سياسة

كيف عادت القطع الأثرية بعد زيارة السيسي لأيرلندا؟

بالأرقام: ملايين القطع الأثرية تعرض في متاحف العالم

 

كبير الأثريين: الاتفاقيات الثنائية هي السبيل لعودة الآثار المهرب

 

خبير: لا يمكن وقف تهريب الآثار للخارج

 

احتفت وزارة السياحة والآثار المصرية بعودة عدد من القطع الأثرية المصرية المهربة إلى خارج البلاد، بعد زيارة للرئيس عبدالفتاح السيسي لعدد من الدول الأوروبية.

وبحسب خبراء، فإن القطع الأثرية المهربة كانت بحوزة جامعة كورك الأيرلندية، وجاء استرداد الآثار نتيجة لجهود مبذولة استمرت لمدة عام ونصف العام.

 

الآثار المستردة

 

كشف شعبان عبد الجواد، مدير عام الإدارة العامة لاسترداد الآثار والمشرف على الإدارة المركزية للمنافذ الأثرية، أن الأواني الكانوبية التي تم استردادها تعود لكاهن اسمه “با ور”، من عصر الأسرة الـ 22 من العصر المتأخر، وكان يحمل العديد من الألقاب من أبرزها “والد الإله” و”حارس حقول الإله”.

 

وأضاف عبد الجواد أن التابوت الخشبي من العصر الصاوي لشخص يُدعى “حور” وكان يحمل لقب “حامل اللوتس”، حيث عثر بداخل التابوت على بقايا مومياء وعدد من أسنانها، والتي أثبتت الأبحاث أنها من المرجح أن تكون لصاحب التابوت.

 

وأشار مدير عام الإدارة العامة لاسترداد الآثار إلى أن من بين القطع المستردة خمسة قطع من الكرتوناج الملون من العصر اليوناني الروماني والتي كانت تُستخدم لتغطية المومياء.

 

اتفاقية ثنائية

 

وثمن شريف فتحي وزير السياحة والآثار، التعاون الكبير بين كافة الجهات المعنية بالداخل والخارج، والمتمثلة في وزارة الخارجية المصرية وسفارتها في دبلن، وسفارة دولة أيرلندا بالقاهرة، وكذلك جامعة كورك التي أبدت رغبتها في عودة القطع الأثرية إلى موطنها الأصلي مصر، حيث قدم لهم خالص الشكر على ما اعتبره بادرة طيبة وخطوة هامة نحو تعزيز العلاقات الثقافية والعلمية المتنامية بين البلدين.

 

وقال الدكتور محمد إسماعيل الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، إن استرداد هذه القطع الأثرية تم وفقاً للاتفاقية الثنائية التي تم توقيعها مؤخراً بين المجلس الأعلى للآثار وجامعة كورك الأيرلندية.

 

وأشار إسماعيل إلى أن الجامعة كانت قد حصلت على تلك القطع خلال الفترة ما بين عامي 1920 و1930، ومن بينها تابوت خشبي ملون بداخله بقايا مومياء ومجموعة من الأواني الكانوبية المصنوعة من الحجر الجيري بداخلها أحشاء المتوفى.

 

وأكد الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أنه سوف يتم إيداع هذه القطع المستردة بالمتحف المصري بالتحرير للترميم تمهيداً لعرضها في معرض مؤقت عن ما تم استرداده من قطع أثرية مؤخراً.

 

 

استرداد الآثار

 

قال الدكتور مجدي شاكر، كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار، إن هذا الاسترداد لن يكون الأول ولا الأخير، بسبب تهريب الكثير من الآثار خلال القرن الـ 19 والقرن الـ 20، إما بطريقة قانونية وهي الموجودة في المتاحف والمزادات، لأن تجارة الآثار كانت مقننة حتى عام 1983.

 

وأضاف شاكر في لقاء مع منصة “MENA” أن مصر بدأت تنتهج نهجًا جديدًا وهو عقد اتفاقيات ثنائية مع بعض الدول غير الموقعة على اتفاقية اليونسكو، بحيث تساعد هذه الدول في إعادة هذه الآثار إذا عُثر عليها في المطارات أو الموانئ أو حتى تم عرضها في المزادات.

 

وأشار كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار إلى أن مصر بدأت تطبق ما يُسمى بالدبلوماسية الثقافية لاسترداد الآثار، وذلك بالتعاون مع وزارة الخارجية من أجل التنسيق لإعادة الآثار المصرية.

 

وأكد شاكر أن وجود الرئيس في أيرلندا وعودة هذه الآثار هو نوع من التقدير لزيارة الرئيس، وإثبات حسن النية من قبل الجانب الأيرلندي.

كما أكد كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار أن هذه الآثار خرجت في الفترة ما بين 1920 و1930، دون معرفة تفاصيل الخروج وكيف تم تهريبها إلى الخارج، ولا يعلم أحد شيئًا عن هذا الأمر.

 

 

وفيما يتعلق بالآثار التي تم استردادها، أشار شاكر إلى أنها مجموعة من القطع الأثرية، أحدها تابوت خشبي يحتوي على بقايا آدمية، وأسنان لأحد الكهنة يدعى “حور”، ويعود إلى العصر المتأخر، وهو ما يُسمى “حامل اللوتس”، وهو منصب مهم في ذلك الوقت، إلى جانب مجموعة من الأواني الكانوبية.

 

وعن ماهية الأواني الكانوبية، قال شاكر إنها كانت تُستخدم أثناء تحنيط الجثث، حيث يتم وضع الأمعاء فيها، إضافة إلى بقايا المعدة لمنع التلوث أثناء عملية التحنيط، وهي تعود لأحد الكهنة الذي يُطلق عليه “باهويل”، وهو ما يعني الكبير أو العظيم، وهو منصب مهم حيث يعتبر في اعتقادهم أنه “أبو الإله” أو كبير الكهنة، كما كان مشرفًا على بساتين الإله.

 

وأكد شاكر أنه تم استرداد خمسة من الكارتوناج، وهي طبقة من الكتان يكون عليها طبقة من “الجبس” والألوان، ويتم وضعها على وجه المتوفى، وهي بديلاً عن الحجر الجرانيت والخشب بسبب ارتفاع أثمانهما في ذلك التوقيت، موضحًا أنها كانت توضع على وجه المتوفى وتأخذ شكل الوجه، وكان يتم رسم وجه المتوفى عليها.

 

مصير الآثار

 

وعن مصير هذه الآثار بعد عودتها، أوضح كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار أنه سيتم عمل الترميم اللازم لها في المتحف المصري بالتحرير، ومن ثم سيتم عرضها للجمهور، وهو ما يحدث مع الآثار المستردة كل عام تقريبًا.

 

وعن حجم الآثار المهربة للخارج، أكد شاكر أنه لا يمكن الجزم بحجم هذه الآثار بسبب وجود ما أسماه “مافيا” تجارة الآثار من مصريين وأشخاص من جهات خارجية.

 

وأكد أن الأمر يبدأ من مصر، من خلال الدجالين والمشعوذين، إضافة إلى أصحاب أحلام الثراء السريع، موضحًا أنه يتم ذبح أطفال لاستخراج الكنوز من المقابر إضافة إلى جرائم أخرى.

 

وأضاف شاكر أن هناك عشرات القضايا التي يتم تحريرها بشكل دوري بسبب التنقيب عن الآثار أو حتى تهريبها للخارج، مؤكدًا أن التهريب لن يتوقف.

 

وشدد كبير الأثريين بوزارة السياحة والآثار على أنه تم تشكيل لجنة داخل وزارة الآثار تعمل على قدم وساق منذ عام 2002 لاسترداد الآثار المهربة للخارج، وتمتلك مجموعة من الشباب الذين يتتبعون أي آثار مصرية سواء تم عرضها في المزادات أو وصلتهم معلومة عن تواجدها في مكان معين، ليتم إبلاغ الجهات المعنية لاتخاذ إجراءات استرداد هذه الآثار.

 

 

ملايين القطع في متاحف العالم

 

قال الدكتور عبدالرحيم ريحان، عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، ورئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، إن مجموعة القطع الأثرية المستردة من دولة أيرلندا تأتي في إطار المجهودات الكبيرة التي تبذلها الدولة في استعادة الآثار.

 

وأضاف في لقاء مع منصة “MENA” أنه تم استعادة 29 ألف قطعة أثرية منذ تولي الرئيس السيسي حكم مصر، من دول الولايات المتحدة الأمريكية، إنجلترا، فرنسا، إسبانيا، هولندا، كندا، ألمانيا، بلجيكا، إيطاليا، سويسرا، نيوزيلندا، قبرص، الإمارات، الكويت، الأردن، وأيرلندا.

 

وأشار إلى أن هناك إدارة تتبع المجلس الأعلى للآثار تتابع كل المزادات العلنية وكل ما يُنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وعبر وكالات الأنباء الدولية عن الآثار المصرية المنهوبة، وعن طريق مفاوضات مثمرة بالتعاون مع وزارة الخارجية والداخلية وعدة جهات معنية تمت في سرية تامة للوصول إلى الهدف المنشود.

 

وتابع ريحان أن مصر استردت قطعًا أثرية خرجت من البلاد بطرق غير مشروعة، وأيضًا قطعًا أثرية ناتجة عن الحفر خلسة، ومن المستحيل استردادها باعتبارها غير مسجلة، ومنها استرداد ثلاث قطع أثرية مصرية من بريطانيا ناتجة عن الحفر خلسة في يونيو 2021.

 

وأوضح رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية أن الاتفاقيات الثنائية التي تعقدها مصر مع الدول تسهم في عودة الآثار، ومنها خمس اتفاقيات لمكافحة تهريب الآثار والاتجار في الآثار المسروقة مع سويسرا وكوبا وإيطاليا وبيرو وكينيا، والاتفاقية الثنائية التي تم توقيعها مؤخرًا بين المجلس الأعلى للآثار وجامعة كورك الأيرلندية، حيث حصلت الجامعة على تلك القطع خلال الفترة ما بين عامي 1920 و1930 قبل قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 وتعديلاته.

 

 

وأشار إلى أن هذه القطع خرجت في ظل القانون رقم 14 لسنة 1912، والذي أجاز في المادة 4 تجارة الآثار بترخيص، ونصها: “يجوز مع ما تقدم الإتجار بالآثار التي تؤول إلى المكتشف بناء على المادة الحادية عشرة من هذا القانون أو على شروط رخصة بالحفر بناء على المادة الثانية عشرة، ويجوز الإتجار أيضًا بالآثار الخاصة بمجموعات اقتناها بعض الأفراد بسلامة نية”.

 

وأوضح أن العلاقات بين مصر وإيرلندا زادت قوتها منذ تولي الرئيس السيسي، ونوقشت عدة مرات سبل تطوير العلاقات الثنائية بين مصر وإيرلندا في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية، وتشجيع القطاع الخاص في البلدين لزيادة استثماراته في مصر للاستفادة من فرص الاستثمار المتاحة والمشروعات الكبرى التي يجري تنفيذها. وكان من نتائجها الاتفاقية الثنائية بين المجلس الأعلى للآثار وجامعة كورك الأيرلندية.

 

وأوضح ريحان أن هناك متاحف بالخارج بها أكثر من عشرة آلاف قطعة أثرية مصرية، منها المتحف البريطاني، الذي يضم أكثر من 100 ألف قطعة، ولا تشمل مجموعة وندورف التي تضم ستة ملايين قطعة أثرية ترجع إلى عصور ما قبل التاريخ في كل من مصر والسودان.

 

الآثار المصرية بالخارج

 

وأضاف أن المتحف المصري في متحف برلين الجديد بألمانيا يحتوي على حوالي 80 ألف قطعة أثرية، ومتحف بتري للآثار المصرية بالمملكة المتحدة يضم حوالي 80 ألف قطعة أثرية، ومتحف اللوفر في باريس يحتوي على حوالي 50 ألف قطعة أثرية، ومتحف الفنون الجميلة في بوسطن بالولايات المتحدة يحتوي على حوالي 45 ألف قطعة، ومتحف كيسلي لعلم الآثار في آن أربر بالولايات المتحدة يحتوي على أكثر من 45 ألف قطعة، ومتحف جامعة بنسلفانيا لعلم الآثار والأنثروبولوجيا في بنسلفانيا بالولايات المتحدة يحتوي على أكثر من 42 ألف قطعة، والمتحف الأشمولي في أكسفورد بالمملكة المتحدة يحتوي على حوالي 40 ألف قطعة، والمتحف المصري في تورينو بإيطاليا يحتوي على 32,500 قطعة، والمعهد الشرقي في شيكاغو يحتوي على حوالي 30 ألف قطعة، ومتحف المتروبوليتان للفنون في نيويورك يحتوي على حوالي 26 ألف قطعة، ومتحف أونتاريو الملكي في تورنتو بكندا يحتوي على حوالي 25 ألف قطعة، ومتحف هيرست للأنثروبولوجيا في بيركلي-كاليفورنيا يحتوي على أكثر من 17 ألف قطعة.

 

وتابع أن متحف فيتزوليم في كامبردج بالمملكة المتحدة يحتوي على أكثر من 16 ألف قطعة، ومتحف العالم في ليفربول بالمملكة المتحدة يحتوي على أكثر من 16 ألف قطعة، ومتحف مانشستر في المملكة المتحدة يحتوي على حوالي 16 ألف قطعة، والجناح المصري بالمتحف الأثري الوطني في فلورنسا بإيطاليا يحتوي على أكثر من 14 ألف قطعة، ومتحف تاريخ الفن في فيينا بالنمسا يحتوي على أكثر من 12 ألف قطعة، بالإضافة إلى عشرات المتاحف المختلفة التي تحتوي على آثار مصرية بها عشرة آلاف قطعة أو أقل.

 

خطوات قانونية

 

أكدت الأستاذة أميرة عبد الحميد، عضو نقابة المحامين، أن عودة الآثار تمر بعدة خطوات، أولها مرحلة الإبلاغ والتوثيق، عند اكتشاف أو الاشتباه في تهريب أثر معين، حيث تقوم الجهات المختصة في مصر، مثل وزارة السياحة والآثار، بالإبلاغ رسميًا عن الواقعة والعمل على توثيق الأثر من خلال السجلات الرسمية والصور والمعلومات التاريخية التي تُثبت ملكيته.

 

وأضافت في تصريح لمنصة “MENA” أنه بعد ذلك، تبدأ عملية التفاوض الدبلوماسي مع الدولة المستقبلة للأثر، حيث يتم تقديم طلب رسمي مدعوم بالأدلة القانونية لإعادته، وفي حال تعثر هذه المساعي، تلجأ مصر إلى المسار القضائي، حيث يمكن رفع دعاوى أمام المحاكم الوطنية في الدول المستقبلة أو اللجوء إلى محاكم دولية مختصة.

 

وأكدت عبد الحميد أنه لإنجاح هذه الجهود، يتم الاعتماد على التعاون مع منظمات دولية مثل اليونسكو والإنتربول، الذي يوفر قاعدة بيانات للآثار المسروقة.

 

وأشارت إلى أن التعاون الدولي يُعد أحد أبرز العوامل التي تُسهم في استرداد الآثار المهربة، خاصةً مع تزايد جرائم تهريب الآثار في إطار الجريمة المنظمة، ومن هذا المنطلق، تعمل مصر على تعزيز العلاقات مع الدول الأخرى لتوقيع اتفاقيات جديدة أو تفعيل الاتفاقيات القائمة.

 

واختتمت عضو نقابة المحامين حديثها بأن مصر تسعى إلى تحديث قوانينها المحلية لسد الثغرات القانونية وتعزيز الرقابة على المنافذ الحدودية، إلى جانب ذلك، تُولي مصر اهتمامًا كبيرًا للتوعية العامة بأهمية التراث الثقافي والتاريخي وضرورة الحفاظ عليه، فضلًا عن تدريب كوادر متخصصة في التعامل مع مثل هذه الجرائم.

 

اقرأ أيضًا:

 

رحلة “مشكاة أثرية مصرية” من السيدة زينب إلى اللاعودة

 

اللواء محمد رشاد لمنصة “MENA”: قضيتا فلسطين والسودان في ذمة التاريخ.. وحزب العرجاني ينذر “بكارثة” | حوار

 

جبانات المشاهير في خطر.. صور متداولة تعيد الجدل حول إزالة مقابر القاهرة التاريخية

 

استرداد الآثار المصرية من الخارج: حملات شعبية وجهود أكاديمية

 

مقالات ذات صلة

اشترك في نشرتنا الاخبارية