مع اقتراب الاستحقاقات البرلمانية في مصر، بدأت الأحزاب السياسية استعداداتها لانتخابات مجلسي النواب والشيوخ، وسط مشهد سياسي متباين. ففي حين تسعى الأحزاب الموالية للحكومة إلى تعزيز سيطرتها عبر تحالفات انتخابية، تبدي أحزاب المعارضة مخاوفها من تضييق المساحة السياسية وتأثير تعديلات قوانين الانتخابات على فرصها. كما تتصاعد التساؤلات حول مدى نزاهة وشفافية العملية الانتخابية، في ظل مطالبات بضمان تكافؤ الفرص لجميع القوى السياسية.
أكد علي حسام، أمين الإعلام بحزب “مستقبل وطن” في محافظة الغربية، أن الحزب، إلى جانب بقية الأحزاب السياسية، يعمل على اختيار أفضل الكوادر المؤهلة لخوض الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، سواء لمجلس النواب أو مجلس الشيوخ. وأوضح في تصريحات لمنصة “MENA“، أن هذه العملية تتم عبر لجان متخصصة داخل الحزب، من بينها أمانة التنظيم، التي تتولى إعداد ملفات المرشحين المحتملين، سواء ممن لديهم رغبة في الترشح أو من يتم ترشيحهم من قبل الحزب، ليتم بعد ذلك المفاضلة بينهم وفقًا لمعايير محددة.
وأشار حسام إلى أن حزب “مستقبل وطن” كان دائمًا منفتحًا على التحالفات مع الأحزاب الأخرى خلال جميع الاستحقاقات الانتخابية السابقة، وهو أمر طبيعي ومنطقي في أي عملية انتخابية. وأضاف أن الفترة المقبلة قد تشهد تحالفات جديدة، لكن حتى الآن لم يتم الإعلان رسميًا عن أي أسماء أو أحزاب بعينها.
وأوضح أن حزب “مستقبل وطن” يُعَدّ من أقوى الأحزاب المصرية، وذلك استنادًا إلى لغة الأرقام، وليس من منطلق التقييم الذاتي، حيث يحظى الحزب بأكبر عدد من المقاعد في مجلسي النواب والشيوخ، كما أن رئيس مجلس الشيوخ هو نفسه رئيس الحزب. ووفقًا للدراسات التي أجراها الحزب، فإن حظوظه في الاستحقاقات المقبلة تُعدّ الأكبر بين الأحزاب المصرية.
وأكد حسام أن الحزب يؤمن بالمنافسة السياسية الشريفة، ويرحب بها باعتبارها تصب في صالح الوطن والمواطن، مشيرًا إلى أن القضايا التي تشغل اهتمام الحزب في الانتخابات المقبلة ستتركز على الأولويات الأساسية للمواطن المصري، مثل التعليم والصحة والخدمات الأساسية، لضمان حياة كريمة لجميع المواطنين.
كما شدد على أن حزب “مستقبل وطن” يمتلك أكبر كتلة برلمانية، وأن نوابه يعقدون لقاءات دورية في دوائرهم الانتخابية، سواء في مقراتهم أو في مقرات الحزب المنتشرة في جميع المحافظات والمراكز والقرى، حيث يتم التعامل المباشر مع المواطنين والاستماع إلى مشاكلهم وقضاياهم، إلى جانب تنظيم الفعاليات الخدمية والسياسية والثقافية والاقتصادية والرياضية، وهو ما يمثل أفضل وسيلة لإقناع الناخبين ببرنامج الحزب وأهدافه.
وفيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية، أوضح حسام أنها تؤثر على المشهد السياسي ككل، وليس على الحزب فقط، مؤكدًا أن “مستقبل وطن” جزء من النسيج الوطني للدولة المصرية، ويتأثر بما تتأثر به البلاد، كما أنه يدعم الدولة في معظم خطواتها وملفاتها الأساسية.
أما عن الاتهامات التي توجهها بعض الأحزاب إلى “مستقبل وطن” بشأن استخدام المال السياسي، فقد أكد حسام أن الرد على مثل هذه الادعاءات لا يكون عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وإنما من خلال الجهات المختصة، داعيًا أي طرف يمتلك أدلة أو براهين إلى التوجه بها إلى الجهات المعنية بدلًا من إطلاق اتهامات مرسلة دون دليل أو توثيق.
أكد چون طلعت، النائب البرلماني السابق ونائب رئيس حزب “الوعي”، أن الحزب يترقب التعديلات الجديدة على قانون الانتخابات وفقًا لتوصيات الحوار الوطني، مشيرًا إلى أن الأمانات داخل الحزب تعمل على تجهيز القواعد الانتخابية استعدادًا للاستحقاقات المقبلة. وأعرب عن أمله في أن تأتي التعديلات بشكل أفضل، بحيث تُعاد هيكلة الدوائر الانتخابية بما يتيح زيادة عدد المقاعد، تماشيًا مع التوصيات المتعلقة بنظام القوائم، سواء المغلقة أو النسبية.
وأضاف طلعت في تصريحاته لمنصة “MENA“، أن نظام القوائم سيشهد بالتأكيد تشكيل تحالفات سياسية، وهو أمر يرحب به الحزب، بينما في النظام الفردي لن يكون هناك مجال للتحالفات. وأشار إلى أن التعديلات المنتظرة ستؤثر بشكل مباشر على العملية الانتخابية، موضحًا أنه إذا أخذ المشرّع بالتوصيات التي تم تقديمها، فسيؤدي ذلك إلى تعزيز المشاركة السياسية بشكل كبير، مما سينعكس على نوعية النواب في المرحلة المقبلة، ويعزز التواصل بين ممثلي الشعب والمواطنين.
وأشار إلى أن حزب “الوعي” يمتلك فرصًا جيدة في الاستحقاقات المقبلة، حيث بدأ في تشكيل قواعده الانتخابية في عدة محافظات، ولديه أكثر من مرشح جاهز للمنافسة بقوة. وأكد أن المشهد الانتخابي لن يكون قائمًا على “قوة أمام قوة”، بل ستشهد الانتخابات تنافسًا بين عدة أحزاب، من بينها “الجبهة”، و”الوعي”، و”العدل”، و”مصر الديمقراطي”، و”الشعب الجمهوري”، موضحًا أن الناخبين هم من سيحددون ممثليهم الحقيقيين.
واختتم طلعت تصريحاته بالتأكيد على أن نتائج الانتخابات المقبلة ستعتمد على إرادة الناخبين، مشددًا على أن حزب “الوعي” يتمتع برصيد كافٍ من ثقة المواطنين، ولديه انتشار واسع بمقراته في مختلف المحافظات، مما يعزز حضوره في المشهد السياسي.
قال الدكتور عمار علي حسن إن الدولة أنشأت حزب “الجبهة” كبديل لحزب “مستقبل وطن”، بعد أن تراجعت شعبيته وأصبح البعض ينظر إليه على أنه تكرار لتجربة الحزب الوطني المنحل، مما أثار حوله العديد من علامات الاستفهام والشكوك. وأوضح أن الحزب تعرض لحملات تشويه من قبل بعض معارضيه، كما أن بعض أعضائه أساءوا إليه بسلوكياتهم، ما أدى إلى استمرار الجدل حوله.
وأضاف عمار علي حسن لمنصة “MENA“، أن “مستقبل وطن” و”الجبهة” لا يختلفان كثيرًا من حيث التوجه أو الصورة العامة، إلا أن الأخير يضم شخصيات جديدة، وهو ما يمثل تجديدًا في الشكل فقط، وليس في الجوهر أو النهج السياسي.
وحول دور المعارضة في الانتخابات المقبلة، أكد عمار علي حسن أن أحزاب المعارضة لن يكون لها تأثير حقيقي في الاستحقاقات القادمة لأسباب عدة، أبرزها أن الانتخابات ستُجرى وفق نظام القائمة المغلقة المطلقة، وهو نظام لا يتيح تمثيلًا فعليًا للمعارضين، خاصة في ظل ضعف مواردهم المالية، وتراجع وجودهم في الشارع، وانخفاض قدرتهم على التواصل مع الجمهور.
أكد عمار علي حسن أن ظاهرة شراء الأصوات في الانتخابات لا بد أن تواجه بتطبيق صارم للقانون، إذ إن هذا السلوك غير مسموح به قانونيًا، سواء من ناحية الأعراف أو من خلال استخدام النفوذ والسطوة لفرضه على أرض الواقع.
وأضاف أن هذه الظاهرة تظل قائمة طالما هناك فقراء ينظرون إلى الانتخابات باعتبارها موسمًا للاسترزاق، بعد أن فقدوا الأمل في حدوث تغيير حقيقي. وأوضح أن عمليات شراء الأصوات، حتى إن لم تتم في العلن، فإنها ستستمر في الخفاء، مشيرًا إلى أن ثورة الاتصالات جعلت من السهل على أي شخص تسجيل انتهاكات كهذه بالصوت والصورة، مما يزيد من احتمالات كشفها.
وأشار إلى أن هذه الظاهرة ليست جديدة، لكنها أصبحت تُمارَس بأساليب أكثر دقة وابتعادًا عن أنظار الإعلام، وهو ما يجعل مكافحتها أكثر صعوبة، ويتطلب تشديد الرقابة وإنفاذ القانون بفاعلية لضمان نزاهة العملية الانتخابية.
أكد عمار علي حسن أن أحزاب المعارضة في مصر تعاني من الإنهاك والحصار، ما يجعلها غير قادرة على التواصل الجماهيري الفعّال، إلى جانب افتقارها إلى موارد مالية حقيقية تمكّنها من المنافسة. وأوضح أن السلطة لا تتيح لهذه الأحزاب فرصة بناء كوادر وقيادات جديدة، حيث يمكن ممارسة ضغوط مختلفة على أي شخص يفكر في الانضمام إليها، سواء عبر الترغيب أو التهديد، وهو ما يجعل الكثيرين يتراجعون عن اتخاذ موقف معارض.
وأضاف أن القلة فقط هي التي تصر على التمسك بموقفها والاستمرار في المعارضة، بينما يختار البعض الآخر البحث عن منافع في كنف السلطة، أو على الأقل تجنب الأذى. وأشار إلى أن الوجهاء في الريف يفضلون عادة الاقتراب من السلطة لضمان الحفاظ على مكاسبهم وحمايتهم، مما يجعل المعارضة تفتقر إلى كوادر سياسية مؤثرة قادرة على المنافسة.
ونوه بأن المعارضة في مصر كانت ولا تزال ضعيفة، نظرًا لهذه العوامل التي تعيق نموها وتعزز من هيمنة السلطة على المشهد السياسي.
وشدد عمار علي حسن على أن الأوضاع السياسية تتأثر باستمرار بما تعتبره السلطة أزمة دائمة، حيث ترى أن التحديات الإقليمية والمتغيرات المحيطة تفرض ضرورة الحفاظ على وحدة الدولة، وتثبيت أركانها، وضمان الأمن القومي.
وأضاف أن الانتخابات المقبلة سيتم التعامل معها من هذا المنطلق، أي باعتبارها مجرد مرحلة لتحقيق تلك الأهداف، وليس كساحة حقيقية للتنافس السياسي. وأوضح أن السلطة ستظل حريصة على تشكيل برلمان مشابه للبرلمانات السابقة التي انعقدت في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، بحيث يكون متماشيًا مع سياساتها ويعكس رؤيتها في إدارة المشهد السياسي.
اقرأ أيضًا:
اتحاد التزكية.. هيمنة “طلاب من أجل مصر” على الانتخابات الجامعية
تعيينات السلك القضائي في مصر.. إلى متى التمييز؟
توصيات الحوار الوطنى.. تفاعل حقيقي أم عراب للحكومة فى المرحلة المقبلة؟