الشارع المصري
وسام حمدي
لُغز اختفاء الأدوية في مصر ونية حكومية لرفع الأسعار
قبل 3 سنوات أُصيب محمد غريب،42 عامًا في محافظة الاسماعلية – بمرض السكري من الدرجة الثالثة، وصف له الطبيب عقار “GLimet” جليمت، حيث يتجرع قرص بشكل يومي حتي تستقر معدلات السكري ولا تتجاوز الحدود الآمنة و نصحه الطبيب بالبعد عن النشويات والسكريات وطلب منه فحص دوري كل 6 شهور. يقطع “غريب” 3 ساعات اسبوعيًا سفر حتي يصل إلى شوارع القاهرة بحثًا عن جرعة الدواء في الصيدليات، وبالأخير يشفق عليه الدكتور “بيتر” بإحدي صيدليات رمسيس بعد أن تردد عليه مرات عديدة خلال الشهور الفائتة٬ ويوفر له شريط واحد شهريًا.
ورغم أن علبة الدواء تتكون من 3 أقراص بسعر 51 جنيهًا، إلا أنه يعوض الأيام التالية بالبديل المستورد ” تراجنتا 5 ملجم” الذى جاوز سعره 400 جنيه ما لا يطيقه “غريب”. “غريب” ليس وحدة ولكن ضمن ملايين المصريين الذين يبحثون عن جرعة دواء ويعودون “بُخفي حنين” وبالأخير وقعوا أسرى لشركات الدواء التي تُبرر طلب الزيادة بأن كُفلة الإنتاج جاوزت الـ100% وأن خسائرها تصل إلى 50%٬
بحسب الدكتور على عوف، رئيس شعبة الدواء بالغرف التجارية، فيما اعتبر الحقوقي محمود فؤاد، المدير التنفيذي بجمعية الحق في الدواء، بأننا أمام كارثة نقص الدواء الذي زادت أسعاره من 20 إلى 60% خلال 2023 ما يهدد الأمن القومي المصري،
كما أن الحق في الدواء جزء لا يتجزأ من الحق في الصحة التي أقرته المواثيق الدولية باعتباره ضمن حقوق الإنسان.
للمرة الثالثة على التوالي، اجتمع رئيس الحكومة بشركات الأدوية بُغية الوقوف على أطراف أزمة الدواء التي أدت بتفاقمها إلى ظهور طوابير في شوارع العاصمة بحثًا عن جرعة دواء، والمعلومات المتواترة تشير إلى عدم رضا شركات الأدوية على تسعير الدولار الجمركي بقيمته الحالية،
كما أبدت عن رغبتها في زيادة الأسعار بنسب لا تقل عن 50% حتي تستطيع استيراد المواد الخام، التي توقفت عن استيرادها بسبب الدولار الجمركي المسعر بـ 47 جنيه في فترة لا تقل عن ثلاثة شهور.
لُغز اختفاء الأدوية في مصر ونية حكومية لرفع الأسعار
“هيئة الدواء المصرية” ليست على المستوى المطلوب في إدارة الأزمة من حيث مواجهة أطماع الشركات، فاتخذت “الهيئة” عدة تدابير تُثير علامات استفهام كبري، بداية من مخاطبتها للشركات بتحديد الأصناف المراد رفع أسعارها ما سمح لهم في رفع أسعار الأصناف التي تحقق لهم أرباح مضاعفة مثل المكملات الغذائية وليست الأدوية الحيوية التي يحتاجها السوق والمريض المصري مثل أصناف «الضغط والسكرو الكبد» التي لازالت غير موجودة. كما دفعت -خطوة هيئة الدواء أيضًا الشركات على تخزين الدواء في المخازن انتظار لتطبيق الزيادة ومن لم يُخزن خفّض الخصم إلى الحدود الصفرية بدعوي انتظار الزيادة، وكانت النتيجة النهائية في الأدوية التى توفرت بأنها أقل أهمية وتصل نسب النواقص لألاف الأصناف وطالت اختفاء مجموعات كاملة.
مثل أدوية الكونكور للضغط والأصناف الحيوية كلها نواقص والأدوية الفوارة بكل أنواعها غير موجودة والأورام والسكر، بحسب الصيدلي “ياسر خاطر” عضو مجلس إدارة جميعة الحق في الدواء. حري بالذكر تُشير أرقام هيئة الدواء المصرية بارتفاع عدد المصانع المرخصة من 130 مصنع في 2014 إلى 191 العام الجاري٬ كما ارتفعت خطوط الانتاج من 500 إلى 799 خط إنتاج، كما يتم إنتاج 94% من الدواء في السوق الدوائي المصري٬ ويتم استيراد 6% أدوية والأكثر خطورة أنه يتم استيراد 95% من المادة الخام ومستلزمات الإنتاج التي بلغت فواتيرها نحو 751 مليون دولار في الربع الأول من 2024، في حين بلغت قيمة الواردات نحو 3.6 مليار دولار في 2023، بحسب بيانات نشرة التجارة الخارجية.
اقرأ أيضًا:
جهود الوساطة المصرية لوقف حرب غزة
التحكيم الكروي المصري أزمات تنتظر الحلول وجدل لا ينتهي
خطة الحكومة المصرية لتعزيز انخراط الشباب في العمل السياسي
التبادل التجاري بين مصر والخليج..شريان إنعاش للاقتصاد المصري
لُغز اختفاء الأدوية في مصر ونية حكومية لرفع الأسعار
يبرر الدكتور على عوف، رئيس شعبة الأدوية بالغرف التجارية، طلب الزيادة:
نعاني من ارتفاع تكلفة الإنتاج رغم توافر الدولار الجمركي بسعر 48 جنيه مع العلم أن هناك أصناف مُسعرة على الدولار بـ31 جنيه فقط، وهنا نبحث عن التعويض خاصة أن كل علبة يتم إنتاجها نخسر من 20 إلى 30% فالخسائر كبيرة على الشركات لن تستطيع تحملها خاصة أن التكلفة زادت بنسب تصل إلى 100% من خلال رفع رواتب الموظفين من ألفين و500 جنيه إلي 6 آلاف جنيه كحد أدني للأجور علاوة عن مدخلات الإنتاج من الكهرباء والبنزين.
ويضيف “عوف”: نعاني كدولة من ثقافة الأسماء التجارية ساعد على ذلك غواية أطباء بعكس العالم كله وهذا ما دفع الشركات عندما خاطبتها« هيئة الدواء» بتحديد الأصناف المراد رفع أسعارها، قدمت الشركات الأسماء التجارية لأن توافرها يعكس تواجد الأدوية في الصيدليات. ولكن يبقى الاسم العلمي هي الحل، ونطالب برفع نسب عادلة لصناعة الدواء تصل إلى 50% والحكومة وافقت على متوسط 25%، بدأت تحدث بوادر انفراجه للأصناف في السوق خلال الأسابيع القادمة، وستتلاشي خلال شهر ونصف لكن لن تختفي الأزمة لأنه لا يوجد دولة في العالم بدون نواقص.
في بيان صادر عن جمعية الحق في الدواء، انتقد تصريحات رئيس مجلس الوزراء بأن الدواء الأرخص 50 مرة في العالم لأنه تم تحريك أسعار الدواء عبر لجان تسعير متتالية الدواء منذ بداية 2023 نتج عنه تحريك أكثر من ألف صنف بنسب تراوحت بين 25% إلى 60% على اعتبار أن هذ الأصناف تواجه خسارة.
ويرد “المدير التنفيذي لجمعية الحق في الدواء”: خلال العاميين الماضيين، عانت مصر من ظاهرة نقص الأدوية لاعتمادنا على استيراد 90% من المواد الخام وبسبب الأزمة الاقتصادية وتذبذب أسعار الصرف سبب تراجع في وجود عشرات المئات من الأصناف الحيوية، حتي طالت الأزمة الأصناف التي تعتبر “منقذة للحياة” أو الأصناف بسيطة التصنيع في مصر سواء الأدوية المثيلة “الجينريك” أو البديلة، حتي أصبحت هناك طوابير يومية ممتدة في صيدليات الشكاوي بوسط العاصمة وعواصم المحافظات.
يضيف” فؤاد”: قرار التسعير غير عادل وغير مبني على أسباب علمية ما يدخل بالدواء المصري إلى “مطرقة وسندان الشركات” التي تتحكم في سياسات العرض والطلب وتجعل منه”سلعة” تباع لمن يستطيع في حين لاتحرك الحكومة ساكنًا مع العلم أن تعداد مصر جاوز الـ105 مليون نسمة 63% فقط له تأمين صحي بالنظام القديم وهناك ملايين هم الأكثر احتياجًا لجرعة الدواء٬ وتحذر «جمعية الحق في الدواء» من خطوره زيادات متوقعة كبيرة.
خضعت مصر للتسعير الإجباري منذ عشرات السنوات بقرار من وزير الصحة بنظام “التسعير الأقل للدول المجاورة” وفقًا للقرار 413 لسنة 1991 الذي يعتمد على حساب «التكلفة وهامش ربح شركات التوزيع ثم الصيدليات ثم الأرباح» وفقًا للتسعير الإجباري الذي بدء عام 1988 حيث ذهبت مصر لتسعير الدواء وفقًا لأرخص سعر في دول المرجعية٬ التي حددتها منظمة الصحة العالمية بـ 36 دولة مع ملاحظة أن الدوله المرجعية هي الدول الصناعية الكبري.
ويضيف “خاطر”: كارثة قرار الدكتور أحمد عماد وزير الصحة آنذاك حيث صدر القرار 499 لسنه 2014 الذى أنهى بشكل رسمي مفهوم التسعير الجبري للأدوية لأنه سيؤدي لارتفاع الدواء البراند والمثيل وهو نظام ليس موجودًا في دول العالم الصناعي الكبري كما ساهم القرار في تشويه منظومة التسعير٬ حيث أصبح هناك صنف واحد للدواء بثلاث أسعار، وضرب أكتر من 80 ألف صيدلية وزاد من معاناتها.
كما تغول على قانون التسعير الجبري ما أدى لخروج ما يقارب من 3 آلاف صيدلية حتي الآن خلال الشهور الستة الماضية٬ لعدم قرته على مواجهة الفارق في الأسعار بأن الصيدلي بيع الدواء بسعر ثم يعاود شراؤه بثلاثة أضعافه، ومع زيادة عدد الأصناف ما يدفع بالخروج من الخدمة.
يؤكد “خاطر”: تطبيق الإسم العلمي سيقلل الأزمة وسيساهم بوضع حل يرضي جميع الأطراف بداية من المريض، وصولا للحفاظ على اقتصاديات الصيدليات من الانهيار، كما سيوفر الملايين المهدرة التي يتم توفيرها لانتاج الـ12 مثيل للدواء، ويكفي أن يوفر منتج أو اثنين أو ثلاثة من كل صنف وستساهم في حل المشكلة بحل جذري. مع العلم أن الحكومة نفسها تحاول أن تطبق الاسم العلمي في منظومة التأمن الصحي،
وتأتي فكرة تطبقية في الصيدليات الخاصة لست صعبة ولكن هناك مصالح مختلفة تجعل تصريحات المسئولين بشكلٍ غير مباشر وكأن هناك تخوفات غير معلنة وذلك لارتباطها بمصالح مختلفة وهنا نحتاج لقرارات حاسمة٬ وخاصة في الأزمة الطاحنة بضبط عملية كتابة الأدوية العشوائية أو التي ترتبط بالمصالح. فالنواقص هذة الفترة باتت ضخمة حتي طالت أن نجد مجاميع أدوية متكاملة ناقصة، مثل مجموعة المضاد الحيوي امكسولين وكلافيونك – لم نشهدها من قبل – ما يهدد فكرة تطبيق الإسم العلمي نفسه.
ويبقي التحدي هو توفير منتج أو اثنين من كل كل مادة علمية موجودة وليس الــ12 مثيل.
أحمد سبع – الباحث في ملف الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، مشكلة الدواء معقدة جدًا في مصر٬ خاصة أن هناك نظام تسعير تفرضه الحكومة وفي نفس الوقت الشركات هي التي تتحكم في السوق بشكل مباشر، فبالتالي قد تمتنع عن إنتاج أصناف معينة معللة ذلك بعدم جدواه الاقتصادية أو انخفاض هامش الربح٬ وبالتالي تتناقص الأدوية وتحدث أزمة في السوق الدوائي ما يمثل ضغط على وزارة الصحة وتكون النتيجة رفع أسعاره وعدم وجوده.
يضيف”سبع”: الأرقام الرسمية تشير أن التأمين الصحي يغطي أدوية نحو 63% علاوة عن تغطية 5 مليون أخرين عن طريق منظومة التأمين الصحي الشامل٬ بخلاف نظم التأمين الصحي الخاصة ما يشير أن من المفترض أن تكون الأدوية مغطاه من خلال هذه النظم التأمينية التي لا توفر الأدوية في الواقع العملي ما يدفع المرضي لشراء أدويتهم من الصيدليات الخاصة بأسعار مرتفعة٬ بل ولم تجدها وهنا نفترض إذا كانت النظم التأمينية مُفعلة بشكل جيد وصرف الأدوية بيتم بشكل يتناسب مع احتياجات المرضى٬ فبالتالي يكون لدينا في هذه اللحظة قوى شرائية كبيرة للنظم التأمينية التي تتعاقد على الدواء وتستطيع فرض أسعارها٬ لأنها ستكون أكبر جهة تشترى أدوية لكن الدفع من جيوب المواطنين أغلبه يكون في منظومة الأدوية.
يواصل “سبع”: لدينا مشكلات أخري مثل صرف الأدوية بدون روشتات وبالتالي يأخذ المواطنين أدوية لا حاجة لهم بها٬ وتشجعهم الصيدليات والأطباء وشركات الأدوية بخلاف فارق الجودة بين المستورد والمحلي ما افقد الثقة للمنتج المحلي، وهنا نحتاج خطة متكاملة تشجع الاستثمار في قطاع الدواء على المستوي المحلي وضع الحكومة والدولة في دور الجهة المسئولة عن ضبط السوق وضمان فاعليته وإداراته وتوفير المواد اللازمة للاستيراد،
وأخيرًا إذا كان دور هيئة الدواء هو اتاحة الدواء بسعر يتناسب مع القوة الشرائية للجمهور ويغطي احتياجاتهم فأدائها غير كاف. لُغز اختفاء الأدوية في مصر ونية حكومية لرفع الأسعار
بعد وقف استيرادها.. متى يَهْنأُ ذوو الهمم بسياراتهم؟ تصاعدت أزمة سيارات ذوي الهمم بعد إعلان الحكومة وقف استيرادها، إذ ألقى هذا
محمد الإمبابي
رحلة لـ منصة “MENA” في قلب العالم الموازي لصناعة الدواء في مصر كيف يصنع الدواء من ماكينات الحلوى؟ مصانع “بير السلم” تبيع الأدوية على
محمد مصطفى
رسائل مصر إلى إثيوبيا ودور الإمارات في قضية سد النهضة بعد تسارع التحركات الإثيوبية المتعلقة بسد النهضة وإنشاء قاعدة عسكرية وميناء
أيمن مصطفى
جميع الحقوق محفوظه ©2024