سياسة

تحركات مصر لحل الأزمة السودانية وتفادي الانقسامات

مع استمرار الأزمة السودانية، كأحد أبرز عوامل اضطراب المنطقة، تبرز الجهود المصرية لحل الصراع، متأثرة بالتحديات الكبيرة التي تواجه الأمن القومي المصري نتيجة لتفجر الأحداث في السودان. بالنظر إلى التوترات بين الأطراف المتنازعة، تتجلى مصر، ليس فقط كطرف مساند للاستقرار الإقليمي، ولكن كعنصر فاعل في محاولات إنهاء الصراع ووقف نزيف الدماء. في ظل هذا الوضع المعقد، تتعالى الاتهامات، ومنها تلك التي وجهها قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو، المعروف بـ “حميدتي”، لمصر بالتدخل العسكري لصالح الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان. لكن، ما الحقيقة خلف هذه الاتهامات؟ وهل تساهم هذه التصريحات في تعقيد الأمور أم في تسريع الحل؟

 

أكدت مصادر متخصصة أن مصر تسعى جاهدة لانهاء الصراع في السودان ودعم شعبها باعتبار أن استقرار السودان من أساسيات حماية الأمن القومي المصري.

 

ونفت المصادر ادعاءات واتهامات قائد قوات الدعم السريع، محمد حمدان دقلو المعروف بـ “حميدتي”، لمصر بالتدخل عسكريًا لصالح الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان. وأوضحت المصادر أن مصر تدعم المؤسسات الرسمية والشرعية في السودان فقط، وأن دورها يقتصر على وقف الحرب وحماية المدنيين وتعزيز الاستجابة الدولية لخطط الإغاثة وحماية الشعب السوداني.

 

في وقت لاحق، استقبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان على هامش أعمال الدورة الثانية عشر للمؤتمر الحضري العالمي، الذي انطلق في القاهرة 4 نوفمبر الجاري لأول مرة في قارة أفريقيا منذ 20 عامًا بمشاركة وفود أممية ودولية رفيعة المستوى من 182 دولة، المعني بالتنمية الحضرية المستدامة، لبحث حل قضية التحضر العالمي وإيجاد حلول لأزمة الإسكان العالمية.

 

وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية في بيان إن السيسي أكد للبرهان استمرار الدعم المصري للسودان على كافة المستويات للخروج من الأزمة التي يمر بها وإنهاء الصراع. وشدد السيسي على أن الموقف المصري ثابت ويسعى لوقف إطلاق النار وحقن دماء الأشقاء في السودان. من جانبه، أشاد البرهان خلال اللقاء بالمساندة المصرية المخلصة لجهود التهدئة وحرصها على الحفاظ على وحدة وسلامة واستقرار السودان، معربًا عن تقديره لاستضافة الشعب المصري لأشقائه السودانيين خلال الأزمة.

 

وقال البرهان خلال كلمته في افتتاح المنتدى الحضري العالمي بحضور الرئيس السيسي إن السودان يواجه حربًا تستهدف وجوده ومكونات دولته وبنيته الأساسية من قبل ميليشيا الدعم السريع بهدف السيطرة على السلطة. وتطلع إلى أن يعمل المنتدى على دعم الشعب السوداني لإعمار بلاده وإحداث التنمية الشاملة بعد إنهاء الحرب.

 

 

الوقوف على مسافة واحدة

 

قال النائب شريف الجبلي، رئيس لجنة الشؤون الإفريقية بمجلس النواب المصري، إن مصر حاولت مرارًا وتكرارًا الوقوف على مسافة واحدة من طرفي النزاع، والاحتفاظ بعلاقات طيبة مع كافة الأطراف، وعدم التدخل عسكريًا. واتبعت سبلًا دبلوماسية وهادئة، ومنها استضافة القاهرة العديد من اللقاءات والمؤتمرات التي ضمت العديد من القوى السودانية لتقريب وجهات النظر بينهم في محاولة لإنهاء الصراع العسكري.

 

وأضاف الجبلي في تصريحات لمنصة “MENA” الإخبارية أن قوات الدعم السريع أصرت على استمرار الحرب وعدم الاستجابة لنداءات العقل، كما تسببت في توتر علاقتها بالقاهرة بعدما تقرب حميدتي من إثيوبيا بما لا يخدم المصالح الوطنية للشعبين السوداني والمصري. وأكد أن السياسة الخارجية لمصر تستند إلى عدة ثوابت، منها اقتصار دعمها على المؤسسات الرسمية فقط، فهي لا تدعم الميليشيات ولا قوى التمرد.

 

دعم مصر للمؤسسات الوطنية السودانية

 

أكد الجبلي أن مصر لا تسعى مطلقًا لكسب مصالح على حساب الأشقاء في السودان أو مشروع معين، وإنما تعمل في إطار الصالح العام بما يخدم الشعبين المصري والسوداني. وموقفها يتسم بالمنطق والعقلانية من الأزمة السودانية، حيث تهدف إلى الحفاظ على الأمن القومي المصري من خلال دعم المؤسسات الوطنية في السودان.

 

وأضاف الجبلي أن استقرار وقوة الجيش السوداني هو الخيار الوحيد لتحقيق التنمية وصالح الشعب السوداني لمواجهة التحديات الكبيرة التي تمر بها المنطقة العربية المحتدمة بالصراعات والمشكلات. ووقف إطلاق النار وتسوية الصراع في السودان يجب أن تنتهي بعد دخول الصراع في عامه الثاني منذ منتصف أبريل 2023، حيث أصبحت الأوضاع صعبة للغاية على الشعب السوداني.

 

 

تعزيز التعاون بين مصر والسودان

 

أكد الكاتب المتخصص في الشؤون السياسية، صفوت عمران، أن لقاء الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مع رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، يأتي لتعزيز التعاون بين البلدين، والعمل من أجل عودة الاستقرار للسودان الذي يعاني من تمرد قوات الدعم السريع. حيث تدعم مصر الجيش السوداني الوطني في الحفاظ على وحدة واستقلال السودان، وتسعى لوقف إطلاق النار وحقن دماء الأشقاء في السودان، وإخراج الخرطوم من الأزمة الدائرة منذ سنوات انطلاقًا من محددات الأمن القومي المصري.

 

وقال عمران لمنصة “MENA” إن العلاقات بين القاهرة والخرطوم أصبحت أكثر صلابة وقوة بعد مساندة مصر للمؤسسات الشرعية في السودان، وسعيها لمنع أي انفلات أو تمرد تقوده قوات الدعم السريع المدعومة من أطراف خارجية لتفجير السودان من الداخل. علاوة على استقبال مصر لملايين السودانيين الفارين من القتال الدائر بين الجيش الوطني السوداني وقوات الدعم السريع، وهو ما ساهم في إذابة التوترات الشعبية التي كان يريد البعض إشعالها بين البلدين. وأدرك السودانيون أن الشعب المصري يكن لهم كل ترحاب ومشاعر إيجابية كبيرة.

 

وأضاف عمران ان زيارة البرهان للقاهرة تأتي كرسالة شكر وتقدير للدور المصري الداعم لوحدة واستقرار السودان، والتوافق حول الخطوات القادمة. حيث يعد النظام المصري الآن أكبر حليف لمجلس السيادة السوداني، وأن ترتيب الأوراق مهم من أجل المرحلة الانتقالية القادمة بعدما تكبدت قوات الدعم السريع خسائر كبيرة في الفترة الماضية. متوقعًا أن تتوحد مواقف القاهرة والخرطوم في مواجهة إثيوبيا فيما يتعلق بملف سد النهضة، مع تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين الشقيقين.

 

الجيش السوداني يحقق انتصارات

 

وأشار عمران إلى الانتصارات المتتالية التي حققها الجيش السوداني على قوات الدعم السريع، حيث استعاد السيطرة على العديد من المناطق الاستراتيجية في الخرطوم، واستعاد ولايات شرق السودان والشمالية بالكامل، وانحصر وجود قوات الدعم السريع في غرب السودان خاصة في دارفور. وتوقع عمران أنه بنهاية 2024 يكون الجيش الوطني السوداني قد حقق انتصارًا كاملاً على قوات حميدتي.

 

وأكد عمران وجود رغبة دولية وإقليمية في مساعدة السودان على تجاوز الأزمة، وهو سبب تراجع العديد من الأطراف عن مساندة قوات الدعم السريع.

 

 

توحيد الصف

 

أشار الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة والمتخصص في الشأن الإفريقي، إلى التحديات الكبيرة التي تواجه مصر والسودان وضرورة توحيد الجهود بين الدولتين حكومة وشعبًا، وهو ما يتطلب وقف الصراع والحرب الدائرة في السودان. وعلى رأس التحديات مواجهة محاولات إثيوبيا إعادة تقسيم حصص مياه نهر النيل وأزمة سد النهضة، خاصة مع تقارب قوات الدعم السريع مع إثيوبيا مؤخرًا.

 

وأضاف أستاذ العلوم السياسية لمنصة “MENA” أن مصر لن تقف موقف المتفرج في المنطقة في ظل التحديات التي تهدد أمنها القومي. فمصر والسودان تربطهما علاقات تاريخية، والسودان بوابة مصر الجنوبية. ويربط الشعبين علاقات راسخة، ونهر النيل هو شريان الحياة. مؤكدًا أنه في حال انتصار قوات الدعم السريع، سيتسبب ذلك في انقسام السودان واستقلال مناطق وقطاعات أخرى مثل دارفور، كما حدث مع جنوب السودان.

 

دور خفي للإمارات

 

وأرجع مصدر متخصص في الشأن العربي والإفريقي لمنصة “MENA” اتهام السودان لدولة الإمارات بمساندة قوات الدعم السريع ضد الجيش الوطني السوداني إلى اعتبارات سياسية واقتصادية، منها خلافات على اتفاقيات اقتصادية واستثمارية سابقة مع النظام السابق، اعتبرها الجيش السوداني غير منصفة. بالإضافة إلى تقارب الإمارات مع قوات الدعم السريع منذ إعلان الحرب ضد ميليشيا الحوثي في اليمن. ويرى المصدر أن هناك دورًا خفيًا للإمارات في تأجيج الحرب والانقسامات داخل السودان.

 

وتعتبر دولة الإمارات العربية المتحدة من أكبر المستثمرين في السودان، خاصة في الأراضي الزراعية، وتسعى إلى السيطرة على الموانئ البحرية والموارد الزراعية السودانية، وهو ما سيرفضه الجيش الوطني السوداني، بينما سيلقى قبوله من قوات الدعم السريع في حال سيطرتها على الحكم. وكانت السودان قد اتهمت الإمارات أيضًا بتسليح قوات الدعم السريع في أكثر من مناسبة، منها بمجلس الأمن، وهو ما تسبب في توتر العلاقات بين البلدين.

 

اقرأ أيضًا:

 

خبراء: “حميدتي” لا يملك قراره.. والتجار سيدفعون ثمن حماقته بالركود

 

اتهامات حمدتي لمصر وإيران.. حقيقة أم مناورات سياسية؟

 

مؤتمر القاهرة للقوى السياسية السودانية..خطوة مصرية ناجحة لحل الصراع الدائر فى السودان

 

الحرب السودانية تكبد الاقتصاد المصري خسائر بالمليارات

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية