أعلنت الحكومة المصرية مؤخرًا، طرح خمس مناطق على ساحل البحر الأحمر للاستثمار، من بينها منطقة “رأس بناس”، على غرار صفقة “رأس الحكمة” لجذب رؤوس الأموال الأجنبية المباشرة لتنمية هذه المناطق الواعدة، إذ تُعد هذه الجزر من أجمل مناطق العالم، وتحتوي على أكبر تجمع للشعاب المرجانية في مصر، ما يجعلها وجهة مثالية للسياحة البحرية والتنمية العقارية.
ويسعى الجانب السعودي للفوز بصفقة الاستحواذ على منطقة “رأس بناس”، وفقًا لما صرح به المهندس طارق شكري، وكيل لجنة الإسكان بمجلس النواب، لمنصة “MENA“، إذ قال إن الحكومة تعمل على تحسين مناخ الاستثمار وجذب الاستثمارات.
شراكات كبرى
أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، خلال اجتماع لمجلس الوزراء، أن الهدف من طرح هذه المناطق هو الدخول في شراكات كبرى لجذب استثمارات أجنبية مباشرة، ما سيساهم في خلق نشاط اقتصادي كبير في مصر خلال الفترة المقبلة.
وكان استقبل الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء السعودي، في منتصف سبتمبر الماضي، الدكتور مصطفى مدبولي في الرياض، بحضور كل من أحمد كجوك، وزير المالية، والمهندس حسن الخطيب، وزير الاستثمار والتجارة الخارجية، والسفير أحمد فاروق، سفير مصر لدى الرياض.
من الجانب السعودي، حضر اللقاء الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية، والدكتور عصام بن سعيد، وزير الدولة عضو مجلس الوزراء لشؤون مجلس الشورى، والدكتور ماجد القصبي، وزير التجارة، والمهندس خالد الفالح، وزير الاستثمار، ومحمد الجدعان، وزير المالية، وياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمارات العامة، إذ جاءت هذه الزيارة في إطار دعم وتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وفقًا لما ذكره المستشار محمد الحمصاني، المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء.
تدفقات استثمارية غير مسبوقة
أعلن ولي العهد السعودي، خلال اللقاء، توجيه صندوق الاستثمارات العامة السعودي لضخ استثمارات بقيمة 5 مليارات دولار في مصر كمرحلة أولى.
وأكد وزير الاستثمار السعودي، خالد الفالح، أن الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية في مصر قد تؤدي إلى تدفقات استثمارية غير مسبوقة، بقيادة سعودية، مضيفًا: سنكون شركاء مع مصر، وليس مجرد مستثمرين، فمصر تمثل أحد أهم الشركاء الاقتصاديين للمملكة، ولافتًا إلى أن حجم التبادل التجاري بين مصر والسعودية تجاوز 124 مليار ريال خلال عامي 2022 و2023.
وفي اللقاء ذاته، صرح وزير التجارة السعودي، ماجد بن عبد الله القصبي، بأنه يتطلع إلى أن تسهم اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمارات المشتركة بين البلدين في تحقيق استفادة مزدوجة، من خلال زيادة معدلات الاستثمارات وتبادل الخبرات بشكل أوسع.
من جهته، أوضح رئيس الوزراء المصري، في مؤتمر صحفي بالقاهرة بعد عودته من الرياض، أن الاستثمارات السعودية ستوجه خلال الفترة المقبلة إلى عدة قطاعات تنموية في مصر، من بينها السياحة، الصناعة، وقطاع الطاقة الجديدة والمتجددة، بما يحقق عوائد استثمارية، مشيرًا إلى وجود رغبة كبيرة من جانب صندوق الاستثمارات السعودي والقطاع الخاص السعودي في مضاعفة الاستثمارات في مجالات مثل الطاقة الجديدة والمتجددة وتحلية مياه البحر، باستثمارات تتجاوز 10 إلى 15 مليار دولار.
منتجع سياحي إقليمي متكامل
والتقت يمنى البحار، نائبة وزير السياحة والآثار المصرية، في سبتمبر الماضي، مع محمد آل ناصر، الرئيس التنفيذي للهيئة السعودية للبحر الأحمر، والأمير سعود بن تركي بن فهد آل سعود، المدير التنفيذي للشراكات الاستراتيجية بالهيئة، في مقر وزارة السياحة بالعاصمة الإدارية الجديدة.
كان اللقاء يهدف إلى تعزيز التعاون بين مصر والسعودية في مجال السياحة الساحلية على البحر الأحمر، وتنشيط الحركة السياحية بين البلدين من خلال إنشاء وتسويق منتج سياحي إقليمي متكامل، بالإضافة إلى جذب أنماط سياحية جديدة مثل “سياحة اليخوت”.
في اليوم ذاته، التقى الدكتور رميح بن محمد الرميح، نائب وزير النقل ورئيس الهيئة العامة للنقل بالمملكة العربية السعودية، مع الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، وأكدا في بيان صحفي صادر عن الهيئة تعزيز التعاون بين البلدين في تطوير السياحة البحرية، وتسهيل دخول “اليخوت” وسفن “الكروز” وإبحارها في المشروعات الكبرى على البحر الأحمر.
وأعلن شريف الشربيني، وزير الإسكان المصري، في مؤتمر صحفي عُقد مؤخرًا بالقاهرة، أن الدولة وضعت خطة استثمارية لتطوير منطقة “رأس بناس” على البحر الأحمر، وطرحها على المستثمرين السياحيين، سواء كانوا محليين أو أجانب. وأوضح أن “رأس بناس” تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي لقربها من المدن الحيوية، إضافة إلى امتلاكها لواجهة بحرية مميزة.
ووفقًا لمصادر من الجانبين المصري والسعودي تحدثت إلى منصة “MENA“، فإن القطاع الخاص السعودي، الذي يُعد من أكبر المستثمرين في مصر، يُبدي اهتمامًا كبيرًا بإعلان الحكومة المصرية طرح أربع إلى خمس مناطق على ساحل البحر الأحمر، من بينها “رأس بناس”، للتعاون المشترك في تطوير السياحة الساحلية.
ودائع واستثمارات
وذكرت مصادر أن المملكة العربية السعودية تستهدف تحويل ودائعها في مصر، التي تخطت مليارات الدولارات، إلى استثمارات في عدد من القطاعات بالسوق المصرية، وخلال عامين، وقعت السعودية ومصر 14 اتفاقية باستثمارات تتجاوز 29 مليار ريال بين القطاع الخاص السعودي والمصري.
وأشار أحد المصادر في وزارة الاستثمار والتجارة الخارجية المصرية إلى أن الحكومة تبذل جهودًا كبيرة لحل مشكلات المستثمرين السعوديين بالتعاون مع سفارة المملكة العربية السعودية بالقاهرة، استنادًا إلى العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين، وحلت 70% من هذه المشكلات.
وأضاف المصدر أن فرقًا فنية وتنفيذية تعكف حاليًا على تجهيز اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمار بين مصر والسعودية، لجذب رؤوس أموال جديدة ودعم الاستثمارات القائمة، ومن المتوقع الانتهاء منها في فترة تتراوح بين شهرين إلى ثلاثة أشهر.
وأفاد مصدر سعودي في مجلس الأعمال المصري السعودي بأن هناك توجهاً قوياً لتحويل الودائع السعودية في البنك المركزي المصري إلى استثمارات، نظرًا لوجود العديد من الفرص الاستثمارية المهمة في مصر، التي تجذب رجال الأعمال السعوديين، وسيكون هناك تعاون كبير مع القطاع الخاص المصري.
قال سعيد علي، الخبير السياحي، إن التعاون المصري السعودي في تنمية المناطق الواعدة بالبحر الأحمر يحقق عدة مكاسب، أهمها زيادة عدد السياح من مختلف دول العالم، مما يعزز تنافسية المقصد السياحي المصري، كما يؤدي إلى زيادة تدفقات النقد الأجنبي، وعلى رأسها الدولار؛ ما يرفع الاحتياطي النقدي الأجنبي ويمنح البلاد مرونة في سداد التزاماتها الدولية واستيراد السلع، ويسهم أيضًا في إنعاش الجنيه مقابل سلة العملات الدولية، وتوفير فرص عمل، وتحقيق نمو اقتصادي مستدام، وتحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي، فضلاً عن تطوير البنية التحتية وتحسين مستوى المعيشة للمواطنين.
وذكر الخبير السياحي لمنصة “MENA” أن هذه الخطوة تأتي عقب صفقة تطوير رأس الحكمة، التي وقعتها مصر في فبراير الماضي مع شركة أبو ظبي التنموية القابضة الإماراتية، مقابل 35 مليار دولار، موزعة ما بين 24 مليار دولار سيولة دولارية مباشرة، بالإضافة إلى 11 مليار دولار كودائع مستحقة للإمارات في البنك المركزي المصري، يتم تحويلها بالجنيه لاستخدامها في تنمية المشروع.
تنافسية عالية وتسهيلات
توقع إيهاب شكري، عضو جمعية الاستثمار السياحي بالبحر الأحمر، لمنصة “MENA” أن يصل حجم الاستثمار في هذه المناطق لنحو 10 مليارات دولار خلال خمس سنوات، مضيفًا أن المستثمرين سيقبلون عليها لما تتمتع به من تنافسية عالية، وميزات في ظل اهتمام الدولة بملف الاستثمار، ومنح حوافز استثمارية وتسهيلات في الإجراءات والتراخيص.
محمد يوسف، المدير التنفيذي لجمعية رجال الأعمال المصريين
فيما قال محمد يوسف، المدير التنفيذي لجمعية رجال الأعمال المصريين، إن الجمعية شكلت لجنة لوضع الخطوط العريضة لتأسيس كيان استثماري في السعودية، بالتزامن مع وضع اللمسات النهائية لاتفاقية حماية الاستثمار السعودي المصري. وأعلن أن أحد أهداف الكيان المقترح هو تحقيق المنفعة للطرفين من خلال تعريف المستثمرين السعوديين بالفرص الاستثمارية المتاحة في السوق المصرية.
7 آلاف شركة
أعلن بندر العامري، رئيس مجلس الأعمال السعودي المصري، في تصريحات صحفية أن حجم الاستثمارات السعودية في مصر تجاوز 35 مليار دولار، من خلال 7 آلاف شركة من القطاع الخاص. واعتبر أن مصر هي الشريك التجاري الأول للمملكة العربية السعودية في أفريقيا.
وفي أغسطس 2022، وبفضل التقارب الكبير بين حكومتي مصر والسعودية، تم تأسيس الشركة السعودية المصرية للاستثمار، وهي شركة مملوكة بالكامل لصندوق الاستثمارات العامة، بهدف الاستثمار في مجالات البنية التحتية، والتطوير العقاري، والرعاية الصحية، والخدمات المالية، والصناعات الغذائية والزراعية داخل مصر.
وتعتبر منطقة رأس بناس في محافظة البحر الأحمر منطقة ساحلية تمتلك إمكانيات طبيعية هائلة تجعلها وجهة مثالية للاستثمار في القطاع السياحي والعقاري.
وأوضح الخبير السياحي عاطف عبد اللطيف، لمنصة “MENA“، أن المنطقة غير مستغلة رغم ميزاتها الطبيعية الرائعة، وعند تطويرها ستساهم في دعم مستهدفات الحكومة لزيادة عدد السياح إلى 30 مليون سائح، من خلال إنشاء فنادق ومنتجعات سياحية وتطوير البنية التحتية. كما أشار إلى أن عملية التطوير ستعمل على حماية البيئة الطبيعية الفريدة في المنطقة.
النائب محمد عطية الفيومي، رئيس لجنة الإسكان بالبرلمان المصري
وحول تفاصيل صفقة “رأس بناس”، قال النائب محمد عطية الفيومي، رئيس لجنة الإسكان بالبرلمان المصري، لمنصة “MENA“، إن الصفقة تصل إلى تريليوني جنيه مصري، أي ما يعادل 41 مليار دولار، وستتم بالجنيه المصري لدعم المستثمر المحلي. وأكد أن هذه الصفقة أكبر من صفقة “رأس الحكمة” التي تقدر مساحتها بـ 170 مليون متر مربع، حيث تبلغ مساحة منطقة رأس بناس 200 مليون متر مربع.
من جانبه، توقع الدكتور خالد الشافعي، خبير اقتصادي، لمنصة “MENA“، ألا تقل قيمة صفقة منطقة رأس بناس عن 50 مليار دولار، نظرًا للمميزات الكبيرة التي تتمتع بها المنطقة ومساحتها الشاسعة، ما يجعلها مقصدًا سياحيًا عالميًا.
رغم تحقيق الصفقة المرتقبة عدة أهداف اقتصادية واستراتيجية، حذر عدد من الخبراء من وجود مخاطر محتملة تتطلب وضع عدد من الضوابط، مثل دراسات الجدوى والضوابط البيئية.
وطالب الخبير الاقتصادي مصطفى بدرة في تصريح خاص لمنصة “MENA” بضرورة التأكد من أن عملية الاستثمار في المنطقة تتم وفقًا لخطة واضحة للحفاظ على النظام البيئي، نظرًا لامتلاك رأس بناس شعابًا مرجانية ومحميات طبيعية نادرة.
وشدد الدكتور عبد المنعم السيد، مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية، لمنصة “MENA“على أهمية وجود دراسات جدوى تفصيلية تضمن استمرارية العائدات على المدى الطويل. وأكد أنه إذا تم تنفيذ هذا المشروع بنجاح، فقد يفتح الباب أمام فرص استثمارية جديدة في مناطق أخرى من مصر.
في سياق متصل، نشر الخبير الاقتصادي ورئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام السابق، أحمد السيد النجار، مقالًا على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” بعنوان “رأس بناس.. الحلقة الجديدة في بيع الأرض!”، أشار فيه إلى أن الصفقة المحتملة تعني بيع “رأس بناس”، وأنه يتم التفاوض مع الهيئة السعودية للبحر الأحمر لشرائها.
اقرأ أيضًا:
المنطقة الاقتصادية لقناة السويس.. مؤشر الخطر وهامش التطور
بيع أم استثمار.. ماذا يحدث في منجم السكري؟