إغلاق ساندفاين الكندية بعد تورطها في مراقبة النشطاء يثير جدلاً حول انتهاكات الخصوصية
في فبراير الماضي، أدرجت الولايات المتحدة الأمريكية شركة التقنية الكندية ساندفاين/Sandvine – التي تعمل في أكثر من 50 دولة في الشرق الأوسط وأفريقيا – على قائمة الكيانات المحظور التعامل معها، بسبب تزويدها الحكومة المصرية بتكنولوجيا مراقبة تستهدف النشطاء السياسيين وحقوق الإنسان.
وكانت “ساندفين” تمتلك مكتبيْن للبحث والتطوير، أحدهما في الهند والآخر في إسرائيل، ولكن في عام 2013، أغلقت الشركة مكتبها في إسرائيل، والذي كانت تُديره بعد استحواذها على شركة Cablematrix Technologies الإسرائيلية، ونقلت عملياته إلى مكتبيها في الهند وكندا.
وقد سبق أن أعلن الصحفي أحمد الطنطاوي، المرشح المستبعد من الانتخابات الرئاسية وعضو البرلمان السابق، خلال حملته الانتخابية لعام 2024، أن هاتفه المحمول تعرض للاختراق بواسطة شركة ساندفاين الكندية، مشيرًا إلى أنه ينتظر صدور تقرير رسمي من مختبر Citizen Lab التابع لجامعة تورنتو الكندية.
وأكد التقرير الذي تلقاه الطنطاوي أن هاتفه تعرض لسلسلة من الهجمات باستخدام برمجية التجسس “Predator” بدءًا من 15 سبتمبر 2021، وهو التاريخ الذي بدأ فيه لأول مرة في تلقي اتصالات ورسائل من المواطنين يدعونه للترشح في الانتخابات الرئاسية، وقد صرح لهم حينها بأنه سيقوم بدراسة الأمر بعناية.
وأشار التقرير إلى استخدام برمجية “Pegasus” الشهيرة إلى جانب “Predator”، وهي برمجيات تؤكد الأبحاث المتخصصة أنها لا تتوفر إلا للحكومات بسبب تكلفتها الباهظة وإمكانية الحصول عليها، مع العلم أن هذه التقنية تم تطويرها بشكل أساسي من قبل شركة مقرها إسرائيل.
في هذا السياق، صرحت الصحفية المصرية رشا قنديل، زوجة أحمد الطنطاوي، بأن تعليقها الشخصي على هذه الواقعة يتمثل في أنها تعد إهداراً لموارد الدولة وأموال الشعب المصري في غير محلها، ومحاولة لتقويض مواد مهمة في الدستور.
وأشارت قنديل إلى أن هذه الحادثة محاولة يائسة، لدرجة إنفاق ملايين الجنيهات على الرقابة، سواء كانت سيبرانية أو فيزيائية، ضد شخص واحد ثم آخر.
وأوضحت أن قرار إنهاء عقد الشركة في مصر خلال مارس القادم، كان متوقعاً جداً، مشيرة إلى أن الممارسات من هذا النوع تخضع لعقوبات صارمة في الدول التي تحترم القانون.
أكدت رشا أن الشركة تحاول بالتأكيد إنقاذ سمعتها، وأن الحادثة التي كشفها أحمد الطنطاوي لم تكن الوحيدة، بل جاءت ضمن سلسلة من الانتهاكات، معتبرة قرار إنهاء العقد قراراً حكيماً في ظل محاولات الحكومة المصرية السيطرة على وسائل الاتصال.
كما أشارت إلى أن هذه الانتهاكات تعد خرقاً للدستور، الذي يضمن حقوق المواطنين في الخصوصية والسرية، مضيفةً أن الدولة تتعامل بانتهاك واضح لهذه الحقوق، إذ يُنفق الشعب الذي يعاني من ضيق العيش على برامج تلفزيونية ممولة من أمواله تظهر فيها رسائل وفيديوهات مسيئة للأفراد.
وقالت رشا: “لو كان هناك أدنى شك في ماضي أي منا، لما ارتبطنا، لقد كنا نحارب من أجل حقنا في الخصوصية”.
وفي سياق عملها كصحفية، أكدت رشا معارضتها التامة للممارسات الرقابية، تحت أي مبرر وفي أي دولة في العالم، مشيرة إلى أن بعض الدول الغربية، التي تنتمي إليها بعض هذه الشركات، تمارس أحياناً هذه الرقابة بدعوى الحفاظ على الأمن القومي ومنع الإرهاب.
واختتمت تصريحها بالتأكيد على دعمها لحق الأفراد في الخصوصية، كحق أساسي مكفول بالقوانين المحلية والدولية.
صرّح هشام قاسم، الناشط السياسي ورئيس مجلس إدارة جريدة المصري اليوم السابق، أن أنظمة المراقبة تهدف بالأساس إلى مكافحة الإرهاب، ولكن بعض الأنظمة تستغل هذه التقنيات للتجسس على المواطنين.
وأوضح في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” أن هذه الممارسات تؤدي بمرور الوقت إلى نظرة دونية من الغرب تجاه الدول التي تتبع هذه الأساليب، مما يؤدي إلى تعرضها للضغوط الخارجية والانتقادات خلف الأبواب المغلقة من قبل الشركات الكبرى.
وأشار قاسم إلى الحوادث التي تعرضت لها شركة “إن إس أو” الإسرائيلية، المعروفة بتطوير برنامج “بيغاسوس” للتجسس، والتي تسببت في إلحاق ضرر بصناعة البرمجيات في إسرائيل ككل، ونتيجة لهذه الممارسات، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الشركة، ما أدى إلى تكبد الصناعة الإسرائيلية خسائر فادحة.
وأكد قاسم أن الولايات المتحدة نفسها تمتلك أنظمة مراقبة، لكن استخدامها يختلف عن تلك الأنظمة التي تستغل هذه التقنيات في التجسس على المعارضين أو حجب المعلومات، موضحةً أن هناك فرقًا بين حجب المواقع التي تنشر محتوى غير قانوني مثل المواد الجنسية التي تستهدف القاصرين أو المحتويات المحرمة دوليًا، وبين حجب المواقع لأسباب سياسية.
وأضاف أنه من المؤكد أن الشركات التي كانت تتعامل مع “إن إس أو” تبحث الآن عن بدائل أخرى، إن لم تكن قد تعاقدت بالفعل مع شركات جديدة.
“ساندفين تخصص 1٪ من أرباحها المقبلة لدعم منظمات حماية الإنترنت
وتطرق هشام قاسم أيضًا إلى حادثة تسليم شركة “ياهو” لمعلومات إلى النظام الصيني، مما أدى إلى سجن أحد المعارضين هناك، مؤكدًا أن هذه الخطوة كلفت “ياهو” خسائر فادحة، إذ كانت الشركة تعتقد أنها لن تخسر السوق الصيني بهذه الطريقة، لكن الحقيقة أن الأضرار التي لحقت بها كانت أكبر بكثير.
وأضاف أن “ياهو” تحاول الآن تنظيف سمعتها التي تلطخت بسبب تعاونها مع بعض الأنظمة القمعية.
وفي السياق ذاته، صرّح المحامي الحقوقي مالك عدلي بأن المطالبة المستمرة للشركات المنتجة لتكنولوجيا المراقبة بعدم التورط في انتهاكات حقوق الإنسان هو أمر أساسي، وعندما تلتزم إحدى هذه الشركات بهذه المطالب، فإنه يستحق التقدير والشكر.
هل اعتقل سجناء بسبب مراقبة الشركة؟
وتابع عدلي في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” قائلاً إنه لا يمكن حصر عدد المعتقلين بسبب مراقبة الشركة لهم، لأن قضايا المراقبة عادة ما تكون مرتبطة بقضايا أكبر.
وأوضح أن أغلب القضايا السياسية في مصر تنشأ بسبب المشاركة في مظاهرات، أو الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى تفتيش الأجهزة المحمولة بحثاً عن أي دليل، ما يؤدي إلى القبض على صاحب الجهاز، أما بخصوص فكرة المراقبة الإلكترونية بحد ذاتها كسبب مباشر للاعتقال، فقد أكد عدلي أنه لا يستطيع الجزم بأنها كانت السبب في سجن المعتقلين داخل مصر.
واختتم عدلي حديثه بالقول إن إغلاق هذه الشركة في 32 دولة، بما في ذلك مصر، يُعد خطوة إيجابية. وأقرّت هذه الشركات بتورطها في انتهاكات سواء داخل مصر أو خارجها، وهو ما يعزز من أهمية اتخاذ إجراءات مماثلة لحماية حقوق الإنسان.
اقرأ أيضًا:
عودة بطرس غالي للمشهد الاقتصادي.. من المستفيد؟
انسحاب مستثمرين من مشروع تطوير أرض مصرية.. من الخاسر؟
خصام “غير مبرر” بين وزارتي التعليم العالي والعمل.. ماذا يفعل الشباب؟