تحليلات

جمال الدرة: فقدت 70 شهيداً من عائلتي.. والاحتلال يشن مشروع إذلال ممنهج ضد شعبنا

في قلب قطاع غزة، حيث أدار العالم ظهره، ويمَّمَ كلُّ وجه شطره بعيدا عن أصوات القصف والدمار في سماء المدينة، يقف جمال الدرة، السياسي الفلسطيني البارز ووالد الشهيد محمد الدرة، شاهداً على معاناة لا توصف يعيشها شعبه الفلسطيني. منذ بداية العدوان الإسرائيلي على المدينة الصغيرة في السابع من أكتوبر 2013. لم يتوقف الألم، بل تحول إلى واقع يومي لا يمكن تحمله. في هذه المقابلة المؤلمة، يروي الدرة تفاصيل المأساة الهائلة التي يعيشها شعبه وكذا عائلته، ويتحدث لمنصة “MENA”، عن فقدانه لأحبائه وتدمير وطنه. بكلمات مليئة بالحزن والأمل، يعبر عن معاناته اليومية في ظل الحرب التي لا تميز بين صغير وكبير، مقاوم وأعزل، ويكشف واقعها المرير عن حجم المعاناة الإنسانية لأكبر جرح مفتوح في قلب العالم.

 

تحدث جمال الدرة، والد الشهيد محمد الدرة، عن معاناة شعبه اليومية، وكذا الوضع المأساوي في قطاع غزة، مؤكداً أن الوضع أصبح أكثر صعوبة من أي وقت مضى بعد مرور 15 شهرا من حرب الإبادة على غزة.. وإلى نص الحوار:

 

عندما تنتهي الحرب ستظهر الكارثة

فقدت 70 شهيداً من أبناء عمومتي

أي شخص يُشاهد يتعرض للاستهداف

قطعة صابون واحدة للبيت بأكمله في الشهر

إذا عاد الناس إلى بيوتهم لن يعرفوا أين كانت.. القصف محى كل شيء

من يريد سحب راتبه في غزة يواجه استغلالًا فاضحًا

ندفع 30% من راتبنا لوسطاء يتحكمون في البنوك

 

 

يقول جمال الدرة والد الشهيد محمد الدرة: “الوضع في غزة صعب جداً. الخوف والرعب يسيطران على الجميع. لا نستطيع النوم بسبب أصوات الطائرات الحربية وطائرات الكواد كابتر والطائرات دون طيار. القصف العنيف من جميع الاتجاهات، وأصوات الدبابات لا تتوقف. المجازر اليومية التي نراها من جثث الأطفال والنساء والشباب التي تتطاير في السماء، تزداد يوماً بعد يوم.”

 

خوف دائم

 

ويضيف: “نعيش في خوف دائم من التفجيرات والقصف المستمر. الطعام والماء أصبحا نادرين جداً. نأكل وجبة واحدة في اليوم بسبب الحصار الإسرائيلي. الأزمة تتفاقم يومياً، ولا نتمكن من الحصول على المساعدات الإنسانية الأساسية، مثل الطحين، ما يزيد من معاناتنا. إسرائيل تحاول قتلنا بكل الطرق، حتى منعت دخول الأدوية.”

 

وعن المواقع الأكثر تضرراً من القصف الإسرائيلي، يتحدث الدرة: “القصف مستمر في جميع أنحاء قطاع غزة الذي يمتد على 365 كيلومتراً مربعاً. لا يوجد مكان آمن هنا. اليوم، التركيز الأكبر للقصف في مناطق مثل بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا. العدو يواصل تفجير المنازل على رؤوس ساكنيها بشكل متعمد.”

 

 

جمال الدرة: الوضع في غزة لا يتصوره العقل البشري

 

ويؤكد جمال الدرة، والد الطفل الشهيد محمد الدرة، أن القصف الإسرائيلي على قطاع غزة يستهدف المدنيين بشكل مباشر، قائلاً: “القصف متعمد، أنا أتحدث عن إخوتي وجيراني. البيوت التي تراها في الصور لا يوجد فيها شيء سوى مدنيين عاديين. الاحتلال يستهدف كل شيء… البشر والحجر”.

 

 

ويشير الدرة إلى أن الأوضاع الإنسانية في القطاع أصبحت كارثية إلى درجة غير مسبوقة، مضيفاً: “لا يوجد لدينا أي شيء في غزة. لا طيور، لا حيوانات، لا أغنام، لا أبقار، ولا حتى أسماك. الناس تعيش في خيام، مأوى هش لا يقي من البرد أو الأمطار. الظروف الجوية القاسية تزيد من معاناة السكان الذين يحاولون بصعوبة توفير أبسط متطلبات الحياة”.

 

كل كلام العالم لا يستطيع وصف صرخة أم

 

ويوضح أن سكان القطاع يعتمدون بشكل رئيسي على المعلبات الغذائية، مثل الحمص والبازلاء، ما تسبب في انتشار الأمراض بشكل واسع، قائلاً: “كثرة تناول المعلبات أدت إلى ظهور أمراض كثيرة، واليوم للأسف لا توجد حتى أدوية لمعالجة المرضى”.

 

 

الدرة يواصل حديثه بوصف الوضع الإنساني في غزة بأنه “كئيب وبائس بشكل لا يمكن أن يتخيله العقل البشري”، مؤكداً أن معاناة السكان تجاوزت كل الحدود، كل كلام العالم لا يستطيع وصف صرخة أم.

 

أي شخص يُشاهد يتعرض للاستهداف

 

ويلتقط الدرة صورا خاصة لمنصة “MENA” قائلا: “سأريك بيتًا يعود لأقاربي، أبناء عمومتي. أقسم بالله عندما استهدفه صاروخ، أحدث حفرة في الأرض بعمق 25 مترًا وعرض 20 مترًا. الدار بأكملها تم نقلها في الهواء”.

 

ويواصل: “اليهود لا يبعدون عني سوى أمتار قليلة، وأنا أعيش في خوف دائم من الطائرات المسيرة التي تراقب المنطقة. أي شخص يُشاهد وهو يصوّر يتعرض للاستهداف فورًا”.

 

قطعة صابون واحدة للبيت بأكمله في الشهر

 

وفي حديثه عن الوضع المعيشي، يشير الدرة إلى أن أدوات التنظيف غير متوفرة بشكل شبه كامل، قائلاً: “لا نجد سوى قطعة صابون واحدة للبيت بأكمله في الشهر. الظروف الصحية مزرية”.

 

أما عن المساعدات الإنسانية، يعتبر أنها غير كافية بأي شكل من الأشكال: “ما يدخل من مساعدات لا يكفي لشيء. نحن الآن نحو مليوني إنسان في غزة، والمساعدات التي تصل لا تغطي سوى اثنين بالمئة من احتياجات السكان”.

 

والدرة من سكان مخيم البريج في المنطقة الوسطى بقطاع غزة، وهي واحدة من المناطق التي تعاني بشكل كبير من تدهور الأوضاع الإنسانية والدمار المستمر نتيجة القصف.

 

فقدت 70 شهيداً من أبناء عمومتي

 

وفيما يتعلق بخسائره الشخصية، كشف جمال الدرة فقدانه العديد من أفراد عائلته، قائلاً: “منذ السابع من أكتوبر فقدت ابني أحمد جمال الدرة (33 عاماً)، وكذلك فقدت أخي نائل وزوجته، وأخي أياد وابنته. كما فقدت 70 شهيداً من أبناء عمومتي، وهناك مفقودون لا نعرف إذا كانوا أحياء أم شهداء.”

 

ويضيف: “قبل هذه الحرب، فقدت ابني محمد جمال الدرة في 30 سبتمبر 2000. استشهد أيضاً العديد من أفراد عائلتي في السبعينات. وبسؤاله عن مشاركة أحد أبنائه أو أقاربه الشهداء مع فصائل المقاومة، يعلق: “لا أستطيع التعليق على ما إذا كان بعض الشهداء قد شاركوا في المقاومة.”

 

عندما تنتهي الحرب ستظهر الكارثة

 

وحول حجم الدمار الناتج عن العدوان، قال الدرة: “عدد الضحايا المدنيين يزيد بشكل مخيف، ويصل إلى أكثر من 500 ألف شهيد. هناك جثث لم يتم انتشالها بعد من الشوارع، ما يجعل الوضع أكثر مأساوية. وعندما تنتهي الحرب، ستكون الكارثة أكبر من أي وقت مضى، مع عدد هائل من الجرحى والمعاقين.”

 

ويتابع: “إسرائيل استخدمت الطائرات الأمريكية والصهيونية، وكذلك الطائرات الفرنسية والألمانية والبريطانية في قصف غزة. الدمار شامل، حيث دمرت البيوت، المستشفيات، الطرق، الأشجار، والآبار. غزة أصبحت صحراء قاحلة، مكان لا يصلح للحياة. وحتى إذا عاد الناس إلى بيوتهم، لن يعرفوا أين كانت منازلهم.”

 

ويصف الدرة ما يحدث في غزة بـ”حرب إبادة”، قائلاً: “هذه ليست حرباً تقليدية بين جيوش، إنها حرب إبادة جماعية، محرقة هولوكست. العالم يشاهد ما يحدث لشعبنا ولا يتدخل. إسرائيل تستهدف كل شيء، حتى الأطباء والطواقم الطبية، الصحفيين، العلماء، ودكاترة الجامعات. كما أن سيارات الإسعاف والدفاع المدني لا تسلم من الهجوم، والطرق المؤدية إلى المستشفيات تُغلق.”

 

ويواصل: حديثه عن المأساة الإنسانية التي يعيشها السكان، قائلاً: “إسرائيل تمنع انتشال جثث الشهداء. جثث الأطفال، النساء، والشهداء ملقاة في الشوارع، تأكلها الكلاب. هذه هي الحقيقة المرة التي يعيشها شعبنا في غزة.”

 

جمال الدرة: غزة أصبحت سجنًا كبيرًا

 

وصف جمال الدرة، والد الشهيد محمد الدرة، المشهد الإنساني في غزة بأنه يزداد سوءًا يومًا بعد يوم، قائلاً: “الوجبات التي يحصل عليها الناس من التكيات تعتمد على ما يتيسر. أحيانًا عدس، أحيانًا فاصولياء، أو رز، لكن الكميات التي تُوزع لا تكفي حتى لشخصين أو ثلاثة في الأسرة الواحدة”.

 

ويشير إلى التأثير الواضح للجوع على أجساد السكان، قائلا: “اليوم، أرى أبناء شعبي الذين كانوا يزنون 90 أو 100 كيلوغرام، أصبحوا هياكل عظمية. الوضع كارثي. حتى أصدقائي الذين أعرفهم منذ سنوات، بالكاد أتعرف عليهم من بعيد بسبب التغير الكبير في أشكالهم نتيجة الجوع والمعاناة”.

 

وبسؤاله عن آلية توزيع الطعام، يقول الدرة “إن توزيع الطعام يتم دون الحاجة إلى بطاقات هوية، حيث يقف الناس في طوابير طويلة، كل منهم يحمل وعاءً للحصول على ما يتوفر من الطعام، لكنه أكد أن هذا الأسلوب نفسه يشكل معاناة إضافية، قائلاً: “كل ما يجري الآن في غزة، سواء من المؤسسات التي تقدم المساعدات أو من أصحاب التكيات، هو مشروع إذلال ممنهج. الأزمات تتفاقم، والمساعدات بدل أن تخفف من المعاناة أصبحت جزءًا من الإذلال اليومي للسكان”.. وإلى جانب الجوع، “يكفيك معاناة الخوف والرعب بسبب القصف المتواصل. غزة أصبحت سجنًا كبيرًا يعيش فيه السكان بين جوع وقصف ورعب مستمر”.

 

جمال الدرة: من يريد سحب راتبه في غزة يواجه استغلالًا فاضحًا

 

ويتحدث جمال الدرة، عن جانب آخر من المعاناة التي يعيشها سكان قطاع غزة، مشيرًا إلى أن “حتى رواتب الموظفين أصبحت عرضة للاستغلال. إذ إن هناك موظفين يتبعون لسلطة رام الله (سلطة الرئيس محمود عباس) يحوّلون رواتبهم شهريًا. لكن للأسف، من يريد سحب راتبه في غزة يواجه استغلالًا فاضحًا.

 

ندفع 30% من راتبنا لوسطاء يتحكمون في البنوك

 

ويضيف: يُفرض علينا دفع 30% من راتبه لوسطاء يتحكمون في البنوك. هذا الوضع لا يمكن وصفه إلا بالجريمة”.

 

وأضاف: “أما الذين لا يمتلكون وظيفة ثابتة، فليس لديهم سوى الله. يعتمدون بالكامل على التكيات المنتشرة هنا وهناك، حيث تضطر العائلات إلى إرسال كل فرد منها إلى تكية مختلفة للحصول على وجبة واحدة. وحتى هذه الوجبة يتم تقسيمها إلى وجبتين أو ثلاث لتكفي الأطفال. نحن نعيش مأساة حقيقية لا يمكن تصورها”.

 

ويشير الدرة إلى أن الأطباء في غزة يعانون أيضًا من انقسام الرواتب بين سلطتي رام الله وحماس، موضحًا: “الأطباء الذين يتبعون لسلطة رام الله يقبضون رواتبهم منها، بينما موظفو حكومة حماس يحصلون على رواتبهم من سلطة غزة. لكن في كل الأحوال، الوضع الاقتصادي والمعيشي يضغط على الجميع دون استثناء”.

 

ويختم حديثه قائلاً: “ما نعيشه في غزة اليوم يتجاوز كل الحدود، لكننا لا نملك سوى التمسك بصبرنا ورجاء رحمة الله. ربنا يسترنا بستره في ظل هذه الظروف القاسية”.

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية