تحليلات

الأرباح أولاً.. “ألومنيوم نجع حمادي” يضع حياة عماله على المحك | تحقيق

شهادات العمال: حوادث مميتة ومخاطر يومية تهددنا في قسم الخلايا

 

“وقف الألبان” يضرب صحة العمال في مقتل وسط المواد الكيميائية

 

الطرطشة المعدنية والحروق في تصاعد.. وغياب التأمين على العمالة غير المنتظمة يفاقم الوضع

 

“التحديات الاقتصادية” توقف مشروع الخط الثالث.. هل اقترب بيع مصنع منتج في ظرف صعب؟

 

ما بين شمس الصعيد الحارقة ودرجة حرارة تفوق 1000 درجة مئوية، يعيش عمال مصنع الألومنيوم في شمال محافظة قنا، في قسم الخلايا تحديدًا (القسم المسؤول في المصنع عن صهر معدن الألومنيوم)، في حالة من الرعب نتيجة تعرضهم بشكل مباشر لأفران انصهار المعدن، حيث تتجاوز درجة الحرارة داخلها 1000 درجة مئوية.

 

العامل المحظوظ في قسم الخلايا يصاب جسده ببعض الشظايا التي تسبب حروقًا، بينما قد يفقد آخر عينه أو يتعرض لبتر في طرف من أطرافه. وفي أسوأ الحالات، قد يسقط العمال داخل فرن المعدن، وفي هذه الحالة لا يخرج سوى أشلاء من تلك الخلايا.

 

في الوقت الذي يُعتبر فيه الألومنيوم أحد أهم الصناعات التي تدعم الاقتصاد المحلي وتوفر آلاف فرص العمل، يعاني عمال مصنع الألومنيوم من مشكلات جسيمة تهدد صحتهم وحقوقهم. يسلط هذا التحقيق الضوء على ظروف العمل القاسية التي يواجهها العمال في المصنع، وما الذي يدفعهم للحديث عن أوضاعهم رغم المخاطر. كما يناقش وقف التطوير نهائيًا في المصنع ووقف التعيينات على مدار العشر سنوات الأخيرة، ما يثير الدهشة والتساؤل: ماذا بعد؟

 

 

 

 


يشتكي العديد من العمال من تعرضهم لمواد كيميائية خطرة مثل الفلورايد، الذي قد يؤدي إلى أمراض تنفسية وحساسية جلدية إضافة إلى هشاشة العظام. غياب وسائل الوقاية الكافية والإجراءات الأمنية يزيد من المخاطر أيضًا.

 

كانت البداية عندما قررت إدارة مصنع الألومنيوم بنجع حمادي منذ سنوات وقف تسليم الألبان للموظفين في خطوة مفاجئة، مما أثار غضبًا واسعًا بين العاملين في المصنع في ذلك الوقت.

فكانت الألبان تُقدم للموظفين لسنوات كجزء من الإجراءات الوقائية المتعلقة بالتعرض للمواد الكيميائية الضارة في بيئة العمل.

وجاء هذا القرار وسط شكاوى متزايدة حول ظروف العمل في المصنع والمخاطر الصحية التي يواجهها العمال، لكن دون جدوى من الإدارة في ذلك الوقت.

 

 

 

في مصانع الألومنيوم، يواجه العمال مخاطر استنشاق أبخرة المعادن وتعرضهم لمواد كيميائية يمكن أن تؤثر على صحة الجهاز التنفسي والهضمي. على هذا الأساس، تم توفير الألبان للعاملين كجزء من الحوافز الصحية للمساعدة في تقليل تأثيرات هذه المواد على الجسم.

 

 

 

وحسبما ذكر محمد أحمد (اسم مستعار ) وهو شاهد عيان على الواقعة، أكد أن أشرف سقط من أعلى الخلية التي كان يقوم بتعيين حدودها، واختل توازنه فسقط داخل الخلية، ما أدى إلى وفاته على الفور.

شاهد العيان أكد أن الذي تعرض له “أشرف” هو جزء من طبيعة العمل داخل الخلية، التي تتطلب صعود العامل أعلى الخلية لتحديد حدودها، واصفًا الأمر بأنه “عمل خطر بطبيعته”.

