اقتصاد

بعد رفع أسعار الوقود 11 مرة خلال 4 سنوات..هل يرضي صندوق النقد عن حكومة مدبولي؟

•           القاهرة استوفت 7 إصلاحات هيكلية من ضمن 15 معيارا هيكليا وضعها الصندوق

•           تنفيذ شروط الصندوق بشكل كامل وسريع يؤدي لاضطرابات اجتماعية تخشاها الحكومة 

 

لم يكن إعلان الحكومة المصرية، بقيادة رئيس مجلس الوزراء، المهندس مصطفي مدبولي، وعبر وزارة البترول، الخميس الماضي 25 يوليو 2024، عن تحريك أسعار الوقود “البنزين بأنواعه والسولار والمازوت”، هو الأول في طريق سعي هذه الحكومة لإرضاء صندوق النقد الدولي، بل هي الخطوة رقم 11 خلال 4 سنوات والثانية في عام 2024، وجاءت هذه المرة بمعدلات تراوحت بين 10% و11.4%.

 

وفوجئ المصريون، صباح الخميس الماضي، بلجنة تسعير المنتجات البترولية –  “لجنة حكومية مشكلة بقرار من رئيس مجلس الوزراء، لسنة 2018، وتضم ممثلين عن وزارات البترول والثروة المعدنية، والمالية، وتختص بإيجاد آلية التسعير التلقائي للمنتجات البترولية، وتعديل أسعار بيع بعض المنتجات البترولية في السوق المحلية ارتفاعًا وانخفاضًا كل ربع سنة، وفقًا للسعر العالمي لبرميل النفط “خام برنت”، وتغير سعر الدولار أمام الجنيه، بخلاف الأعباء والتكاليف الأخرى” – بزيادة أسعار البنزين بأنواعه والسولار والمازوت الصناعي،  لتكون كالتالي: بنزين 95 بـ 15 جنيهًا للتر، وبنزين 92 بـ 13.75 جنيه للتر، وبنزين 80 بـ 12.25 جنيه للتر، والسولار بـ 11.50 جنيه للتر، والكيروسين بـ 11.50 جنيه للتر، والمازوت المورد لباقي الصناعات بـ 8500 جنيه لكل طن، مع تثبيت المازوت المورد للكهرباء والصناعات الغذائية.

 

 

وتعود أحداث القضية، إلى عام 2016، عندما قامت الحكومة المصرية بتبني برنامج للإصلاح الاقتصادي، مدته 3 سنوات، بالتعاون مع صندوق النقد الدولي “IMF” وهو عبارة عن وكالة متخصصة منبثقة عن منظمة الأمم المتحدة، ويقع مقره في العاصمة الأمريكية واشنطن، وقد حصلت مصر من الصندوق – وقتها – على قرض بـقيمة 12 مليار دولار، على 6 شرائح على مدار 3 سنوات، وكان لصندوق شروطا أهمها رفع الدعم الحكومي عن الوقود أو المحروقات، وبحسب الأرقام الرسمية لوزارة البترول، ارتفعت أسعار البنزين والسولار، طوال 4 سنوات، منذ عام 2020 وحتى اليوم.. ففي أبريل 2020، ارتفعت أسعار بنزين 80، إلى 6.25 جنيه، وبنزين 92 إلى 7.5 جنيه، وبنزين 95 إلى 8.5 جنيه، وفي أبريل 2021، زادت أسعار بنزين 80 إلى 6.50 جنيه، وبنزين 92 إلى 7.75 جنيه، وبنزين 95 إلى 8.75 جنيه، وفي يوليو2021، زاد سعر بنزين 80 إلى 6.75 جنيه، وبنزين 92 إلى 8 جنيهات، وبنزين 95 إلى 9 جنيهات، أما في أكتوبر2021، فرفعت الحكومة بنزين 80 إلى 7 جنيهات، وبنزين 92 إلى 8.25 جنيه، وبنزين 95 إلى 9.25 جنيه، وفي يناير2022، زاد بنزين 80 إلى 7.25 جنيه، وبنزين 92 إلى 8.5 جنيه، وبنزين 95 إلى 9.50 جنيه، وفي أبريل 2022 ارتفعت أسعار بنزين 80 إلى 7.50 جنيه، وبنزين 92 إلى 8.75 جنيه، وبنزين 95 إلى 9.75 جنيه، وفي يوليو 2022، زادت أسعار بنزين 80 إلى 8 جنيهات، وبنزين 92 إلى 9.25 جنيه، وبنزين 95 إلى 10.75 جنيه، وفي مارس 2023، ارتفعت أسعار بنزين 80 إلى 8.75 جنيه، وبنزين 92 إلى 10.25 جنيه، وبنزين 95 إلى 11.50 جنيه، وفي نوفمبر 2023، رفعت الحكومة بنزين 80 إلى 10 جنيهات، وبنزين 92 إلى 11.50 جنيه، وبنزين 95 إلى 12.50 جنيه، وفي مارس 2024، زاد سعر بنزين 80 إلى 11 جنيها، وبنزين 92 إلى 12.50 جنيه، وبنزين 95 إلى 13.50 جنيه أما في يوليو2024، فرفعت الدولة بنزين 80 إلى 12.25 جنيه، وبنزين 92 إلى 13.75 جنيه، وبنزين 95 إلى 15 جنيها.

 

 

وقبل ساعات، وزعت وزارة المالية المصرية بيان علي الصحفيين، كشف خلاله وزير المالية، أحمد كجوك، أن بلاده تتعامل بتوازن شديد مع تداعيات جيوسياسية مركبة، في إطار برنامج شامل لتحسين الأداء الاقتصادي، وتتطلع إلى موافقة مجلس إدارة صندوق النقد الدولي على المراجعة الثالثة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي المصري يوم 29 يوليو الحالي.

 

وأشار البيان، إلي أن الوزير، التقى مدير عام صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغيفا، على هامش اجتماعات مجموعة العشرين بالبرازيل، وأن حكومة بلاده ملتزمة بتحقيق الانضباط المالي من أجل وضع مسار دين أجهزة الموازنة للناتج المحلي في مسار نزولي.

 

صندوق النقد الدولي

 

 

وقبل أيام، استبعد المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي من جدول أعماله في اجتماعه المقرر له يوم 29 يوليو الحالي، مناقشة المراجعة الثالثة لبرنامج قرض الصندوق الموسع لمصر، والبالغ 8 مليارات دولار، قبل أن يعاود إدراجه في خطوة وصفتها مصادرنا الخاصة بأنها جاءت بعد تفاوض مع الحكومة المصرية وهو ما عجل بإصدار قرارات زيادات اسعار الوقود فجر الخميس الماضي وبالتالي سيجري مناقشة الدفعة الثالثة من القرض في موعدها المحدد يوم 29 يوليو الحالي. 

 

وهذه الخطوة لم تكن الأولي للصندوق، فقد قرر مجلسه التنفيذي، تأجيل المراجعة الثالثة لبرنامج قرض مصر، من يوم 10 يوليو الجاري، إلى 29 يوليو، حسب مديرة إدارة الاتصالات في الصندوق جولي كوزاك، في خطو وصفتها المصادر بانها للضغط علي مصر لاستكمال مسيرة الاصلاحات وخفض دعم الوقود. 

 

وتسعي القاهرة إلى موافقة المجلس التنفيذي للصندوق على المراجعة، وصرف شريحة جديدة بقيمة 820 مليون دولار، وبعد ذلك تتقدم بطلب جديد لصندوق “الصلابة والاستدامة” التابع لصندوق النقد، للحصول على تمويل إضافي لمشروعات المناخ بقيمة 1.2 مليار دولار.

 

وخلال شهر مارس الماضي، وافق صندوق النقد الدولي، على زيادة قيمة القرض المقدم إلى القاهرة من 3 مليارات دولار، إلى 8 مليارات، بسبب تداعيات العدوان الإسرائيلي علي قطاع غزة، وتهديدات الحوثيين باليمن، للتجارة الدولية المارة بالبحر الأحمر وقناة السويس ما أثر على إيرادات القناة بـ 50 % تراجع فضلاً عن تأثر السياحة والاستثمار.

 

 

ومصر، هي ثاني دولة مدينة لصندوق النقد الدولي – بعد الأرجنتين – بـ 14.93 مليار دولار، وهي الأولى عربيًا وأفريقيا في هذه الصدد، حسب بيانات الصندوق المنشورة علي موقعه، في أبريل الماضي.

 

ورغم نجاح مصر في تخفيض الدين الخارجي لها، ليسجل 153.86 مليار دولار، في نهاية مايو 2024 مقابل 168.03 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2023، بانخفاض قدره 14.17 مليار دولار بنسبة تقدر بحوالي 8.43%، إلا أن معدلات الدين ما زالت مرتفعة.

 

ووفقًا لبيانات البنك المركزي المصري، فإن مصر مطالبة بسداد نحو 32.8 مليار دولار، ديون متوسطة وطويلة الأجل مستحقة خلال 2024، ما يعادل 20% من إجمالي الديون الخارجية للبلاد.

 

 

ويعني رضى صندوق النقد الدولي، عن مصر، الحصول علي شرائح القروض المؤجلة، ونيل شهادة ثقة تجذب بها استثمارات خارجية وخاصة الخليجية منها٬ لكن الصندوق يريد من مصر طلبات يسميها البعض شروطًا بعضها يمكن تحقيقه وبعضها سيرهق الفقراء والطبقة المتوسطة ويطحن الغلابة كما يقول البعض، حيث يطلب الصندوق، رفع الدعم الحكومي عن الوقود والمحروقات والكهرباء ورغيف الخبز، وتحرير كامل لسعر صرف العملة، وتخفيض عدد الموظفين في الجهاز الإداري للدولة، وإتاحة المجال أكثر للقطاع الخاص للمشاركة في قيادة التنمية الاقتصادية، وسداد مديونيات شركات البترول الأجنبية وتنفيذ خطة إعادة رسملة البنك المركزي وخضوعه لمعايير المحاسبة المصرية وإصدار اللائحة التنفيذية لقانون إدارة المالية العامة، وتشديد السياسة المالية والنقدية.

 

وفي إبريل الماضي، قال صندوق النقد الدولي في مراجعته للاقتصاد المصري: إن الحكومة المصرية استوفت 7 إصلاحات هيكلية من ضمن 15 معيارًا هيكليًا وضعها الصندوق.

وفي منتصف يوليو الجاري، خفض صندوق النقد الدولي، توقعاته لنمو الاقتصاد المصري للعام المالي المقبل 2024- 2025 إلى 4.4% بدلا من 4.7% كان قد توقعها في يناير الماضي، وذلك بانخفاض بواقع 0.3 نقطة مئوية مقارنة مع توقعات سابقة، وفقا تقرير الصندوق عن آفاق الاقتصاد العالمي، الصادر على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي.

 

 

ومن المتوقع تباطؤ معدل نمو الاقتصاد المصري خلال العام المالي الماضي إلى 2.9% بعد تحقيق معدل نمو إيجابي 3.8% خلال العام المالي السابق له 2022-2023، وفقًا لتصريحات وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية السابقة، ومستشار رئيس الجمهورية للشئون الاقتصادية حاليًا، الدكتورة هالة السعيد.

 

ويقدر صندوق النقد الدولي، الخفض المطلوب من دعم الوقود في مصر، من 331 مليار جنيه “6.8 مليار دولار” خلال العام المالي 2023- 2024 إلى نحو 245 مليار جنيه “5.1 مليار دولار” خلال العام المالي 2024- 2025.

 

 

ولا تستطيع مصر، الالتزام بتنفيذ كل شروط صندوق النقد، لأنها تعاني من نقص شديد في الدولار، وارتفاع كبير في معدلات التضخم، بسبب تراجع النشاط الاقتصادي الخاص وهروب المستثمرين والأموال الساخنة، فالمواطنين هم من سيتحملون عبء شروط صندوق النقد، ورفع الدعم بشكلٍ كامل ما يعني ارتفاع كبير بالأسعار وهو ما قد يحدث اضطرابات اجتماعية، فيما كان من المقرر أن تتخلص الحكومة بشكل كامل من دعم الوقود خلال 3 سنوات فقط حينما أعلنت حزمة من القرارات في أول نوفمبر من عام 2016، تأخر الأمر بسبب الأزمات التي حاصرت اقتصاد مصر، كأزمة كورونا والحرب الروسية الاوكرانية والعدوان الاسرائيلي علي قطاع غزة، وغيرها، ما دفعها إلى إعادة هيكلة المنظومة ورفع أسعار الوقود بشكل تدريجي.

 

ففي تصريحات صحفية قال المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، المستشار محمد الحمصاني، أنه لا بد من زيادة أسعار بعض الخدمات في المنتجات البترولية بشكل تدريجي، وأن رئيس الوزراء أكد أن هناك خطة لرفع أسعار هذه المنتجات تدريجياً حتى نهاية العام المقبل 2025″.

 

 

 

وفي المقابل نجحت مصر في سداد 3 مليارات دولار لصندوق النقد الدولي، خلال النصف الأول من العام الجاري 2024، مع اعتزامها سداد 257 مليون دولار في نهاية شهر يوليو الحالي. 

 

وحسب المركز الإعلامي لمجلس الوزراء، نجح تطبيق برنامج الاصلاح الاقتصادي الذي تبنته الدولة خلال السنوات الماضية في تعزيز قدرات مصر على مواجهة أزمة “كورونا”. وكان الجنيه المصري أكثر العملات تماسكا بين الاقتصادات الناشئة منذ تفاقم أزمة “كورونا”.

 

وفي مؤتمر صحفي عقده قبل ساعات بمقر مجلس الوزراء بالعاصمة الإدارية الجديدة، قال الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، إن صندوق النقد الدولي لا يفرض علينا شيء، ويتم وضع البرنامج من الخبراء المصريين ويتم مناقشته مع الصندوق، ويكون هناك مجال للتفاوض بمستهدفات محددة للصالح العام، كتقليل الدين، وزيادة الاحتياطي وأن النقاشات والخلافات تكون على آلية التنفيذ وتوقيتاتها، قائلا: “ممكن الصندوق يقول أسرع في هذا الإجراء، وأنا أعترض لأن ظروف البلد لا تسمح؛ حتى لا يتم التحميل بصورة أكبر على المواطن، وهذه تكون آليات التفاوض مع الصندوق٬ ونحن من نضع الثوابت وننفذها، وهناك ثوابت أي دولة تعمل عليها، والصندوق كجهة عالمية واحنا كدولة هدفنا نستهدف جذب استثمارات خارجية، والمستثمر عند الدخول لأي دولة يريد التأكد من أن اقتصاد الدولة ثابت ومستقر، ووجود الصندوق معانا في هذه النوعية يعطي شهادة للمستثمر الخارجي إن الدولة ماشية في البرنامج”.

 

وقبل ساعات، أعربت كريستالينا جورجيفا، مدير عام صندوق النقد الدولي، عن سعادتها بلقاء أحمد كجوك، وزير المالية المصري، مؤكدة على الالتزام بمواصلة التعاون الوثيق بين مصر وصندوق النقد الدولي.

 

وقالت جورجيفا، عبر حسابها على منصة X: “يسعدني أن ألتقي بوزير المالية المصري الجديد كجوك، وقد هنأته على تعيينه وأعربت عن التزامنا بمواصلة التعاون الوثيق بين مصر وصندوق النقد الدولي”، مضيفة: “ونحن نتطلع إلى وصول مراجعة الصندوق إلى مجلس الإدارة، يوم الإثنين”.

أبو بكر الديب
أبو بكر الديب كاتب صحفي وباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث ورئيس منتدى تطوير الفكر العربي للأبحاث ومدير تحرير جريده البوابة نيوز من القاهرة ومحلل للأحداث الاقتصادية والسياسية بعدد من القنوات الفضائية الدولية والعربية.

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية