إنقاذ الصناعة المصرية.. مبادرة جديدة لإنهاء تعثر ١٢ ألف مصنع متوقف
تعثر المصانع ومبادرات إحيائها ليست المرة الأولى التي تثيرها الحكومة المصرية سعيًا لتقليل الفاتورة الاستيرادية، التي تمثل أكبر الضغوط على الاقتصاد المصري مع تراجع إيرادات العملة الأجنبية. يسعى وزير النقل والصناعة، المهندس كامل الوزير، لإنقاذ أكثر من 12 ألف مصنع متعثر، أغلبها متوقف عن الإنتاج والباقي لم يكتمل بناؤه. وعلى الرغم من عدم الإعلان عن خطة مفصلة للإنقاذ، إلا أن الوزير حدد مبادرة “ابدأ” ودعم البنك المركزي كركيزة لإحياء المصانع.
لماذا تعثرت المصانع؟
توقف المصانع لم يكن وليد اللحظة، كما أوضح الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، في تصريح خاص لمنصة “MENA“، حيث بيّن أن أسباب التوقف متنوعة. على رأسها ارتفاع أسعار المواد الخام وصعوبات الاستيراد بسبب نقص الدولار، بالإضافة إلى ضعف السوق المحلي مع تراجع القدرة الشرائية لغالبية الشعب المصري. وأشار النحاس أيضًا إلى التعطيل المتعمد من قبل بعض الجهات، مما يؤدي إلى تدوير المستثمر بين عدة جهات، فالرخصة الذهبية والشباك الواحد لا يخدمان سوى فئة محدودة من المستثمرين.
من جانبه، أشار محمود الشندويلي، رئيس جمعية مستثمري سوهاج، إلى أن العديد من المصانع توقفت عن العمل بسبب مشاكل تمويلية أدت إلى ارتفاع تكاليف التشغيل، مثل الضرائب الجزافية والتأمينات وفوائدها المركبة. وأضاف أن المصانع تسدد رسومًا حكومية إلى نحو 22 جهة حكومية مختلفة.
وفي سياق متصل، أكد المهندس محمد المهندس، رئيس غرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات المصرية، أن الروتين الحكومي الذي يواجهه المصنعون في مختلف الجهات، مثل هيئة التنمية الصناعية والضرائب والتراخيص والحماية المدنية والاشتراطات البيئية، هو أحد الأسباب الرئيسية لتعثر المصانع. وأشار إلى أن نجاح أي مبادرة يعتمد على إعادة النظر في فلسفة تلك الهيئات.
لذا، لجأ العديد من المصنعين إلى التجارة كبديل أكثر أمانًا وسهولة لتحقيق الربح، إذ يكفي شراء سلعة من مصدر وبيعها إلى مصدر آخر بفارق سعر يحقق الربح. فعلى سبيل المثال، تكلفة استيراد سلعة بسعر 6 جنيهات قد تصل إلى 8 جنيهات عند تصنيعها محليًا، والفرق يأتي من الرسوم الرسمية وغير الرسمية التي يتحملها المصنع.
وأشار المهندس في تصريحه الخاص لمنصة “MENA” إلى أزمة نقص المواد الخام وصعوبات الاستيراد، مُدللًا على ذلك بارتفاع فاتورة استيراد الفويل، والتي كشف عنها الرئيس السيسي، كواحدة من أكبر العقبات التي تواجه الصناعة. فمصنع مصر للألومنيوم، على سبيل المثال، ينتج ورق الفويل، ولكنه يُصدر كامل إنتاجه إلى الخارج بسبب حاجته لتوفير الدولار اللازم لاستيراد الخامات ومستلزمات الإنتاج، وإلا سيتوقف عن العمل.
المهندس جمال عسكر، وكيل لجنة الصناعة بنقابة المهندسين
كيف ينقذ الوزير المصانع؟
تختلف مبادرة وزارة النقل والصناعة عن سابقيها، وفقًا لما ذكره المهندس جمال عسكر، وكيل لجنة الصناعة بنقابة المهندسين، حيث كشف الوزير عن بيانات واضحة تتضمن تحديد عدد المصانع الجاهزة للتشغيل والتي بلغت 5790 مصنعًا، بالإضافة إلى نحو 5500 مصنع قيد الإنشاء. وتم تحديد الأولويات بالنسبة للمصانع، نظرًا للوضع الاقتصادي الضاغط الذي لا يسمح برفاهية التجريب.
وحذّر النحاس من توفير قروض تمويلية بفوائد مخفضة من البنك المركزي للمصانع المتعثرة دون رؤية مستقبلية لقدرتها على السداد، مذكرًا بتجربة التسعينيات في عهد الدكتور كمال الجنزوري، حيث أدى التوسع في القروض الميسرة إلى عجز عن السداد وإفلاس البنوك.
إغراق لا إنقاذ
وأكد أن قيادة وزير النقل والصناعة للملف إيجابية، نظرًا لقدرتها على اتخاذ القرار بحسم. إلا أن الخطورة تكمن في التوسع في عملية الإنقاذ دون فهم دقيق لأسباب التوقف، ما قد يؤدي إلى إغراق المصانع بدلًا من إنقاذها.
وأضاف رئيس غرفة الصناعات الهندسية أن نجاح ملف الصناعة يتطلب وجود رجل صناعة ضمن المنظومة، يكون ملمًا بتفاصيل الصناعة ولغتها، للعمل على تحديث المصانع القائمة وحل أزمات الخامات غير المتوفرة، مشيرًا إلى أن الوزير يبذل جهودًا حثيثة لتحقيق نتائج إيجابية.
من جهته، ناشد أسامة الشاهد، عضو مجلس إدارة اتحاد الصناعات المصرية، تخفيض فائدة المبادرة التمويلية إلى 5% بدلًا من 10%، في ظل ارتفاع تكاليف التشغيل مثل أسعار الطاقة وأجور العاملين.
لماذا لا يتدخل الجيش لإنقاذ المصانع؟
طالب البعض بتولي جهاز المشروعات التابع للقوات المسلحة إدارة المصانع المتعثرة، استنادًا إلى نجاحاتها في مجالات أخرى. إلا أن الدكتور وائل النحاس يستبعد هذا الخيار، مشيرًا إلى أن مشروعات الخدمات أسهل من مشروعات الصناعة. وأكد أن الدولة تتوجه نحو زيادة تواجد القطاع الخاص، ولن تتراجع عن خطتها في هذا الشأن.
وأشار النحاس إلى أن الدولة تخلت عن حصصها في بعض المشروعات لصالح القطاع الخاص، مثل حصتها في حديد المصريين التي حصل عليها مصنع عز للحديد والصلب.
حلول بديلة
يرى النحاس أن تشتيت الجهود في دعم الصناعات المختلفة يضر أكثر مما يفيد. وأوصى بالتركيز على صناعة واحدة محددة يتوافر لها الخام محليًا، مقترحًا أن تكون الصناعات النسيجية نقطة انطلاق للصناعة المصرية. وأوضح أن مصر تزرع القطن ولديها صرح صناعي في مدينة المحلة الكبرى، مما يجعل من صناعة النسيج خيارًا مستدامًا للتصدير.
وفي هذا السياق، أكد المهندس محمد المهندس أن غرفة الصناعات الهندسية ستطلق معرضًا في فبراير المقبل للعام الثاني على التوالي، بهدف تعميق التصنيع المحلي وتعزيز التشبيك بين المصنعين لتحقيق مكاسب مشتركة واستمرارية عمل المصانع. وأضاف أن الغرفة تهدف إلى استغلال أموالها في تحقيق مصالح أعضائها، وليس لزيادة الودائع البنكية.
اقرأ أيضًا:
الفريق كامل الوزير.. ما بين مسؤولية حقيبتي الصناعة والنقل
خفض إنتاج الأسمنت عامًا آخر.. هل سيرفع الأسعار؟
بعد صفقة “أنجلو جولد أشانتي”.. لماذا لمع “ذهب شلاتين”؟
صندوق تحيا مصر٬ المساهمون فيه والعائد منه على المواطنين
سعي مصري خليجي.. ما جاذبية الاستثمارات في البحر الأحمر؟