الشارع المصري

تحديات مواقع التواصل الاجتماعي وسعي الشباب المصري وراء الثراء

النظرية الماركسية حول العمل وفلسفته، باتت على المحك، وترى النظرية الماركسية أن العمل ليس وسيلة لتحقيق أهداف بعينها، وليس نشاطاً يومياً يُرجى تحقيق غرض من ورائه، وإنما نُظِر إلى العمل على أنه تشكيل للهوية الاجتماعية، والبنى الفوقية للمجتمع.

 

وبعد التطور الكبير الذي شهدته وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت فكرة العمل والمال مختلفة، فعقد المقارنات لا ينتهي بين المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي وواقع الحياة المجتمعية من حيث الوظائف وأنماط الحياة والحصول على المال، لتكون مواقع التواصل الاجتماعي هي أقصر الطرق للوصول إلى الهدف.

 

وبدا واضحاً خلال السنوات الأخيرة، التغير في أنماط وسلوكيات الشباب حول المحتوى الذي يتم تقديمه على مواقع التواصل الاجتماعي، فمنذ ظهور هذه المنصات، كانت هناك مهنة محددة لكل من يقدم محتوى على هذه المنصات، إضافة إلى تقديم هذا المحتوى، والذي غالباً ما يكون محتوى علمياً مفيداً في مجال عمل هذا الشخص، إلا أن هذا الأمر قد تغير تماماً خلال السنوات الأخيرة، لتظهر مهناً جديدة.

 

فيمكن لأحد الشباب أن يجيبك عن سؤال، ماذا تعمل؟، لتكون الإجابة “بلوجر”، وهذا الـ”بلوجر” يختلف التخصص الذي يقدمه، إما أن يكون هذا التخصص متعلقاً بالطعام أو الملابس أو السفر والسياحة، أو غيرها من التخصصات.

 

 

بعد أن أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي وسيلة إعلانية بامتياز، بدأ الاهتمام ينصب بشكل كبير على هذه المنصات، “فقد رفعت هذه المواقع أشخاصاً ووضعت آخرين، ولم تقم لهم قائمة حتى الآن.

 

فمن الممكن من خلال مقطع فيديو أن تتحقق لك الشهرة، وتتهافت المتاجر عليك، من خلال عمل إعلان واحد لها، وهو ما سيراه الملايين من الأشخاص بالتأكيد، من خلال متابعيك ومحبيك على حسابك الشخصي.

 

أحد أصحاب المحلات الصغيرة، قال لنا إنه بدأ منذ عام تقريباً في مشروع مطعم خاص به، وكان مشروعه على وشك الإغلاق، ليقترح عليه أحد الأصدقاء الحل، “أنت محتاج فوود بلوجر”، وهي مهنة جديدة، تعني أن هذا الشخص متخصص في الطعام، ويمتلك الملايين من المتابعين.

 

يقول صاحب المطعم أنه بالتواصل مع عدة أشخاص، سمع أرقاماً كبيرة لا تتناسب مع مطعمه الصغير، مشيراً إلى أن سعر الفيديو 3 دقائق يصل إلى 50 ألف جنيه مصري، وهو راتب عامل في المطعم لمدة عام، يضيف الرجل.

وأشار إلى أنه رفض في البداية دفع هذا المبلغ لهذا الشخص، إلا أنه رضخ في النهاية لهذه الفكرة، ولكن استطاع تقليل المبلغ إلى النصف تقريباً، بعد إقناعه بأن هذا كل ما يملكه.

 

وتابع الرجل، أن هذا الشخص نشر له بالفعل مقطع الفيديو على صفحته الشخصية، وشاهد هذا الفيديو أكثر من مليوني شخص، “يعني مكسب من الناحيتين”، هكذا قال الرجل.

 

 

فتاة اخرى تحدثت إلينا حول عرض مالي حصلت عليه، حيث كانت الفتاة تحلف بأن تكون “موديل” ملابس، فأنشأت صفحة على “إنستجرام”، و”فيس بوك”، و”تيك توك”، إلا أن عدد المتابعين لم يكن بالشكل المطلوب.

 

وواصلت الفتاة حديثها بأنها تواصلت مع أحد الأشخاص على “فيس بوك”، ليضيف إليها عدداً من المتابعين على صفحاتها، وبالفعل طلب منها هذا الشخص إضافته كـ”أدمن”، على صفحاتها، ليقوم بزيادة متابعيها بالآلاف على كل منصة من المنصات، مقابل 250 جنيه مصري فقط، لكل 10 آلاف متابع.

 

وتابعت الفتاة البالغة من العمر 22 عاماً، أنها عملت لعدة أشهر في وظيفة “كول سنتر” مقابل ألفين جنيه شهرياً، وردت على آلاف العملاء، مشيرة إلا أنها مهنة شاقة للغاية، ولم تستطع إكمال العمل بها.

وأردفت الفتاة التي تخرجت حديثاً، أنه بعد وصول صفحتها إلى 100 ألف متابع تواصلت معها بعض “البراندات” غير المعروفة لعمل إعلان لها، وكان المقابل هو 3000 جنيه خلال عدة ساعات عمل، وهو ما كنت أتحصل عليه خلال شهر ونصف تقريباً.

 

وتابعت الفتاة أنه بعد العمل كـ”موديل”، عرض عليها تصوير يوم واحد مقابل 15 ألف جنيه، “300 دولار أمريكي تقريبا”، لتبدأ الأسعار في الارتفاع بعد زيادة عدد المتابعين على صفحاتي، هكذا أنهت الفتاة حديثها.

 

 

من خلال المتابعة والبحث، بدا واضحاً أن هناك تغيراً ملحوظاً في المحتوى الذي يتم تقديمه عبر هذه المنصات ليكون الشعار المرفوع هو “أن لا صوت يعلو فوق صوت المال”.

 

“حنين حسام”، طالبة مصرية، تبلغ من العمر 21 عاماً، اتهمت منذ عدة سنوات بالإتجار بالبشر، وحكم عليها بالسجن 10 سنوات، وتم تخفيف الحكم إلى 3 سنوات، ليقول القاضي أنه استخدم معها أقصى درجات الرأفة والرحمة بالنظر إلى موقفها كطالبة في مقتبل عمرها.

 

بدأت “حنين” في دعوة الفتيات إلى عمل بمقابل مادي شهري 4 آلاف دولار أمريكي “حوالي 200 ألف جنيه مصري”، كل شهر، وهو دخل لا يتناسب مع واقع سوق العمل المصري، فقد كان متوسط المقابل المادي للعمل حينها هو 1500 جنيه مصري.

 

وكان مطلوباً من الفتيات حينها هو إنشاء حساب على إحدى المنصات، والخروج بحجاب كامل على فيديو بث مباشر، لتجيب على أسئلة المشاهدين،وبالفعل تم تسليم الفتيات راتب الشهر الأول والثاني والثالث، وهو رقم كبير، من الممكن أن ينقل الفتيات اللاتي عملن معها طبقة اجتماعية كاملة في غضون 3 أشهر.

 

ولكن بعد ذلك تغيرت المهمة، فقد أصبحت هي الدخول إلى غرف مغلقة من خلال هذا البث، ويتم فيها طلب طلبات بمقابل مادي يدفعه المشاهدون، ومن يدفع فعليه الحصول على مقابل ما يدفع، لتكون الفتيات قد ذقن طعم المال والحياة الجديدة، وهنا سيكون عليهن الاختيار بين حياة الفقر، أو التنازل والعيش في الحياة الجديدة.

 

المحتوى المقدم بشكل خادش للحياء لم يتوقف عند هذا الحد، فخروج الفتيات من خلال تقديم عناوين فيديوهات عن الطبخ، وتنظيف المنزل، ومنافسات وهمية عن الطعام وغيرها، بملابس فاضحة، لتتم محاكمة العديد منهن.

 

 

 

منذ عامين تقريباً، انتشر فيديو لعامل نظافة أثناء طرده من أحد محلات “الكشري”، ومنذ اليوم الأول بدأ الناس في التعاطف معه، مطالبين بفضل مدير المطعم، بل وصلت المطالبات بإغلاقه حتى وتسريح من فيه.

 

وبعد يوم واحد، كان هذا “العامل” على قنوات تلفزيونية وبصحبة فنانين كبار يتناول معهم الطعام، وكأنه عاد منتصراً من معركة حربية، ليبدأ هذا الشخص في الظهور في كل المحافل التي تجمع مشاهير مصر، لتكون “طاقة القدر اتفتحت له”، بحسب متابعين.

 

وفي كل شهر تقريباً، تجد حادثة تثير الرأي العام، لأحد الشباب أو إحدى الفتيات، تكون مصدر رزق له، إذا اتبع تعليمات شركات التسويق التي ترعاه، فالأمر برمته يخضع لقواعد وخطط تسويقية، وعنوان الفيديو ووقت نزوله، لا يأتي من فراغ، وإنما من خلال دراسات وأبحاث على علم بنفسية المتابعين.

 

أحد عناوين الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي كان “إزاي حشيت حلة محشي كاملة بفردة شبشب”، عنوان عجيب، يجبرك على مشاهدته، بعد نزوله بيوم واحد كان عدد المشاهدات أكثر من 25 مليون مشاهدة، الفيديو طويل يصل إلى 16 دقيقة، ولكن عليك الانتظار حتى تتعلم الطريقة، وتعرف ما هي علاقة “فردة الشبشب” بإعداد الطعام، ولكن في النهاية قالت السيدة الخمسينية صاحبة الفيديو، إنها وضعت “فردة الشبشب” تحت قدمها أثناء عمل “حلة المحشي”.

 

محتوى لم يكن له فائدة نهائياً رآه الملايين من المتابعين، إلا أنه حقق الهدف منه وهو جني المال لهذه السيدة، وهذا هو المطلوب.

 

 

سعت عدة دول عربية إلى محاولة السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال القبض على عدد ممن تجاوزوا الأطر والقواعد المجتمعية والأعراف الخاصة بالمجتمعات العربية.

 

فمنذ عدة أيام، ألقت الشرطة المصرية القبض على مجموعة من الطلاب، اعتدوا على مواطنين من خلال “مقلب”، رأوه على “التيك توك” في إحدى البلدان الآسيوية، وقال الطلاب الذين تراوحت أعمارهم بين 16 و18 عاماً، إن غرضهم كان هو جني المال فقط، ولم يعتقدوا أن الأمر سيصل عند هذا الحد.

 

وكان “المقلب” الذي تم تنفيذه، هو ركوب 4 منهم على دراجتين ناريتين، تتولى دراجة منهم تصوير “المقلب”، والدراجة الاخرى تقوم بتنفيذ “المقلب”، والذي كان هو القيادة بسرعة، وضرب ساق المواطنين ليقعوا على وجههم، ليتم تحويل القضية إلى النيابة العامة.

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية