خصام “غير مبرر” بين وزارتي التعليم العالي والعمل.. ماذا يفعل الشباب؟
يظهر في ظل التحديات التي تواجه سوق العمل المصري، تباينًا بين العناصر التعليمية وسوق العمل، إذ لا يزال هناك انفصال واضح بين المواد التعليمية التي تدرس في الأكاديميات العلمية والخبرات التي يطلبها سوق العمل.
ويجد الطالب نفسه بعد التخرج بحاجة إلى الحصول على العديد من الدورات التي تكسبه خبرة في مجال عمله، بل وأحيانًا يضطر للعمل دون مقابل -إن وجده- حتى يحصل على الخبرات العملية التي تؤهله إلى الدخول لسوق العمل.
وتزيد هذه التحديات في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية من الأعباء على كاهل الشباب المصري والأسر التي تعولهم، إلى الحد الذي يستوجب تدخل المسؤولين لمعرفة جذور هذه الأزمة والعمل على إيجاد حل نهائي لها.
خصومة بين “التعليم” و”العمل”
قال كمال أبو عيطة الوزير الأسبق للقوى العاملة في تصريحه حول ربط تنسيق الجامعات باحتياجات سوق العمل، إنه لا يوجد للأسف الشديد أي تنسيق بين جهات التعليم والتدريب في مصر وبين احتياجات سوق العمل، لافتًا إلى أن كل جهة تمضي في طريقها، وأن التعليم يسير وفق نظام التنسيق المعتاد حسب المجموع بصرف النظر عن احتياجات سوق العمل.
وأوضح أبو عيطة في تصريح خاص لمنصة “MENA“، أنه كان شارك في مجلس أعلى للتدريب يضم وزارة التعليم ووزارة التعليم العالي والجهات التي لديها مراكز تدريب مثل المقاولون العرب ووزارة القوى العاملة وقتها، مشيرًا إلى أن هذه الدعوة كانت من الدكتور محمود أبو النصر وزير التربية والتعليم، وشارك فيها كل المسؤولين عن التعليم والتدريب في مصر بهدف وضع خطه من خلال المجلس الأعلى لدراسة احتياجات سوق العمل ليس المصري فقط لكن المصري والعربي لأننا نصدر العمالة العربية في مجالات شتى.
واعتقد أبو عيطة أن هناك حالة خصام شديدة بين جهات التعليم والتدريب وبين احتياجات سوق العمل وارجو أن ينظر أحد إلى هذه المسألة لأن تجاهلها يؤدي إلى زيادة طوابير البطالة من أناس مؤهلين لكن سوق العمل لا يحتاجهم فتجد شباب خريجين جامعات ويعملون في مجالات لا علاقة لها بتعليمهم ولا تدريبهم.
وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في شهر مايو نتائج بحث القوى العاملة للربع الأول (يناير – مارس) لعام 2024، إذ بلغ معدل البطالة 6.5٪ من إجمالي قوة العمل بانخفاض 0,2٪ عن الربع السابق.
المتعطلون طبقا للحالة التعليمية
ووصلت نسبة المتعطلين من حملة الشهادات المتوسطة وفوق المتوسطة والجامعية وما فوقها إلى 82,5٪ في الربع الحالي مقابل 82,7٪ في الربع السابق من اجمالي المتعطلين وفي الربع الحالي موزعة كالأتي:
37,8٪ من الحاصلين على حملة المؤهلات المتوسطة وفوق المتوسطة مقـابـل 39,6٪ بالربع السابق و37,8٪ في الربع المماثل من العام السابق 44,7٪ من حمـلة المؤهــلات الجامعيــة وما فوقهــا مـقابـل 43,1٪ بالـربع السابق بينما كان 43,9٪ في الربع المماثل من العام السابق.
وأوضح أحمد كمال، مسئول ملف التعليم العالي بموقع كشكول وجريدة الدستور، أن التنسيق يتم بناءً على نسبة الطلاب الناجحين ومجموع الدرجات الأعلى، مشيرًا إلى أنه لو كان هناك 24 ألف طالب حصلوا على مجموع فوق الـ 96% ويريدون التقدم لكلية الطب، تقوم الوزارة بتحديد مجموع معين لكلية الطب والأعلى في المجموع ينضم للكلية التي تكون عليها أعلى طلب من تقديمات الطلاب، مثلا طب القصر العيني تقدم له 5000 طالب والعدد المسموح 2000 فقط فيتم أخذ أعلى مجموع درجات من بين كل المتقدمين.
وأكد كمال في تصريحات خاصة لمنصة “MENA“على أن سوق العمل بحاجه لفتح تخصصات جديدة بالجامعات مثل كلية الذكاء الاصطناعي والعلوم الرياضية والبرمجة، مبدئيًا أسفه على التعليم حاليًا؛ لأنه لا يتماشى مع سوق العمل، مشيرًا إلى أن الجامعات ووزارة التعليم العالي من المفترض أن يتحملوا عبء البحث عن المجالات المطلوبة في سوق العمل ليقوموا بعمل تحديث للخطة وفتح كليات جديدة ووضعها في تنسيق الجامعات.
ومن جهته قال النائب أحمد عاشور، عضو لجنة القوى العاملة بمجلس الشعب، إن اللجنة من الممكن أن تصدر توصيات، تكون مرهونة بمشروعات قوانين، موضحًا أن اللجنة تقترح مشروعات قوانين، لكن لا تملك الحق في إعطاء الحكومة أمر لتنفيذ شيء معين إلا في وجود لائحة أو تشريع يدعم ذلك.
ولفت عاشور إلى أن اللجنة رأت مؤخرًا أن الدولة تتجه لتقليل أعداد خريجي جامعات التجارة والحقوق وغيرها وتلفت الانتباه إلى الجامعات التي تتعامل مع التكنولوجيا، مؤكدًا أن ارتباط تنسيق الجامعات بسوق العمل سيلعب دوراً مهمًا في تقليل نسب البطالة في الفترة المقبلة، وأنهم لا زالوا في انتظار قانون العمل الذي سيقوم بدور المنقذ والذي يُعتقد أنه سيحل أزمة البطالة بشكل كبير.
الزيادة السكانية.. شماعة ارتفاع نسب البطالة
قال دكتور شريف الدمرداش، خبير اقتصادي، إن الزيادة السكانية هي طاقة بشرية، يمكن تحويلها لطاقة إيجابية أو طاقة سلبية، مضيفًا: “إذا كنا ندعي في المطلق أن زيادة السكان هو سبب الأزمة الحالية فسأقول: لماذا لا تكون هي سبب الأزمة في الصين أو الهند واللتان يمكن اعتبارهما من أقوى الدول اقتصاداً في العالم الآن”.
وأكد الدمرداش في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” أن التعلل بالزيادة السكانية هو محاولة لتبرير سوء توظيف القري البشرية نتيجة لسياسات خاطئة، مؤكدًا أن أصحاب القرار لم يخططوا بشكل جيد لاستغلال هذه الزيادة في تحسين الاقتصاد من خلال إكسابها المعرفة أو تنمية مهاراتها، واستخدامها في توسيع الصحراء وبناء المصانع والمزارع بدلاً من المنتجعات والمصايف، وحينها ستكون الزيادة السكانية نعمة لا نقمة.
ورأي الدكتور عمار علي حسن، الأديب المفكر والباحث في علم الاجتماع السياسي، أن البطالة لا يمكن حصرها في سبب واحد بل هي نتاج عدة أسباب منها قلة الإنتاج الذي يؤدي لضعف التشغيل وغياب التدريب المنظم والاحتكار الاقتصادي الذي حرم كثيرين من الحصول على الفرص الصغيرة والمتوسطة من العمل، بالإضافة إلى النمو السكاني الذي صنع كماً بلا كيف، مشيرًا إلى أن عدد السكان في تزايد كبير لا يضاهي أعداد فرص العمل المتاحة.
وقال حسن في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” إن بعض الدول مثل الصين وغيرها تعمل جاهدة في تقليل نسب البطالة بالتنسيق بين احتياجات سوق العمل من خلال أبحاث ودراسات حتى تنتهي أزمة البطالة تماماً.
وقال محمود رشاد، أحد خريجي كلية الخدمة الاجتماعية، إنه لا يملك أي واسطة حتى تساعده في الالتحاق بالعمل في أي مدرسة أو مؤسسة حكومية، مضيفًا أنه عندما عمل أخصائيًا اجتماعيًا بإحدى المدارس الخاصة كان يتقاضى مرتبًا ضعيفًا للغاية لم يكد يسد تكاليف المواصل.
شهادات تفقد قيمتها
وأضاف رشاد أنه درس مجال الخدمة الاجتماعية، لأنه يحب هذا المجال وشغوف بدراسته ولا يوجد عنده مشكله في كون المجتمع لا يقدر ذلك العلم، لافتًا إلى أن التنسيق بين سوق العمل وتنسيق الجامعات ليس بهذه الأهمية لأنه يرى أن الأهم هو رفع مستوى التعلم وجودته حتى يخرج أجيال قادرة على المنافسة في أسواق العمل الخارجية والداخلية.
وأوضح محمود عباس، خريج كلية آداب قسم مكتبات إنه لم يجد عمل بعد تخرجه، وباتت الشهادة لا تصلح للعمل في أي مكان، حتى عندما أعلنت وزارة التربية والتعليم عن مسابقة تعيين المعلمين لم يكن تخصصه مناسبًا، فقرر العمل في أي مجال حتى وصل به الأمر للعمل كسائق توكتوك ثم تمكن من فتح سوبر ماركت في منطقته.
وقال فوزي إبراهيم، إنه تخرج في كلية الحقوق وكان متفوقاً بها وكان يحلم بالعمل في النيابة أو أن يصبح معيداً في الكلية لكن لم يكن لديه واسطة في هذين المجالين لذا قرر السفر للعمل في أي دولة خليجية.
اقرأ أيضًا:
دوافع الشباب المصري للهجرة غير الشرعية.. ودور الدولة في حماية الشباب
رحلة لـ منصة “MENA” في قلب العالم الموازي لصناعة الدواء في مصر
الصناعة في مصر: مشكلات تمويلية وحلول بيروقراطية
إعادة هيكلة أم “خراب”.. ما ثمن قرارات وزير التعليم الجديد؟