لم يكن أشرف الضحية الوحيدة في قسم الخلايا؛ فبحسب رواية عدد من عمال القسم، تسببت طرطشة المعدن المنصهر في أثناء عمليات الإنتاج في إصابات خطيرة مثل الحروق والجروح. ورغم التدابير الوقائية، لا تزال هذه الحوادث تقع بين الحين والآخر، مما يثير تساؤلات حول معايير السلامة المهنية في المصنع الذي يعمل به آلاف العمال في بيئة صناعية معقدة تتطلب احتياطات أمان عالية.

 

 

 

رد فعل العمال كان سلبيًا للغاية، إذ اعتبروا أن وقف تقديم الألبان يُظهر تقصيرًا في الاهتمام بصحتهم وسلامتهم في بيئة عمل تحتوي على مخاطر صحية متعددة.

 

أحد العمال، الذي فضل عدم ذكر اسمه، قال: “نحن نعمل في ظروف صعبة ونتعرض للعديد من المخاطر الصحية يوميًا. وقف تقديم الألبان يعد تراجعا إضافيا في حقوقنا الصحية، وكأننا نُترك لمواجهة هذه المخاطر وحدنا”.

 

وأضاف أن “من ضمن الإجراءات التي وضعتها الجهة التي شيدت المصنع في عهد الدكتور يوسف إسماعيل، يُشترط نقل العامل من قسم الخلايا حتى لا يصاب بهشاشة العظام نتيجة استنشاق مادة الفلوريد”.

 

وطبقًا لتحاليل هشاشة العظام التي أجريت على 3 عمال في قسم الخلايا: الأول استمر في العمل داخل الخلايا لمدة 7 سنوات، والثاني لمدة 5 سنوات، والأخير لمدة 3 سنوات.
كشفت النتيجة عن إصابة العامل الأول بنسبة هشاشة عظام، بينما الثاني مقبل على الإصابة، والأخير لم يكن مصابًا بهشاشة العظام.

 


النقابات العمالية سارعت إلى التنديد بالقرار، مطالبة الإدارة بإعادة النظر فيه. وأشارت إلى أن الألبان كانت جزءًا من حقوق العاملين وليست مجرد رفاهية.

وقالت النقابة في بيان سابق لها: “وقف تقديم الألبان مؤشر على الإهمال المستمر لحقوق العمال الصحية، خاصة في مثل هذه البيئات الخطرة. يجب أن تكون صحة العمال أولوية”.

 

 

 

 

يشير العاملون إلى أن ساعات العمل تمتد لفترات طويلة دون استراحة كافية. بعض العمال ذكروا أنهم يعملون أحيانًا لساعات متواصلة دون فترات راحة كافية، مما يؤثر على صحتهم البدنية والنفسية.

 

وعلى الرغم من العمل الشاق الذي يقوم به العمال، فإن الأجور لا تتناسب مع حجم العمل والمخاطر الصحية، مما يضعهم تحت ضغوط اقتصادية إضافية، بجانب عدم حصولهم على تعيين ثابت داخل المصنع.

 

وكشف مصدر داخل المصنع أن هناك شركات خاصة تقوم بتوريد العمالة، وحسبما ذكر المصدر، فإن أجور العمال تتراوح بين 2200 و3000 جنيه، وذلك في ظل طبيعة عمل شاقة وخطرة.

 

بالإضافة إلى ظروف العمل الصعبة، أكد 3 عمال داخل المصنع غياب التأمين الصحي عليهم، ما يجعل عملهم وصحتهم مهددين بالخطر. ففي حالة الإصابة أو المرض، يجد العديد من العمال أنفسهم مضطرين لدفع تكاليف العلاج من جيوبهم الخاصة، ما يزيد من أعبائهم المالية.

 

 

 

بين تصريحات الشركة وصرخات العمال، يظل الوضع في مصنع الألومنيوم معقدًا، إذ إن المخاطر اليومية التي يتعرض لها العاملون تهدد حياتهم ومعيشتهم. ويظل السؤال.. متى ستتحرك الجهات الرسمية لتحسين الظروف وتوفير حقوق العمال المشروعة؟

 

مصنع الألومنيوم شهد تقلبات في أرباحه وصادراته خلال السنوات الخمس الأخيرة، وذلك نتيجة لتغيرات في أسعار الألومنيوم العالمية وتقلبات الأسواق الدولية والمحلية. ومع ذلك، ظل المصنع أحد أهم مصادر العملة الصعبة لمصر من خلال صادراته إلى الأسواق الخارجية.

 

 

 

في عام 2019، حقق مصنع الألومنيوم أرباحًا جيدة نتيجة ارتفاع الطلب العالمي على الألومنيوم، مما أدى إلى زيادة الصادرات إلى أوروبا وآسيا. بلغت الأرباح حوالي 1.2 مليار جنيه مصري، واستفاد المصنع من تحسن أسعار الألومنيوم التي كانت مستقرة نسبيًا خلال ذلك العام.

 

بينما شهد عام 2020 انخفاضًا في أرباح المصنع بسبب تأثير جائحة كوفيد-19، التي أدت إلى تراجع الطلب العالمي على المعادن، بما في ذلك الألومنيوم. بلغت الأرباح حوالي 700 مليون جنيه مصري، حيث تراجعت الصادرات نتيجة الإغلاقات العالمية وتعطل سلاسل التوريد.

 

في عام 2021، بدأ المصنع في التعافي من تداعيات الجائحة، حيث ارتفع الطلب العالمي مرة أخرى، خاصة في قطاع البناء والصناعات الثقيلة. بلغت أرباح المصنع حوالي 1.5 مليار جنيه مصري، مع زيادة في حجم الصادرات إلى الأسواق الأفريقية والآسيوية.

 

شهدت أسعار الألومنيوم في 2022 قفزة ملحوظة نتيجة التوترات الجيوسياسية وارتفاع أسعار الطاقة. أدى ذلك إلى زيادة في أرباح المصنع، التي تجاوزت 2 مليار جنيه مصري، مما ساهم في رفع الصادرات وجلب عملة صعبة إضافية للاقتصاد المصري.

 

في عام 2023، حقق المصنع أرباحًا قياسية بلغت حوالي 2.5 مليار جنيه مصري، بفضل الطلب القوي على الألومنيوم، خاصة في الأسواق الأوروبية. نجح المصنع في توسيع قاعدة عملائه وزيادة كفاءة الإنتاج، مما ساهم في تعزيز صادراته.

 

خلال هذه الفترة، كانت صادرات المصنع تُسهم بشكل كبير في توفير العملة الصعبة، مما دعم احتياطيات النقد الأجنبي في مصر.

 

 

أشارت مصادر داخل المصنع إلى أن أبرز أسباب تعطيل أو ربما إلغاء الخط الثالث هو ارتفاع تكلفة المشروع، الذي كان يتطلب استثمارات كبيرة تقدر بمليارات الجنيهات. تأتي هذه التكلفة العالية في وقت تواجه فيه مصر تحديات اقتصادية كبيرة، خاصة مع ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الخام.

 

وتعتمد إنتاجية الألومنيوم بشكل كبير على الكهرباء، ومع ارتفاع أسعار الطاقة، زادت التكلفة التشغيلية للمصنع، مما جعل تشييد الخط الثالث عبئًا ماليًا ضخمًا.

 

وتشير بعض الأنباء إلى أن الحكومة تفكر في بيع حصة من المصنع إلى مستثمرين استراتيجيين بدلًا من تشييد الخط الثالث، كجزء من خطتها لجذب استثمارات أجنبية وتخفيف الأعباء المالية. ورغم أن البيع لم يُعلن رسميًا بعد، إلا أن هناك مفاوضات مستمرة مع عدة جهات قد تسفر عن بيع حصة من المصنع. هذا ما أكده مصدر مطلع، رفض ذكر اسمه.

 

وأضاف المصدر أن البنية التحتية للمصنع اقتربت من الانهيار، دون أي محاولات من الحكومة لتطويرها، على الرغم من أرباح المصنع وأهميته كمصدر دخل مهم للاقتصاد المصري ودخوله للعملة الصعبة. ومع ذلك، لم تُتخذ أي خطوات واضحة نحو تطوير البنية التحتية.

 

وبكشف التحقيق تدهور أوضاع العمال في مصنع الألومنيوم، فضلاً عن تأخر التطوير بالرغم من تحقيق المصنع أرباحا كبيرة، تثار تساؤلات كثيرة حول مستقبل المصنع في ظل الظروف الحالية.

 

اقرأ أيضًا:

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية