في عالمٍ تتسارع فيه التحولات السياسية وتتكشف فيه خيوط اللعبة الحاكمة، يبرز حزب “الجبهة الوطنية” في مصر كحدثٍ جديد في مسرح السياسة المحلية؛ في محاولة لصياغة مشهد قبل الانتخابات البرلمانية. تأسيس هذا الحزب، الذي يضم في صفوفه مجموعة من الشخصيات السياسية والبرلمانية البارزة، يثير تساؤلات عميقة حول الغاية من وراء هذه التحركات السياسية. هل هو مجرد تحالف تكتيكي؟ أم أنه بداية لتغيير جذري في الحياة السياسية المصرية؟
ضم الحزب عددا من الوزراء والمحافظين السابقين، بالإضافة إلى شخصيات من مختلف المجالات، يعكس رغبة واضحة في استخدام الخبرة السياسية والعملية لتحقيق أهداف تتجاوز مجرد الوصول إلى السلطة. وقد أكد الدكتور ضياء رشوان، عضو الهيئة التأسيسية للحزب، أن الجبهة الوطنية لا تسعى للوصول إلى الحكم في الوقت القريب، بل تعمل على إحداث تغييرات تدريجية تأخذ بعين الاعتبار الواقع السياسي المصري المعقد. بينما أشار عاصم الجزار، وكيل مؤسسي الحزب ووزير الإسكان السابق، إلى أن الحزب يهدف إلى تقديم أفكار وحلول عملية، بعيدًا عن الانغماس في التنافس على السلطة بشكل فوري.
لكن، في المقابل، تظل الأسئلة قائمة: ما رؤيته السياسية؟ وما رسالته التي يرغب في إيصالها للمواطن المصري؟ هل يمكن لهذه التشكيلة أن تخلق مساحة حوار سياسي جديدة تشبع تطلعات المواطن المصري، أم أنها مجرد محاولة لخلق بديل من داخل النظام القائم؟ في هذا السياق، يؤكد الجزار أن الجبهة الوطنية تسعى لتشكيل جبهة متعددة الأطراف تحت برنامج سياسي موحد يعزز التعاون ويسهم في تطوير المجتمع، بعيدًا عن مجرد السعي للهيمنة السياسية.
وفي تحليله لتشكيل الحزب السياسي الجديد في مصر، أبدى الخبير السياسي عمار علي حسن، عدة تساؤلات حول مدى قدرة الشخصيات السياسية مثل الوزراء والمحافظين السابقين، وبعض الأسماء البرلمانية على المساهمة في نجاح هذا الحزب في الشارع المصري. وأكد حسن أن معظم هذه الشخصيات تفتقر إلى الخبرة الميدانية المباشرة أو الاتصال الوثيق بالشارع المصري، باستثناء قلة منهم مثل ضياء رشوان. وأضاف أن تأسيس الحزب بطريقة سريعة وبتدخلات فوقية لن يساعده في بناء قاعدة جماهيرية حقيقية، خاصة في ظل الدعم الواسع الذي يتلقاه من الأجهزة الحكومية، بما في ذلك الأجهزة الأمنية والاقتصادية.
واعتبر حسن في تصريحات لمنصة “MENA”، أن الحزب الجديد يواجه تحديات كبيرة، خاصة في ضوء واقع الانتخابات المصرية الذي وصفه بـ “المهندس سلفًا”. وأشار إلى أن الانتخابات البرلمانية الماضية كانت قد أفرزت نتائج تخدم مصالح السلطة فقط، مثل تمرير تعديلات دستورية كانت لصالح السلطة التنفيذية، على حساب الشعب. ورأى أن الحزب الجديد قد يكون مُكلفًا بتكرار هذه المهمة في البرلمان المقبل، سواء عبر تعديل الدستور أو من خلال إصلاح النظام السياسي ليتماشى مع متطلبات السلطة الحاكمة.
وبشأن توقيت تأسيس الحزب والتشكيلة التي تم اختيارها، قال حسن إن اختيار شخصيات مثيرة للجدل مثل سعيد حساسين، الذي كانت له قضايا تم إسقاطها، يثير الشكوك حول نية الحزب وأهدافه. واعتبر أن هذه الشخصيات، التي قد تفتقر إلى القبول الشعبي، تمثل جزءًا من “الشبكة” التي تشمل طبقات اجتماعية وسياسية متنوعة، ولا يمكن أن تمثل تغيرًا حقيقيًا في الحياة السياسية.
وأشار حسن إلى أن ردود الفعل الأولية من المواطنين حول تأسيس الحزب كانت سلبية إلى حد كبير. ورأى أن الأساليب الدعائية التي يتبعها الحزب، مثل توزيع السلع والنقود في الانتخابات، لا تختلف عن الأساليب التي استخدمها الحزب الوطني وحزب “مستقبل وطن” في فترات سابقة. وأضاف أن غالبية المواطنين، خصوصًا الفقراء، لا يهتمون بمستقبل البلد أو الديموقراطية، بل ينظرون إلى الانتخابات باعتبارها “موسم استرزاق” يوفر لهم بعض الفتات المالي.
وفي تقييمه لفرص الحزب في الانتخابات البرلمانية المقبلة، أكد عمار علي حسن أن الانتخابات المصرية لا تختلف عن سابقيها من حيث نتائجها المتوقعة. وأوضح أن الحزب الجديد قد يحقق بعض المكاسب الشكلية في ظل دعم الأجهزة المختلفة، لكنه لن يساهم في إحداث تغيير سياسي حقيقي. وأكد أن الأحزاب يجب أن تتمتع بحرية العمل والنمو بعيدًا عن التدخلات السياسية، مؤكدًا أن “التغيير الحقيقي” يتطلب إصلاحات جذرية في المجال السياسي، مثل تعزيز العدالة الانتقالية، رفع القيود على الإعلام، وتحقيق استقلال القضاء.
واعتبر حسن أن إنشاء هذا الحزب الجديد هو بمثابة “جرى في المكان”، ولن يؤدي إلى تقدم حقيقي في الحياة السياسية المصرية. وأكد أن ما يحدث الآن ليس سوى تكرار لتجارب سابقة تفتقر إلى المصداقية الشعبية، معتبرًا أن الحزب الجديد لا يمثل تغييرا جوهريًا في الواقع السياسي المصري.
فيما علق النائب إيهاب منصور على تشكيل حزب الجبهة الوطنية، مؤكدًا أن تكوين الأحزاب في مصر يعد حقًا مشروعًا لجميع المواطنين، مشيرًا إلى أن المجال مفتوح للجميع دون استثناء. وأضاف منصور أن النجاح أو الفشل لأي حزب يرتبط بشكل أساسي بتوجهاته السياسية والآليات التي يتبناها في التعامل مع القضايا الوطنية.
وأوضح منصور في تصريحاته لمنصة “MENA”، أنه رغم عدم معرفته التفصيلية بالتشكيل الكامل للحزب الجديد، إلا أنه يرى أن بعض الشخصيات التي أعلن عنها سابقًا قد تكون ذات خبرات إدارية وفنية في مجالات مختلفة، مثل الدكتور عاصم الجزار، الوزير السابق الذي وصفه بـ “الشخصية الكفؤة في إدارة الحياة السياسية والتعامل مع النواب”.
ولكنه أكد أن الدور الفعلي لهؤلاء الشخصيات في الحزب ما زال غير واضح بالنسبة له.
وعن قدرة الحزب على جذب فئات اجتماعية وسياسية واسعة، أكد منصور أن الحكم على أي حزب لا يتم بناءً على أفراد معينين، بل على برنامجه السياسي واهتمامه بقضايا المواطنين. وأشار إلى أن أي حزب يسعى إلى التأثير في الشارع المصري يجب أن يولي اهتمامًا خاصًا بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وأن يكون لديه القدرة على استيعاب الرأي والرأي الآخر.
وتابع منصور بأن الحزب يحتاج إلى برنامج سياسي واضح يعبر عن رؤيته لمستقبل البلاد، سواء كان يضم شخصيات من الموالاة أو المعارضة، ليتمكن من تحديد موقفه بشكل دقيق. كما أشار إلى أهمية أن تكون قيادات الحزب على دراية بالواقع السياسي والاجتماعي للمواطنين.
وبشأن ردود الفعل الأولية حول تأسيس الحزب، ذكر منصور أن المواطنين يتوقعون دائمًا أن يقدم الحزب شيئًا جديدًا ومؤثرًا، ويميلون إلى انتقاد الأحزاب التي لا تلتزم بوعودها. لكنه أكد على أن بناء الثقة بين الحزب والمواطنين يتطلب الإعلان عن برنامج واضح، وأن يتم التفاعل مع قضاياهم الحقيقية بشكل فعّال.
وفيما يخص التحديات التي قد يواجهها الحزب في بناء قاعدة جماهيرية، أشار منصور إلى أن الأمر يتطلب وقتًا وجهدًا لبناء الثقة مع المواطنين، خاصة إذا كانت الوجوه التي تضمها التشكيلة هي وجوه معروفة للجمهور. وأضاف أن الحزب يجب أن يقدم نموذجًا مختلفًا إذا أراد التميز عن الأحزاب التقليدية في الساحة السياسية.
وشدد منصور على أهمية تطوير الحياة السياسية في مصر وتوفير بيئة مرنة تسمح بتبادل الآراء والتوجهات المختلفة، وهو ما يسهم بشكل مباشر في تحسين المناخ العام للبلاد.
وأكد عاصم الجزار، وكيل مؤسسي حزب الجبهة الوطنية ووزير الإسكان السابق، أن المواطنين المصريين يشعرون بعدم الرضا عن الأوضاع الحالية للجبهات السياسية والحزبية في البلاد. وأوضح أن مصر بحاجة إلى إعادة تقييم هذه الجبهات وتطويرها بما يعزز مصداقيتها ويدعم تطور الحياة السياسية.
وفي مقابلة مع الإعلامي عمرو أديب في برنامج “الحكاية” على قناة “MBC مصر”، أمس، شدد الجزار على ضرورة أن تكون الأحزاب قادرة على معالجة القضايا المطروحة بشكل عملي، حتى وإن كان الحل جزئيًا.
وأشار الجزار إلى أن الجبهة الوطنية تسعى للتعاون مع أي حزب يتفق مع رؤاها الفكرية، مؤكدًا أنهم لا يهدفون إلى استقطاب الأحزاب بل إلى أن يكونوا “بيت خبرة” يقدم أفكارًا تساهم في تطوير المجتمع. وأوضح أن الجبهة تبحث عن الشركاء الذين يتفقون مع أهدافها.
وتحدث الجزار عن أهمية تقديم أفكار جديدة تهدف إلى تحسين الوضع السياسي، مشيرًا إلى أن جميع الأحزاب تطمح للوصول إلى الحكم، لكن الوصول إلى السلطة ليس الهدف الوحيد، مستشهدًا بتجارب سابقة فشلت في تحقيق ذلك.
وفيما يخص الانتخابات المقبلة، كشف الجزار عن خطة لتأسيس قائمة وطنية تضم مختلف التيارات السياسية. وأكد أن هدفهم ليس تحقيق الأغلبية البرلمانية من أجل فرض فكر معين، بل يسعون لإقناع أطراف أخرى بفكرهم والعمل على ضم أكبر عدد ممكن من المتوافقين معهم. وأضاف أن الحزب يركز على التأثير النوعي بدلاً من التأثير الكمي.
فيما أوضح الدكتور ضياء رشوان، عضو الهيئة التأسيسية لحزب الجبهة الوطنية، أن الحزب لا يسعى للوصول إلى السلطة في الوقت القريب، لكنه قد يكون له دور في المستقبل القريب. وأشار إلى أن التطلع للحكم في وقت مبكر قد يشير إلى قفز الحزب بشكل مفاجئ دون استعداد كافٍ.
وفي حديثه مع الإعلامي عمرو أديب في برنامج “الحكاية” عبر قناة “MBC مصر” مساء السبت، أكد رشوان أن الحزب يتخذ موقفًا متوازنًا بين الموالاة والمعارضة، موضحًا أنه سيتبنى مواقف دفاعية أو هجومية بناءً على تقييمه للواقع.
كما أشار رشوان إلى أن الحزب يعتزم توجيه الانتقادات بشكل بناء، مرفقًا إياها باقتراحات بديلة. وأوضح أن الجبهة الوطنية تهدف إلى تشكيل تحالف واسع يضم مختلف الأطراف السياسية تحت مظلة برنامج سياسي موحد.
وأضاف رشوان أن الحزب يسعى إلى إحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية، ويشدد على أن القضايا السياسية المعقدة التي تشهدها مصر منذ عام 1952 تتطلب وقتًا طويلاً من أجل إصلاحها. كما لفت إلى أن المرحلة الحالية تشهد عمليات إصلاحية هامة للعملية السياسية في البلاد.
وفيما يتعلق بدور الحزب في الحكومة، قال رشوان إن الجبهة الوطنية لا تتطلع إلى تشكيل الحكومة في المستقبل القريب، لكن إذا دخلت البرلمان، سيكون من حقها أن تطرح مواقف مؤيدة أو معارضة تجاه الحكومة القائمة.
اقرأ أيضًا:
حزب العرجاني الجديد.. حصان طروادة البرلمان المصري 2025
إفلاس أم إعادة تدوير؟.. أسئلة حول قيادات “الحزب الجديد”
أزمة حزب الدستور| معركة ضد “قرار شؤون الأحزاب”.. وحقوقيون: تصرف غير مسبوق منذ ٢٠١١