عانت مصر في الآونة الأخيرة من آثار التغير المناخي الذي بات يؤثر على حياة الكائنات وكل أشكال الحياة في كثير من الدول، حيث وصلت درجات الحرارة في مصر إلى ما يزيد عن 40 درجة مئوية، وهذا الارتفاع الكبير في درجات الحرارة سبب بعض المشكلات للفلاحين وبات يثقل كاهلهم نتيجة شدة الاحتياج لكميات أكبر من المياه من أجل ري الأراضي، وارتفاع أسعار المبيدات لمواجهة الحشرات والأمراض.
قال دكتور “محمد عبد ربه” الخبير في المحاصيل الزراعية، إن المناخ في مصر لم يتغير بشكل كبير أي أننا لم نصبح فجأة مثل دول أوروبا، لكن أصبح المناخ أقرب لدول الخليج ومع ذلك لا يمكننا القول أننا اصبحنا مثل دولة كأثيوبيا ولدينا أمطار ليلاً ونهارا، أو ثلوج كالدول الأوروبية أو أصبحنا مناخاً استوائيًا، بمعنى أنه لم يحدث تغيرات كبيرة يمكن وصفها بالتغير المناخي في مصر، لكن ما يحدث الآن من تغيير يتلخص في حدوث موجات حرارية أو اعتلال مناخ أو متطلبات مناخية، وهذا لا يعني أن الزراعة لدينا ستتغير لكننا بحاجه الى وسائل جديدة لحماية المزروعات لدينا، وهذا الأمر حق يراد به باطل، لأنه طالما هناك تغير مناخي فسأقوم بزراعة ما لا استطيع زراعته عادة
لكن هناك محددات فهل مثلا أسوان تزيد بها نسبة الرطوبة عن 30، و الحرارة هذه الفترة زادت عن الطبيعي 3 درجات، ونحن لدينا شيء يسمى المناخ أي المتوسط السائد خلال 30 عاماً ونحن نزيد عن هذا المتوسط الآن ب3 درجات، لكن هذا لا يعني أننا أصبحنا نعيش في مناخ مختلف ونغير الزراعات، لأن المحدد الأول والأخير للزراعة في مصر هو وجود المياه، ولا يوجد محدد آخر، بمعنى إذا تضاعفت كمية المياه الموجودة بمصر لـ 5 أضعاف ستحقق مصر اكتفاء ذاتياً في فترة قصيرة للغاية، لكن التغيرات التي تحدث في درجات الحرارة أو غيرها ليست محدداً للزراعة في مصر ولا للاكتفاء الذاتي بها.
ومعروف أن المصريين مجتهدون ويمكنهم تحدي الصعاب والتغلب عليها، وهذا التغير في المناخ زاد من حجم التحدي وأنا لا انكر هنا حدوث تغيرات في المناخ المعتاد لكن المصريين يمكنهم التغلب على هذه التغيرات، واؤكد على أن المحدد الأول هو المياه، ونحن لدينا في مصر تحديات مائية، ونصيب الفرد أصبح يتضاءل، وبالتالي أصبحت المياه هي التحدي الأول والأخير.
كما أن الأمطار أصبحت أقل عن المعدل الطبيعي، لكن رغم هذا لم يحدث تغير تام في مناخ مصر، فالمناخ في مصر حار صيفاً معتدل شتاءً، وطبعاً هذا التغير يؤثر على إنتاجية النبات لأنه عندما يصادف هذه الموجات الحارة فترة حرجة في حياة النبات مثل فترة الإزهار فإن ذلك من شأنه تقليل الإنتاجية بصورة كبيرة جداً، وحدث هذا بالفعل في أكثر من عام وتأثر محصول الزيتون والمانجو بالفعل، لكن هذا العام كان جيداً على مزارعي المانجو فالإنتاج كان جيداً، ونحن كزراعيين لدينا فترتين هما الأصعب بالنسبة لنا وهما مرحلتي الخريف والربيع، فالربيع عندنا أصبح حاراً جداً مقارنةً بذي قبل، والخريف أصبح يتأخر تارةً ويتقدم تارةً أخرى، وفي كلا الحالتين يؤثر على الزراعة.
وتابع عبد ربه قائلاً إن كمية المياه في مصر محدودة لكن حتى الآن لم تقل، وتصريف السد العالي ثابت منذ 50 عاماً، والمزارع لا يستخدم مياه الصرف بسبب قلة المياه لكن لأن مياه الصرف بها تغذيه، أي بها عناصر غذائية للنبات، وبعض الأماكن بها مياه صرف صحي وبها ترع نظيفة والمزارع يختار بإرادته أن يسقي النبات بمياه الصرف الصحي بسبب وجود بعض المعادن في مياه الصرف مما يجعل النبات ينمو أسرع وهذا الأمر كان يحدث في الماضي، لأن محطات الصرف في مصر الآن بات بها معالجة ثلاثية و عالية الدقة والجودة.
ومن جهته قال “حسين” نقيب الفلاحين، إن ارتفاع درجات الحرارة أثر على الزراعة في مصر بالتأكيد، لأن درجة الحرارة باتت فوق المعدل الطبيعي وهذا أثر سلبياً على معظم المحاصيل الصيفية، و هذا الارتفاع أدى لوجود الحشرات والأمراض وكلف المزارعين تكاليف باهظة لمكافحة هذه الحشرات والأمراض، وخصوصًا دودة الحشد التي انتشرت مؤخراً في محاصيل الذرة، وطبعًا الارتفاع في الحرارة أدى إلى النضج المبكر لبعض الفاكهة كالمانجو وهذا بدوره أدى لخفض أسعارها، وأيضاً هذا المناخ الحار أثر سلباً علي إنتاجية الأرز والذرة والقطن وبعض محاصيل الفاكهة والخضروات وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع الأسعار نظراً لقلة الإنتاج، كما أن شدة الحرارة أدت أيضاً إلى تصحر بعض الأراضي الزراعية خاصة تلك القريبة من الصحراء ورفعت من تكلفة الري لأن الري يكون متقارب وبالتالي فالفلاح يتحمل تكاليف عالية لمواجهة تلك الحرارة، وأيضاً ترتفع تكاليف النقل والعمالة.
وأكد على أن مياه الصرف الصحي لا تصلح للري لأنها من الممكن أن تسبب كوارث صحية كثيرة، ويمكن أن يستخدم الصرف الزراعي عدة مرات، لكن الصرف الصحي يمكن الري به بعد معالجة المياه بشكل متقن ودقيق لأنه في أحد مراحل المعالجة يمكن أن تصبح المياه صالحة للشرب ويمكن زراعة الأشجار في مرحلة معالجة معينة وأخرى يمكن زراعة المحاصيل بها، لكن استعمالها مباشرة دون تنقية لا يصلح للزراعة بأي شكل من الأشكال.
وفي السياق ذاته قال “السيد مصطفى” أحد المزارعين، إنني أجد صعوبة في ري الأرض الزراعية خلال النهار بسبب ارتفاع درجات الحرارة وأنني أقوم بالري ليلاً، وهذا الارتفاع في الحرارة أدى إلى زيادة احتياج النبات للمياه فبعدما كان يتم سقية كل ١٠ أيام أصبح بحاجة للري كل ٧ أيام على سبيل المثال، وهناك عجز في المياه فمنذ شهر تقريباً وأنا أحاول أن أسقي قطعة أرض ولا أجد مياه لريها، وأن مشكلتي الأساسية في المياه أكثر من الحرارة، وبالطبع أنا محظوظ كوني زرعت السمسم لأنه يستطيع تحمل العطش أكثر من بعض المزروعات الأخرى، لكن المزارعين الذين يزرعون الأرز يقومون بسقاية المحصول من مياه الصرف الصحي حتى لا تموت النباتات وبالتأكيد هذه المياه الملوثة لها تأثير كبير على الإنسان، لكني أظن أن النبات يقوم بفلترة تلك السموم بنسبة ما.