الشارع المصري

تحويلات المصريون بالخارج تُضيف 241.5 مليار دولار للاقتصاد خلال 10 سنوات

“المصريون بالخارج” .. “فرخة تبيض ذهبا”

 

    • 14 مليون مصري بالخارج بينهم رجال الأعمال يحولون 7 % من إجمالي الناتج المحلي
    • القاهرة تحتل المركز الخامس عالميا من حيث حجم التحويلات من الخارج بعد الهند والمكسيك والصين والفلبين

 

    قبل ساعات، أعلن البنك المركزي المصري، في بيان رسمي، زيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج خلال يونيو الماضي، للشهر الرابع على التوالي، بنسبة 65.9 % لتسجل نحو 2.6 مليار دولار، مقابل نحو 1.5 مليار دولار خلال يونيو 2023.
    وكشفت بيانات رسمية حديثة، للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر، أن إجمالي تحويلات المصريين العاملين في الخارج تجاوزت نحو 241.5 مليار دولار خلال السنوات العشر الماضية.


    “التحويلات المالية“٬ تعني إرسال المواطنين العاملين بخارج البلاد في أي بلد آخر بأرسال أموال في شكل نقود أو سلع عبر قنوات مالية رسمية كالبنوك ومكاتب الصرافة أو بريد، أو عبر طرق أخري – قد تكون مخالفة للقانون – كإرسالها مع شخص قادم للبلاد، وتساهم تلك التحويلات في إعالة أسرهم وتلبية احتياجاتهم في بلدهم الاصلي “مصر”، ما يؤكد الدور الكبير الذى يقوم به المصريون بالخارج، ودعمهم للاقتصاد الوطني ومساندة الدولة فهم مورد مهم للنقد الأجنبي في مصر، ويمكن الاستعانة بهم في الترويج لجذب الاستثمارات الأجنبية وللسياحة والآثار المصرية إقليميًا وعربيًا وأفريقيًا وعالميًا.


    ويصل عدد المصريين في الخارج، حسب السفيرة سهى جندي وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين في الخارج سابقا، إلى 14 مليون شخص، يتواجد أكثر من 7 ملايين منهم في عدد من الدول العربية في السعودية والكويت والأردن والإمارات، بالإضافة إلى المصريين المهاجرين الدائمين في كندا وأمريكا واستراليا.


    و طبقاً لبيانات البنك الدولي لعام 2023، تحتل مصر المركز الخامس عالميًا من حيث حجم التحويلات المالية المرسلة لها من الخارج، بمقدار 24.2 مليار دولار، وذلك بعد الهند والمكسيك والصين والفلبين، وقبل باكستان، وتمثل تحويلات المصريين في الخارج 7% من إجمالي الناتج المحلي.

     


    وذكر مصدر بالبنك المركزي المصري، إنه على مدار السنوات الماضية، مرت تحويلات المصريين بالخارج، بفترات مختلفة – صعودًا وهبوطًا – حسب التطورات في منطقة الشرق الأوسط والعالم من أوضاع جيوسياسية واقتصادية، ففي العام المالي 2010 – 2011 بلغت قيمة التحويلات أقل معدلاتها الي نحو 12.6 مليار دولار، وتحسنت خلال فترة 2011 – 2012 لتسجل 18 مليار دولار، وفي عام 2014 – 2015 وبالتحديد مع إعلان برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري، بلغت هذه التحويلات 19.3 مليار دولار، فيما بلغت التحويلات في 2016 – 2017، نحو 21.8 مليار دولار، وذلك عقب قرار الحكومة بتحرير سعر صرف الجنيه أمام الدولار، أو ما يعرف بـ “تعويم الجنيه”، في نهاية عام 2016، والذي أدى لانخفاض قيمة الجنيه بنسبة 78%.


    وحسب المصدر، واصلت تحويلات العاملين بالخارج الارتفاع عقب قرار التعويم وتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي لتصل إلى مستويات 25.2 مليار دولار في 2018 – 2019، وسجلت أعلى مستوى تاريخي لها في عام 2021 – 2022 بنحو 31.9 مليار دولار، ثم تراجعت تحويلات العاملين في الخارج بنحو 26 % في الفترة بين يوليو 2022 إلى مارس 2023، وارتفعت التحويلات بأكثر من الضعف عما كانت عليه قبل الإجراءات التي تم اتخاذها في 6 مارس 2024، حيث بلغت في فبراير 2024 نحو 1.3 مليار دولار، وخلال الفترة من أبريل الي يونيو 2024 سجلت ارتفاعًا بنسبة 61.4 % لتبلغ نحو 7.5 مليار دولار.

     


    وأضاف المصدر، أن البنك المركزي ينوي تفعيل خدمة استقبال تحويلات المصريين العاملين بالخارج عبر تطبيق “انستاباي” في سبتمبر المقبل، حيث يعمل البنك المركزي حاليًا على وضع اللمسات الأخيرة على تفعيل استقبال تحويلات العاملين بالخارج عبر تطبيقات الهاتف تيسيرًا على المستخدمين.


    وتعاني مصر من فجوة دولارية كبيرة – وصفها الدكتور مصطفى مدبولي – رئيس مجلس الوزراء، بأنها مرض مزمن لمصر- فهي تؤثر في خططها التنموية، وهذه الفجوة التي قدرها صندوق النقد الدولي بأكثر من 28 مليار دولار لن تختفي – في رأيي إلا بوصول المدخلات الدولارية لمصر الي مستوي يفوق الـ 190 مليار دولار.


    وفي رأيي أيضًا، ترجع أسباب انخفاض تحويلات المصريين في الخارج في هذه الفترة، إلي عدة أسباب، أهمها:


    زيادة الفجوة بين سعر الصرف الرسمي والسوق الموازية بمصر خلال العام الماضي، ونشاط تجارة العملة في السوق الموازية، وانتشار كبير لتجار العملة الذين استطاعوا تكوين شبكات واسعة في دول الخليج خارج الإطار الرسمي، ما جعل كثير من العاملين في الخارج يحجمون عن عمليات التحويل في القنوات الرسمية، وذلك قبل قرار تعويم الجنيه الأخير، وبالتحديد في 6 مارس 2024، فضلا عن ارتفاع التضخم في الدول التي يعمل بها المصريون، لتراجع معدلات النشاط الاقتصادي في هذه البلدان المرسلة للتحويلات، الأمر الذي يحد من فرص العمل والتشغيل بتلك البلدان.


    وهنا نطالب بخلق آليات اقتصادية وتمويلية جديدة لتحفيز التحويلات وزيادتها، ومن ذلك إصدار سندات تستهدف المصريين في الخارج وإعفاء تحويلاتهم من أي ضرائب أو رسوم على عمليات التحويل بما يسهم في خفض كلفة التحويل وحل مشكلة ازدواجية في سعر الصرف البنكي والموازي، لكننا نركز هنا علي ضرورة فتح فروع للبنوك الوطنية المصرية في الخارج وخاصة في الدول التي يتواجد فيها المصريون بكثرة٬ مثل دول الخليج العربي وعلي رأسها المملكة العربية السعودية من أجل تشجيع المصريين بالخارج على تحويل العملات الأجنبية لمصر، والاستثمار فيها، وتقليل الطلب على العملة الأجنبية، من خلال التعامل بالجنيه في التعاملات الدولية ما أمكن.


    وفي رأيي كذلك؛ فإن افتتاح فروع لبنوك مصرية يساهم في زيادة حجم التحويلات المصرفية للمصريين العاملين بالخارج 10 مليارات دولار سنويا فضلاً عن تسهيل المبادلات وحركة انتقال رؤوس الأموال بين مصر والدول المستهدفة، واستقطاب أموال العاملين بالخارج وضمان تحويل الأموال بالعملة الصعبة إلى الداخل عبر القنوات الرسمية، وتسهيل حركة التجارة والتصدير والاستيراد مع دول الخليج وتطوير المبادلات التجارية.


    وهذا الانفتاح على الأسواق الخارجية سيجعل البنوك المصرية تعزز قدراتها التنافسية وتقديم خدمات في مستوى جودة البنوك الأجنبية، وفقًا للمعايير العالمية وكذا الاطلاع على التقارير المالية للشركات العاملة في كثير من الدول.


    كما أن لهذه الخطوة فوائد أخري، حيث يمكن لمصر أن تجني نحو 5 % من عائدات التجارة الخارجية، والتي تذهب حاليا لبنوك أجنبية كرسوم للمعاملات البنكية، والتأمين وتسريع وتيرة الدفع والتحصيل المالي للمصدرين المصريين كما تسهل عملية تسلم العملاء السلع والبضائع التي يستوردونها من مصر فضلاً عن انخفاض المنازعات المالية والتجارية مع دول العالم وجذب الاستثمارات الأجنبية، ويتوقف نجاح البنوك على مدى قدراتها التنافسية في الأسواق الخارجية والبيئات التي ستوجد بها، ومن خلال حزمة الخدمات التي تقدمها، والأهداف التي تحددها في خطتها التشغيلية.


    ويمكن طرح شهادات بالعملات الخليجية أو اليورو علي غرار شهادات الدولار الادخارية، كذلك يمكن طرح اكتتابات عامة للمصريين بالخارج، في المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر، عبر التعاون بين البورصة وفروع البنوك في الخارج.
    وحتي لا تفشل التجربة، لابد أن تعلم هذه البنوك، أنها ستواجه صعوبات وتجارب جديدة في بيئة مالية جديدة وشديدة التنافس، يتطلب منها التكيف مع تحديات الأسواق التي تعمل فيها ما يجعلها في حاجة شديدة لتحسين خدماتها وتطوير أنظمتها.

     


    ويجب تقديم امتيازات للعاملين بالخارج لجذب أموالهم للمصارف الرسمية من خلال خفض تكلفة تحويلاتهم إلى أقل من 3 % لكل معاملة، وتحسين إمكانية فتح الحسابات المصرفية.
    وفي هذا الاطار، نحتاج لتطوير عمل البنوك من الأساس لكي تكون مؤهلة للوجود في الخارج، لأنها اعتادت العمل ضمن عباءة الدولة، كضامن لها ولا تسعي كثيرا لتحقيق الأرباح من المخاطرة في تقديم القرض للمستثمرين والشركات والاقتراض من السوق النقدي، وإنما من العمولات الناجمة عن الخدمات البنكية والتعاملات التجارية.


    وهذا الأمر يحتاج إلى تشريعات قانونية لتعمل البنوك بعيدًا عن الطرق الكلاسيكية الحالية، مع ابتكار أدوات ادخارية واستثمارية جديدة، فالعمل في الخارج فيه منافسة شرسة ويتطلب التكيف مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي الجديد.


    ونحن في أشد الحاجة لمواكبة التطورات المصرفية لزيادة حجم التحويلات من الخارج ضمن النمو المتوقع لها عالميًا في المستقبل، حيث كشف تقرير للبنك الدولي، أنه من المتوقع أن تسجل

    تدفقات التحويلات إلى 840 مليار دولار في العام الجاري، ثم إلى 858 في العام المقبل ليرتفع بذلك معدل النمو في هذا الصدد إلى 2 % في عام 2024، مما يزيد التدفقات الداخلة

    للبلدان بمقدار 18 مليار دولار يجب أن يكون لمصر حصة كبيرة فيها بالنظر إلى العدد الكبير من المصريين بالخارج.

    وفي قراءة عنوان لوثيقة “التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري للفترة الرئاسية الجديدة 2024 – 2030″٬ والتي أعدها مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري، نري خطة الحكومة لتنفيذ برنامج لتعزيز المتحصلات من النقد الأجنبي لتصل إلي 300 مليار دولار بنهاية عام 2030، من خلال عدة مصادر منها جذب استثمارات أجنبية مباشرة بقيمة 100 مليار دولار ومضاعفة معدل نمو الصادرات

    بما لا يقل عن 20% سنويًا لتصل إلى 145 مليار دولار ورفع معدل نمو عائدات السياحة لـ 20% سنويا إلى 45 مليار دولار، وزيادة عائدات قناة السويس إلى نحو 10% سنويا لتبلغ 26 مليار دولار في عام 2030، وتستهدف الحكومة رفع تدفقات تحويلات المصريين العاملين في الخارج، بنسبة 10% سنويا إلي 53 مليار دولار من خلال العمل على فتح أسواق عمل خارجية جديدة لنحو مليون مصري في مجالات يتزايد الطلب عليها، من ضمنها الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية، وخدمات تكنولوجيا المعلومات، والتمريض فيما تستهدف وثيقة خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، المقدمة من وزيرة التخطيط السابقة الدكتورة هالة السعيد، ووافق عليها مجلس الشيوخ، زيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج إلى 33 مليار دولار في العام المالي 2024 – 2025.


    وبحسب تقرير الخبراء الذي أصدره صندوق النقد الدولي مؤخرًا، حول اتفاق برنامج الإصلاح الاقتصادي مع مصر وتنفيذ المراجعة الأولى والثانية له، فمن المرجح أن تصل تدفقات النقد الأجنبي من المصادر الخمسة خلال العام المالي 2023 – 2024 إلى نحو 107.3 مليار دولار مقابل نحو 93.6 مليار دولار في عام 2022 – 2023.


    وساهم تحرير سعر الصرف في مارس الماضي، في تحسن موارد النقد الأجنبي وزيادتها ومنها عودة تحويلات المصريين العاملين بالخارج إلى قرب معدلاتها الطبيعية، الى جانب التدفقات الاستثمارية من صفقة رأس الحكمة، وتعيد الحكومة ترتيب أولويات الإنفاق العام لاحتواء أثر الإصلاحات الاقتصادية، حيث قال وزير المالية أحمد كجوك، بإن الوزارة تعمل على ترتيب الأولويات من جديد، حتى يكون الإنفاق العام أكثر مراعاة للبعد الاجتماعي، وذلك لاحتواء أثر الإصلاحات الاقتصادية.


    وخلال الفترة الماضية طرحت الحكومة عدة مبادرات تستهدف تعظيم الحصيلة الدولارية داخل البلاد، منها طرح معاش تأميني بالدولار للمصرين العاملين بالخارج تحت اسم “معاش بكرة بالدولار”، ويمكن لحاملها الحصول على معاش تقاعد إضافي، عند الوصول إلى السن الذي يختاره، ويمكن شرائها إلكترونيًا عبر التطبيق المخصص لذلك، بحسب بيان من الهيئة العامة للرقابة المالية.

     

    وزير المالية أحمد كجوك

     

    و في شهر يوليو الماضي، أعلنت وزارة الخارجية المصرية، أنها ستسمح للمصريين المقيمين في الخارج، ممن سافروا بدون أداء الخدمة العسكرية الإلزامية، بتسوية أوضاعهم التجنيدية مقابل مبلغ 5 آلاف دولار أو يورو.
    وفي نوفمبر الماضي، أطلقت وزارة المالية المصرية، مبادرة “تيسير استيراد سيارات المصريين في الخارج”، لإعفاء السيارات المستوردة من الضرائب والرسوم مقابل وديعة في البنك المركزي بالعملة الأجنبية لمدة 5 سنوات، تسترد بعدها بالجنيه المصري بسعر صرف وقت الاسترداد، وكانت تستهدف منها جمع ما يصل إلى 2.5 مليار دولار وهناك مساعي حكومية لإنشاء شركة مساهمة للمصريين بالخارج، تضم كبار المستثمرين أو صغار المستثمرين الراغبين في الحفاظ على مدخراتهم وتنميتها.


    وفي بيان حديث، أعلن البنك المركزي المصري، ارتفاع صافي الاحتياطيات الدولية في مصر إلى 46.383 مليار دولار بنهاية يونيو الماضي، بزيادة بلغت نحو 258 مليون دولار مقارنة بنهاية مايو الماضي.
    وبلغ صافي الاحتياطيات الأجنبية في مصر 46.126 مليار دولار في مايو الماضي، مقابل 41.057 مليار دولار بنهاية أبريل، والتي تعد أعلى زيادة في الاحتياطي النقدي خلال السنوات الأخيرة، بدعم من تحويلات المصريين بالخارج ومشروع صفقة رأس الحكمة إلى الحكومة المصرية.

     

    اقرأ أيضًا:

     

    أبو بكر الديب
    أبو بكر الديب كاتب صحفي وباحث في الاقتصاد السياسي والعلاقات الدولية مستشار المركز العربي للدراسات والبحوث ورئيس منتدى تطوير الفكر العربي للأبحاث ومدير تحرير جريده البوابة نيوز من القاهرة ومحلل للأحداث الاقتصادية والسياسية بعدد من القنوات الفضائية الدولية والعربية.

    مقالات ذات صلة

    اشترك في نشرتنا الاخبارية