اقتصاد

صفقات الاستثمار الإماراتية في مصر.. من المستفيد؟

في مشهد اقتصادي يعكس التحولات العميقة في العلاقات الاستثمارية بين مصر والإمارات، وافق جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية على استحواذ شركة “أبوظبي التنموية القابضة” (ADQ) على حصص كبيرة في ثلاث شركات مصرية بارزة.

 

تأتي هذه الخطوة في إطار استراتيجية الشركة لتعزيز نفوذها الإقليمي في قطاعات استراتيجية تشمل البتروكيماويات والطاقة، حيث استحوذت “ADQ” على 25% من أسهم شركة الحفر المصرية، و30% من أسهم شركة “إيثيدكو” المتخصصة في إنتاج الإيثيلين ومشتقاته، إضافة إلى 35% من أسهم شركة “إيلاب” لإنتاج الألكيل بنزين الخطي. هذه الصفقات، التي تمت بموافقة جهاز حماية المنافسة، تهدف إلى تعزيز الشراكة الاقتصادية بين الدولتين ودعم الاقتصاد المصري من خلال جذب استثمارات كبرى.

 

هل هذه الخطوة مجرد توسع استثماري أم بداية لتحولات هيكلية في مشهد الأعمال المصري؟ هذا السؤال يطرح نفسه بقوة، خاصة مع تسليط الضوء على الأبعاد الاقتصادية لهذه الخطوة ودورها في توطيد العلاقات الإماراتية-المصرية. كما يُثار الحديث بين البعض حول عملية تحويل الأرباح بالعملة الصعبة لهؤلاء الشركاء إلى الخارج.

 

65 مليار دولار استثمارات

 

يشير جمال بن سيف الجروان، الأمين العام لمجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج، إلى أن الاستثمارات الإماراتية في مصر شهدت قفزة كبيرة، حيث وصلت إلى نحو 65 مليار دولار، بعد إتمام صفقة “رأس الحكمة”، التي وصفها بأنها الأكبر في تاريخ الاستثمار المباشر للإمارات، بقيمة بلغت 35 مليار دولار. ويرى الجروان أن هذه الصفقة تحمل رسالة قوية تعكس الثقة المتبادلة بين البلدين، كما أنها تتصدر المشهد الاقتصادي على المستويين الإقليمي والعالمي. وتشير البيانات حتى مارس 2024 إلى هذه الاستثمارات، قبل عمليات الاستحواذ الأخيرة.

 

وفيما يتعلق بمستقبل هذه الاستثمارات، أكد الجروان أن العلاقات الاقتصادية بين الإمارات ومصر تتطور بشكل إيجابي، ما يفتح المجال لمزيد من الفرص الواعدة. وأوضح أن اتخاذ قرار الاستثمار في مصر يتطلب فهماً عميقاً لتركيبة الاقتصاد المحلي، مشيراً إلى أن الأجواء الحالية مشجعة للغاية، خاصة مع إمكانية ضخ عملات صعبة وإنعاش الاقتصاد المحلي، وهو أمر شائع في الأسواق الناشئة.

 

 

المجالات الاستثمارية والقطاعات المستهدفة

 

وأشار الجروان إلى أن الإمارات تحتل المرتبة الأولى بين الدول المستثمرة في مصر، حيث تعمل أكثر من 2000 شركة إماراتية في السوق المصري. تشمل هذه الشركات قطاعات متنوعة مثل: “الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، العقارات والنفط والغاز، الزراعة والموانئ، تجارة التجزئة والطاقة المتجددة، النقل والتخزين والخدمات اللوجستية، القطاع المالي والبنوك، الترفيه، المدن الذكية، السياحة والفنادق، الخدمات الطبية وإدارة النفايات”.

 

وأضاف أن هذا التنوع يعكس قوة الاستثمارات الإماراتية في دعم مختلف القطاعات الحيوية داخل الاقتصاد المصري.

 

توقعات الاستثمارات لعام 2024

 

وفي مارس الماضي، كان توقع الجروان أن يشهد عام 2024 مزيدًا من الصفقات والاستحواذات، مع التأكيد على أن الأولوية تعتمد على طبيعة الفرص التي تتاح في الوقت المناسب. ويرى أن الدبلوماسية الاقتصادية الإماراتية أثبتت فعاليتها، حيث أصبحت الاستثمارات الإماراتية محل اهتمام عالمي، نظرًا للثقة العالية في الكفاءة الإدارية للمستثمرين الإماراتيين والموارد الكبيرة التي توفرها الدولة.

 

الاستثمارات الإماراتية حول العالم

 

أوضح الجروان أن الاستثمارات الإماراتية تمتد إلى نحو 90 دولة حول العالم، وتشمل مناطق ذات أولوية مثل الهند، إندونيسيا، دول الآسيان، مصر، المغرب، وسط آسيا، وأوروبا الشرقية (خاصة صربيا واليونان وتركيا). كما تركز الإمارات على أسواق مثل بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، الولايات المتحدة، وكندا.

 

وتابع: “الإمارات تتصدر دول المنطقة في الاستثمارات الخارجية، حيث تُقدر قيمة الأصول الإجمالية للاستثمارات الإماراتية بنحو 2.5 تريليون دولار حتى مطلع عام 2024. وتعد هذه الاستثمارات قوة اقتصادية كبيرة تعمل على فتح أسواق جديدة وتعزيز الشراكات الاستراتيجية، مع التركيز على الأسواق الناشئة التي توفر فرصًا للنمو طويل الأجل.”

 

تفاصيل عمليات الاستحواذ الأخيرة

 

وأعلن جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية عن موافقته على سلسلة من الاستحواذات الكبرى التي تستهدف شركات محلية ودولية، مشددًا على أهمية مراقبة هذه التحركات لضمان التوازن في الأسواق. تضمنت هذه القرارات مجموعة من الصفقات المتميزة، أبرزها ما يلي:

 

حصلت شركة هيوليت باكارد إنتربرايز (HPE) على موافقة للاستحواذ الكامل على أسهم شركة “جونيبر نتووركس”، مما يتيح لها السيطرة الفردية على عمليات الشركة، في خطوة تعزز مكانتها في قطاع التكنولوجيا والبنية التحتية الرقمية.

 

نجحت شركة درايكو بي في الاستحواذ على نصف أسهم “الشركة المصرية للجبس”، مما يمكّنها من إدارة العمليات بشكل مشترك مع الأطراف الأخرى في صفقة استراتيجية لدعم قطاع مواد البناء.

 

أتمت شركة إيندوفر جروب بارنت استحواذًا كاملًا على “جولدن ستيت فودز”، مما يرسّخ وجودها في صناعة الأغذية والتوريدات.

شركة أبوظبي التنموية القابضة (ADQ) خطت خطوات استراتيجية في السوق المصرية من خلال امتلاك 25% من شركة الحفر المصرية لتعزيز وجودها في قطاع الطاقة، والاستحواذ على 30% من شركة “إيثيدكو” المتخصصة في إنتاج الإيثيلين، وكذا حيازة 35% من أسهم شركة “إيلاب” لإنتاج الألكيل بنزين، ما يبرز التزامها بتطوير الصناعات البتروكيماوية.

 

“صندوق استثمار تنمية كابيتال فينتشرز 2” حصل على 20.87% من أسهم شركة “العبد للاستثمار”، وهي خطوة تعكس الاهتمام المتزايد بقطاع الصناعات الغذائية.

 

 

استمرار المنافسة وتفادي الاحتكار

 

وتعليقًا على ذلك، يقول أحمد العجمي، أستاذ الاقتصاد والمالية العامة، وكيل كلية الدراسات القانونية والمعاملات الدولية بجامعة فاروس بالإسكندرية، إن ظاهرة الاستحواذات تعد شائعة عالميًا، خاصة في صفوف الشركات الكبرى، ولكن من الضروري التمعن في تفاصيلها. فالسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما هي النسبة المئوية للاستحواذ من إجمالي الأسهم؟ وما حجم الحصص التي تم الاستحواذ عليها مقارنة بالحصة الحاكمة داخل هذه الشركات؟

 

وفي حديثه لمنصة “MENA“، يستكمل العجمي: “شركة أبوظبي التنموية القابضة، التي تمثل الذراع الاستثماري للصندوق السيادي الإماراتي، استحوذت على نسب تتراوح بين 25% و30% من بعض الشركات المصرية. وبالنظر إلى هذه النسب، فإنها لا تمثل حصصًا حاكمة، حيث يُعرف الحصة الحاكمة بأنها التي تتجاوز 50% من إجمالي الأسهم. وبالتالي، فإن ما تم هو شراء أسهم وليس استحواذًا بالمعنى الدقيق للكلمة.”

 

ويرى أستاذ الاقتصاد والمالية العامة أن شراء الأسهم بهذا الشكل لا يؤثر بالضرورة على عمل الشركة، خاصة في وجود شركات أخرى تعمل في المجال ذاته، مما يضمن استمرار المنافسة وتفادي الاحتكار. جهاز حماية المنافسة قام بدراسة هذه الحالات ولم يجد أي دلائل تشير إلى وقوع احتكار في تلك الأسواق.

 

ويضيف العجمي: “اقتصاديًا، المجال الاستثماري في مصر مفتوح لأي جهة، سواء كانت محلية أو أجنبية، شريطة أن تسهم الشركات في تحقيق أرباح وتقديم عوائد تخدم الاقتصاد المصري. دخول الشركات الأجنبية عبر شراء الأسهم يمثل مصدرًا هامًا للعملات الأجنبية التي تحتاجها الدولة، ما يجعل الأمر ذا أهمية اقتصادية كبرى. أما جهاز حماية المنافسة، فهو يلعب دورًا محوريًا في مراقبة هذه العمليات للتأكد من عدم تأثيرها السلبي على السوق المصري وضمان عدم سيطرة أي كيان بشكل يضر بمبدأ المنافسة الحرة.”

 

 

بيئة تنافسية متوازنة

 

ويتفق معه الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي ورئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية، الذي أكد أن الاستحواذ على هذه الشركات لا يؤدي إلى أي شكل من أشكال الاحتكار، سواء على مستوى طبيعة الشركات نفسها أو المنتجات التي تقدمها. ويقول إن السوق المصري يظل مفتوحًا ومتنوعًا، مما يحافظ على بيئة تنافسية متوازنة لا تسمح بالسيطرة المطلقة لأي جهة.

 

ويضيف الشافعي في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” أن هذه الاستحواذات تساهم في ضخ استثمارات وأموال جديدة في الاقتصاد المصري، ما يعزز من قدرته على جذب الشركات العالمية القابضة للاستثمار في السوق المحلي. ويرجع هذا إلى القوة التنافسية التي تتمتع بها الشركات المصرية، والتي تجعل منتجاتها مطلوبة في السوق.

 

كما يشير الخبير الاقتصادي إلى أن الشركات المستحوذة عادة ما تكون كيانات قوية وقادرة على تقديم قيمة مضافة من خلال تطوير المعدات وضخ رؤوس أموال جديدة، ما يسهم في تحسين الكفاءة الإنتاجية وإحداث فارق ملموس في أداء الشركات.

 

ويؤكد الشافعي أن السوق المصري يتمتع بفرص واعدة لجذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة في ظل توجه الدولة نحو توطين الصناعات وإقامة شراكات استراتيجية مع مستثمرين دوليين، مثل الإماراتيين والسعوديين.

 

ويختتم رئيس مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية بقوله إن هذه الخطوات تحسب للحكومة المصرية، التي وضعت إطارًا قانونيًا وتنظيميًا يدعم دخول الشركات الأجنبية للسوق المحلي، ويعزز من فاعلية الاقتصاد المصري على المدى الطويل.

 

تسريب أرباح الشركات للخارج

 

فيما يشير الدكتور بلال شعيب إلى أن جهاز حماية المنافسة وافق على استحواذ شركة أبوظبي التنموية القابضة على حصص في ثلاث شركات مصرية، تضمنت 25% من شركة الحفر المصرية، و30% من شركة إنتاج الإيثيلين ومشتقاته، و35% من شركة إنتاج الألكيل بنزين، ومع ذلك، يؤكد شعيب أن هذه الحصص ليست مؤثرة بما يكفي لتصنيفها كحصص حاكمة، حيث أن الجزء الأكبر من ملكية هذه الشركات لا يزال بيد الدولة المصرية أو الشركات المحلية.

 

ويرى الخبير الاقتصادي في تحليل خاص لمنصة “MENA” أن هذه النسب المحدودة لا تشكل تهديدًا مباشرًا للمنافسة في السوق المصري في الوضع الحالي، مشيرًا إلى أن أي تأثير محتمل قد ينشأ فقط إذا تم دمج هذه الشركات مع بعضها البعض. ورغم ذلك، يرى أن هذه الخطوة تعزز من مكانة شركة أبوظبي القابضة، وقد تمهد الطريق لاستحواذات مستقبلية أخرى.

 

ويقول شعيب إن الاستحواذات، على عكس الاستثمارات الجديدة، لا تضيف أموالًا أو رؤوس أموال جديدة إلى السوق، موضحًا أن الاستثمار الحقيقي يخلق كيانات جديدة من الصفر، مما يعزز معدلات التوظيف ويُحدث قفزة في الناتج المحلي الإجمالي من خلال استخدام تقنيات جديدة. بينما الاستحواذ، في رأيه، يعتمد على نقل الملكية فقط دون إحداث تأثير كبير على العمليات التصنيعية، مع إمكانية تسريب أرباح تلك الشركات إلى الخارج، مما يضغط على الاقتصاد المحلي.

 

ويضيف شعيب أن وجود مستثمر أجنبي في السوق يمكن أن يكون له جانب إيجابي من حيث نقل التكنولوجيا والخبرات، مما يسهم في تطوير بعض القطاعات. ويرى أن العلاقات الاقتصادية بين مصر والإمارات تشهد مزيدًا من التعاون، ما يعزز من فرص الاستثمارات الأجنبية ويقوي العلاقات الثنائية.

 

وفيما يخص السياسات الاستثمارية المصرية، يوضح شعيب أن الدولة أطلقت خريطة استثمارية شاملة متاحة عبر شبكة المعلومات الدولية ومنصات وزارة الاستثمار، ويرى أن قطاع الطاقة يمثل محورًا رئيسيًا لهذه الفرص، خاصة مع توجه الدولة نحو تنويع مصادر الطاقة. كما يبرز اهتمام الدولة بقطاع البنية التحتية، حيث تم إنفاق ما يزيد عن 10 تريليونات جنيه خلال العقد الماضي على تطوير الطرق والجسور، ويضيف أن قطاع السياحة يمثل أيضًا فرصة هامة لتعزيز الاقتصاد الوطني.

 

ويختتم شعيب تصريحاته بالتأكيد على أهمية دور جهاز حماية المنافسة في مراقبة السوق بعد تنفيذ الاستحواذات، مشيرًا إلى أن الجهاز يتعامل مع أي شكاوى تُقدم لضمان استقرار السوق وحماية المنافسة.

 

مع هذا المشهد الاقتصادي الواعد، تطرح الاستثمارات الإماراتية في مصر تساؤلات جوهرية تتجاوز الأرقام والصفقات، فهل تُشكل هذه الاستثمارات حقًا إضافة مستدامة للاقتصاد المصري؟ أم أنها تُثير قلقًا بشأن تدفق الأرباح إلى الخارج وتأثير ذلك على التوازن المالي المحلي؟

 

من جانب، يبدو أن تدفق رؤوس الأموال الأجنبية يسهم في دفع عجلة التنمية ويفتح آفاقًا جديدة للشراكات الاستراتيجية. ومع ذلك، يثير هذا التوجه تساؤلات عميقة حول طبيعة هذه الاستثمارات: هل هي مجرد عمليات استحواذ تُعيد تشكيل هيكل الملكية دون إحداث تأثير فعلي في القدرة الإنتاجية؟ أم أنها خطوة حقيقية نحو تعزيز التكنولوجيا وتوطين الصناعة داخل السوق المصرية؟

 

يبقى السؤال الأهم: كيف يمكن ضمان استفادة الاقتصاد المصري من هذه الاستثمارات دون أن تتحول البلاد إلى بوابة لتصدير الأرباح للخارج؟ وهل تتخذ الأجهزة المعنية الإجراءات الكافية لضمان التوازن بين الانفتاح على الاستثمار الأجنبي وحماية المصالح الاقتصادية الوطنية؟

 

بين التفاؤل بالمستقبل والحرص على إدارة المخاطر، يظل الاقتصاد المصري عند مفترق طرق. إذ تصبح الإجابات عن هذه التساؤلات مفتاحًا لكتابة الفصول المقبلة من قصة اقتصادية معقدة، تتشابك فيها الآمال بالتحديات.

 

اقرأ أيضًا:

 

ما حظوظ “صيادي البردويل” أمام الاستثمار الأجنبي؟

 

هل صفقة الاستحواذ على “رأس الحكمة” تجعلها إمارة خليجية؟

 

تدشين مشروع رأس الحكمة.. ماذا عن الكواليس؟

 

هل بدأ الاستثمار الإماراتي في تعمير شبه جزيرة سيناء؟

 

منار بحيري
صحفية مصرية متهمة بالتحقيقات والتقارير المعمقة وعضو نقابة الصحفيين وحاصلة على ماجستير الإعلام في صحافة الذكاء الاصطناعي.

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية