تحليلات

استهداف “الدعم السريع” سد مروي.. تصعيد سوداني أم رسالة لمصر؟

تحول خطير في مسار الصراع الذي يدور في السودان منذ ما يقرب من إحدى وعشرين شهرًا، دارت خلالها رحى الحرب، مُنذرة باتباع قوات الدعم السريع سياسة “الأرض المحروقة”؛ تلك السياسة التي عُرفت منذ عقود، وتتلخص في استخدام أحد أطراف الصراع ضرب البنية التحتية وإحراق المنشآت الحيوية لإجبار العدو على التراجع وتكبدّه خسائر ضخمة.

 

في 13 يناير الجاري، قصفت طائرات مسيرة انتحارية تابعة لقوات الدعم السريع محطة كهرباء سد مروي في الولاية الشمالية، التي تنتج أكثر من 40% من الكهرباء في البلاد، وهو الأمر الذي نتج عنه انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع في عدة ولايات سودانية.

 

وبعد خمسة أيام، تحديدًا في 18 يناير الجاري، استهدفت مسيرات الدعم السريع محطة كهرباء الشوك في ولاية القضارف، ونتج عن ذلك انقطاع الكهرباء المنتجة من سدي أعالي عطبرة وأغرق ولايات القضارف وكسلا وسنار في ظلام دامس، وأعقب ذلك قصف قوات الدعم السريع محطة كهرباء دنقلا عاصمة الولاية الشمالية بمسيرات انتحارية، وهو ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي في الولاية.

 

 

 

لماذا الهجوم الآن؟

 

قال الدكتور محمد عثمان، الباحث في العلاقات الدولية، إن على ما يبدو أن مليشيا الدعم السريع أقدمت على استهداف سد مروي بعد تدهور أوضاعها الميدانية على عدة جبهات وتكبدها هزائم مؤلمة على أيدي قوات الجيش السوداني، لا سيما في ولاية الجزيرة.

 

وأضاف الباحث في العلاقات الدولية، في تصريح لمنصة “MENA“، أن السد يولد نحو 40% من كهرباء السودان، وإحداث أي أضرار به قد يؤدي لكارثة بيئية وإنسانية غير مسبوقة في السودان، وقد تكون لذلك تداعياته الخطيرة على مصر أيضًا، وفقًا لحديث خبراء السدود والجيولوجيا المتخصصين.

 

استفزازات لمصر

 

وأكد عثمان، أنه سبق لقائد ميليشيا الدعم السريع، حميدتي، اتهام مصر باستهداف عناصره بضربات جوية، وهو ما نفته القاهرة شكلاً وموضوعًا. وعلى ما يبدو أن تصوره لدعم الدولة المصرية للجيش السوداني في حربه ضده، يدفعه للقيام بمثل هذه المناورات الميدانية الاستفزازية، التي لن تفلح في تغيير وضعه الميداني المتردي في الآونة الأخيرة، خاصة مع ورود تقرير عن تحول الموقف الروسي من دعم ميليشيات حميدتي إلى دعم القوات المسلحة السودانية ومجلس السيادة السوداني بقيادة الفريق البرهان.

 

دعم السودان

 

وأشار الدكتور محمد عثمان إلى أن زيارة وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، تأتي في إطار مواصلة مصر دورها المحوري في دعم الأشقاء في السودان ومساعيها لإيجاد تسوية شاملة للصراع الدائر هناك تحفظ وحدة أراضي السودان وتماسك مؤسساته المدنية والأمنية والعسكرية الشرعية، لاسيما الجيش السوداني.

 

ونوه الدكتور محمد عثمان بأن مصر أكدت في العديد من المناسبات تواصلها مع كافة مكونات المشهد السوداني، سواء العسكرية أو السياسية المدنية، وهي تلعب دورًا محوريًا في مساعي تيسير الحوار بين الأطراف السياسية الفاعلة في السودان.

 

فيما قال محمد فتحي الشريف، رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات العليا، إن قصف محولات كهرباء سد مروي يشكّل تهديدًا مباشرًا لإنتاج الطاقة في السودان، ما يؤدي إلى اضطرابات كبيرة في شبكة الكهرباء السودانية بالنسبة لمصر، إذ يُعتبر سد مروي جزءًا من المنظومة المائية للنيل، واستقراره مهم للحفاظ على التدفق الطبيعي للمياه، محذرًا من أن أي خلل في السد قد يؤدي إلى اضطراب مائي، يؤثر على تدفقات المياه إلى مصر، خاصة في حالة انهيار بنيته أو تشغيله غير المستقر.

 

وعن أهداف الدعم السريع من قصف سد مروي، رأى رئيس مركز العرب للأبحاث والدراسات العليا، في تصريحات لمنصة “MENA“، أن قصف سد مروي قد يكون جزءًا من استراتيجية الدعم السريع لإضعاف قدرات الجيش السوداني عبر استهداف البنى التحتية الحيوية. فسد مروي له أهمية اقتصادية واستراتيجية للجيش السوداني، وقصفه يهدف إلى زعزعة الاستقرار وخلق ضغط داخلي على الحكومة السودانية، كما يمكن أن يُفسَّر هذا القصف كرسالة تهديد إقليمية تُحذر من تدخلات محتملة لدول الجوار، لا سيما مصر.

 

وأشار الشريف إلى أن سد مروي يُعد مشروعًا استراتيجيًا يوفر الطاقة للسودان، ويمثل حلقة حيوية في إدارة مياه النيل لمصر، وترتبط أهمية السد بالتوازن المائي لنهر النيل؛ أي تضرر كبير في السد قد يؤثر على تدفقات المياه جنوبًا. فقصف السد قد يكون رسالة غير مباشرة من الدعم السريع لمصر، خاصة إذا اعتبرت أن القاهرة تدعم الجيش السوداني في النزاع القائم. فالرسالة قد تكون تحذيرية، مفادها أن التدخل المصري سيُقابل بتصعيد يستهدف البنى الحيوية ذات التأثير الإقليمي.

 

مراوغة مصر

 

وعن زيارة وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، قال الشريف إن هذه الخطوة تمثل خطوة محورية لدعم الدولة السودانية ومؤسساتها الوطنية، خاصة في مواجهة التحديات التي تفرضها الميليشيات المسلحة. مؤكدًا أن توقيت الزيارة يحمل دلالات رمزية، حيث يتزامن مع تقدم القوات المسلحة السودانية، مما يعكس موقف مصر الداعم لاستقرار السودان.

 

وأشار محمد فتحي الشريف إلى أن الزيارة تُعد الأولى من نوعها منذ اندلاع الأزمة السودانية في أبريل 2023، وتؤكد حرص مصر على تقديم الدعم السياسي والإنساني لجارتها الجنوبية، كما تسلط الضوء على الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، خاصة بعد الجولة الإفريقية الأخيرة لرئيس مجلس السيادة السوداني ولقاءاته مع قادة القارة.

 

 كما أن هذه الزيارة تؤسس لحوار جاد حول مرحلة ما بعد الحرب السودانية، وتضع رؤية مشتركة لضمان استقرار البلاد وإعادة بنائها، بما يعزز التعاون المشترك بين البلدين ويُبرز مكانة السودان كشريك استراتيجي لمصر.

 

مخاطر دخول السدود في الحرب

 

فيما قال الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة، إن استهداف قوات الدعم السريع لسد مروي في السودان هو تطور خطير، محذرًا من أن تدخل السدود في معادلة الصراعات أو الحروب الدائرة له عواقب كارثية وخيمة وصفها بـ “المدمرة”.

 

وأضاف لمنصة “MENA“، أن سد مروي يعد أكبر السدود في السودان، حيث يخزن 12 مليار م³، إضافة إلى إنتاج 1250 ميجاوات من الكهرباء، نحو 40% من استهلاك السودان. فهو يقع عند الشلال الرابع على مجرى نهر النيل في الولاية الشمالية، على بعد 360 كم شمال الخرطوم.

 

وأكد أستاذ الجيولوجيا بجامعة القاهرة أن سد مروي يشكل أهمية قصوى بالنسبة لمصر، حيث إنه يعتبر أكبر وأقرب السدود السودانية من السد العالي، حيث تبلغ المسافة بينهما نحو 1000 كم، ويصل التصريف اليومي في موسم الفيضان إلى نحو 800 مليون م³.

 

وأشار “شراقي” إلى أن مصر تتابع عن كثب الأحداث السودانية والتطورات التي وصلت بين الطرفين لهذا الحد من الخطورة، لما لها من تأثيرات سلبية جدًا على الدولة المصرية.

 

ونوه “شراقي” بأن الاستهداف المتكرر لسد مروي يشير إلى تصعيد خطير، ومن الممكن أن تصل المياه بقوة إلى السد العالي في مصر جنوب البلاد، حيث إن المسافة بينهما ألف كيلومتر، وسد مروي يعتبر أقرب السدود إلى مصر، كما أن ضرب قوات الدعم السريع له كان لهدف إغراق السودان في الظلام واستفزاز مصر، فهو أكبر السدود السودانية على نهر النيل من حيث التخزين والتوليد للكهرباء.

 

وأكد “شراقي” أن قصف سد مروي خلال الأيام الماضية أدى إلى تدمير محطة الكهرباء وإشعال الحرائق في البلاد وإغراق مدن كاملة في الظلام الدامس، وحتى الآن لم يتبين مدى تأثر جسم السد بعمليات القصف التي وجهتها الدعم السريع له.

 

اقرأ أيضًا:

 

هل تخلت الإمارات عن دعم حميدتي؟

 

خبراء: “حميدتي” لا يملك قراره.. والتجار سيدفعون ثمن حماقته بالركود

 

الحرب السودانية تكبد الاقتصاد المصري خسائر بالمليارات

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية