حالة من التخبط يشهدها الشارع المصري في الآونة الأخيرة، بعد تصريحات رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، بشأن دمج اللاجئين مع المجتمع المصري وتوفير فرص عمل ورعاية صحية وتعليم لهم على أرض مصر. وبعد أيام، أعلن البرلمان المصري مشروع قانون خاص باللاجئين.
وفي أثناء فعاليات اليوم الأخير للدورة الثانية عشرة للمنتدى الحضري العالمي، قالت وزيرة التنمية المحلية، الدكتورة منال عوض، إن الدولة المصرية تسعى دائمًا إلى الارتقاء بمسؤوليتها تجاه اللاجئين والمجتمعات المضيفة من خلال سياسات شاملة تضمن توفير السكن الملائم والخدمات الأساسية. وأكدت الوزيرة أن الدولة، بناءً على توجيهات رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، تقدم كل الدعم والخدمات لضيوف مصر من اللاجئين، مع التركيز على دمجهم في المجتمع اقتصاديًا واجتماعيًا.
قال الدكتور عمرو لاشين، نائب محافظ أسوان، في تصريح خاص لمنصة “MENA“، إن الجلسة التي عُقدت بحضور الدكتورة منال عوض، وزيرة التنمية المحلية، وبمشاركة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، تناولت خططًا للدمج والاعتراف باللاجئين. وأوضح أن المفوضية أكدت تكفلها بتلك العمليات، مشيرًا إلى أن عدد اللاجئين السودانيين داخل مصر بلغ مليونًا ومئتي ألف.
وأضاف لاشين أن محافظة أسوان تُنفذ أنشطة لدعم اللاجئين بالتعاون مع مؤسسات المجتمع الأهلي. تشمل هذه الأنشطة دمج اللاجئين مع المجتمعات المضيفة من خلال برامج التنمية الاقتصادية، وتطوير المهارات، ورفع الوعي، فضلًا عن أنشطة متخصصة لدعم العمل الأهلي.
وفي سياق متصل، قال اللواء السعيد عمارة، عضو لجنة الدفاع والأمن القومي بالبرلمان، في تصريح خاص لمنصة “MENA“، إن ما وصفه البعض بـ”الكلمات المطاطة” في مشروع قانون اللاجئين أمر طبيعي، نظرًا للحاجة إلى الحفاظ على الأمن القومي المصري والقيم المجتمعية.
وأضاف أن حماية الهوية المصرية تأتي كأولوية في ظل تعدد الثقافات والتقاليد التي دخلت البلاد مع اللاجئين، مشيرًا إلى أن القانون يتضمن جزاءات وعقوبات تضمن الالتزام بتلك المبادئ.
وأوضح عمارة أن القانون يهدف إلى تنظيم حق اللجوء، بدءًا من تعريف من يحق له اللجوء وكيفية تقديم طلبه، مؤكدًا أن القانون لا يقتصر على الجنسيات السورية أو السودانية فقط، بل يشمل جميع اللاجئين الذين تنطبق عليهم المعايير. وأشار إلى أن البرلمان يتعاون مع منظمات دولية لحصر اللاجئين بشكل دقيق داخل مصر.
كما شدد عمارة على أن القانون يسمح بالطعن على القرارات المتعلقة باللجوء، وهو ما وصفه بأنه إجراء بديهي وعادل، حيث ينص القانون المصري على إمكانية الطعن على أي قرار إداري خلال 60 يومًا، دون الحاجة إلى تضمين ذلك في نص القانون.
واختتم عمارة تصريحاته بالتأكيد على أن اللاجئين لا يحق لهم ممارسة أي أنشطة سياسية داخل مصر، مشيرًا إلى أن مصر دولة ذات سيادة، وتلتزم بسياساتها الخارجية التي يجب أن تُحترم. وأضاف: “اللاجئون الذين يلجأون إلينا لا يمكنهم التدخل في السياسة أو الدفاع عن بلادهم من داخل الأراضي المصرية، لأن ذلك يتعارض مع ظروفنا وسيادتنا”.
تطالب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومنصة اللاجئين في مصر بتأجيل التصويت على مشروع قانون اللاجئين المقدم أمام البرلمان المصري. تؤكد هذه المنظمات على ضرورة إقامة حوار شامل مع الأطراف المعنية والمنظمات الحقوقية لضمان أن يكون القانون عادلاً، يلتزم بالمعايير الدولية، ويحترم التزامات مصر الإنسانية. كما شددوا على أهمية توفير مرحلة انتقالية تتيح الانتقال السلس من النظام الحالي إلى النظام الجديد بالتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
مالك عدلي، المحامي الحقوقي، في تصريح خاص لمنصة “MENA“، أشار إلى أن القانون المطروح “سيئ للغاية”، لأنه يعكس تصوراً بأن مصر دولة مستقرة يمكن أن تكون وطناً دائماً للاجئين، وهو تصور غير واقعي حسب رأيه. وأوضح عدلي أن مصر لطالما كانت دولة عبور أكثر منها دولة توطين، حيث يأتي اللاجئون عبرها طلباً للحماية المؤقتة أو بحثاً عن فرص للتوطين في دول أخرى، مثل أوروبا أو أمريكا.
وأكد عدلي أن القانون الجديد يحمل مصطلحات “مطاطة” مثل “الأمن القومي” و”السلم العام”، والتي يمكن أن تُفسر بطرق مختلفة، مما يفتح الباب أمام إساءة الاستخدام. كما لفت إلى أن مصر تستقبل أعداداً كبيرة من اللاجئين السودانيين والسوريين بسبب الروابط التاريخية، مشيراً إلى أن القانون الجديد قد يعقّد وضع هؤلاء اللاجئين ويؤثر على إمكانية استقبال المزيد منهم.
وأوضح المحامي أن القانون يفرض أعباء مالية كبيرة على اللاجئين، بما في ذلك الرسوم والضرائب، دون تقديم خدمات متكاملة لهم، مما يعكس تناقضاً مع الالتزامات الإنسانية الدولية.
وأشار إلى أن اللاجئين لا يعتبرون مصر خياراً أولياً للإقامة، بل يتطلعون للتوطين في دول تقدم لهم فرصاً أفضل وحماية أكبر.
وفي سياق آخر، أضاف عدلي أن مفهوم اللجوء السياسي الذي يضمنه الدستور المصري يبدو غائباً عن القانون الجديد، حيث يضع قيوداً صارمة على اللاجئين السياسيين، ما يعتبر انتهاكاً للمبادئ الدستورية والالتزامات الدولية.
ختاماً، يرى عدلي أن التعامل مع ملف اللاجئين يحتاج إلى رؤية واقعية تراعي مكانة مصر كدولة عبور، وتلتزم بتقديم الدعم الإنساني مع الحفاظ على حقوق اللاجئين بما يتماشى مع المعايير الدولية.
أوضح المحامي الحقوقي أحمد معوض في تصريح خاص لمنصة “MENA“، أن إصدار قانون ينظم شؤون اللاجئين يعد خطوة مهمة، لكنه انتقد غياب الحوار المجتمعي وأخذ آراء مؤسسات المجتمع المدني العاملة على ملف اللاجئين، مشيرًا إلى أن هذه المؤسسات لديها خبرة عملية أعمق في هذا المجال.
وأضاف معوض أن مشروع القانون استغرق إعداده عامًا تقريبًا، ومع ذلك لم يعلن عنه للرأي العام إلا قبيل طرحه للتصويت، وهو ما وصفه بأنه نهج متبع في العديد من القوانين المصرية.
وأشار معوض إلى أن استخدام المصطلحات “المطاطية” مثل النظام العام والأمن القومي يمنح القضاة وضباط الشرطة صلاحيات واسعة لتفسير النصوص، وهو أمر معيب من الناحية التشريعية. ولفت إلى ضرورة وضع تعريفات محددة لتجنب التعسف في التطبيق.
وحول البنود التي تمنع اللاجئين من ممارسة أي نشاط سياسي داخل مصر، قال معوض إنها ليست المشكلة الرئيسية، لكن التخوف يكمن في إمكانية استغلال هذا النص لتقييد حرية التعبير، مؤكدًا أن حرية الرأي والتعبير حق مقدس لجميع البشر.
وانتقد معوض استخدام مصطلح “ضيوف” عند الإشارة إلى اللاجئين، موضحًا أن هذا التعبير يضفي طابع التفضل عليهم، بينما الواقع أنهم يمارسون حقًا قانونيًا تلتزم مصر بحمايته وفقًا للاتفاقيات الدولية التي وقعتها، لافتًا إلى أن اللاجئ يحمل صفة قانونية واضحة.
وفيما يتعلق بمعاملة اللاجئين، أشار معوض إلى عمليات القبض على اللاجئين المسجلين لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين وترحيلهم، معتبرًا أن هذه الإجراءات تتناقض مع الحديث عن احترام حقوق الإنسان ومحاولة تنظيم أوضاع اللاجئين.
في السياق ذاته، صرحت سارة حشيش، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية، بأن اعتقال السودانيين الفارين من الصراع في بلادهم واحتجازهم في ظروف سيئة يعد انتهاكًا للقانون الدولي. وأضافت أن على السلطات المصرية وضع حد فوري لهذه الانتهاكات والوفاء بالتزاماتها بحماية الفارين من النزاعات وضمان وصولهم إلى إجراءات اللجوء بشكل كريم ودون قيود.
واختتمت حشيش بتأكيد ضرورة التزام مصر بالقانون الدولي لحقوق الإنسان واتفاقيات اللاجئين، التي تلزمها بتوفير بيئة آمنة ومستقرة للهاربين من الصراعات.
اقرأ أيضًا:
اللاجئون إلى مصر.. جهود دولية وشراكات أممية رغم الأعباء الاقتصادية
استثمارات اللاجئين السودانيين في مصر
كيف تعيش القاهرة في ظل استضافة 10 ملايين شخص؟
الحرب السودانية تكبد الاقتصاد المصري خسائر بالمليارات