سرقة التيار الكهربائي والحذف من التموين.. لماذا لا يطبق القانون؟
سرقة التيار الكهربائي والحذف من التموين.. جدل لا ينتهي
حذف آلاف الأسر من منظومة التموين بسبب سرقة الكهرباء
خبراء: تشديد العقوبة ليس حلاً للأزمة
قانونيون: معاقبة أسرة المتهم مخالفة لمبادئ الدستور والقانون
مسؤول سابق بالكهرباء يضع حلولاً للأزمة
23 مليون مواطن معرضون للخروج من بطاقات التموين بسبب سرقة التيار
نص قانون الكهرباء لعام 2015 على معاقبة كل من استولى بغير حق على التيار الكهربائي بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر، وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد على 100 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وفي حال تكرار السرقة، تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة، وغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد على 200 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
اعتبرت حكومة الدكتور مصطفى مدبولي أن عقوبة السجن والغرامة غير كافية، فقررت تغليظها مرة أخرى لتصل إلى الحذف من بطاقات التموين إضافة إلى العقوبات السابقة، في قرار اعتبره البعض تعديًا على الفئات الأكثر احتياجًا بالمناطق الشعبية، وربما الأكثر سرقة للتيار الكهربائي بحسب وزارة الكهرباء، بينما رأى قانونيون أن العقوبة مخالفة للقانون.
وقال وزير الكهرباء الجديد محمود عصمت، إن نسبة الفاقد في الكهرباء تصل إلى 30%، ما يعني أن 30% ممن يحصلون على بطاقات التموين معرضون للخروج منها بسبب سرقة التيار الكهربائي، ما يعني أن 23 مليون مواطن معرضون للخروج من بطاقات التموين.
مخالفة لمبادئ القانون
ورأى محمد ناصر، المحامي والخبير القانوني لـ “MENA” أن حذف أسر بأكملها من بطاقات التموين يتنافى مع مبدأ أساسي من مبادئ القانون، وهو مبدأ شخصية العقوبة، وهو أحد المبادئ الأساسية في القانون الجنائي.
وشرح الخبير القانوني هذا المبدأ بأن العقوبة لا تُفرض إلا على الشخص الذي ارتكب الجريمة أو شارك فيها، ولا تمتد إلى أشخاص آخرين كأفراد عائلته أو أقاربه.
وأشار ناصر إلى أن هذا المبدأ يعبر عن فكرة أن المسؤولية الجنائية هي مسؤولية شخصية، وبالتالي لا يُعاقب إلا من ارتكب الفعل الإجرامي بصورة مباشرة أو غير مباشرة، كالمساهم أو الشريك.
أكد ناصر أن هذا المبدأ يهدف إلى تحقيق العدالة، وضمان عدم معاقبة الأبرياء أو تحميلهم تبعات جرائم لم يرتكبوها، وذلك استنادًا إلى القاعدة القانونية “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”.
وأوضح الخبير القانوني أن الحكومة يحق لها إضافة عقوبات جديدة إذا اضطرتها الحاجة لذلك، شريطة أن تكون هذه العقوبة متوافقة مع الدستور والتشريعات، وهو ما لم يحدث في هذه العقوبة.
الحرمان من الخبز عقوبة “سرقة الكهرباء”
والتقت “MENA” بشاب في العقد الثالث من العمر يُدعى محمد سمير، من مركز أطفيح في محافظة الجيزة، وقد حوكم سابقًا في قضية سرقة تيار كهربائي.
قال محمد إن والده توفي في مقتبل حياته، وكان لزامًا عليه أن يترك المدرسة ليعيل والدته وأخواته الثلاث بسبب الدين الذي تركه والده عليه بعد بناء منزل جديد.
وأضاف أن والدته، وهي سيدة غير متعلمة، فوجئت في يوم من الأيام بعدد من الأشخاص بزي مدني، قالوا إنهم جاؤوا لإجراء ممارسة لتحديد مبلغ شهري من استخدامهم للكهرباء في المنزل. وأوضحوا أنهم يريدوا وضع اسم أحد أفراد الأسرة حتى يتسنى لهم استكمال الإجراءات القانونية والحصول على الكهرباء بشكل مماثل لجيرانهم.
تابع الشاب، الذي يعمل سائق “سرفيس”، أن والدته أعطت لهم اسمه، كونه العائل الوحيد للأسرة، ومر أكثر من 4 أشهر على هذه الواقعة دون حدوث أي جديد فيما يخص الكهرباء.
تحدث محمد سمير لـ “MENA” عن واقعة غيرت مجرى حياته بشكل كبير، إذ قال إنه خرج للعمل في “الموقف” الذي يعمل به بشكل يومي، حتى رأى رجال مباحث بزي مدني يقومون بجمع البطاقات من المواطنين للتعرف على من صدر ضده حكم قضائي.
لفت الشاب إلى أنه لم يعر انتباهه لهذا الأمر، بسبب علمه بعدم ارتكاب أي جريمة مسبقة، فجلس في سيارته ينتظر دوره، حتى اقترب منه أحد “المخبرين” طالبًا منه بطاقته الشخصية.
وأضاف أنه بعد ربع ساعة، بدأ المخبر في إعادة البطاقات للمواطنين، وأشار إليه بالقدوم، قائلاً: “أنت عليك قضية ولازم تيجي معانا القسم تعمل معارضة”.
يقول الشاب: “صعدت معهم سيارة – ميكروباص، إذ كنت متأكدًا أنه تشابه أسماء، وفور علمهم باسم والدتي من خلال شهادة الميلاد سيتم إطلاق سراحي لأعود إلى السيارة التي أعمل عليها، إلا أن هذا لم يحدث”.
وتابع أنه اكتشف أنه حكم عليه بالسجن “غيابياً” لمدة ثلاثة أشهر بتهمة سرقة تيار كهربائي، وأن من زار والدته وأعطت لهم اسمه كانوا من مباحث الكهرباء، وأن اسمه استخدم لعمل قضية سرقة تيار كهربائي وليس من أجل إجراء “الممارسة”.
وأشار الشاب إلى أنه قام بعمل معارضة على الحكم، وحضر جلسة أمام القاضي الذي قضى بإلغاء عقوبة السجن، واكتفى بتغريمه 10 آلاف جنيه، إذ طالب بتقسيط مبلغ الغرامة لأنه لا يملك هذا المبلغ.
وأضاف أنه تم تصويره في قسم الشرطة وهو يحمل ورقة مكتوب عليها “سرقة”، وهو ما جعل الدموع تنزل من عينيه دون سابق بكاء.
وتحدث سمير عن تبعات هذه القضية قائلاً إنه ذهب ببطاقته التموينية إلى بقالة المواد التموينية، إلا أنه فوجئ بحذف هذه البطاقة من السجلات. وقال له صاحب المتجر إن بطاقة التموين تم سحبها، وأنه لا يعلم ما السبب وراء هذا الأمر.
وطالب الشاب وزارة التموين بالنظر في هذا الأمر، وإعادة بطاقة التموين مرة أخرى، حتى لو كانت من أجل شراء “الخبز” فقط، متنازلاً عن باقي المواد التموينية المقررة في البطاقة، مشيرًا إلى أنه لا يستطيع شراء خبز سياحي يوميًا بسبب ارتفاع سعره إلى أكثر من جنيهين.
لكن أحمد كمال، معاون وزير التموين والتجارة الداخلية والمتحدث الرسمي للوزارة، قال إن الوزارة لم تحذف بطاقات التموين لمن تحرر لهم محاضر سرقة التيار الكهربائي، وإنما تم تعليق الخدمة مؤقتًا لحين البت في القضية.
وأضاف معاون وزير التموين والتجارة الداخلية لـ “MENA” أن عدد البطاقات التموينية في مصر نحو 23 مليون بطاقة، ويستفيد منها نحو 64 مليون مواطن، فيما يستفيد نحو 71 مليون من دعم الخبز، إذ يوجد مواطنون يحصلون على خبز فقط دون باقي المواد التموينية.
وتابع المتحدث باسم وزارة التموين أن من لهم الحق في بطاقات التموين يحصلون على ما قيمته 50 جنيهًا للفرد الواحد، مع دعمٍ على بعض المواد أبرزها الزيت والسكر، إضافة إلى 150 رغيف خبز شهريًا لكل فرد. ويدفع المواطن ثمن الخبز للمخبز بـ 20 قرشًا للرغيف، إضافة إلى 5 جنيهات تُدفع لبقال المواد التموينية. مشيرًا إلى أن الحذف النهائي من بطاقات التموين سيكون في حال صدور حكم قضائي فقط ضد سارقي الكهرباء.
العقوبة الآن
وقال حافظ سلماوي، أستاذ هندسة الطاقة بكلية الهندسة ورئيس جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك السابق، إن إنهاء سرقة التيار الكهربائي ليس في مزيد من الردع، لأن سارقي الكهرباء لهم عقوبات محددة وفق القانون.
وأضاف سلماوي في تصريح لـ “MENA” أن العقوبة الموجودة في القانون بالمادة 71 تم تعديلها منذ 3 سنوات من أجل مزيد من التشديد، وهي كافية جداً.
وأوضح أستاذ هندسة الطاقة أنه منذ تاريخ البشرية، وعقوبة القتل هي القتل، متسائلاً: هل توقف القتل؟ بالطبع لا، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن جريمة السرقة العادية أو السرقة بالإكراه في حال ارتكابها من مواطن آخر، فإن المرتكب يخرج من السجن بعد فترة ويمارس حياته الطبيعية، ويحق له استخدام بطاقة التموين مرة أخرى. حتى من ارتكب جريمة قتل وحكم عليه بالسجن لا يخرج من بطاقة التموين.
وأشار رئيس جهاز تنظيم مرفق الكهرباء وحماية المستهلك السابق إلى أن الأنظمة البيروقراطية عموماً تلجأ عند المواجهة إلى تشديد العقوبة، وهو الحل الأسهل بالنسبة لها.
حلول حكومية
ظهرت في الآونة الأخيرة إعلانات تلفزيونية توضح مخاطر سرقة الكهرباء على المواطن والدولة، وتدعو إلى الإبلاغ عن أي حالة سرقة للتيار الكهربائي.
ورغم التوعية الإعلانية بهذا الأمر، فإن عمليات الإبلاغ كانت قليلة للغاية، بسبب مخاوف البعض من معرفة جيرانه أنه المبلغ عنهم، إذ كان الاتصال يتم بشكل هاتفي، وفقاً لمصدر داخل وزارة الكهرباء.
وقال المصدر لـ “MENA” إن الوزارة قررت إضافة أدوات اتصال جديدة، يمكن للمواطنين من خلالها الإبلاغ عن سارقي التيار الكهربائي عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للتسهيل على المواطنين من خلال إرسال رسالة إلى أحد صفحات وزارة الكهرباء على مختلف وسائل التواصل الاجتماعي.
وتابع المصدر أن الوزارة تعهدت بعدم نشر اسم المبلغ، حتى لا تحدث أزمة بين المبلغ والمبلغ عنه، خصوصاً وأن معظمهم يكونون جيراناً لسنوات.
وأشار المصدر إلى أن الوزارة قررت عمل استبيان للإبلاغ يتضمن جميع بيانات المبلغ عنه، مع وجود مكان للمبلغ إذا أراد إضافة بياناته، إلا أنها ليست مشروطة.
من يدفع ثمن سرقة التيار الكهربائي؟
أشار الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، إلى أن عدم وجود نصف عدد الحالات التي يتم ضبطها بسرقة التيار الكهربائي يعني أنه من الممكن ألا تتحمل الدولة أي أعباء مالية إضافية لإنتاج الطاقة الكهربائية اللازمة لتلبية مختلف الاحتياجات.
وبالرجوع إلى تصريحات وزير الكهرباء السابق، محمد شاكر، أوضح أن الكهرباء تسير بالدعم التبادلي بين المستهلكين، إذ تباع الكهرباء بأسعار أعلى من التكلفة للشرائح الأكثر استهلاكًا، ودعم الشرائح الأقل استهلاكاً بالفارق.
لكن الدكتور حافظ سلماوي قال لـ “MENA” إن الحكومة توقفت عن الدعم المباشر للكهرباء منذ عام 2020، وأن دعمها يقتصر فقط على دعم الوقود المستخدم في إنتاج التيار الكهربائي، والذي تصل تكلفته إلى 4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية.
وقال أحمد سالم، الذي يعمل معلماً، إن أحد جيرانه قام بسرقة التيار الكهربائي عن طريق عمل وصلات لتكييفات منزله من كهرباء العامود.
وأضاف سالم لـ “MENA” أنه دفع فاتورة كهرباء في شهر أغسطس تجاوزت الألفين جنيه، وهو رقم كبير جداً بالنسبة لدخله، لكنه مضطر لاستخدام التكييف بسبب حرارة الشمس المرتفعة ووجود مسكنه في الطابق الأخير.
وأكد سالم أنه كان على وشك الإبلاغ عن جاره، إلا أنه تراجع في اللحظات الأخيرة عن هذا الأمر حتى لا يتعرض جاره للأذى، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه يشعر بأنه يتحمل تكلفة فاتورة جاره “سارق الكهرباء”.
أكد الدكتور حافظ سلماوي أن الحكومة يجب أن تكون لديها وسائل عملية لضبط السارقين وفق إجراءات محكمة، من خلال متابعة الشبكات والاستهلاك، واستكمال منظومة العدادات، وتطبيق العدادات الكودية، مع عدم وضع أي نوع من العراقيل أمام استخدام هذه العدادات لضبط عمليات السرقة.
وأوضح سلماوي أن فكرة العدادات الكودية تتميز بعدم تسجيل اسم المخالف على العداد، وإنما تعتمد على رقم كودي حتى لا يُستخدم العداد لاحقًا كوسيلة لإثبات أحقية في حال قررت المحكمة إزالة المبنى المخالف.
وأشار رئيس جهاز تنظيم مرفق الكهرباء السابق إلى أن الجهاز كان قد أصدر ضوابط لعملية جرائم السرقة، حتى لا يتم خلق حالة من الإرهاب بين المستهلكين، ولتجنب اتهام الجميع بالسرقة حتى تثبت براءتهم.
وتابع أستاذ هندسة الطاقة بأن المطلوب هو أن تشمل إجراءات الضبط تصوير جريمة السرقة، مع وجود ممثل من شرطة الكهرباء الذي يكون له حق الضبطية القضائية.
وطالب سلماوي بوجود وسيلة للاكتشاف السريع لسرقة التيار من خلال “العداد الغفير” على الشبكات، والذي يراقب عمارة سكنية تحتوي على 30 شقة، في حال ظهرت قراءات مختلفة من عداد كل شقة مقارنة بالعداد العام، يمكن حينها رصد عملية السرقة بسهولة.
كما اقترح أن يكون لقارئ العداد الحق القانوني في مراجعة توصيلات الكهرباء حتى يتضح له في كل مرة ما إذا تمت عملية سرقة للكهرباء أم لا، مشيرًا إلى أن هذا الأمر لا يحدث عادة، إذ يكتفي القارئ بأخذ القراءة فقط.
وأشار سلماوي إلى وجود أخطاء أخرى يجب معالجتها، مثل عدم دقة العدادات، وهي ليست جريمة سرقة، ولكن يتطلب الأمر إجراء صيانة دورية للعدادات وتحديث منظومة العدادات كل 9 سنوات. وأكد أن ملايين العدادات في مصر لم يتم تحديثها منذ زمن طويل، مما يؤدي إلى فقدان كبير في الكهرباء.
اقرأ أيضًا:
الغلاء يُعكِّر “فرحة المصريين” بالمولد النبوي
الأزمة الاقتصادية تضع المواطنين تحت وطأة التلوث الغذائي.. شهادات مرعبة وأرقام صادمة
معاناة الأطباء بين تردي العمل في القطاع الحكومي واعتداء أهالي المرضى
رحلة لـ منصة “MENA” في قلب العالم الموازي لصناعة الدواء في مصر