سياسة

قبل دخولها حيّز التنفيذ.. لماذا تعارض مصر اتفاقية عنتيبي؟

يدخل الاتفاق الإطاري للتعاون بين دول حوض النيل، المعروف بـ “اتفاقية عنتيبي”، حيّز التنفيذ في الثالث عشر من أكتوبر الجاري، مما أثار مخاوف دولتي المصب، مصر والسودان، بسبب عدم اعتراف الاتفاقية بالحصص المائية والتاريخية لهما، التي تم الاتفاق عليها منذ قرن، وترفض أديس أبابا الاعتراف بها.

 

وتنص بنود الاتفاقية على دخولها حيّز التنفيذ بعد 60 يومًا من تصديق ثلثي دول حوض النيل عليها، وكان آخر المصدقين دولة جنوب السودان في الرابع عشر من أغسطس الماضي.

 

تمثلت الخطوة التالية بعد دخول الاتفاقية حيّز التنفيذ في إنشاء مفوضية دول حوض النيل التي تتولى تنظيم وإدارة السياسات المتعلقة بالمياه بين الدول الأعضاء، وفي حال حصلت المفوضية على اعتراف من جهات دولية، سيعطي ذلك لها اهتمامًا سياسيًا وقانونيًا متزايدًا، مما يثير تساؤلات حول الأضرار المحتملة لهذه الاتفاقية على مصر وكيف ستتعامل مع هذه الخطوة.

 

 

أكد الدكتور محمود زكريا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن التصديق الأخير من جانب جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي في يوليو الماضي مهد الطريق لدخول الاتفاقية حيّز التنفيذ، وهو ما ينتظر حدوثه في الثالث عشر من أكتوبر الجاري، موضحا أن إيداع الاتفاقية لدى الاتحاد الأفريقي يمهد الطريق لإنشاء مفوضية حوض النيل، وهو ما تعترض عليه مصر منذ بداية فتح باب التوقيع على الاتفاقية في مايو 2010.

 

وأشار زكريا في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” إلى أن مصر ترى أن الاتفاقية تستهدف تغيير الحقوق التاريخية والمكتسبة لدولتي المصب، والتي تبلغ نحو 55.5 مليار متر مكعب لمصر و18.5 مليار متر مكعب للسودان، كما تهدف إلى تعديل قاعدة التصويت على القرارات من الإجماع إلى الأغلبية، مما يعني تقليص تأثير دولتي المصب على قرارات المفوضية.

 

وتوقّع الدكتور أن تستمر مصر في تسجيل اعتراضاتها وتحفظاتها عبر المحافل الدولية، مثل مجلس الأمن الدولي ومجلس السلم والأمن الأفريقي، خاصة مع تولي مصر لرئاسة الأخير منذ مطلع أكتوبر.

 

 

أوضح الباحث إسلام نجم الدين، من المركز العربي الأفريقي، أن أثيوبيا كانت أول من وقّع على اتفاقية عنتيبي في عام 2010، إلى جانب أوغندا وتنزانيا ورواندا وكينيا، بينما انضمت بوروندي لاحقًا، مشيرًا إلى أن آخر دولة صادقت على الاتفاقية كانت جنوب السودان في أغسطس الماضي، مما أعطى للاتفاقية القوة اللازمة لدخول حيّز التنفيذ، بينما لم تصادق حكومة كينيا حتى الآن على الاتفاقية التي ترفضها مصر والسودان.

 

وأشار نجم الدين في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” إلى أن مصر والسودان رفضتا الاتفاقية بشكل قاطع منذ توقيعها، بسبب تجاهلها للحصص التاريخية للمياه وعدم اشتراط الإخطار المسبق قبل تنفيذ أي مشروعات على نهر النيل.

 

ونوه نجم الدين بأن سبب رفض مصر يعود لثلاثة بنود رئيسية في الاتفاقية، أولها عدم الاعتراف بحصتها التاريخية البالغة 55.5 مليار متر مكعب، وهي الحصة التي تعود لاتفاقية 1959، إذ يعتبرها رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد “اتفاقيات استعمارية” مرفوضة من قبل دول حوض النيل، ثانيًا، يتطلب الاتفاق الإخطار المسبق عن أي مشروعات تُقام على النهر، وأخيرًا، اعتماد التصويت بالغالبية بدلاً من الإجماع، مما يضعف موقف دولتي المصب بشكلٍ واضح.

 

 

أكد الباحث أن إعلان إثيوبيا عن قرب تنفيذ الاتفاقية خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة في 28 سبتمبر الماضي يُعد تصعيدًا ضد مصر والسودان، خاصة في ظل الخلاف المستمر حول سد النهضة وعدم الوصول إلى اتفاق ملزم بشأنه، فلا يمكن النظر إلى هذا الأمر دون التطرق إلى الخلاف المتصاعد بين مصر وأثيوبيا حول سد النهضة بسبب عدم الوصول إلى اتفاق واضح حول سد النهضة، وفي ظل تعزيز مصر من تواجدها العسكري في الصومال.

 

 

 

وذكر الدكتور حامد فارس، أستاذ العلاقات الدولية، أن اتفاقية عنتيبي تُشكل أزمة سياسية جديدة لدولتي المصب، خاصة مع اقتراب إنشاء مفوضية دول حوض النيل التي قد تحصل على اعتراف دولي، ما يمنحها شرعية في اتخاذ قرارات قد تضر بمصالح مصر والسودان المائية.

 

وأضاف في حديثه إلى منصة “MENA” أن هذه الاتفاقية لا تعترف بالحصة المائية التاريخية التي أقرّتها اتفاقيات عدة منذ أوائل القرن العشرين، ما يزيد من المخاوف المتعلقة بالأمن المائي، رغم النص عليها في الكثير من الاتفاقيات أعوام 1902 و1929 و1959 والتي تنص على حصول مصر على 55.5 مليار متر مكعب من المياه سنويا والسودان على 18.5 مليار متر مكعب من المياه سنويا أيضًا.

 

 

وأوضح فارس أن هذه الاتفاقية لها أبعاد سياسية خطيرة، إذ تستخدمها دول المنبع، وخاصة إثيوبيا، كورقة ضغط على دولتي المصب في إطار صراع أوسع حول الأمن المائي، لافتًا إلى أن التعنت الإثيوبي في ملف سد النهضة ومحاولة تقسيم الصومال يظهر كجزء من مخطط أوسع يهدف لإفشال الجهود الدبلوماسية المصرية في هذا الملف.

 

ونوه بأن هناك ثلاثة بنود ترفضها مصر في هذه الاتفاقية الخطيرة التي تمس الأمن القومي المصري والسوداني وهم بند الأمن المائي وعدم الاعتراف بالحصة التاريخية لمصر وبند الإخطار المسبق بتنفيذ أي مشروعات على النيل وبند التصويت على القرارات بالإجماع بدلا من الغالبية.

 

وأكد أنه لا يمكن فصل ما يحدث في هذه الاتفاقية عن التعنت الأثيوبي الواضح في عدم الوصول إلى اتفاق قانوني ملزم في ملف السد الأثيوبي وفقا لمبدأ “لا ضرر ولا ضرار”، كمالا يمكن فصله أيضا عن التوترات بين أثيوبيا والصومال ومحاولة أثيوبيا دعم تقسيم الصومال لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب استقرار القرن الأفريقي وبالتالي فإن أثيوبيا تحاول الضغط على مصر لإفشال أي جهود دبلوماسية وقانونية تقوم بها القاهرة لإيجاد حلول لهذه المشكلات المتزايدة نتيجة التعنت الأثيوبي الواضح ومحاولة إيجاد تكتل ضد القاهرة.

 

 


وقال محمد مهران، الأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، إن مصادقة جنوب السودان على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل والتي تُعرف باسم “اتفاقية عنتيبي”، ستؤدي إلى نزاع قانوني بين مصر ودول حوض النيل بشأن حقوق دول المصب “مصر والسودان” في مياه النيل، وهو تصعيد خطير في هذا الملف.

 

وأضاف الأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، في تصريحات خاصة لمنصة “MENA“، أن اعتراض مصر على هذه الاتفاقية من الشق القانوني سببه أنها تتجاهل حقوق مصر التاريخية بموجب الاتفاقيات السابقة، كما أنها تفتح بابًا لإعادة توزيع الحصص المائية بين دول حوض النيل، وبعد دخول الاتفاقية حيّز التنفيذ سيتيح لهم ذلك تأسيس مفوضية تتخذ قرارات تضر دول المصب ويتركز اهتمامها بدول المنبع فقط.

 


ووفقًا للشق القانوني، أوضح الأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية، أن الاتفاقية لا تتوافق نهائيًا مع المبادئ الأساسية في القانون الدولي للمياه، ولعل أبرزها “الاستخدام المنصف والمعقول للموارد المائية المشتركة”، و”عدم إلحاق الضرر الجسيم بالدول الأخرى”، و”التعاون والتشاور المسبق بين الدول المتشاطئة”، وأخيرًا عدم الاعتراف بالاتفاقيات التاريخية.

 

اقرأ أيضًا:

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية