الطوارئ هي استثناء للقاعدة، وتستخدم في حالات الإغاثة وقت النوازل، لنجدة البلاد من غدرات الطبيعة، وقت الزلازل والأعاصير.
ولكن إذا ما تحول الأمر للسياسة والقانون وحكم البلاد، فإن الطوارئ وقانونها يستخدمان في أضيق الحدود، وأحلك الظروف.
يتم استخدام قانون الطوارئ دولياً، في حالات الحرب، وبعد وجود تفجيرات إرهابية.
ولكن قانون الطوارئ في عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، كان له رأي آخر.
إذ ظلت جاثمة على صدور المصريين لعقود، لتكون كابوساً لا يستيقظون منه، يهب عليهم في أحلامهم، ويرون أثره في واقعهم.
قانون كان يمكن أن يضع شخصاً في السجن لعقود، دون محاكمة، ودون تهمة، حتى يستبين أمره، ويستقيم حاله.
قانون كان سبباً في قيام ثورة يناير 2011، إلى جانب عدة قوانين أخرى، لتخرج مظاهرات تطالب بإلغاء القانون نظمتها حركة كفاية، إبان عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك.
“يا حاكمنا بالطوارئ، كل الشعب في ظلمك غارق”، هتافات بدأت بالتنديد بقانون الطوارئ، انتهت بالمطالبة برحيل رأس الدولة “حسني مبارك”.
وفي عام 2011، قرر الرئيس محمد حسني مبارك، تخليه عن منصب رئيس الجمهورية، وكلف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد.
ولكن بعد عام 2011 ألغي قانون الطوارئ، بعد عدة مظاهرات قادتها حركة 6 إبريل في ذات العام.
ليقرر الرئيس عبدالفتاح السيسي إعادة القانون مرة أخرى إلى الواجهة عام 2017، ليتم العمل به مجدداً.
أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي العمل بقانون الطوارئ في مصر، وذلك في شهر أبريل من العام 2017.
قرار الرئيس السيسي جاء عقب تفجير كنيستين في طنطا والإسكندرية، أسفرت عن مقتل 44 قبطياً، وإصابة أكثر من 100 آخرين.
تفجيرات أعلن “تنظيم الدولة الإسلامية” تبنيه لها، مهدداً بتوجيه المزيد من الضربات ضد المسيحيين في مصر.
وبحسب المادة 154 في الدستور، يحق لرئيس الجمهورية أن يعلن حالة الطوارئ بعد أخذ رأي مجلس الوزراء،
ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية ليقرر ما يراه بشأنه،
ويتعين موافقة غالبية أعضاء المجلس على إعلان الطوارئ لمدة محددة لا تتجاوز ثلاثة أشهر،
ولا يجوز تمديدها إلا لمدة أخرى مماثلة بعد موافقة ثلثي أعضاء المجلس.
إجراء قانوني، سمح لرئيس الجمهورية والحكومة باتخاذ المزيد من الإجراءات الاستثنائية،
كان من أهم هذه الاستثناءات إحالة متهمين لمحاكم أمن الدولة، وحظر التجول في بعض المناطق، وتمكين الجيش من فرض الأمن إلى جانب الشرطة المدنية.
لكن وبعد أربع سنوات ونيف، قرر الرئيس عبدالفتاح السيسي إلغاء قانون الطوارئ، ليلقى القرار استحسان جهات حقوقية ومصرية.
محامي أحد المتهمين عن أحد السجناء السياسيين في مصر، قال إن القرار أفاد أحد موكليه بشكل كبير.
حيث كان على وشك الإحالة إلى نيابة أمن الدولة طوارئ، لكن قرار الرئيس عبدالفتاح السيسي حال دون ذلك، ليتم إحالته إلى محكمة الجنح.
وأشار المحامي أشرف العناني، إلى أنه وبعرض الشخص على محكمة الجنح، تم الحكم عليه لمدة عام.
وتابع العناني أنه وفي غضون أسبوعين، تم عمل استئناف على الحكم الصادر، أمام محكمة جنح المستأنف،
ليصدر القاضي حكماً ببراءته، وبعد عدة أيام تمكن الشخص من العودة إلى بيته مجدداً والعودة إلى وظيفته بعد حكم البراءة.
لكن مجلس النواب المصري أقر 3 تعديلات جديدة، رأها مختصون أنها تساوي تطبيق قانون الطوارئ لكن بشكل أكثر استقراراً وقانونية.
وبحسب مراقبون للأوضاع السياسية في مصر، اعتبرت هذه التعديلات القانونية قانون طوارئ جديد.
وأشار التعديل الأول إلى حماية المنشآت العامة والحيوية للجيش وقوات الشرطة بشكل دائم،
إضافة إلى إحالة جرائم التعدي على تلك المنشآت إلى القضاء العسكري.
كما منح التعديل الثاني رئيس الجمهورية صلاحيات جديدة لفرض تدابير لمواجهة الإرهاب،
وتشمل هذه التدابير الجديدة حظر التجول في بعض المناطق التي يحددها رئيس الجمهورية،
أما التعديل الثالث فيعاقب بالسجن والغرامة من يحاول جمع المعلومات عن أفراد ومهام القوات المسلحة دون إذنها.
قانون الطوارئ الذي ألغاه الرئيس عبدالفتاح السيسي كان يعطيه وحكومته صلاحيات واسعة للغاية.
ويعطي هذا القانون القوات المسلحة والشرطة اتخاذ ما يلزم لمواجهة أخطار الإرهاب،
إضافة إلى حفظ الأمن بجميع أنحاء البلاد، وحماية الممتلكات العامة والخاصة، وحفظ أرواح المواطنين.
كما كان يعطي قانون الطوارئ الذي تم إلغاؤه رئيس الجمهورية الحق في اتخاذ إجراءات استثنائية،
وشملت هذه الإجراءات، تمكين الجيش من فرض الأمن، وتقييد الأجهزة المعنية لحرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والمرور في أماكن أو أوقات معينة،
كما شملت هذه الصلاحيات، إحالة المتهمين المدنيين إلى محاكم أمن الدولة، وحظر التجول في بعض المناطق.
كما يمنح الحق للأجهزة المعنية في مراقبة أنواع الرسائل كافة، ومراقبة الصحف والنشرات والمطبوعات،
إضافة إلى المحررات والرسوم وكل وسائل التعبير والدعاية والإعلان قبل نشرها، وضبطها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها.
وفور إلغاء قانون الطوارئ، شهد القرار الذي أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي ترحيباً واسعاً من قبل حقوقيين.
واعتبر الحقوقيون هذا الإلغاء بمثابة عهد جديد بدأه الرئيس السيسي للإنفتاح على حوار وطني أشد رحابة من غيره.
وينتظر المصريون جلسات حوار وطني تبدأ 23 يوليو، وتضع على رأس أجنداتها إيجاد حل لقانون الحبس الاحتياطي.
واعتبر حقوقيون قانون الحبس الاحتياطي هو طريق آخر لقانون الطوارئ، متسائلين، كيف يمكن حبس شخص لمدة عامين دون محاكمة؟.
لكن أعضاءً بمجلس النواب رحبوا بالحوار الوطني، معتبرين أن البداية لتعديل ملف حقوق الإنسان في مصر كان منذ إلغاء قانون الطوارئ.
واعتبر حقوقيون أن ملف حقوق الإنسان في مصر ما زال أمامه الكثير ليحقق ما يتمناه المصريون.
النائب طارق رضوان، رئيس لجنة حقوق الانسان، في مجلس النواب أن المؤسسة التشريعية بذلت جهوداً مضنية خلال الفصل التشريعي الثاني.
وثمن رئيس لجنة حقوق الإنسان في كلمة له خلال الجلسة العامة للمجلس، إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسي الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وما استتبعها بإطلاق الحوار الوطني.
كما أعرب رضوان عن سعادته بإلغاء الرئيس عبدالفتاح السيسي قانون الطوارئ، معتبراً إياها “سابقة تاريخية”، وهي ما مهدت الطريق بعد ذلك للخطوات التالية.
اقرأ أيضاً
هل تضرر العاملون عبر الانترنت بانقطاع الكهرباء في مصر؟
مهرجان جمعية الفيلم والسينما المصرية ودعم القضية الفلسطينية
لُغز اختفاء الأدوية في مصر ونية حكومية لرفع الأسعار
الفرق الغنائية المصرية بين الماضي والحاضر
لكن قانون الطوارئ كان قد تم إلغاؤه من قبل عدة مرات، بداية من عهد الرئيس السادات، وتحديداً قبل 18 شهراً من اغتياله.
وبعد تولي الرئيس الأسبق حسني مبارك رئاسة البلاد، قرر إعادة قانون الطوارئ مجدداً، وكان يتم تجديده كل عام.
ولم يتنازل “مبارك” عن قانون الطوارئ طوال فترة حكمه التي استمرت 30 عاماً.
وفي أعقاب تنحيه عن السلطة بعد أشهر، أوقف المجلس العسكري العمل بقانون الطوارئ، حتى تم اقتحام السفارة الإسرائيلية في القاهرة.
وبعد اقتحام السفارة عام 2012، قرر المجلس العسكري إعادة العمل بقانون الطوارئ مرة أخرى.
ليأتي شهر مايو من العام ذاته، ويتم إلغاء العمل بقانون الطوارئ مرة أخرى، قبيل إعلان الفائز في الانتخابات الرئاسية.
لكن الرئيس السابق عدلي منصور أصدر قراراً بإعادة حالة الطوارئ مرة أخرى، عقب فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة.
وعقب الانتهاء من دستور 2014 توقف العمل بقانون الطوارئ، لكن فرضها الرئيس السيسي على سيناء، بعد تصاعد أحداث العنف فيها.
وفي 2017، قرر الرئيس السيسي توسيع العمل بقانون الطوارئ ليشمل جميع أرجاء مصر، ليعود بعد 4 سنوات ونصف ليلغي القرار.
ومنذ العمل بقانون الطوارئ عام 2017 وحتى إلغاء العمل به، تم فرض القانون 9 مرات، ومده 8 مرات أخرى.
أطلق الرئيس عبدالفتاح السيسي في عام 2021 الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، لرسم خارطة حقوق الإنسان في مصر خلال السنوات القادمة.
واستندت الإستراتيجية على 4 مبادئ رئيسية تمثل شكل حقوق الإنسان في مصر، ولتكون مبادئ عامة تسير عليها البلاد في الوقت القادم.
وشمل المحور الأول في هذه الإستراتيجية الحق في الحياة، والحرية، والأمن، والحق في محاكمة عادلة، والحق في حرية التعبير،
كما شملت هذه المحاور الحق في الخصوصية، والحق في التجمع السلمي، والحق في المشاركة السياسية.
أما المحور الثاني، فيشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والحق في التعليم، والحق في الصحة، والحق في العمل، والحق في السكن،
إضافة إلى الحق في الضمان الاجتماعي، والحق في الثقافة، والحق في المشاركة في الحياة الثقافية.
وفيما يتعلق بالمحور الثالث للاستراتيجية، فشمل عدة حقوق أبرزها، الحق في المساواة، والحق في الحماية من التمييز، والحق في الرعاية والتنمية.
أما المحور الرابع والأخير فيشمل التوعية بحقوق الإنسان، وبناء قدرات العاملين في مجال حقوق الإنسان، وتعزيز التعاون الدولي في مجال حقوق الإنسان.
وينتظر المصريون حواراً وطنياً، اعتبروه امتداداً لقرار إلغاء قانون الطوارئ، والإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.
الحقوقي نجاد البرعي، عضو مجلس أمناء الحوار الوطني، قال إن جميع الموضوعات الخاصة بحقوق الإنسان التي أقرها مجلس الأمناء سيجرى مناقشتها تباعاً.
وأضاف البرعي في تصريحات صحفية أن ملف الحبس الاحتياطي به تشابكات وإشكاليات تنفيذية وتشريعية ستكون محل نقاش مثمر.
مجلس الأمناء أشار أيضاً إلى أنه سيتم في هذه الجلسات مناقشة مدة الحبس الاحتياطي، وبدائله.
بالإضافة إلى موقف الحبس الاحتياطي في حالة تعدد الجرائم وتعاصرها، والتعويض عن الحبس الاحتياطي الخاطئ.
كما سيتم مناقشة، تدابير منع السفر المرتبطة بقضايا الحبس الاحتياطي.
واتخذ مجلس الأمناء قرارًا برفع التوصيات إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية،
وفور انتهاء الجلسة سيتم رفع التوصيات مصحوبة بقائمة تتضمن عددًا من المحبوسين ووضعها تحت بصر الرئيس، تمهيداً للعفو عنهم.