سياسة

سفينتان تنقلان مواد متفجرة إلى إسرائيل.. قصة المرور وسبب الجدل

نشرت منظمة العفو الدولية مؤخراً، تقريراً حول السفينة الألمانية كاترن التي كانت ترفع علم البرتغال وتحمل مواد متفجرة في طريقها إلى إسرائيل. وفقاً للتقرير، كانت السفينة تحمل ثماني حاويات من مادة آر دي إكس هيكسوجن، التي تُعدّ من بين أكثر المواد المتفجرة نشاطاً وتستخدم في تصنيع القنابل. بالإضافة إلى ذلك، كانت تحتوي على 60 حاوية من مادة تي إن تي، إلا أنه لم يُعرف حتى الآن الجهة المستفيدة من هذه المادة. تم تحميل البضائع في ميناء هاي فونغ بفيتنام، ومن المقرر أن تُفرَّغ في ميناء كوبر بسلوفينيا، مع اعتبار إسرائيل الوجهة النهائية.

(مصدر المعلومات: الشرطة الوطنية الناميبية وسلطات نامبورت)

 

 

 

واستأنفت إسرائيل خلال العقد الماضي تعاونها العسكري مع فيتنام، رغم ارتباط الشعب الفيتنامي تاريخياً بنضال التحرير الفلسطيني ودعم حكومته للحقوق الفلسطينية في الخطاب الرسمي. وتعدّ هذه الخطوة خيانة لهذا التاريخ، حيث أصبحت فيتنام الآن مصدراً للمتفجرات ذاتها التي استخدمتها الولايات المتحدة سابقاً لإبادة وتشويه الملايين من الفيتناميين، وذلك بهدف دعم إسرائيل في انتهاكاتها ضد الفلسطينيين.

جدير بالذكر أن بعض الدول رفضت استقبال السفينة، منها ماليزيا، الجبل الأسود، أنغولا، مالطا، وسلوفينيا.

 

في 7 أكتوبر، قامت حكومة مالطا بحظر السفينة كاترن من دخول مياهها الإقليمية، وأكد مسؤول حكومي هذا القرار بعد ضغوط من نشطاء حركة المقاطعة ونشطاء حملة #BlockTheBoat، إلى جانب تحذيرات من المقررة الخاصة للأمم المتحدة، فرانشيسا ألبانيز، التي أشارت إلى أن أي دولة تقدم خدمات للسفينة MV Kathrin أو تسمح لها بدخول مياهها الإقليمية قد تكون متواطئة قانونياً في الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.

 

في 6 سبتمبر، أصدر المركز الأوروبي للدعم القانوني (ELSC) إشعاراً قانونياً يطالب فيه الحكومة البرتغالية بإزالة علمها من السفينة التي تحمل متفجرات متجهة إلى إسرائيل، “امتثالاً لالتزاماتها بمنع جريمة الإبادة الجماعية”.

 

كما انضمت جماعات التضامن في الجبل الأسود في 24 سبتمبر إلى الحملة لوقف شحنة السفينة كاترين الإسرائيلية، التي تستهدف إبادة 2.3 مليون فلسطيني في غزة، ودعت حكومتها للتضامن مع فلسطين ومنع رسو السفينة، مشيرة إلى الالتزامات القانونية في منع المشاركة بأي شكل في الإبادة الجماعية.

 

وبحسب مواقع رصد الملاحة، انطلقت السفينة في 21 مايو الماضي من ميناء هينكونج بفيتنام، وسلكت طريق رأس الرجاء الصالح بدلاً من باب المندب بسبب وجود جماعة الحوثيين في اليمن. وصلت السفينة في 26 أغسطس إلى ناميبيا، حيث تباطأت سرعتها، إلا أن السلطات هناك رفضت السماح لها بالرسو بحجة أنها تحمل متفجرات متجهة إلى إسرائيل، وأكملت السفينة رحلتها حتى رست في ميناء الإسكندرية في 28 أكتوبر الماضي.

 

وأثار رسو السفينة جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تم تداول معلومات تفيد بأن مصر تساعد إسرائيل في حرب الإبادة الجماعية في لبنان وقطاع غزة. ورداً على هذه الشائعات، أصدر المتحدث الرسمي باسم الجيش المصري بياناً ينفي فيه أي تعاون مع إسرائيل، قائلاً: “تهيب القوات المسلحة بالجميع تحري الدقة فيما يتم تداوله من معلومات، وتؤكد أن القوات المسلحة هي درع الوطن وسيفه لحماية مقدراته والزود عن شعبه العظيم”.

 

وبعد بيان الجيش، أصدرت وزارة النقل المصرية بياناً أكدت فيه أن “ما تم نشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بأن الحكومة المصرية سمحت لإحدى السفن الألمانية بالرسو في ميناء الإسكندرية، غير صحيح وعار تماماً من الصحة”. وأوضحت الوزارة أنه تم السماح للسفينة كاترين، التي تحمل العلم البرتغالي، بالرسو في ميناء الإسكندرية لتفريغ شحنة خاصة بوزارة الإنتاج الحربي، وقد تقدمت السفينة بطلب رسمي لمغادرة الميناء نحو ميناء حيدر باشا في تركيا لاستكمال خط سيرها.

 

 

وفي هذا السياق، قال السفير معصوم مرزوق، إن اتفاقية القسطنطينية الموقعة في 29 أكتوبر 1888، بين الإمبراطورية العثمانية والإمبراطورية النمساوية وإنجلترا وفرنسا، تضمن حرية مرور السفن عبر قناة السويس دون تمييز بين الدول.

 

وذكر السفير أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر أعلن في عام 1965 تأكيد التزام مصر بهذه الاتفاقية عند تأميم القناة، وحاول تهدئة التوترات الدبلوماسية التي نشبت مع فرنسا وإنجلترا بعد تأميم القناة عبر تقديم تعويضات.

 

وأوضح السفير معصوم في تصريحات “لمنصة MENA“، أن مصر كانت تفرض قيوداً على السفن الإسرائيلية قبل عام 1956، بما في ذلك منع مرورها في قناة السويس وخليج العقبة، حيث كانت مصر تستخدم هذا الحق لمنع السفن التابعة للدول التي كانت تعتبرها في حالة حرب معها. وأضاف أن بعد عام 1956، وافقت إسرائيل على الانسحاب من سيناء بعد ضغط دولي، فيما أكدت الولايات المتحدة موقفها بأن قناة السويس تقع ضمن السيادة المصرية الكاملة، وأن حرية مرور السفن يجب أن يتم وفقاً للسيطرة المصرية.

 

تباين المواقف حول سفينة كاثرين

 

وأكد السفير مرزوق معصوم أن مصر تواجه ضغوطًا دولية تتعلق بتعاملها مع السفن الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن موقف مصر من خليج العقبة كان حاسمًا في فترة الخمسينات والستينات، عندما اتخذ الرئيس جمال عبد الناصر قرارًا بإغلاق مضيق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية. هذا القرار، الذي جاء في وقت حساس من التاريخ العربي، كان جزءًا من سياسة حربية تهدف إلى منع مرور السفن الإسرائيلية في المنطقة.

 

وأوضح مرزوق أنه في عام 1957، قامت إسرائيل بعبور السفن عبر خليج العقبة، وهو ما كان له تداعيات كبيرة على العلاقات الإقليمية. وقد اتخذ عبد الناصر القرار بإغلاق المضيق أمام الملاحة الإسرائيلية، وهو ما اعتُبر بمثابة إعلان حرب من قبل إسرائيل. هذه الأحداث ساهمت في تصعيد الأوضاع بشكل غير مسبوق، حيث قامت إسرائيل باحتلال سيناء في وقت لاحق من عام 1967، مما أدى إلى توقف حركة الملاحة في قناة السويس حتى عام 1975.

 

وأضاف معصوم أنه في الوقت الراهن، لا يزال الوضع القائم في قناة السويس يخضع للاتفاقات الدولية الموقعة، مثل معاهدة القسطنطينية لعام 1888، التي تضمن مرور السفن كافة عبر القناة دون تمييز. وأشار إلى أن مصر ملتزمة بهذه المعاهدة، رغم تزايد الضغوط والحديث عن ضرورة تعديل بعض بنودها لتواكب التطورات الراهنة.

 

التضارب في الروايات حول السفينة كاثرين

 

فيما يتعلق بالسفينة الألمانية كاثرين، التي أثارت جدلًا واسعًا، أصدرت وزارة النقل المصرية بيانًا أكدت فيه أن السفينة التي تحمل علم البرتغال قد تم السماح لها بالرسو في ميناء الإسكندرية لتفريغ شحنة خاصة بمصانع الإنتاج الحربي المصرية. وأوضح البيان أن محتويات السفينة لم تُكشف بعد بشكل رسمي، وأن ما يتم تداوله حول حملها لأسلحة ومواد متفجرة موجهة لإسرائيل هو محض تكهنات لا أساس لها من الصحة.

 

وفي اليوم التالي، انتشر فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي يظهر السفينة الإسرائيلية الحربية “ساعر” تعبر قناة السويس، مما أثار تساؤلات جديدة حول حقيقة موقف مصر في هذه المسألة.

 

ردود فعل محلية ودولية

 

وفي هذا السياق، عبّر مدحت الزاهد، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، عن استنكاره لما يتم تداوله حول استقبال ميناء الإسكندرية لسفينة “كاثرين”، معتبرًا أن ذلك يمثل “عارًا سياسيًا وأخلاقيًا”. وطالب الحكومة المصرية بالرد الرسمي على هذه الاتهامات، مؤكدًا أن مصر يجب أن تلتزم بالحظر الدولي على توريد الأسلحة لإسرائيل، في ظل تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في غزة ولبنان.

 

وأكد الزاهد أن العديد من الدول الأوروبية، بما في ذلك المملكة المتحدة وإيطاليا وهولندا، بالإضافة إلى كندا واليابان، قد أوقفت توريد الأسلحة إلى إسرائيل بسبب جرائم الحرب التي ارتكبتها. وطالب بضرورة أن تلتزم مصر بهذه القرارات، وأن تتجنب أي دور في دعم إسرائيل أو تسهيل مرور شحنات الأسلحة عبر موانئها أو قناة السويس.

 

المطالبات بمحاسبة المسؤولين

 

ختامًا، دعا الزاهد إلى محاسبة المسؤولين عن هذه الانتهاكات، مؤكدًا أن مصر يجب أن تكون واضحة وصريحة في مواقفها السياسية والدبلوماسية، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات مع إسرائيل، وأن تأخذ موقفًا أكثر وضوحًا تجاه هذا النوع من القضايا.

 

اقرأ أيضًا:

 

تراجع إيرادات قناة السويس.. تهديدات الحوثيين للملاحة في البحر الأحمر وخيارات مصر للتعامل معها

 

مشروع مبنى القبة التاريخي لقناة السويس.. ما وراء التطوير؟

 

ما حظوظ “صيادي البردويل” أمام الاستثمار الأجنبي؟

 

تدشين مشروع رأس الحكمة.. ماذا عن الكواليس؟

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية