أعربت مصر عن قلقها البالغ في بيان لوزارة الخارجية يوم الاثنين الماضي، إثر تصاعد وتيرة الحرب الإسرائيلية على جنوب لبنان، الذي اعتبره الخبراء من أكثر الغارات الجوية كثافة في الحروب المعاصرة، إذ أسفرت عن مئات القتلى والجرحى، ولم تفرق تل أبيب بين العسكريين ومدنيين من بينهم نساء وأطفال وكبار السن.
وأكدت عدد من الدول العربية في بيان مشترك لوزراء خارجية مصر والأردن والعراق يوم الثلاثاء، على هامش أعمال الدورة الـ 79 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، أن العدوان الإسرائيلي على لبنان يدفع المنطقة نحو حرب شاملة، مشددين على أن وقف التصعيد يبدأ بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة.
ودعوا المجتمع الدولي ومجلس الأمن إلى تحمل مسؤولياته لوقف الحرب، مؤكدين أن إسرائيل تتحمل المسؤولية الكاملة عن هذا التدهور، الذي ستكون له تبعات خطيرة على المنطقة بأسرها.
مصر تُفسد مشروع نتنياهو
رأى اللواء أحمد العوضي، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري، أن إشعال نتنياهو جبهة لبنان هو محاولة للهروب من فشله، بعدما أفشلت مصر مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء وأربكت حساباته.
وأضاف العوضي في تصريح خاص لمنصة “MENA” الإخبارية، أن حرب نتنياهو على غزة أصبحت بلا هدف، وأنه يواجه خيارين: إما العودة بخفي حنين إذا فشل في التهجير، أو الدخول في مواجهة مع الجيش المصري، وهو ما لا يستطيع تحمله.
كما أوضح أن تنازل نتنياهو عن تهجير سكان قطاع غزة سيجعله غير قادر على تنفيذ الجزء الثاني من خطته، وهو تهجير سكان الضفة الغربية إلى الأردن، وهو ما يفسر التوتر بين عمان وتل أبيب خلال الفترة الماضية، بعدما كشفت الأردن الخطة، لافتًا إلى أن الخبراء حذروا من أن أي تصعيد في الضفة قد يؤدي إلى إنهاء اتفاق السلام بين الأردن وإسرائيل، وربما يؤدي إلى حرب مباشرة مع تل أبيب.
تل أبيب لن تتحمل مواجهة عسكرية مباشرة مع القاهرة
وأكد العوضي أن إسرائيل تحاول الضغط على مصر بكافة السبل دون الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة، لأن الجيش المصري هو الأقوى في المنطقة والشرق الأوسط، مشيرًا إلى أن إسرائيل تدرك تمامًا أن أي مواجهة عسكرية مع مصر ستؤدي إلى تدمير المنطقة بأكملها، وستكون تكلفتها باهظة على دول المنطقة والعالم.
إلغاء الرحلات الجوية حتى استقرار الأوضاع
وأشار رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي إلى أن مصر ألغت رحلاتها الجوية إلى بيروت يوم الثلاثاء 24 سبتمبر، بسبب تصاعد الأحداث وقصف إسرائيل لجنوب لبنان في 23 من الشهر نفسه، مؤكدًا أن هذا القرار يأتي حفاظًا على أمن وسلامة المسافرين، وهو ما اتبعته العديد من دول العالم في أوقات الأزمات والحروب.
ونوه الدكتور كمال يونس، أستاذ القانون الدولي والمستشار القانوني السابق للسفارة اللبنانية بالقاهرة، بأن مصر مطالبة بضبط النفس من منطلق القوة وليس الضعف، لافتا إلى أن إسرائيل لها تاريخ طويل في التعدي على لبنان والتوغل في أراضيها، ومنها ما حدث عام 2006 خلال حربها ضد حزب الله اللبناني.
شكوى لمحكمة العدل الدولية
وطالب يونس، في حديثه مع منصة “MENA” الإخبارية، الدول العربية بالاتحاد وأن يكون هناك إجماع عربي لتقديم شكوى لمحكمة العدل الدولية، لاتخاذ إجراء قانوني ضد الهجمات الإسرائيلية غير القانونية على لبنان.
ورفض الحديث عن إمكانية نشوب حرب بين مصر وإسرائيل، خاصة أن الوضع الداخلي المصري لا يسمح بذلك حاليًا، نظرًا لوجود جبهة مفتوحة مع دولة إثيوبيا في ظل التعنت الواضح منها وتنفيذها أجندات خارجية ضد مصر.
أضاف يونس أن لمصر دورًا كبيرًا في تجميع القوى العربية لاتخاذ موقف موحد، مثلما فعلت دولة جنوب إفريقيا بملاحقة إسرائيل دوليًا بتهمة ارتكابها حرب إبادة جماعية ضد المدنيين في قطاع غزة، مشيرا إلى رد الفعل القوي من المجتمع الدولي، وصف ذلك بأنه “إلقاء حجر في بركة راكدة”، مع التأكيد على أن التكرار والملاحقة سيؤديان إلى أثر إيجابي في ظل التعتيم الإعلامي الغربي على الجرائم الإسرائيلية.
وكانت دولة جنوب إفريقيا تقدمت بدعوى قضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية في لاهاي، هولندا، في 29 ديسمبر 2023، مدعومة بوثائق تتكون من 84 صفحة باللغة الإنجليزية، تقدم دلائل إدانة لإسرائيل بالسعي للإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. كما طالبت الدعوى المحكمة بتقديم تدابير الحماية المؤقتة للفلسطينيين.
الدكتور كمال يونس، أستاذ القانون الدولي والمستشار القانوني السابق للسفارة اللبنانية بالقاهرة
المواجهة المباشرة تعني انفجار المنطقة
ورأى أستاذ القانون الدولي أن الوقت الحالي يتطلب اللجوء إلى الطرق القانونية بعيدًا عن الحديث عن استخدام القوة العسكرية، نظرًا لما تعانيه مصر حاليًا من اشتعال أكثر من جبهة، مؤكدا أن أي مواجهة بين مصر وإسرائيل تعني انهيار معاهدة السلام، وبالتالي ستنفجر المنطقة بالكامل، ولن يكون هناك رابح من تبعات الحرب، بل سيكون الجميع خاسرا.
اهتمام مصر بالتطورات في لبنان
وقال صفوت عمران، الكاتب المتخصص في الشؤون السياسية، إن القاهرة تنظر بعين القلق جراء ما يحدث في لبنان، خاصة أن توسعة رقعة الصراع مع إسرائيل قد تؤدي إلى حرب إقليمية شاملة.
وأشار في حديثه لمنصة “MENA” إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يسعى لتنفيذ خطة تهجير الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، ومصر لن تقبل بذلك. وأكد أن القوات المصرية أصبحت مستعدة للحرب في أي وقت.
مرحلة تشكيل الأحلاف
أضاف عمران، أن المتابع للمشهد المصري يدرك أننا أمام دولة تدير اقتصاد حرب، وأن القاهرة تدرك أن الهدف الرئيسي للكيان الإسرائيلي هو تهديد مصر واستقرارها من كافة الاتجاهات الاستراتيجية. لذا بات الجميع يدرك أن المشروع المصري العربي يواجه المشروع الصهيوني الغربي، تحت شعار “يا قاتل يا مقتول”، مما يعني أننا في مرحلة تشكيل الأحلاف استعدادًا للحرب الكبرى.
ونوه عمران بأن ما يميز القاهرة هو تحركها بذكاء على رقعة “الشطرنج”، وإدراكها لما يدور في أروقة أجهزة الاستخبارات الدولية، لافتًا إلى أن ما يجري في منطقة الشرق الأوسط خلال الأشهر الأخيرة، وآخرها العدوان على لبنان، سيؤدي إلى إشعال الحرب الشاملة بين إسرائيل ومحور المقاومة، مع توقعات بدخول دول إقليمية ودولية على خط المواجهة، في ظل تمسك الحلف الصهيوأمريكي بخوض حرب عقائدية لإقامة “دولة الرب من النهر إلى النهر”، كما يدعون.
وأشار إلى تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أكثر من مناسبة بأنه سيسعى لتغيير خريطة الشرق الأوسط لإقامة دولة إسرائيل الكبرى. مؤكدًا أن التقارير الاستخباراتية تشير إلى وجود خطط إسرائيلية لإعادة احتلال كامل الأراضي الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، وضرب لبنان وسوريا والأردن، وفرض أمر واقع على شعوب المنطقة بعد تهيئة مسرح العمليات وتحييد العديد من الدول العربية.
واعتبر الكاتب المتخصص في الشؤون السياسية أن أحداث 7 أكتوبر الماضي كانت بمثابة ضربة استباقية خلطت كل الحسابات وأربكت الجميع، ومع استمرار التصعيد الإسرائيلي في غزة وباقي الإقليم، وصولًا إلى ما يجري الآن بين حزب الله وإسرائيل، وعمليات القصف على العاصمة اللبنانية.
أجندة تل أبيب وعملائها في المنطقة
أوضح عمران أن تل أبيب تعمل على تنفيذ أجندتها من خلال بعض العملاء التابعين لها في المنطقة، وهو أمر شديد التعقيد وسيكون له تأثير على كافة دول وشعوب المنطقة. لذا، تلعب مصر مباراة مخابراتية على أعلى مستوى، مما يستوجب من الجميع توجيه تحية لأجهزة الأمن القومي المصري التي نجحت على مختلف المستويات، وأظهرت مهارة عالية في إفشال المخطط الإسرائيلي.
وأضاف، أن نتنياهو قرر الأسبوع الماضي في اجتماع مجلس الحرب توسيع القتال في لبنان، بعدما كشفت تقارير الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن التسوية السياسية لن تعيد سكان الشمال الإسرائيلي إلى منازلهم، فقد أجبرهم حزب الله منذ أشهر على الفرار والعيش في الملاجئ والمخيمات لأول مرة في تاريخ إسرائيل، إذ وصلت صواريخ حزب الله إلى كامل الجليل وحيفا، مما تسبب في غضب شعبي واسع زاد من تهديد كرسي نتنياهو.
تابع أن نتنياهو أصبح غير قادر على حسم حرب غزة ولا على توفير الأمان لسكان جنوب وشمال إسرائيل، لذا أصبح مستعدًا لإشعال المنطقة بالكامل من أجل الحفاظ على كرسي رئيس الوزراء، انطلاقًا من رؤيته العقائدية بأنه الموعود بإقامة الهيكل المزعوم.
وأكد عمران أن الجيش الإسرائيلي المنهك في قطاع غزة سيدفع فاتورة باهظة مع فتح جبهة أخرى مع حزب الله في لبنان. ومهما كان تفوقه جويًا، قد يذهب البعض إلى أن حرب جنوب لبنان ستكون “حرب خفيفة” أو كما صرح نتنياهو “حرب بكثافة ما”.
ولكن الواقع أنها قد تتحول في أي لحظة إلى حرب شاملة تشترك فيها كل جبهات المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق واليمن وسوريا.
اقرأ أيضًا:
بعد إقالة السيسي 11 مستشارا رئاسيًّا.. قصة الرؤساء مع التعيين والإقالة
محاولة أوكرانية للإيقاع بين مصر وروسيا
تقارب مغربي أثيوبي يثير التساؤل في ظل تفاقم أزمة سد النهضة
رسائل مصر إلى إثيوبيا ودور الإمارات في قضية سد النهضة | تقرير