أثارت زيارة رئيس جهاز الشاباك الإسرائيلي، رونين بار، للقاهرة ولقائه مع الرئيس الجديد للمخابرات المصرية، اللواء حسن رشاد، تساؤلات عديدة. جاءت هذه الزيارة بعد أيام قليلة من تولي رشاد منصبه خلفًا للواء عباس كامل، الذي يعتبر الرجل الثاني في مصر.
تتنوع التساؤلات بين ما إذا كان رشاد سيكمل مسيرة عباس كامل في إحياء المفاوضات المتعثرة، وما إذا كانت لهذه المفاوضات تأثير في تهدئة وتيرة الحرب على غزة، أم أنها لن تجدي نفعًا أمام إصرار جيش الاحتلال على تدمير القطاع. كما تلقي هذه الزيارة بظلالها حول دور المخابرات المصرية منذ بداية الحرب على غزة حتى الآن.
بينما يرى بعض المحللين العسكريين والسياسيين أن لقاء رشاد مع بار هو لقاء عادي يهدف إلى استكمال المرحلة السابقة ومحاولة إحياء المفاوضات مع حركة حماس برعاية مصرية، يقول آخرون إنه يمثل تدشين مرحلة جديدة من التنسيق والتعاون بين مصر وإسرائيل، تهدف إلى سرعة إطلاق الأسرى والمحتجزين لدى حماس بعد استشهاد يحيى السنوار، رئيس المكتب السياسي للحركة، في وقت تخشى فيه تل أبيب من فتح جبهات جديدة غير غزة وجنوب لبنان، خاصة في ظل التهديدات الإيرانية المتزايدة.
لا تغيير في المواقف
الخبير العسكري والأمني، اللواء أحمد المعصراوي، يرى أنه لا تغيير في المواقف بين مصر وإسرائيل، حيث تشكل اتفاقية كامب ديفيد الإطار العام لها. ومن ثم، يتم التنسيق بين جهاز الشاباك الإسرائيلي والمخابرات المصرية كلما دعت الحاجة، خاصة منذ بداية الحرب على غزة. سعت مصر لإيجاد قنوات تفاوض بين تل أبيب وحركة حماس لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، لإنقاذ المدنيين من سكان القطاع المحاصر، والذي يعاني من تدهور كبير في الأغذية والأدوية نتيجة إغلاق المعابر مع إحكام الجيش الإسرائيلي السيطرة عليها.
ويضيف المعصراوي، في حديثه لمنصة “MENA“، أن اللقاء هو بمثابة تسليم وتسلم للملف الفلسطيني من جانب المخابرات المصرية بعد انتهاء مهمة عباس كامل كرئيس لها وتسلم حسن رشاد للقيادة، ومن ثم كان من الضروري عقد لقاء سريع مع رئيس الشاباك في محاولة لاستئناف المفاوضات التي ترعاها المخابرات المصرية بين تل أبيب وحركة حماس.
استغاثة إسرائيلية
أما الخبير العسكري والاستراتيجي، علي حسيب، فيرى أن اللقاء بين بار ورشاد يمثل استغاثة إسرائيلية تهدف إلى سرعة الدخول في مفاوضات بشأن الأسرى والمحتجزين لدى حماس بعد استشهاد يحيى السنوار، خوفًا من بدء مرحلة جديدة من تطوير المقاومة داخل غزة وخارجها، تعجز تل أبيب معها عن تحرير الأسرى، خاصة مع تصاعد التهديدات الإيرانية.
ويضيف حسيب لمنصة “MENA” أن المخاوف الإسرائيلية تزايدت بعد استهداف الصواريخ الإيرانية واللبنانية تل أبيب، حتى وصلت إلى مبنى الموساد ومنزل رئيس الوزراء نتنياهو، مما يسبب قلقًا كبيرًا لسكان المدن الإسرائيلية، الذين أصبح معظمهم لا يغادرون الملاجئ خوفًا من الاستهداف.
ويرى اللواء علي حسيب أن لقاء بار مع رشاد جاء فور تولي الأخير مهام منصبه، بعد فشل عباس في إحراز أي تقدم يذكر في المفاوضات بين حماس وإسرائيل طوال الأشهر الستة الماضية، مما دعا القيادة المصرية إلى إقصائه عن منصبه في محاولة لإيجاد طرق أخرى للتفاوض بشأن الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، بالتزامن مع استشهاد السنوار وما لذلك من تداعيات داخل غزة وخارجها.
يرى محللون أن مصر فشلت في إيجاد طرق تفاوض فعالة ومؤثرة بين إسرائيل وحماس، بعد سيطرة جيش الاحتلال على محور صلاح الدين – فيلادلفيا، مما أحرج القيادة المصرية، إذ يتعارض ذلك مع بنود اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل الموقعة عام 1979، وعدم التزام إسرائيل بها، مما يجعل موقف القيادة السياسية المصرية محرجًا، خاصة في ظل تأكيدات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكثر من مرة منذ بدء الحرب على غزة أن مصر ملتزمة باتفاقية كامب ديفيد.
في المقابل، يرى سياسيون وإعلاميون مصريون مقربون من السلطة أن مصر وقفت سداً منيعاً ضد مخطط تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء، وسعت بكل قوة لوقف إطلاق النار، وقدمت ما يقرب من 80% من المساعدات الإنسانية التي دخلت القطاع.
وما زالت تبذل قصارى جهودها لاستئناف المفاوضات في محاولة لحماية المدنيين. لكن إسرائيل تصر على مواصلة الحرب بسبب الدعم الأمريكي المطلق لها، وعدم قدرة الولايات المتحدة أو رغبتها في وقف إطلاق النار، خاصة مع انشغالها بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، مما يعطي إسرائيل ضوءًا أخضر للاستمرار في الحرب وعدم الاستجابة للتدخلات المصرية لاستئناف المفاوضات.
ومع إصرار تل أبيب على مواصلة الحرب على قطاع غزة، واستمرار السيطرة على محور صلاح الدين – فيلادلفيا على الحدود مع مصر، شهدت العلاقات المصرية الإسرائيلية مرحلة من التوتر غير مسبوقة، تخشى معها تل أبيب من انتقال مصر من دور الوسيط إلى الطرف في الأزمة، مما عجل بعقد لقاء بين بار ورشاد في محاولة لاحتواء هذا الوضع.
وبحسب مراقبين، فإن دور مصر منذ بدء الحرب على غزة لم يتعدَ دور ساعي البريد الذي ينقل شروط كل طرف للآخر، دون أي تأثير يذكر، خاصة في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على المدنيين، واستهداف المستشفيات والأبنية التعليمية، وأماكن تجمع اللاجئين من السكان، في تحدٍ واضح للقوانين والأعراف الدولية، لم تستطع معه مصر إنقاذ الوضع المتدهور في القطاع.
وفي ظل الأوضاع المتدهورة في غزة، والقلق المتزايد من التصعيد العسكري، تبقى تساؤلات كثيرة حول الدور الفعلي للمخابرات المصرية ومدى قدرتها على التأثير في مجريات الأحداث. يبقى الأمل معقودًا على استئناف المفاوضات وتحقيق هدنة تضمن سلامة المدنيين وتخفيف معاناتهم، لكن يبدو أن الوضع على الأرض معقد للغاية ويحتاج إلى جهود دولية حقيقية لإنهاء هذا الصراع الدائر.
اقرأ أيضًا:
هل انتهى دور “ظل الرئيس” بتعيين رئيس جديد للمخابرات المصرية؟.. قراءة في الدلائل والأسباب
بعد إقالة السيسي 11 مستشارا رئاسيًّا.. قصة الرؤساء مع التعيين والإقالة
جهود مصرية مكثفة لاحتواء التصعيد وعدم اشتعال حرب إقليمية بالمنطقة