مرَّ أكثر من ثلاثة عشر عامًا على الانقسام السياسي في ليبيا. فمنذ انهيار نظام معمر القذافي، اندلع الصراع بين الشرق والغرب الليبي، مدعومًا بميليشيات تتلقى الدعم من حكومات إقليمية، كل منها يسير وفق مصالحه؛ ما أدى إلى انهيار المؤسسات في ظل هذا الصراع المستمر. وبات حلم إعادة الإعمار يُراود الليبيين، خصوصًا بعد مرور عام على سيول وفيضانات درنة التي جعلت من إعادة الإعمار ضرورة مُلحّة، أملًا في استعادة ليبيا لمكانتها.
تُمثّل ليبيا أهمية استراتيجية كبرى لمصر، ولذا لعبت القاهرة دور “الوسيط” عبر التاريخ لحل الأزمات السياسية الليبية، كما تلعب الآن دورًا محوريًا في إعادة الإعمار، خصوصًا في الشرق الليبي.
في سبتمبر 2021، أكد وزير الشؤون الاقتصادية بحكومة الوحدة الوطنية، سلامة الغويل، أن تكلفة إعادة الإعمار تقدر بـ111 مليار دولار، مشيرًا إلى أن الشركات المصرية ستحظى “بنصيب الأسد” من المشروعات في شرق ليبيا، بنسبة تصل إلى 70%، أي ما يعادل حوالي 77.7 مليار دولار.
الشركات المصرية.. مصدر ثقة لدى الليبيين
وقّعت شركات مصرية في مارس 2023، عقدًا لاستئناف العمل بمشروع الطريق الدائري الثالث في العاصمة طرابلس، الذي توقف منذ عام 2008، بتكلفة بلغت 4.263 مليارات دينار ليبي، كما بلغ حجم مشروعات شركات المقاولات المصرية في ليبيا حتى مايو 2024 حوالي 15 مليار دولار، ما عزز مكانة الشركات المصرية كمصدر ثقة لحصولها على مشروعات إعادة الإعمار في البلاد.
البنى التحتية.. على رأس اهتمامات الاستثمارات المصرية
وصرّح الدكتور علي الإدريسي، أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية البحرية، أن مصر تلعب دورًا محوريًا في إعادة إعمار ليبيا، إذ تُركز استثماراتها في مجالات البنية التحتية، مثل بناء الطرق، تطوير الموانئ، محطات الطاقة، بالإضافة إلى القطاعات الخدمية والصحية، مشيرًا إلى أن أبرز مثال على الشركات المصرية التي تعمل في ليبيا هي “المقاولون العرب”، و”الهيئة العربية للتصنيع”، ولافتًا إلى أن الاستثمارات المصرية في ليبيا تشمل أيضًا قطاع الإسكان والتعليم والخدمات الصحية.
العاصمة الليبية طرابلس
أنواع المستثمرين المصريين
أضاف الإدريسي في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” أن هناك نوعين من المستثمرين في شرق ليبيا، النوع الأول هو الدولة المصرية التي تشارك من خلال شركات حكومية أو شبه حكومية مثل “المقاولون العرب” و”الهيئة العربية للتصنيع”، أما النوع الثاني فهو مستثمرو القطاع الخاص، ويشمل شركات مصرية خاصة تعمل في مجالات الإنشاءات، التجارة، والطاقة، بالإضافة إلى عدد من الشركات الصغيرة والمتوسطة التي تسعى للاستفادة من فرص السوق الليبي في مجالات متنوعة.
تعزيز الفرص
أكد الإدريسي أن الدولة المصرية تلعب دورًا محوريًا في العديد من الاستثمارات، خصوصًا تلك المتعلقة بالبنية التحتية وإعادة الإعمار، موضحًا أن القطاع الخاص يستعين بالدولة المصرية ويُنسق معها لضمان تأمين مصالح المستثمرين وضمان الاستقرار في المنطقة، منوهًا إلى أن مشروعات تطوير البنية التحتية مثل الطرق، الموانئ، والمطارات، تأتي في صدارة الاستثمارات المصرية في شرق ليبيا، يليها مشاريع الطاقة مثل إقامة محطات كهرباء وتحسين شبكات الطاقة، وفي المرتبة الثالثة يأتي قطاعي التعليم والصحة من خلال بناء المدارس والمستشفيات.
وأشار الإدريسي إلى أن الوضع في ليبيا ما زال غير مستقر بالكامل، إلا أن هناك تحسنًا ملحوظًا في الشرق الليبي، شجع مصر على توسيع استثماراتها في المنطقة، إذ يُعتبر الشرق الليبي أكثر أمنًا نسبيًا مقارنة بباقي المناطق، ما يعزز جاذبية الاستثمار هناك.
أسباب توجه مصر للاستثمار في ليبيا
وأوضح أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية البحرية أن القرب الجغرافي بين مصر وشرق ليبيا، الذي يقع بالقرب من الحدود المصرية، يسهل عمليات التواصل والنقل، بالإضافة إلى الاستقرار النسبي في شرق ليبيا مقارنة بباقي المناطق الذي يعطي ضمانة مهمة للمستثمرين، مؤكدًا أن العلاقات السياسية والاقتصادية بين مصر وشرق ليبيا، خاصة مع الحكومة المدعومة من الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، تشجع على الاستثمار في هذه المنطقة.
ولفت “الإدريسي” إلى أهمية زيارة أسامة حماد، رئيس الحكومة المؤقتة في شرق ليبيا، إلى مصر الشهر الماضي، والتي جاءت لبحث ملفات التعاون الاقتصادي وتعزيز العلاقات الاستثمارية بين البلدين، مرجحًا أن هذه الزيارة قد تكون مرتبطة بتسهيل دخول الشركات المصرية إلى السوق الليبي ضمن إطار مشاريع إعادة الإعمار.
الأيدي العاملة والخبرات.. نقاط قوة لمصر في السوق الليبية
وصرح الدكتور علي الصلح، خبير الاقتصاد الليبي، أن مصر استثمرت في ليبيا منذ عقود، وتحديدًا في مجال المقاولات بمدينة بنغازي خلال عهد الراحل معمر القذافي، موضحًا أن معظم الاستثمارات بين مصر وليبيا تتم وفق اتفاقيات محددة.
وأشار الصلح في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” إلى أن القطاع الخاص في مصر لديه رغبة جادة في دخول السوق الليبية وتنفيذ مشاريع مهمة، إذ تمتلك ليبيا مناخًا مناسبًا ورقعة جغرافية تسهل الاستثمار، بينما تملك مصر الخبرات الكافية والأيدي العاملة المؤهلة، ما يسهل عملية دخول القطاع الخاص المصري إلى ليبيا.
أكد الصلح أن معظم الاستثمارات المصرية في ليبيا تتركز في قطاعات البنية التحتية، النفط والغاز، مشيرًا إلى شركات مثل “بتروجيت” و”النيل”، لافتًا إلى وجود رغبة قوية في الاستثمار بمجال الزراعة، مضيفًا أن شركات مصرية قد تعلن قريبًا عن مشاريع كبيرة في مجال الغاز والزراعة في ليبيا.
وأوضح “الصلح” أن الصراع في ليبيا لم ينتهِ بعد، واصفًا الوضع بأنه كان حربًا خارجية على الأرض الليبية، وأن الاستقرار السياسي العامل الأهم لجذب الاستثمارات، إذ يسهم في توفير مناخ آمن وملائم للعمل، فالاستقرار يؤثر على سعر الصرف ويسهل حركة رؤوس الأموال، ما يشجع المستثمرين، خاصة وأن ليبيا تُعد سوقًا ذات معدلات أرباح مرتفعة ومخاطر قليلة.
اقرأ أيضًا:
كيف تؤثر زيارة “حماد” إلى القاهرة على الداخل الليبي؟
تهديد لحياة المصريين.. تعليق النواب على اتفاقية عنتيبي
دوافع الشباب المصري للهجرة غير الشرعية.. ودور الدولة في حماية الشباب
الأموال الساخنة مخاطرة جديدة لاقتصاد مصر فهل تلعب الحكومة بالنار؟