تحليلات

استرداد الآثار المصرية من الخارج: حملات شعبية وجهود أكاديمية

تخوض مصر معركة شرسة على مستويات مختلفة من أجل استرداد الآثار المصرية المنهوبة بالخارج؛ ليس على المستوى الرسمي فقط وإنما على المستوى الأكاديمي والشعبي أيضًا، فالقطع الأثرية المصرية لها أهمية كبيرة في فهم تاريخ المصريين القديم وهو ما يُساعدهم على فهم حاضرهم ورسم ملامح مستقبلهم ولا يقتصر الأمر على الأهمية الاقتصادية فقط.


وعلى الرغم من الجهود الرسمية للدولة المصرية في هذا الصدد إلا أن النتائج لا ترتقي إلى مستوى الطموحات المشروعة للشعب المصري فقد استطاعت مصر استراداد أعداد كبيرة من القطع الأثرية المهربة بالتحديد منذ عام 2011م وحتى الآن، ولكن وعلى أهمية تلك الجهود إلا أن هناك من القطع الأثرية الهامة والفريدة التي يصعب استردادها مثل رأس نفرتيتي والقبة السماوية وحجر رشيد وعدد من المسلات أيضًا بسبب بعض العراقيل الخاصة بالقوانين والمعاهدات الدولية واستخدام بعض الدول العظمى والتي كانت دول إستعمارية في السابق مثل بريطانيا وفرنسا نفوذها الدولية للاحتفاظ بالآثار الخاصة بالدول الأخرى والتي حصلت عليها أثناء حقبة الإستعمار وبصورة تتنافى مع مبادئ القانون والسيادة القومية.


ولدعم الجهود الرسمية تم إطلاق حملات أكاديمية وشعبية للمساهمة في نجاح مفاوضات استرداد الآثار المصرية ودعم موقف الحكومة أثناء مطالبتها للدول التي تحوي متاحفها آلاف القطع المصرية الأثرية الفريدة، فقد قام الدكتور زاهي حواس بإطلاق حملة توقيعات شعبية للمطالبة باستراداد الآثار المنهوبة بالخارج واستطاع جمع ما يزيد عن 200 ألف توقيع، كما قامت الدكتورة مونيكا حنا ،عالمة المصريات، بإطلاق حملة أكاديمية وأخرى شعبية لنفس الهدف.


وتصطدم تلك الجهود بالقوانين الخاصة بالمؤسسات الدولية المعنية بهذا الشأن ومنها اليونسكو والتي تضمن احتفاظ الدول بالآثار لديها التي تعود ملكيتها إلى دول أخرى، وهو ما يجعل من الضروري توحيد الجهود لجميع الأطراف المعنية بهذا الشأن سواء في الداخل المصري الرسمي والنخبوي والشعبي وكذلك الدول الأخرى التي لديها أيضاً آثار منهوبة في الخارج من أجل تدشين رأي عالم عالمي ضاغط على تلك المؤسسات والدول من أجل عودة الحق إلى أصحابه.

 

 


كان يسمح القانون المصري في السابق للبعثات الأثرية الأجنبية تقاسم القطع الأثرية التي قامت بإكتشافها مع الدولة المصرية وبالتالي يُسمح لها بنقلها خارج البلاد بشكل قانوني، حتى عام 1983 حيث نص القانون المصري آنذاك على منع بيع أو تداول الآثار المصرية بصورة نهائية، ولكن لم يكن ذلك كافياً للمحافظة على الآثار المصرية من التهريب خارج مصر، فتحول بعض العاملين في تجارة الآثار قبل إصدار القانون إلى تهريب الآثار إلى الخارج بطرق متنوعة وجميعها غير مشروع.


حتى وصلت عدد الآثار المصرية بالخارج طبقاً لإحصائية تقديرية قام بها الدكتور أحمد بدران، أستاذ الآثار المصرية بجامعة القاهرة، أثبت من خلالها أن الآثار المصرية المنهوبة حول العالم تزيد عن 100 ألف قطعة أثرية بالمتحف البريطاني فقط، بالإضافة إلى 20 ألف قطعة بمتحف تورين في إيطاليا، وما يُقارب 196 لوحة أثرية وما يزيد عن 35 مسلة فرعونية.

 

الخبير الأثري مجدي شاكر

ويوضح الخبير الأثري مجدي شاكر أن الآثار المصرية تنقسم إلى ثلاثة أقسام وهي:


أولاً الآثار المعروضة في المتاحف المصرية أو داخل المخازن على مستوى الجمهورية؛ وهي آثار مسجلة بالكامل ولا يمكن ضياعها حتى لو تعرضت للسرقة وتم تهريبها حيث تحميها القوانين الدولية بموجب تسجيلها بالشكل والرقم والتاريخ.


ثانياً آثار في حيازة بعض العائلات العريقة؛ حيث تم توارثها على مدار السنوات الماضية وتخضع لقوانين “الحيازة”، لكن هذا النوع يتم التلاعب به بشكل كبير حيث تقوم بعض العائلات بإتلاف المستندات الخاصة بالأثر وإعادة بيعه أو تهريبه وهو ما يخضع لنقاشات مكثفة من أجل إيجاد حلول للحفاظ على هذه الآثار.


ثالثاً الآثار التي يتم التنقيب هنا بشكل غير شرعي وبيعها حيث تخرج من البلاد ويضيع حق مصر في إثبات ملكيتها لاستردادها مرة أخرى، حيث تنص القوانين الدولية على عدم إمكانية إسترداد الآثار غير المسجلة والتي تخرج خارج حدود موطنها.


وهو ما يجعل من الصعب السيطرة الكاملة على عملية تهريب الآثار إلى الخارج، ويفرض على مصر الاستعانة بأحدث وسائل التوثيق والمتابعة والكشف للسيطرة على عملية التهريب في مراحلها المختلفة لأن معالجة هذه القضية الهامة لا يقتصر فقط على استعادة الآثار المنهوبة بالخارج وإنما أيضاً السيطرة على الفجوات من الداخل يأتي على نفس الدرجة من الأهمية.

 

تبذل أجهزة الدولة وفي القلب منها لجنة استرداد الآثار المهربة جهود حثيثة لاسترداد الآثار المصرية المنهوبة في الخارج؛ وقد استطاعت استرداد العديد من القطع الأثرية منذ عام 2011 وحتى الآن، ولكن تصطدم تلك الجهود بعراقيل مختلفة مثل القوانين المنظمة لتداول القطع الأثرية حول العالم وكذلك عدم وجود رغبة حقيقية لدى بعض الدول لتسليم الآثار إلى مصر نظراً لقيمتها وأهميتها الفريدة.


وهو ما دفع عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس إلى إطلاق حملة شعبية من أجل التوقيع على مطالب بإسترداد الآثار المصرية وتحديداً القطع الفريدة منها من المتاحف المختلفة حول العالم.


وفي خطوة عملية استطاع حواس جمع ما يتجاوز 200 ألف توقيع للمطالبة بإستعادة حجر رشيد من فرنسا والقبة السماوية، كما أعلن عن عزمه إطلاق حملة توقيعات لإستعادة رأس نفرتيتي.
وعلق الدكتور زاهي حواس على ملف إستعادة الآثار المصرية المنهوبة بالخارج بأنها قضية ومطلب عادل للشعب المصري، وتتوافر الرغبة الشعبية لذلك وهو ما استدل عليه من خلال نجاح حملة التوقيعات، كما أكد على أن أجهزة الدولة المصرية تدعم هذه الحملة وكذلك جميع الجهود التي تهدف إلى استعادة الآثار المنهوبة من الخارج، وأضاف أنه لا يسعى إلى استرداد جميع القطع الأثرية من دول العالم ولكن على الأقل يجب استعادة القطع الفريدة منها.

 


القانون الدولي بما فيه قانون اليونسكو توجد به بعض المواد التي تساعد على ضياع حق المصريين في آثار بلادهم المعروفة والمميزة حيث أن تلك قوانين تبيح بيعها أو التصرف فيها خارج حدود البلاد، فنجد أخبار عرض بعض القطع الأثرية المصرية أو اليمنية أو العراقية من حين لآخر في دور مزادات مختلفة في بريطانيا أو أمريكا وغيرها.


واتهم الدكتور زاهي حواس منظمة اليونسكو بسن قوانين ظالمة تهدف إلى عدم تمكين مصر من إستعادة آثارها المهربة، كما حمل المنظمة المسئولية عن تبديد آثار العديد من الدول حول العالم، ومن ثم فإنه يسعى بالتنسيق مع الجهات المعنية بذات الشأن في دولة المكسيك لعقد مؤتمر دولي من أجل توحيد الجهود الخاصة للدول التي تعرضت آثارها للسرقة، مستنكراً عرض المتاحف العالمية للقطع الأثرية التي تم نهبها من قبل الاستعمار الانجليزي والفرنسي في مخالفة وتحدٍ واضح لإرادة الشعوب التي تمتلك تلك الآثار وحقوقها التاريخية فيها.


وصرح النائب أحمد الطيبي وكيل لجنة الآثار بمجلس النواب بأن مصر تواجه صعوبات في استرداد القطع الأثرية الفريدة والهامة مثل “رأس نفرتيتي، حجر رشيد، والقبة السماوي” وذلك بسبب اتفاقية اليونسكو لعام 1971 والتي تنص على أحقية المتاحف العالمية في ملكية هذه القطع الهامة، وأضاف أن حملة جمع التوقيعات الشعبية التي أطلقها الدكتور زاهي حواس تكمن أهميتها في إحداث ضجة كبيرة حول القضية ولكن لن تُساهم بشكلٍ رئيس في استرجاع القطع الأثرية.


كما نشرت صحيفة الجارديان البريطانية في عام 2022 تقريراً حول اتهامات وجهت إلى الرئيس السابق لمتحف اللوفر في فرنسا بالتآمر من أجل إخفاء بعض القطع والكنوز الأثرية التي تم تهريبها من مصر خلال فترة الإنفلات الأمني اللاحقة لثورة يناير، ويُذكر أن متحف اللوفر قام ببيع شاهدة نادرة مصنوعة من الجرانيت الوردي تصور الملك توت عنخ آمون مع أربعة أعمال فنية قديمة أخرى مقابل 8 ملايين يورو وبخلاف أن هذا انتهاكاً لحقوق الملكية الفنية والتاريخية للشعب المصري إلا أنه أيضاً يمثل خسارة مالية كبيرة كانت ستعود على الاقتصاد المصري حال عرض تلك القطع في المتاحف المصرية.

 

 

يُطالب “كبير علماء الآثار بوزارة السياحة والآثار” بضرورة تعديل القوانين الدولية لتكون الآثار المصرية المعروضة بالمتاحف العالمية خاضعة لقوانين الملكية الفكرية؛ حيث تحمي حقوق الملكية الفكرية كل من ألف كتاباً أو أغنية أو قام بتأليف لحن موسيقي أو عمل فني، ويجني أصحابها الملايين نظير إستخدام جزء من مؤلفاتهم، وبالطبع هذه القاعدة القانونية تنطبق على أحقية الشعب المصري في ملكية تراثه التاريخي والحضاري.


ويؤكد أن الآثار المصرية لا تُخطئها العين ولا تحتاج خبيراً لتعلم أن الأثر الذي أمامك هو أثر الحضارة المصرية القديمة، وهي آثار مميزة بالشكل والكتابة والرسم والألوان، وإن كانت القوانين الدولية ستشجع الدول على إقتناء آثارنا وعدم إرجاعها فعلى أقل تقدير نحتفظ لأنفسنا بالحق الأدبي في ملكيتها الفكرية لصالح الحضارة المصرية.


كما صرح أشرف العشماوي، المستشار القانوني للمجلس الأعلى للآثار سابقاً، أن صلابة موقف مصر القانوني ينبع من أن هذه القطعة الأثرية النادرة لم تخرج بموافقة الحكومة المصرية ولم تكن ضمن الإجراءات الرسمية أو ضمن نتائج حفائر بعثات أجنبية ولم يتم بيعها أو شراؤها كما جرى في القطع الأخرى المستردة، وإنما أخذها الإنجليز عنوة من مصر أثناء الحملة الفرنسية عام 1801، بعد مفاوضات بين الدولتين اللتين احتلتا مصر.

 

الدكتورة مونيكا حنا ،عالمة المصريات


وترى الدكتورة مونيكا حنا بأن استرداد الآثار المصرية من الخارج لا يعود فقط على مصر بالمكاسب الإقتصادية والثقافية وإنما له دور كبير في إحداث ثورة في الجانب العلمي والأكاديمي فيما يخص علم المصريات؛ لأن أسس هذا العلم وعلى الرغم من خصوصيته إلا أنها مبنية على السرديات والفرضيات التي وضعها الأوروبيون ولا يوجد إسهام حقيقي لعلماء المصريات من المصريين في هذا الشأن نظراً لغياب الكثير من المعرفة عنهم والمدونة على القطع الأثرية التي تعود إلى حقبة مصر القديمة.


وهو ما يفرض على العلماء المصريين والباحثين وجميع المهتمين بالتاريخ المصري بالعمل على استرداد تلك الآثار من الخارج، وبالفعل صرحت مونيكا بأنها تقود حملة أكاديمية لجمع الوثائق العلمية من مختلف أنحاء العالم التي تُثبت أحقية مصر التاريخية في استرداد تلك الآثار بالإضافة إلى تدشين حملة توقيعات شعبية لتدعيم دور الحكومة المصرية عند المطالبة الرسمية لتلك الدول باسترداد الآثار المصرية لديها مبرهنة حينها عن وجود مطالب شعبية ضاغطة وأن الأمر لا يقتصر على التحركات الرسمية لمؤسسات الدولة فقط.

 

اقرأ أيضًا:

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية