الفنون الشعبية المصرية.. عندما فتحت فرقة رضا الباب لرقصة أبدية
يصف الفنان عبد الحميد حواس في كتابه “أوراق في الثقافة الشعبية”، الفن الشعبي بـ”أسمنت العلاقات الاجتماعية”، فلكل بلد من البلدان وعرقٍ من الأعراق، هوية تمثله، تعبر عن جوهره وأصالته، فشكل الطعام وطريقة تحضيره هوية، والملابس ولونها هوية، والموسيقى هوية، كما أن الفن الشعبي هوية، إذ يمثل واقعية سحرية لمزج الماضي بالحاضر، ويعبر عن مكنون الثقافة الشعبية للبلد والعرق بأبسط الطرق.
ويأتي على رأس ذلك، “الفنون الشعبية”، والتي تمثل جميع أطياف المجتمع المصري، ليكون فيها ثقافة الفلاح، والصعيدي، والنوبي، والإسكندراني، والبدوي، بهوياتهم ولهجاتهم وملابسهم التي تميزوا بها، من خلال رقصات وأغاني فلكلورية.
فرقة رضا
يا حلاوة ع الكرمبة.. هلا هلا ع الكرمبة
وآدي مشية بنت العمدة.. يا حلاوة ع الكرمبة
وآدي قعدة بنت العمدة.. يا حلاوة ع الكرمبة
وآدي رقصة بنت العمدة.. يا حلاوة ع الكرمبة
كلمات شعبية اشتهرت بها فرقة رضا للفنون الشعبية خلال فيلم “غرام في الكرنك”، والذي يحكي قصة فتاة تحلم بأن تصبح راقصة فى إحدى الفرق، يتوسط صديق لها لدى ابن عمه مدير الفرقة لتلتحق بها، تقع في حب المدرب ورئيس الفرقة، الذي لا يعيرها اهتمامًا، تصبح الراقصة الأولى في الفرقة، يقرر الشباب القيام برحلة إلى الأقصر من أجل تقديم استعراضاتهم.
تميز الفيلم بالعديد من الرقصات الشعبية التي تحدثت عن تاريخ مصر الفرعوني، وخاصة متحف حتشبثوت، وآثار محافظة الأقصر، إلا أنك تشعر أن الفيلم ينقلك من محافظة إلى أخرى من خلال رقصاته وأغانيه الشعبية، بسبب ما قدمته فرقة رضا.
بداية الانطلاق
أنشأ الأخوان علي ومحمود رضا الفرقة الاستعراضية، مع الراقصة فريدة فهمي، وهي زوجة “علي”، وشقيقة زوجة محمود السابقة، لتكون الفرقة بداية الانطلاق للفرق الشعبية في مصر عام 1959.
كان عدد أعضاء الفرقة عند التأسيس 39 شخصا من خريجي الجامعات المختلفة، في وقت كان فيه ندرة في عدد الطلاب الجامعيين في مصر، وانقسم أعضاء الفرقة إلى 3 تخصصات، فقد كان هناك 13 راقصاً، و13 راقصة، و13 عازفاً.
وحازت الفرقة إعجابا شعبيا وجماهيريا بسبب المستوى الثقافي والأداء الفني للفرقة، إذ صمم محمود رضا الرقصات التي استوحاها من فنون الريف والسواحل والصعيد والبرية، وقام بإخراجها تحت إشراف الدكتور حسن فهمي ورعايته.
وفى عام 1961 صدر قرار جمهوري يقضي بضم فرقة “رضا” إلى وزارة الثقافة، حيث أصبحت الفرقة تابعة للدولة، وقام على إدارتها الشقيقان محمود وعلي رضا.
وبعدها بعام واحد انتقلت عروض الفرقة إلى مسرح “متروبول”، حيث كان اللقاء الفني بين محمود رضا والموسيقار على إسماعيل، الذي أثمر عن أول أوركسترا خاص بالفنون الشعبية بقيادته.
وقام الثنائي حينها بإعادة توزيع الموسيقى لأعمال الفرق السابقة وتلحين الأوبريتات الاستعراضية “وفاء النيل”، و”على بابا والأربعين حرامي”، “رنة الخلخال”.
وفي سبعينيات القرن الماضي وصل عدد الفنانين من الراقصين والراقصات والموسيقيين بالفرقة إلى 180 فناناً، ليقرر محمود رضا تقسيم الفرقة إلى ثلاثة أقسام.
الموشحات الراقصة
وبعد عقد من الزمن قدمت الفرقة لوناً جديداً من ألوان الرقص، وهي “الموشحات الراقصة”، و “عجباً لغزال قتال عجباً” و”لحظ رنا”.
عبرت الفرقة عن كل ما هو مصري قولاً واحداً، فطافت أرجاء الأرض، وأدت عروضها أمام ملوك ورؤساء ووزراء في العديد من المحافل الدولية والعالمية، لتكون أيقونة للفن المصري.
الفرقة القومية للفنون الشعبية
تعتير الفرقة القومية للفنون الشعبية من أقدم فرق الفنون الشعبية في مصر، إذ يرجع تاريخ إنشائها إلى عام 1960، حيث استعانت الفرقة في بدايتها بمجموعة من خبراء الفن الشعبي في الاتحاد السوفييتي سابقاً في مجالات الرقص والموسيقى.
أما عن الهدف من إنشائها فكان التأصيل لكافة الرقصات الشعبية بتعبيراتها الحركية وملابسها واكسسواراتها وبما تشمله من العادات والتقاليد، وتقدم الفرقة لوناً شعبياً شاملاً باعتبارها فرقة القاهرة، التي تنشر هويات جميع المحافظات المصرية.
كما أُسست الفرقة على أساس أكاديمي، حيث تم الاستعانة بالمنهج العلمي ونقله إلى خشبة المسرح بعد إعادة صياغته، ويبلغ عدد راقصيها الآن 45 راقصاً، و35 راقصة.
وتشتهر الفرقة بالعديد من الرقصات، منها “أم الخلول” و “المانبوطية”، وتميزت الفرقة بالإغراق والتعمق في المحلية والبحث عن رقصات تمثل البيئة بكل ماتحويه من تفاصيل تعكس طبيعة هذه البيئة.
كما أن من أشهر رقصات الفرقة “رقصة التنورة ” المستوحاة من الطقوس الصوفية المولوية، و”رقصة الغوازي” وتسمى أيضاً “رقصة الغجر”، و”رقصة الحصان” و”رقصة الحجالة” و”رقصة الدبكة” المعروفة في سوريا ولبنان وفلسطين، ورقصة الشمعدان وكانت تسمى “رقصة الهوانم” حيث كانت تقدم في القصور الملكية.
أنشأت الفرقة مكتبة فنية تضم شرائط لعروضها الموسيقية الشعبية التي جمعتها من الأقاليم، واستعانت بها في عروضها.
أشهر الرواد
الفنان هاني النابلسي قال إن أشهر رواد هذه الفرقة هم الدكتور حسن خليل المخرج والفنان ومصمم الرقصات الشهير الذي ما زال عطاؤه مستمرا في الفرقة، وأيضاً الفنان كمال نعيم فهو أحد أعمدة الفرقة ومن مشاهيرها.
فرقة العريش
جاءت فرقة العريش من أرض الفيروز، من سيناء الحبيبة، لتقدم فناً شعبياً يعبر عن هوية أهل البدو، حيث جمعت الفرقة بين فنون القول والحركة والتشكيل والموسيقى الشعبية لتظهر ثقافة سيناء الشعبية على هيئة رقصات وأغانٍ وطقوس، سواء فى الأفراح أو المآتم.
وانطلقت الفرقة في عام 1979 تحت شعار “سفيرة سيناء إلى العالم”، وبدأت الفرقة في إظهار ثقافة سيناء الشعبية، حيث إنه من المعروف أن منطقة سيناء مليئة بالعادات والتقاليد الخاصة بالملابس والعادات والرقصات الشعبية التى تشجع على إخراج هذا الفن بشكل متميز.
تميزت الفرقة بكثرة عدد الرقصات التي وصلت إلى 18 رقصة ممزوجة بالأغنيات البدوية، لتجوب البلاد وتقدم أجمل ما لديها من فنون شعبية وتراثية معبرة عن عادات وتقاليد أهالي سيناء.
لكن الشاعر الغنائي والشعبي “سيد مرسي” رأى أن هناك الكثير من المعوقات التي تواجه الفنون الشعبية في مصر، من أبرزها بعض عادات وتقاليد المحافظات المصرية في منع الفتيات من امتهان فن الرقص بشكل عام.
وأشار الشاعر، لمنصة “MENA” إنه يعمل بالمسرح القومي، ويتعاون في أغلب الأوقات مع فرق شعبية لتقدم عروضها من خلال المسرح الذي يعتبر “أبو الفنون”، لكن الفتيات رددن في أكثر من مرة أنهن وجدن صعوبة في إقناع أهلهم بالعمل في فرق الفنون الشعبية.
وتابع سيد، أن فرق الفن الشعبي تعبر عن هوية وثقافة المجتمع، من خلال رقصاته والموسيقى الخاصة به، لافتاً إلى أنه فن ليس فيه إغراء ولا ابتذال.
وعبر مرسي عن سعادته في انتشار فرق الفن الشعبي في المحافظات المصرية المختلفة، وخاصة في الصعيد والمحافظات الحدودية، مشيراً إلى أنها تشكل مزيجاً يربط بين هوية وثقافة مصر في كل المحافظات.
ولفت مرسي إلى أن الفن الشعبي يعبر عن أصل البلد وأهلها، مضيفاً أن “الدبكة الفلسطينية” كانت رمزاً معبراً في كثير من الأحيان، عن مأساة الشعب الفلسطيني، واعتبر رقصها نوعاً من التأييد للقضية الفلسطينية في مختلف أنحاء العالم.
سمسمية بورسعيد
السمسمية والدهلة والطبلة والناي، آلات موسيقية ما زالت تستخدم في محافظة بورسعيد، والتي لها في نفوس المصريين واقع خاص، بسبب بسالة المحافظة في الدفاع عن أرض مصر، حيث اشتهرت المحافظة بهذه الألوان الموسيقية والتي كانت بمثابة الأرض الصلبة لفرقة بورسعيد للفنون الشعبية.
ففي عام 1964 نشأت فرقة بورسعيد الشعبية، وعلى أوتار السمسمية تألقت الفرقة عبر رحلة من تقديم الفن الشعبى تتجاوز 60 عاماً قدمت خلالها أكثر من 40 مهرجاناً عالمياً.
وخلال هذه المرحلة صنعت الفرقة تراثا وتاريخا فنيا للمحافظة، وبعد مرور 6 عقود على إنشاء الفرقة لم تتغير خصائصها الفنية وأدواتها الموسيقية البسيطة، ما يدل على أصالة النوع الفني المستخدم وارتباط قلوب الجماهير قبل أذانهم وعيونهم بفنون الفرقة.
وعند عزف الفرقة، ستجد أن هناك تناغماً قادراً على جذب انتباه الجمهور من أى دولة، ولعل أهم ما يميز الفرقة قدرتها على التعبير عن عادات وموروثات شعبية لم تتبدل على الرغم من التطورات التي طرأت على صناعة الموسيقى.
وأنشأ هذه الفرقة الكابتن محمد مراد أحمد، والذي يعتبر أحد أهم الراقصين فى الفرقة القومية والذى تعلم أصول الرقص الشرقي الشعبي بالقاهرة، وحرص على تأسيس فرقة بالمحافظة تعبر عن لونها الثقافي المميز.
وقال محمد صالح مدرب الفرقة، إن آلة السمسمية من أهم أدواتنا الموسيقية، التي نشتهر بها عن غيرنا من الفرق، فهي آلة وترية مكونة من 13 وتراً، وبرغم صغر حجمها، إلا أن لديها قدرة مميزة على تقديم مقطوعات ونغمات صوتية مميزة تجذب أي مستمع.
وأوضح مدرب الفرقة أنه عندما نشارك فؤ المهرجانات فؤ الدول الأجنبية، فإن الجمهور يفاجأ بهذه الآلة، ودائما ما يسأل كيف لآلة بسيطة مثل هذه تصدر منها تلك الأنغام الساحرة”.
فرقة الوادي الجديد
تأسست فرقة الوادي الجديد القومية للفنون الشعبية التابعة لقصر ثقافة الخارجة عام 1969، وفي ذات العام الذي دشنت فيه الفرقة، تم تقديم العرض الأول في ذات العام بالتليفزيون المصري.
ويقول إبراهيم خليل، وكيل وزارة الثقافة الأسبق بالوادي الجديد، إن جميع الرقصات والتابلوهات الفنية تم تصميمها من الفلكلور الواحاتي من الأغاني والألحان.
وأشار خليل، إلى أن الفرقة على مدار تاريخها الفني شاركت في عدد من المحافل المحلية والدولية وكانت أول مشاركة دولية بترشيح من هيئة قصور الثقافة في عام 1994، في مهرجان الصحراء بتونس، في منطقة صحراوية تشبة صحراء واحات الوادي الجديد، وبها مزارع نخيل ومتاحف للثقافة الشعبية والتراث.
عملت فرقة الوادي الجديد على نشر الثقافة الخاصة بالمحافظة من خلال أدواتها الفنية التي خرجت من واقع الحياة في الواحات، ومن أبرزها الخزام، البلح، البادية، الفرافرة، المقرونة، منقرش الطواقي، ألعاب الواحة، تطريز الثوب الواحاتى، الكف، وتابلوه الفرح.
الشرقية للفنون الشعبية
محافظة الشرقية هي إحدى أكثر المحافظات من حيث عدد السكان في مصر، كما أنها تعبر عن أصل الريف المصري وعاداته وتقاليده، وعرف أهلها بالكرم.
بدأت فرقة الشرقية للفنون الشعبية عملها عام 1968، لتكون أفضل سفير لمصر، لتعبر عن هويتها وثقافة شعبها ورقصاتهم وملابسهم.
وشاركت الفرقة في ما يقرب من 100 مهرجان دولي، وحصلت على العديد من الجوائز وشهادات التقدير والأوسمة، من بينها الميدالية الذهبية في مهرجان كوريا الجنوبية، والفضية في مهرجان ديجون بفرنسا عن راقصة السبوع، إضافة إلى درع التميز في بلغاريا، وبلجيكا، واليابان.
من أكثر ما يجذب المتابعين للفرقة هي الأدوات المستخدمة للإعراب عن هوية محافظة الشرقية، مثل “الحوايا، والحصان، والتنورة”، إذ تشتهر محافظة الشرقية بالخيل، والذي يعتبر امتداداً تاريخياً لها، ولهذا اختارته المحافظة شعاراً لها.
الأقصر للفنون الشعبية
محافظة الأقصر لها طابع خاص، من حيث العادات والتقاليد، واللهجة التي يتحدث بها الناس، إضافة إلى زيها للرجال والنساء، ولأن هذا اللون هو لون مصري بامتياز فقد كان بحاجة للتعبير عنه، ولهذا كانت فرقة الأقصر للفنون الشعبية.
جلباب صعيدي، وعباءة ملونة، ومنديل مميز على الرأس، و”نبوت” الرقص، تظهر الفرقة على المسرح، لتؤدي رقصات متتالية تعبر عن تراث الصعيد بشكل عام، وتراث محافظة الأقصر بشكل خاص.
وتستخدم فرقة الأقصر المزمار البلدي، والطبلة، لتخلق جواً مختلفاً من المتعة، يميزها عن باقي الفرق الشعبية داخل مصر، وخلال الـ15 عاماً الماضية قدمت الفرقة مئات العروض في مختلف البلدان، منذ أن جرى تأسيسها عام 2009.
وقال محمد فاروق مدير الفرقة، إن فرقة الأقصر للفنون الشعبية تتكون من 40 شخصا من الشباب والبنات، جميعهم من محافظة الأقصر، مشيرًا إلى أنّ الفنون ليست مقتصرة على أهالي القاهرة والإسكندرية، لكن أهل الصعيد لهم باع طويل في الفنون.
وأضاف فاروق، أن مصر من أغني دول العالم في الموروث الشعبي والفلكلور المصري، وأن جميع محافظات مصر لها طابع خاص في الفنون التي تقدمها طبقاً لعادتها وتقاليدها، وأن محافظة الأقصر تمتاز بالتحطيب والكف والرقص بالعصا.
بينما قال “أيمن عبد الرحمن” أقدم راقص بالفرقة، إنه نظراً لعشقي للرقص الشعبى، تركت مجالي كمحاسب وتوجهت للاشتراك بالفرقة بجانب عملي كموظف بقصر ثقافة أسوان.
فيما استطرد عبد الرحمن: أدواتنا الموسيقية بسيطة ورغم ذلك تشعل حماس أي جمهور نعرض أمامه أياً كانت جنسيته، فالربابة والمزمار والطبلة عند اجتماعهم ينسجون ألحاناً مميزة، فضلا عن الأداء الحركي المميز.
وأشار “أيمن” إلى أن عرض التحطيب هو من أهم العروض الفنية التي نحرص على تقديمها فى أي مهرجان نشارك فيه، فهو موروث ثقافي هام يعبر عن عادات وتقاليد المجتمع الصعيد للاحتفال، مؤكداً أن عرض “الغوازي” الذى تقدمه الراقصات بالفرقة من العروض الهامة فتتزين كل راقصة بالملابس التي تعبر عن هوية المحافظة، بالخلخال والكردان، في عرض راقص مميز.
وأضاف أن من أهم الفقرات الفنية التؤ تقدمها الفرقة عرض الكف وعرض الفرح، وأوبريت غنائى بعنوان دم طاهر الذى يروى كفاح الشهداء منذ حرب 6 أكتوبر، وحتى ثورتي يناير ويونيو، فضلا عن استعراضات الحجالة، وتقديم فقرة عن التراث الفرعوني ترتدي خلالها الفرقة الزي الفرعوني على أنغام المارش العسكرى لأوبرا عايدة.
اقرأ أيضًا:
حفلات التخرج الجامعية.. ونائبة برلمانية تطالب بوضع حد للتجاوزات
مهرجان جمعية الفيلم والسينما المصرية ودعم القضية الفلسطينية
مسيرة الفن الشعبي المصري من عبد المطلب إلى شطة وبيكا