الشارع المصري

حقنا من الأرباح فين.. احتجاجات عمالية “بكيما أسوان”

في قلب الجنوب، حيث تُعتبر الصناعة ركيزة أساسية للتنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية، يبرز تساؤل محوري: هل تعمل المصانع، مثل “كيما”، لصالح الإنسان الذي يشغلها أم أنها أصبحت عبئًا يُثقل كاهله؟ كيف يمكن لمصنع ضخم مثل “كيما”، الذي وُلِد من طموحات اقتصادية كبيرة، أن يتحول إلى ساحة صراع حيث تتداخل الطموحات مع الأزمات، ويختلط صوت الماكينات بصيحات العمال المطالبين بحقوقهم؟

 

وفي هذا السياق، يطرح عمال “كيما” تساؤلات بشأن حقوقهم في ظل منظومة اقتصادية تبرر أرباحها عبر التحولات الاقتصادية الكبرى. فهل من الممكن تحقيق توازن بين تطلعات الإدارة لتحقيق الأرباح، وبين مطالب العمال الذين يشكلون العمود الفقري للعمل والإنتاج؟

 

لا يشهد “كيما” مجرد احتجاجات عمالية، بل انعكاسًا لصراعات أعمق بين الإنسان وآلة الإنتاج، بين السلطة وحقوق العمال، وبين الأمل في التقدم والواقع الذي لا يزال مليئًا بالتحديات.

 

 

احتجاجات عمالية

 

شهد مصنع “كيما” موجة احتجاجات من قبل العمال، بعد أن تم الإعلان عن قرارات الجمعية العمومية بشأن توزيع الأرباح. وعبر العمال عن استيائهم من انخفاض نسب الأرباح مقارنة بالجهد المبذول، مما أدى إلى توترات داخل المصنع. ورغم عودة العمال إلى العمل بعد الاحتجاجات، فإن الأزمة لا تزال مستمرة، والقلق يسيطر على الأجواء.

 

وفي تصريحات خاصة “لمنصة MENA“، أشار محمد أحمد (اسم مستعار)، إلى أن الاحتجاجات نشأت بسبب تبديل الأرباح بمكافآت التطوير، موضحًا أن الفارق بينهما كبير جدًا، مما دفعهم لتنظيم وقفة احتجاجية للمطالبة بحقوقهم.

 

وأكد محمد أن الوقفة لم تكن إلا لتأكيد حقهم المشروع في حياة أفضل، في ظل ظروف اقتصادية صعبة وأوضاع عمل خطرة يواجهها العمال داخل المصنع.

 

واختتم حديثه قائلاً: “لا أعرف ماذا حدث ولا ما سيحدث في المستقبل، ورغم فض الاعتصام، لا يوجد أي توضيح لما سيحدث بعد ذلك، الوضع غير واضح.”

 

رحلة داخل الأروقة

 

رحلة البحث داخل أروقة مصنع “كيما” كانت بعيدة عن متناول معدة التحقيق، حيث شهدت الأجواء في المصنع تحولات ملحوظة. مع تصاعد الأزمات، خفت أصوات العمال الثائرين، ورفض العديد منهم التحدث، محولين احتجاجاتهم إلى صمت، خوفًا من تبعات التعبير عن مطالبهم. هذا الهدوء المفاجئ يعكس حالة من الترقب والقلق، حيث تبدلت الهتافات إلى خشية من المجهول.

 

إلى جانب هذه الأوضاع، يعاني المصنع من أزمة مستمرة تتعلق بنقص إمدادات الغاز الطبيعي، الذي يعد المورد الأساسي لتشغيل الوحدات الإنتاجية. في عدة مناسبات، أدى هذا النقص إلى توقف المصنع عن العمل، مما أثر بشكل كبير على الإنتاج وأرباح الشركة.

 

ويعود سبب هذه الأزمة إلى زيادة استهلاك الطاقة على المستوى الوطني وتوقف بعض مصادر الغاز الإقليمية، ما ألقى بظلاله على الصناعات المحلية.

 

 

تلوث البيئة

 

من جهة أخرى، تعرض مصنع “كيما” لاتهامات خطيرة بتلويث مياه النيل بمخلفات صناعية. رغم تأكيد الشركة أنها تلتزم بمعايير صرف صناعي صارمة، استمرت الانتقادات من الجهات البيئية والسكان المحليين. هذا الجدل البيئي يسلط الضوء على تحديات جديدة تواجه المصنع، ويزيد من الضغوط على إدارته لإثبات التزامها بالمعايير البيئية.

 

أزمات مالية أخرى تضاعف من معاناة المصنع، حيث يواجه ارتفاعًا في تكاليف الإنتاج وتكرار توقف العمل. كما تؤثر تقلبات السوق العالمية، وأسعار الطاقة والأسمدة، على قدرة المصنع على المنافسة في السوقين المحلية والدولية، مما يضعه في موقف صعب وسط الظروف الاقتصادية العالمية.

 

جهود للتعامل مع الأزمات

 

في إطار محاولات الحلول، تسعى الحكومة إلى توفير إمدادات الغاز الطبيعي اللازمة لتشغيل المصنع، بينما تعمل إدارة المصنع على تحسين عمليات الصرف الصناعي والصحي لضمان الالتزام بالمعايير البيئية.

 

لكن رغم هذه الجهود، يظل مصنع “كيما” في أسوان أحد أبرز معاقل الصناعة في صعيد مصر، يواجه تحديات مستمرة تهدد استمراريته.

 

وبحسب مصادر مطلعة، تعرض المصنع لتوقفات متكررة على مدار الأعوام السابقة، فقد توقفت وحداته في نوفمبر 2021 لمدة شهرين بسبب نقص الغاز، وفي يوليو 2022 توقف لمدة ثلاثة أسابيع، وفي مايو 2023 توقفت الوحدات لمدة شهر آخر. هذه التوقفات أثرت سلبًا على إنتاج الأسمدة والمواد الكيماوية، وزادت الضغوط على العمالة، بالإضافة إلى التأثير الكبير على التزامات المصنع تجاه السوق المحلي.

 

رغم وعود الحكومة بتوفير إمدادات الغاز بشكل مستقر، إلا أن الأزمة الاقتصادية العالمية أدت إلى تحديات في استيراد الغاز الضروري لتشغيل المصانع. وفي ضوء هذه التحديات، دعت إدارة المصنع إلى ضرورة إيجاد حلول جذرية، تشمل تنويع مصادر الطاقة لتجنب التوقفات المستقبلية.

 

السؤال الذي يبقى مطروحًا:

كيف ستتمكن الحكومة من مواجهة تحديات إمدادات الطاقة لضمان استقرار العمل في منشآت حيوية مثل مصنع “كيما”؟

 

 صراع بين الأزمات

 

يواجه عمال مصنع “كيما” بأسوان سلسلة من التحديات التي تؤثر على حياتهم المهنية والمعيشية، أبرزها تدني نسب الأرباح والمستحقات المالية. يعبر العمال عن استيائهم من انخفاض حصة الأرباح الموزعة عليهم، معتبرين أنها لا تعكس الجهد المبذول أو حجم أرباح الشركة. هذه القضية أثارت موجة من الاحتجاجات والإضرابات العمالية التي طالبت بمراجعة القرارات المالية وتحسين أوضاع العمال.

 

 

مخاطر صحية

 

إضافة إلى الأوضاع المالية، يعاني العمال من تهديدات صحية جسيمة جراء تعرضهم المستمر للمواد الكيميائية الخطرة المستخدمة في عملية الإنتاج. من أبرز هذه المواد الأمونيا واليوريا، اللتين يمكن أن تتسببان في أضرار جسيمة إذا لم يتم التعامل معهما بحذر.

 

دراسات بيئية وتقارير صحية تشير إلى أن استنشاق غازات الأمونيا قد يؤدي إلى تهيج الجهاز التنفسي والعينين، بينما يشكل التعرض المستمر لهذه المواد خطرًا أكبر بالإصابة بأمراض مزمنة مثل الربو واضطرابات الرئة. كما أن التعامل مع مواد سامة أخرى مثل الكبريت والمركبات الكيماوية يزيد من احتمالية الإصابة بحروق جلدية وتسمم كيميائي.

 

وتزداد المخاطر الصحية نتيجة لحوادث تسرب الغازات أو الحوادث الصناعية، والتي قد تتسبب في انفجارات أو تسربات كارثية تؤثر بشكل مباشر على صحة العمال والبيئة المحيطة.

 

في هذا السياق، يؤكد خبراء الصحة المهنية على ضرورة توفير معدات حماية شخصية للعمال، وتحسين أنظمة التهوية في المصنع، بالإضافة إلى إجراء فحوصات طبية دورية. كما تطالب النقابات العمالية بفرض رقابة صارمة على معايير السلامة لضمان بيئة عمل آمنة.

 

على الرغم من التزام المصنع بإجراءات الأمان الصناعي، لا تزال هناك مخاوف من التأثيرات الصحية الناتجة عن التلوث الصناعي، وهو ما يزيد من القلق بين العمال والمجتمع المحلي. وفي هذا الإطار، يشدد العاملون على أهمية تحسين ظروف العمل والاهتمام بالبيئة المحيطة لضمان سلامتهم.

 

من جانب آخر، شهدت الروح المعنوية للعاملين تراجعًا ملحوظًا بسبب تزايد الضغوط الناتجة عن ضعف التواصل بين الإدارة والعمال. العديد من العمال عبّروا عن قلقهم إزاء غياب خطط واضحة لتحسين بيئة العمل، مما أدى إلى زيادة التوترات داخل المصنع.

 

اهتزاز إنتاجي

 

تكرار توقف الإنتاج بسبب أزمات إمدادات الغاز الطبيعي يمثل تهديدًا إضافيًا للعمال، حيث يؤثر بشكل مباشر على استقرار وظائفهم ودخلهم الشهري. عندما يُستأنف الإنتاج بعد توقفات طويلة، يتعرض العمال لضغط إضافي لتعويض الفترات الضائعة.

 

ومصنع “كيما” بأسوان، أحد أبرز معاقل الصناعة في مصر وأكبر مصانع الأسمدة في الشرق الأوسط، حيث يقدر إنتاجه السنوي بـ 570 ألف طن من اليوريا و100 ألف طن من سماد نترات النشادر الأزوتي. لكن في ظل التحديات المتزايدة، تظل تساؤلات العمال حول تحسين ظروفهم وحل الأزمات المالية والصحية قائمة.

 

التكنولوجيا والاستدامة

 

في سعيه لتحقيق الاستدامة، يعتمد مصنع “كيما” بأسوان على الغاز الطبيعي كمصدر أساسي للطاقة بدلاً من الكهرباء، مما يسهم في توفير حوالي 150 ميجاوات في الساعة لشبكة الكهرباء القومية. ويستخدم المصنع تقنيات حديثة تلتزم بأعلى معايير السلامة البيئية لضمان الحفاظ على البيئة المحيطة، مما يعزز من دوره في الحفاظ على الموارد الطبيعية.

 

فبما يُعد مصنع “كيما” أحد أكبر المشاريع الصناعية في جنوب مصر، حيث يوفر حوالي 3700 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة. هذا الدور الحيوي يعزز من التنمية الاقتصادية في المنطقة، ويُسهم في تقليل معدلات البطالة في صعيد مصر، مما يعكس التأثير الإيجابي للمصنع على المجتمع المحلي.

 

تحول مالي ملحوظ

 

شهد المصنع تحولًا ملحوظًا في أدائه المالي، حيث تمكّن من الانتقال من الخسائر إلى تحقيق أرباح كبيرة. في النصف الأول من عام 2023، بلغت أرباح المصنع 600 مليون جنيه، في مؤشر قوي على تحسن الأداء المالي. ومن المتوقع أن تصل الإيرادات في عام 2024 إلى 6 مليارات جنيه بعد الانتهاء من تحديث الوحدات الإنتاجية، مما يعكس جهود المصنع في تحسين العمليات وتعزيز الكفاءة الإنتاجية.

 

كان المصنع القديم مهددًا بالإغلاق بسبب التقادم، لكن إدارة المصنع قامت بتطويره بشكل كبير، وأُنشئ مصنع جديد بتكلفة إجمالية بلغت نحو 12 مليار جنيه. وبالإضافة إلى ذلك، يعمل المصنع حاليًا على إعادة تأهيل المصنع القديم، مع إنشاء خط جديد لإنتاج حامض النيتريك والنترات بتكلفة 280 مليون دولار، بالتعاون مع شركات دولية متخصصة. هذا المشروع يساهم في تعزيز الإنتاجية وجودة المنتجات.

 

ويُوجّه المصنع نحو 55% من إنتاجه إلى السوق المحلية، بينما يتم تصدير الباقي إلى أسواق إفريقيا والهند، مما يعزز الاقتصاد الوطني ويزيد من عائدات الصادرات المصرية. هذا التوجه يعكس استراتيجية المصنع في التوسع في الأسواق الدولية وتحقيق التوازن بين تلبية احتياجات السوق المحلي والتوسع في الأسواق الخارجية.

 

المشكلات التشغيلية

 

وواجه المصنع في البداية مشكلات تقنية وبيئية، لكنه استطاع تجاوز هذه التحديات بفضل استخدام تكنولوجيا حديثة ومتطورة. وعليه، يجري حاليًا العمل على تطوير البنية التحتية للمرافق، لضمان استدامة الإنتاج والحفاظ على استمراريته في المستقبل.

 

اقرأ أيضًا:

 

مشاركة واسعة من القوى السياسية في مؤتمر دعم عمال وبريات سمنود

 

إلغاء قانون الطوارئ سابقة تاريخية.. تصريح برلماني مصري في حقوق الإنسان

 

ارتفاع البطالة في الربع الثالث رغم “زيادة الاستثمارات”.. أين الخطأ؟

 

الأرباح أولاً.. “ألومنيوم نجع حمادي” يضع حياة عماله على المحك | تحقيق

 

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية