تشهد منطقة القرن الإفريقي تغيرات جيوسياسية متسارعة، إذ توقفت المفاوضات مع إثيوبيا حول سد النهضة.
وفي منتصف أغسطس الماضي، أبرمت القاهرة ومقديشو اتفاقية تعاون عسكري، تلتها تقديم مصر مساعدات عسكرية للصومال، وهي الخطوة الأولى من نوعها منذ أكثر من أربعين عامًا؛ ما أثار استياء الجانب الإثيوبي، الذي اعتبرها تهديدًا مباشرًا لأمنه.
وأعلنت وزارة الدفاع النيجيرية في أعقاب تطور العلاقات بين مصر والصومال في الثلاثين من الشهر الماضي، توقيع مذكرة تفاهم بين مصر ونيجيريا.
تهدف المذكرة إلى تعزيز التعاون في مجال الصناعات الدفاعية والعسكرية بين البلدين وفقًا للقوانين واللوائح المعمول بها؛ ما أثار أيضًا مخاوف الجانب الإثيوبي بشأن الدوافع والتداعيات المحتملة من خطوات مصر تجاه القارة الأفريقية.
أهمية الشراكة الاستراتيجية بين مصر والصومال
في تعليق على هذا الموضوع، صرح السفير صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الإفريقية ومساعد وزير الخارجية الأسبق، بأن التعاون الأخير بين مصر والصومال يمكن وصفه بـ”شراكة استراتيجية”، إذ يتجاوز التعاون العسكري ليشمل مجالات متعددة.
وأشار “حليمة” في تصريحات خاصة لمنصة “MENA”، إلى أن العلاقات بين مصر والصومال تمتد عميقًا في التاريخ، لا سيما بعد استقلال الصومال عام 1960، إذ زادت أواصر التعاون بين البلدين.
وأوضح أن الموقع الاستراتيجي للصومال على البحر الأحمر يمثل أهمية كبيرة لمصر من ناحية الأمن القومي المصري والإفريقي.
ولفت إلى أن العلاقات الحالية بين مصر والصومال هي امتداد لتعاون تاريخي طويل، إذ دعمت مصر الصومال في حربه مع إثيوبيا بسبب إقليم أوجادين وحققت مصالحة مع العشائر الصومالية.
وأضاف “حليمة” أن اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والصومال جاءت ردًا على مذكرة تفاهم وقعها رئيس وزراء إثيوبيا، أبي أحمد، مع موسى بيهي، حاكم صوماليلاند.
وتمنح هذه المذكرة إثيوبيا حق الانتفاع بأراضٍ ساحلية في ميناء بربرة مقابل اعتراف المحتمل باستقلال صوماليلاند عن الصومال، وهو ما يعتبر انتهاكًا لوحدة وسيادة الصومال.
مصر توّطد علاقاتها بنيجيريا
فيما يتعلق بعلاقات مصر مع نيجيريا، أكد “حليمة” أن العاصمة النيجيرية أبوجا تواجه نشاطًا إرهابيًا متناميًا، وأن مصر تدعمها في مواجهة هذا التهديد، واصفًا الدور المصري بأنه نشط وبناء وفعال في القارة الإفريقية.
ونوه حليمة بأن هذا الدور لا يقتصر على نيجيريا فقط، بل يمتد إلى منطقة الساحل أيضًا.
وأضاف “حليمة” أن مصر تعمق علاقاتها الأمنية مع دول إفريقيا لما تمتلكه من قوة تسليحية كبيرة وخبرة في مكافحة الإرهاب.
وبين أن الدول الإفريقية تلجأ إلى مصر للحصول على خبرات عسكرية، وهو ما يزعج إثيوبيا.
خطوات مصر لحماية أمنها المائي
وقال مساعد وزير الخارجية الأسبق، فيما يتعلق بالحل العسكري مع إثيوبيا، إنه يجب التوصل إلى اتفاق عادل بشأن ملء وتشغيل سد النهضة.
ونوه بأن إثيوبيا بعد 13 عامًا من المفاوضات، لم تتزحزح عن موقفها المتعنت، مما تسبب في فشل المفاوضات، ما أدى إلى إرسال مصر شكوى إلى مجلس الأمن لإبلاغه بالوضع، مؤكدةً أنها ستتخذ أي إجراء لحماية أمنها المائي.
وأوضح “حليمة” أن مصر تمتلك حق الدفاع الشرعي عن النفس بعد أن استنفدت كل الوسائل السلمية في التعامل مع سد النهضة.
وكشف أن الأنهار بين إثيوبيا والصومال “نهري جوبا وشبيلي”، أقامت الأولى سدودًا عليها، في تصرف أحادي ومنفرد أضر بالصومال، كما أنشأت 4 منافذ من خلال الصومال على المحيط الهندي والآن تسعى لوجود منفذ بحري على البحر الأحمر.
مرحلة جديدة في القرن الإفريقي
وأشار الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إلى أن التحالف بين مصر والصومال يستند إلى اتفاقية الدفاع المشترك بين البلدين.
وأوضح فهمي في تصريح خاص لمنصة “MENA” أن الهدف المصري يتمثل في دعم القوات العسكرية للصومال، والمساهمة في حفظ السلام وبناء مؤسسات الدولة الصومالية.
وذكر فهمي أنه لم يتم بعد تحديد الأعداد التي سيتم إرسالها إلى الصومال.
ولفت إلى أن الاتفاق العسكري المشترك يهدف إلى إعادة تمركز القوات المصرية في الصومال، وتدشين مرحلة جديدة في العلاقات بالقرن الإفريقي.
وأضاف أن الصومال الآن تتألف من كيانين، إذ تعتبر صوماليلاند ذات أهمية استراتيجية رغم عدم الاعتراف بها، وهناك دول تسعى لإقامة تعاون مشترك معها.
فزع إثيوبي
أكد فهمي أن إثيوبيا تشعر بالقلق والخوف من الوجود المصري في الصومال، مشيرًا إلى أن هناك رسائل غير معلنة تُرسل إلى إثيوبيا، مفادها أن مصر تمتلك إمكانيات وقدرات كبيرة في هذا المجال، وأن الرسالة وصلت إلى إثيوبيا.
ولفت إلى أن تحركات مصر تركز على النقاط الاستراتيجية ودول حوض النيل.
وأشار فهمي إلى أن جميع الخيارات مفتوحة، خاصة مع بدء إثيوبيا المرحلة الخامسة من ملء سد النهضة.
وواصل بأن مصر تنتظر رد مجلس الأمن لتحديد الخطوات التالية مع إثيوبيا، مشددًا على أن القاهرة لا تستبعد أي خيار عسكري ضد أديس أبابا نظرًا لما تمثله من تهديد للأمن القومي والمائي لمصر.
واختتم بأن التحركات البحرية المصرية في البحر الأحمر تشكل جزءًا مهمًا من الاستراتيجية لحماية الأمن القومي المصري في الفترة المقبلة.
جبهة البحر الأحمر
أوضح الدكتور حامد فارس، أستاذ العلاقات الدولية، أن جبهة البحر الأحمر والقرن الإفريقي تعتبر من أخطر الجبهات التي تهدد الأمن القومي المصري.
وأكد فارس في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” أن هناك أهمية استراتيجية متزايدة تدفع مصر إلى عقد العديد من الاتفاقيات العسكرية مع الدول الإفريقية.
وأشار فارس إلى التجارب الناجحة التي قامت بها مصر مع بعض الدول الإفريقية، مثل مشروع التعاون العسكري الكبير الذي أُقيم في 26 مارس 2015 في مدينة شرم الشيخ، بمشاركة 26 وزير دفاع إفريقي.
وأضاف “فارس” أن هناك عوامل متعددة تدفع القاهرة إلى إقامة شراكات حقيقية مع دول إفريقيا.
ولفت إلى القلق الإثيوبي نتيجة تعاملها الخاطئ مع مصر في ملف سد النهضة، إذ اتخذت إثيوبيا العديد من الإجراءات أحادية الجانب، مما أدى إلى تزايد التعنت في الإضرار بمصر.
وأوضح أن مصر تسعى لتنفيذ مبدأ “لا ضرر ولا ضرار”، إلا أن إثيوبيا ترفض توقيع اتفاق قانوني ملزم حول كيفية إدارة السد خلال سنوات الجفاف والجفاف الممتد.
مصالح مصر والصومال ونيجيريا
وشدد فارس على أن التحركات المصرية نحو التعاون العسكري مع الصومال ونيجيريا لا تستهدف أي جهة بعينها، بل هي خطوة تؤكد أن القاهرة ملتزمة بالدفاع عن أمنها القومي في ظل رغبة إثيوبيا في تحقيق مصالحها على حساب أمن واستقرار الدول الأخرى
وبين أن هذه الرغبة ظهرت بوضوح في الفترة الأخيرة، خاصة من خلال توتر العلاقات بين إثيوبيا والصومال بعد محاولة إثيوبيا إقامة قاعدة عسكرية على البحر الأحمر، وهو ما يُشكل تهديدًا لأمن الملاحة، وهو ما لن تسمح به مصر.
وقال إسلام فكري، الباحث السياسي في المركز العربي الأفريقي، إن التحالف مع الصومال يمثل خطوة هامة لحماية الأمن القومي المصري.
وأوضح في تصريحات خاصة لمنصة “MENA” أن إثيوبيا تسعى للتوسع على الخط الصومالي للوصول إلى مياه بحر العرب وباب المندب، مما يستدعي تحرك القاهرة لحماية أمنها القومي والمائي وحماية الصومال أيضًا.
وأكد فكري أن مصر تمتلك خبرات قوية في مكافحة الإرهاب، وقدرتها على نقل هذه الخبرات إلى الصومال، لا سيما أن لديها قدرات تسليحية كبيرة.
وأضاف أن التعاون بين البلدين لا يقتصر على المجال العسكري فقط، بل يمتد إلى تنفيذ مشروعات تنموية في الصومال.
وأشار إلى أن مصر تتعاون أيضًا مع نيجيريا في مجال مكافحة الإرهاب، وتهدف إلى تعميق أطر التعاون مع دول إفريقيا.
أبي أحمد يواجه معارضة داخلية بسبب مصر
وكشف فكري عن الأزمة التي يواجهها رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد في الداخل، مؤكدًا أنه يحاول إقناع المعارضة بأن الوجود المصري في الصومال يمثل تهديدًا لهم.
وختم بأن أبي أحمد أساء فهم صبر مصر منذ بدء المفاوضات حول سد النهضة، مما جعله يتفاجأ بالوجود العسكري المصري في الصومال.
اقرأ أيضًا:
إثيوبيا ومسلسل سد النهضة.. هل لمصر خيارات قانونية تنقذ حصتها من المياه؟
جهود مصرية مستمرة لوقف إطلاق النار في غزة رغم الضغوط الاقتصادية والتعنت الإسرائيلي
الترابين.. قصة قبيلة انتمى إليها «العرجاني»