أثارت صفقة استحواذ شركة “أنجلو جولد أشانتي” الجنوب أفريقية على شركة “سنتامين بي إل سي”، المشغلة لأكبر منجم للذهب في مصر، بقيمة 2.5 مليار دولار، في مطلع شهر سبتمبر الجاري، جدلاً واسعًا وتساؤلات حول طبيعة الصفقة، وما إذا كانت بيعًا لمنجم السكري أم استثمارًا أو شراكة، بالإضافة إلى التساؤلات حول سبب عدم الاستعانة بشركات مصرية.
عقد شراكة بين الدولة والقطاع الخاص
ورأى الدكتور وليد جاب الله، خبير التشريعات الاقتصادية وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع، أن صفقة استحواذ شركة “أنجلو جولد أشانتي” الجنوب أفريقية على شركة “سنتامين”، المالكة للشركة الفرعونية لمناجم الذهب، شريك الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية في منجم السكري للذهب، ليست لها أي تأثير سلبي على مصر ولا تُعد بيعًا لمنجم السكري كما يُروَّج البعض، كما أنها ليست استثمارًا جديدًا، بل هي عقد شراكة بين الدولة وإحدى شركات القطاع الخاص.
وأشار جاب الله في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” إلى أن شركات القطاع الخاص لها الحق في نقل ملكيتها إلى شركات أخرى، وفقًا للضمانات المقررة في العقود المبرمة مع الحكومة المصرية، مضيفًا أن هذا ليس أول مثال على مثل هذه الصفقات، وأن العقود المتعلقة بحقول الغاز في البحر المتوسط، إذ إن الحكومة المصرية متعاقدة مع شركة “إيني” الإيطالية في حقل “ظهر”، والتي بدورها باعت جزءًا من حصتها لشركات أخرى، منها شركة روسية، وتُتَداول هذه الحصص في السوق.
توضيحات حكومية
من جانبه، صرّح الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، يوم الأربعاء 11 سبتمبر الجاري، خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي، أن هذه الصفقة ليس لها أي تأثير على حقوق الدولة المصرية في منجم السكري أو إيراداته، إذ تظل أحكام اتفاقية الالتزام الصادرة بموجب القانون رقم ٢٢٢ لسنة ١٩٩٤ سارية بكافة بنودها، مؤكدًا أن هذه الأحكام هي التي تحكم العلاقة بين الأطراف المساهمة.
كما أعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية في بيان لها أن شركة السكري لمناجم الذهب ستظل هي الشركة المشتركة والمكلفة بإدارة العمليات كما هي، دون أي تعديل، موضحةً أن شركة السكري مملوكة بنسبة 50% لهيئة الثروة المعدنية و50% للشركة الفرعونية لمناجم الذهب، وبالتالي لا يترتب على هذا الاستحواذ أي تأثير على الشركة القائمة بالعمليات.
وأضافت الوزارة أن الصفقة هي صفقة تجارية بين شركتين عالميتين مدرجتين في البورصة، إذ إن شركة “سنتامين” مدرجة في بورصة لندن، وشركة “أنجلو جولد أشانتي” مدرجة في بورصة نيويورك، الأمر الذي لا يستلزم موافقة الجانب المصري على إتمام الصفقة، نظرًا لأن الاستحواذ يشمل جميع أسهم شركة “سنتامين” وجميع مناطق عملها حول العالم.
زيادة الاستثمارات وبالتالي حصة مصر من الذهب
أوضح جاب الله، أن مصر ستستفيد من صفقة الاستحواذ، ومن المرجح أن تزيد حصتها من الذهب من خلال القدرات والإمكانات الجديدة للشركة المستحوذة، ما سيؤدي إلى تحسين عمليات التطوير المتوقعة. مشيرًا إلى أن الشركات الكبرى العاملة في مشروعات مثل الغاز والبترول والتنقيب عن الذهب لها حصص يتم تداولها في السوق بشكل طبيعي، وفقًا لضوابط العقود التي تتضمن بنودًا واضحة تسمح بالتداول.
وأشار خبير التشريعات الاقتصادية إلى أن انتقال ملكية شركة “سنتامين” إلى كيان أكبر يعد مؤشرًا إيجابيًا، إذ يمكن أن يساهم في ضخ استثمارات أكبر تسرّع من عمليات الاستخراج، ما يزيد من حصة الشريك المصري.
جذب الاستثمارات الأجنبية والتكنولوجيا المتطورة
وأكد أن مصر لن تستطيع التنقيب والاستثمار في منجم السكري بعيدًا عن الشركات المتخصصة، وذلك لسببين أساسيين: الأول هو أن الشركات العالمية تمتلك التكنولوجيا اللازمة لعمليات التنقيب والاستخراج، والثاني هو جذب الاستثمارات الأجنبية، موضحًا أن الحكومة قد تواجه اعتراضات عديدة إذا حاولت تنفيذ هذه المشروعات بنفسها، مما يبرز أهمية دور القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية.
ولفت إلى أن هناك شركات حكومية مصرية تعمل بالفعل بالتعاون مع هيئة البترول، وأيضًا شركات خاصة تمتلك امتيازات للتنقيب عن الذهب في مناجم أخرى داخل مصر وخارجها، ضربًا المثل بشركة “جولد AHK” للذهب، التابعة لشركة “إن تو ميتالز”، المملوكة لرجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، والتي بدأت أعمال الحفر في الصحراء الشرقية مطلع العام الحالي.
وفي يناير الماضي، وافق وزير البترول المصري السابق طارق الملا على منح شركة “AHK GOLD” البريطانية، المملوكة لنجيب ساويرس، 350 كم مربعًا للتنقيب عن الذهب في منطقتي بئر أسل وجبل الميت بالصحراء الشرقية، في إطار توسع الشركة البريطانية في الاستثمار في البحث عن الذهب بمصر بعد فوزها بعدد من المناطق في المزايدة العالمية.
ويعد نجيب ساويرس أحد أكبر المساهمين في شركة “انديفور للتعدين”، التي تعمل في استخراج الذهب في غرب أفريقيا، من خلال ملكيته لشركة “لامانشا” بحصة 19% واستثمارات تصل إلى 200 مليون دولار، ما يجعله واحدًا من أكبر 10 منتجين للذهب في العالم بإنتاج سنوي يصل إلى 1.5 مليون أوقية.
وأشار خبير التشريعات الاقتصادية إلى أن العقد الخاص بمنجم السكري قديم منذ فترة تولي الرئيس الأسبق حسني مبارك، وأن الحكومة المصرية تعمل في إطار نصوص العقد، والشريك الأجنبي في هذه الصفقة لم يخالف العقد، لافتًا إلى أن الحكومة المصرية تتطلع وتأمل أن تعمل الشركة الجديدة وتحقق فوائد وعائدًا أكبر لمصر من الشركة القديمة.
وقال جاب الله إن هناك مقترحات وتطلعات حالية للحكومة المصرية لإنشاء منجم لتنقية الذهب الخام بدلاً من تنقيته خارج مصر في كندا، بالإضافة إلى تطوير تكنولوجيا الذهب، متوقعًا وجود أفكار لامتلاك مصر مصنع معالجة لتنقية الذهب الخام.
أحقية تداول حصص ملكية الشركات بالبورصة
وأوضح خبير التشريعات الاقتصادية أن استثمارات القطاع الخاص تتخذ أشكالًا قانونية متعددة منها المشروعات الفردية أو الشركات بأنواعها، وهناك آليات متعددة تتيح تداول حصص ملكية الشركات، فهناك شركات يتم تداول أسهمها في البورصة وقد تنقل ملكية حصة لأحد الشركاء إلى آخر بصورة مباشرة، لافتًا إلى انتقال ملكية شركات أو حصص من مالك لآخر في كل دول العالم.
وأضاف أن ما تم في صفقة منجم السكري عبارة عن مشروع، بالشراكة بين الدولة وإحدى الشركات، وهو أمر لا يمس الحقوق المصرية، وانتقال حصة المستثمر لكيان أكبر يتيح ضخ استثمارات أكبر تعظم حجم الاستخراجات من المنجم ما يزيد من الحصة المصرية، وكذلك فإن الكيان الجديد يظل ملتزمًا بكافة التزامات المستثمر الأصلي.
رسالة ثقة واطمئنان للمستثمرين
ورأى جاب الله أن سهولة إجراءات التداول ونقل الملكية رسالة إيجابية للمستثمرين تجعلهم أكثر اطمئنانًا وثقة في مناخ الاستثمار وسهولة الدخول والخروج من المشروعات، ما يعد في ذاته حافزًا لجذب مزيد من الاستثمارات في قطاع التعدين على وجه الخصوص، والذي يشهد تنافسًا كبيرًا بين دول العالم في جذب المستثمرين، إذ يحتاج هذا القطاع لاستثمارات مرتفعة التكلفة وتكنولوجيا لا تتوافر إلا لدى عدد محدود من الكيانات العالمية.
وقالت وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية في بيانها، إن وجود شركة “أنجلو جولد أشانتي” والتي تحتل المرتبة الرابعة على العالم في تصنيف الشركات المنتجة للذهب للعمل والاستثمار في قطاع التعدين المصري هو شهادة عالمية على ثقة الشركات العالمية في مناخ الاستثمار بمصر ودليل قاطع على نجاح سياسة الدولة في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة ونتوقع بعد هذه الخطوة إقبالًا أكثر من شركة عالمية أخرى للعمل في مصر.
واستطرد عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والإحصاء والتشريع أن مصر نجحت بالفعل خلال السنوات الأخيرة في جذب الكثير من الاستثمارات في قطاع التعدين، ولكن ما زالت الطموحات المصرية أكبر بما يدعم نشاط القطاع الخاص ويعزز قدرته في زيادة النمو وخلق فرص عمل وزيادة الإنتاج المصري.
الدكتور محمد أنيس، الخبير الاقتصادي
البيع للامتياز ولا علاقة بملكية منجم السكري
وأكد الدكتور محمد أنيس، الخبير الاقتصادي، أن ما يثار على صفحات التواصل الاجتماعي عن بيع منجم السكري لشركة من جنوب أفريقيا ليس له أساس من الصحة، مؤكدًا أن المنجم مملوك للدولة المصرية بنسبة 100%، وأن الصفقة عبارة عن حق امتياز لشركة متخصصة في التنقيب واستخراج الذهب بما يعود بالفائدة الاقتصادية لمصر.
وأشار أنيس في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” إلى أن العقد بين الحكومة المصرية وشركة “سنتامين” عبارة عن حق امتياز تنقيب عن الذهب مقابل حصة 49% من الإنتاج و51% للحكومة المصرية إضافة إلى سداد الضرائب، وبالتالي فلا علاقة للصفقة الحالية بملكية منجم السكري أو نقله لشركة جديدة.
وقال الخبير الاقتصادي إن نوعية التكنولوجيا التي يتطلبها التنقيب في منجم السكري كلما كانت متطورة كلما استخرجت خام وكميات أكبر خاصة أنه في عمق الجبل، وأن هذه التكنولوجيا متوفرة في الشركة الجديدة، مشيرا إلى أن أستراليا وجنوب أفريقيا وكندا تمتلك باع وإمكانات كبيرة في مجال التنقيب عن الذهب.
وشدد على أن استخدام تكنولوجيا ضعيفة سيهدر نسبة كبيرة من الخام، ما يرفع قيمة التكلفة والوقت المبذولان في التنقيب، مضيفًا أن المناجم من 200 إلى 400 متر تحتاج تكنولوجيا متوسطة، وكلما زاد عمق المنجم تطلب تكنولوجيا أعلى، لافتًا إلى أ، أعمق منجم في العالم بدولة جنوب أفريقيا يسمى “مبونينغ” ويصل إلى 4 كيلو مترات.
ويعد منجم مبونينغ في جنوب أفريقيا الأعمق في العالم، ويقع في شمال شرقي البلاد في محافظة غاوتينج.
وتوقع الخبير الاقتصادي أن تدفع صفقة الاستحواذ الشركات الأخرى لزيادة استثماراتها في التنقيب عن الذهب، مستفيدة من خبرات شركة “أنجلو جولد أشانتي” مما قد يؤدي إلى تحقيق زيادة ملحوظة في احتياطي مصر من الذهب وإضافة قيمة مضافة لقطاع التعدين.
اقرأ أيضًا:
مدبولي يوضح نحن لا نبيع الدولة لكن نعظم الأصول
بعد تصريحات مدبولي عن خسائر قناة السويس.. هل هناك نية لتأجيرها أو بيعها؟
استرداد الآثار المصرية من الخارج: حملات شعبية وجهود أكاديمية