

وأوضح الوزير الأسبق أن العائلات لها دور أساسي في تعزيز الروابط الإنسانية والتضامن الاجتماعي، لكنه شدد على ضرورة فصل هذه العلاقات عن العمل السياسي، معتبرًا أن الاعتماد على العائلات أو القبائل في العمل الوطني يؤدي إلى “تفكيك المجتمع وضياع معاني الدولة المدنية”. وقال: “دعوا العلاقات العائلية تختص بالمسائل الإنسانية وصلة الأرحام، أما التصدي للعمل العام بهذا الشكل فهو إلغاء للمجتمع المدني والحركات السياسية الوطنية”.

 

وأضاف أبو عيطة: “الوضع القبلي غير مضمون على الإطلاق في الأداء الوطني العام، فالعائلة الواحدة تضم آراء متعددة، ومن المستحيل جمع الناس على موقف سياسي موحد، تمامًا كما هو الحال في النقابات التي تجمع اتجاهات سياسية وفكرية مختلفة”. وأكد أن هذا النهج يهدد بتشكيل عصبيات تؤدي إلى انقسامات داخل المجتمع، مشيرًا إلى أن ما يحدث يمثل ارتدادًا خطيرًا يجب التصدي له.

 

أبو عيطة: خذوا العبرة من سوريا والسودان

 

وحذر من تكرار سيناريوهات شهدتها دول مثل سوريا والسودان، حيث أدى الاعتماد على القبلية والعصبية إلى تفكك الدولة وتهجير الشعوب. وأشار إلى أن هذا المسار يشبه تجربة “حميدتي” في السودان، مضيفًا: “لا أريد أن نرى في مصر نفس السيناريو السوداني، حيث أدى النهج القبلي إلى صراعات داخلية دمرت البلاد وجعلت شعبها لاجئًا في الخارج”.

كما أبدى أبو عيطة اعتراضه على عودة شخصيات مثيرة للجدل مثل سعيد حساسين إلى المشهد السياسي، معتبرًا أن ذلك يشير إلى محاولات تحالفات غير مدروسة تضرب إرادة الشعب. وقال: “مصر لديها 108 أحزاب، من بينها 8 أحزاب تعبر عن الاتجاهات الفكرية المختلفة، فلماذا لا تبحث هذه الشخصيات عن أحزاب تعكس رؤاها السياسية بدلاً من اللجوء إلى العصبيات القبلية؟”.

 

وأكد أن هذه التحالفات لا تهدف إلى تحقيق مصالح الشعب، بل تُستخدم كأدوات لضرب إرادة المصريين، قائلاً: “هذه التكوينات لن تُستخدم إلا لمنع الناس من التعبير عن آرائهم بحرية، أو لإجبارهم على تأييد أشخاص بعينهم”.

 

وفي ختام حديثه، شدد الوزير الأسبق على أن الدولة المصرية قامت تاريخيًا على أسس مدنية قوية، محذرًا من أن العودة إلى العصبيات القبلية يمثل خطرًا على وحدة البلاد. وأعلن عزمه اللجوء إلى القضاء لمواجهة هذا التوجه، قائلاً: “سأتخذ كل الإجراءات القانونية لوقف هذه الجريمة بحق الدولة والمجتمع المصري، وأدعو القائمين على هذا الأمر للتراجع فورًا”.

 

 

السفير معصوم مرزوق: غموض يكتنف تشكيل “الحزب الوطني الجديد”

 

حذر السفير معصوم مرزوق لمنصة “MENA“، من الظهور المفاجئ لحزب التحالف الوطني الجديد والشخصيات التي انضمت إليه، والتي تثير علامات استفهام كثيرة. وأشار إلى أن هذا التشكيل يفتقد الشفافية، مما يجعل محاولة فهم خلفياته أشبه بـ”البحث عن قطة سوداء في غرفة مظلمة”.

 

ورأى مرزوق: “حتى الآن لا توجد معلومات مؤكدة عن طبيعة هذا التكوين أو كيفية تشكيله. ما الهدف من الحزب؟ لماذا لم تُعلن تفاصيل تشكيله؟ إذا كان حزبًا سياسيًا، فهو بحاجة إلى كسب شعبية، وهذا يتطلب وضوحًا ودعاية، لا غموضًا وإخفاء للحقائق”.

 

وأضاف: “وجود شخصيات مثل سعيد حساسين، الذي واجه أحكامًا قضائية سابقة، ورئيس برلمان سابق لم يظهر مطلقًا في البرلمان، يجعل التساؤلات حول مصداقية الحزب أكثر إلحاحًا. كيف يمكن لشخصيات مثل هذه أن تكون جزءًا من كيان سياسي يسعى إلى تمثيل الشعب؟”

 

وعن إمكانية وجود صفقات أو تسويات قانونية، أشار السفير إلى أن القانون يتيح آليات للعفو والإعفاء، لكنه شدد على ضرورة وجود أدلة واضحة لتأكيد أي ادعاء بوجود صفقات.

 

قلق من غياب المعلومات

 

وأعرب السفير عن قلقه من غياب المعلومات الواضحة حول هذا الحزب قائلاً: “مصادر المعلومات شحيحة، وهناك صمت غير مبرر. إذا كان هناك حزب حقيقي، فما العيب في إعلان التفاصيل؟”

 

وأكد أن هذا الغموض يعزز الشكوك حول نوايا التشكيل، مشيرًا إلى احتمال أن يكون الهدف هو التنسيق للانتخابات البرلمانية المقبلة، خصوصًا مع وجود مقترحات لتعديل قانون الانتخابات.

 

ودعا السفير إلى إصدار قانون حرية تداول المعلومات في مصر، معتبرًا أنه الحل الوحيد لإنهاء الغموض المحيط بمثل هذه القضايا. وأوضح أن الشفافية تصب في مصلحة الجميع، سواء الحكومة أو الشعب، لأنها تمنع الشائعات وتتيح المشاركة الفعالة في صنع القرار.

 

واختتم السفير حديثه قائلاً: “في دول مثل أمريكا وإنجلترا، تتوفر قوانين تتيح الوصول إلى المعلومات بسهولة، بينما في مصر، يعاني الباحثون والصحفيون من ندرة المعلومات. هذا الوضع يجب أن يتغير لتحقيق مجتمع أكثر شفافية وعدالة”.

 

اقرأ أيضًا:

 

حزب العرجاني الجديد.. حصان طروادة البرلمان المصري 2025

 

جلسة اتفاق على بيع قطعة أثرية داخل حزب الوفد

 

أزمة أرض الصومال.. ترقب مصري حتى تنصيب ترامب

 

اللواء محمد رشاد لمنصة “MENA”: قضيتا فلسطين والسودان في ذمة التاريخ.. وحزب العرجاني ينذر “بكارثة” | حوار

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية